التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

 

بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء!
أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie, 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت من الحاكم المنتظر للمملكة إلى جزءٍ من أملاك دولته, غير أنَّ هناك أشخاصًا آخرين كانت لهم آراء مغايرة, فالبوسنة ليست إلا جزءٌ من أراضي صربيا, وكنوع من الكفاح الوطني تشكَّلت جمعيات سرية, تغلبُ عليها صفة التطرف والشوفينية, لمحاولة تغيير هذا الوضع على الأرض, كان الخطُّ السلالي للنمسا ضعيفًا ومهزوزًا بعد أن تنازل وليُّ العهد عن أحقية نسله في الخلافة نظير السماح له بالزواج من "صوفي" التشيكية الأصل, والتي لم تكن تنتمي إلى أصل نبيل, كانت الأحوال في أوروبا في بداية القرن العشرين مختلفة تمامًا عما هي عليه الآن. أخيرًا وصل الزوجان الملكيان إلى عاصمة الإقليم, وكان معارضو هيمنة النمسا والمجر على البوسنة في استقبالهم, بمجموعة مختارة من أبرع القتلة وبمؤامرة مطبوخة بمهارة, في نفس اليوم, وبترتيبات أمنية بائسة, كان سببها التخوُّف من نشر قوات كبيرة داخل الإقليم الملتهب. بدأت الرحلة الأخيرة للوريث المنتظَر للعرش النمساوي, وصلَ إلى المدينة, رفقة زوجته, في العاشرة صباحًا, وبعد عشر دقائق, بينما كان الموكب يقطع شارعًا رئيسيًّا رمَى أحدُ أعضاء خطة الاغتيال بقنبلةٍ تجاه سيارة الزوجين الملكيّين, أخطأت القنبلة هدفَها, وارتدَّت لتصيب سيارة خلفها, وأصيب أكثر من عشرة أشخاص, واستكمالًا لسوء الحظِّ فشل "كابرينو فيك, ملقي القنبلة في الانتحار, فلم يكن السيانيد الذي ابتلعَه صالحًا, وكان عمق نهرِ ميلياتسكا منخفضًا جدًّا بسبب الحرارة المرتفعة ونسبة التبخُّر العالية, وبدَا أن كلَّ شيء سيكون على ما يُرام, وأنَّ الخطة باءت بالفشل, وعلى امتداد بقية الشوارع, وحتى دار البلدية, كان هناك عدة قتلة يترصدون الموكب, غير أنَّ أحدًا منهم لم يكنْ في وضعٍ يسمح له بإصابة الأرشيدوق أو زوجته إصابة مباشرة, وكان من الجليِّ أنَّ الأمير قد نجا بحياته لهذا اليوم, وتمت زيارة الأمير إلى دار البلدية على خير, وخرج هو زوجته مقررًا أنَّ من الواجب عليه زيارة ضحايا القنبلة, الذين تمَّ نقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاج, ونتيجة لذلك تم تغيير خطِّ سيرِ الموكب, وحصل تخبط أدَّى إلى فشل السائقين في الاتفاق على شارع محدَّد يعبرون منه, وعند تقاطع الجسر اللاتيني تحركت ثلاثُ عربات, آخرها كانت عربةً تحمل الزوجين الملكيين مع حاكم سراييفو, لكن الاتجاه كان خطأ وتنبَّهت العربتان الأوليان واستدارتَا لتعودا, وأعطيت إشارة إلى سائق عربة الأرشيدوق, فاستدارَ بدوره ليضع نفسَه مباشرة أمام أحدِ القتلة الصرب المختبئين؛ شابٌّ تعيس, زريّ الهيئة, يبدو مصابًا بمرضٍ عضال, عمره تسعة عشَر عامًا, واسمه "جافريلو برينسيب", فانتهز الشابُّ الفرصة التي جاءته على غير انتظار, وقفزَ مباشرة واعتلى جانبَ السيارة وأطلق الرصاصَ مباشرة فأصاب الأرشيدوق وزوجته, وحاول تاليًا الانتحارَ بإطلاق النار على نفسه, لكن خطته الصغيرة الأخيرة فشلتْ وألقيَ القبض عليه. بحلول الحادية والنِّصف من صباح هذا اليوم كان الزوجان قد ماتَا, ماتت "صوفي "أوَّلًا على ساقي زوجها, ولحق "فرانز" بزوجته بعد عشْر دقائق وحسب من موتها, وخلالَ ساعات كان نعيقُ الحرب ينعق فوق أوروبا داعيًا النمسا إلى الانتقام من صربيا, وروسيا إلى مناصرةِ الأخيرة, وانشقَّ العالم كتلتين متحاربتين في أول حرب عظمى عرفَها العالم. صرَّح القاتل أنه لم يكن يقصد قتلَ "صوفي", بل أراد قتلَ الأمير وحاكم سراييفو وحسب. أخيرًا يعدُّ هذا الحادث أكثرَ حوادث الاغتيال كلفةً في التاريخ, إذ كبَّد العالم نحوَ عشرة ملايين من القتلى وضعفهم, وربَّما أكثر من الجرحى, غير الخسائر المادية الهائلة.
إنه حقًّا واحدٌ من أكثر أخطاء التقدير والحكم على الأمور فداحةً في الثمن !

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...