التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مَن قتلَ ملك الميروفنجيين الأخير ؟!

 

"داجوبرت الثاني"  Dagobert II  

إنَّه واحدٌ من أقدم الألغاز في التاريخ, وأوائلِ الجرائم التي لم يستطع أحدٌ حلها!

ارتقى "داجوبرت الثاني"  Dagobert II عرشَ مملكة الميروفنجيين Merovingian، الذين حكموا القبائلَ الفرانكية, الفرنجة أو الفرنسيين لاحقًا, لمدَّة ثلاثة قرون, عام 675م بعد فترة اضطرابات ونزاعاتٍ على العرش, تضمَّنت نفي "داجوبرت" نفسِه إلى أيرلندا, لكنه أعيدَ لاحقًا تحتَ ضغط المخاوف من حربٍ شاملة لحسم الصراعِ على العرش الفرانكي الممزَّق, لكن "داجوبرت" لم يهنأ بعودته, أو باسْترداد ملكه؛ إذْ كانت نهاية بشِعَة, وملفوفةٌ بالألغاز تنتظره!

تاريخيًّا, فإنَّ المواد المتوفرة حولَ فترة حكم "داجوبرت الثاني"- التي لم تدمْ إلّا خمس سنوات أو أقل- ضئيلةٌ ومتناثرة, ويبدو أنَّ الصراعات استمرتْ في عهده, وأنه كوَّن لنفسه عددًا لا بأس به من الأعداء, ويبدو أنَّ بعضَ الدوقات كانوا ناقمين على حكمه, لكنْ مَن هو الحاكم الذي لا يوجد ساخطون يتمنون التخلصَ منه! وإذا كان الأمرُ كذلك فإننا يمكن أن نتفهَّم عمليةَ اغتيال "داجوبرت" نفسها, لكن من الصَّعب معرفة السر وراء (القتل الطقوسي) الغامض الذي تمَّ حياله!

اغتيلَ "داجوبرت" في غابة ووفرز, التي تقع في مدينته ستيناي, أثناءَ قيامه بالصيد هناك, وكان هذا يومَ 23 ديسمبر من عام 679م. كان موتُه عاصفًا وسريعًا؛ طعنة رمحٍ من عينه بيد أحدِ خدمه المخلصين المقرَّبين, مات الملكُ في حادث اغتيال سياسيٍّ مدبَّر, لكن لماذا يعتبر هذا الاغتيال مختلفًا عن سائر الاغتيالات المشابهة؟!

ما سببُ الشّق في جمجمةِ آخرِ ملوك الميروفنجيين؟ أهوَ طقسٌ أم سحرٌ أم شيء آخر؟!


أوَّلًا: فإنَّ القتلةَ لم يكتفوا بالطعنة الغادرة التي قضت على ضحيتهم, بل قاموا بثقبِ جمجمته بعد موته بشكلٍ معيَّن Trepanation, شكل مميَّز يوحي أنَّ للثقب أهميةً طقسية, وليس مجرد عملية تشويه رفاتٍ انتقامية اعتيادية. إنها واحدةٌ من الجماجم القليلة التي توجَد فيها هذه العلامة المحيرة, وبرغم أن قتلة "داجوبرت" عملوا على محْو سلالته, وقتلِ عائلته بعيدَ موته السريع, إلا إنَّه من الواضح أن شيئًا ما قد أفلتَ من بين أيديهم, فلم يتمكنوا من محو ذكري الملك المقتول أبدًا.

الغريبُ أن يُخلد ملك قليلُ الأهمية نسبيًّا مثل "داجوبرت" في قصيدة خاصَّة في زمن يبعد كثيرًا عن الزمن الذي عاش وقتل فيه, القصيدة معروفة بعنوان:

de sancta dagoberto martyre prose

 وتعودُ زمنيًّا إلى العصور الوسطى, ولكنْ ربما كان بداية ظهورها أقدمَ بكثير, إنَّ تخليد "داجوبرت" شعبيًّا غامض, لكنَّ تقديسه من قبَل الكنيسة, ورفعَه إلى مرتبة القديسين بدون مبرر واضح؛ لهو أكثرُ غموضًا بكثير!

تخضع عمليةُ التطويب Beatification, أي: رفع شخصٍ ما إلى مرتبة القديسين في الكنيسة الكاثوليكية؛ لقواعدَ عديدةٍ وصارمة, فيجب أن يكون (المرشَّح) شخصًا صالحًا عكفَ حياته على عبادة الله وخدمته بإخلاص, وأن يكون قد مرَّ على موته خمسُ سنوات, وأن تكون قد تحقَّقت على يديه معجزتان على الأقل؛ شفاء مرضى أو شيء مُشابه, والآن ما درجةُ انطباق هذه الشروط على "داجوبرت" سيِّئ الحظ ليتمَّ تطويبه قديسًا عام 872 م؟! ليس في اجتماع علنيٍّ تُستعرض فيه دلائل قداسته, بل في اجتماع سرِّي لكرادلة الكنيسة؟!

هذا لغزٌ في حد ذاته, وبرغم الرَّبط الأسطوري بين جثة الملك القتيل وبين ما يقال عن حمايتها للمنطقة التي دُفنت فيها من هجماتِ قراصنة الفايكنج الوحشية, لكنْ يُلاحظ أنَّ هذه الادعاءات غير المدعومة بأدلَّة وبراهين مؤكدة لا يؤخَذ بها أبدًا في التطويب الكنسي المعتمد!

يحتفل بعيد القديس "داجوبرت" يوم 23 ديسمبر, وثمة طائفة كاملة تتَّخذ منه رمزًا لها, القصيدة التي خلَّدته تتضمن إشارةً غامضة إلى أنَّ موته لم يكن اغتيالًا عاديًّا, أو بسبب أطماع سياسية, بل كان "داجوبرت" ضحية مقدَّسة سُفك دمُها لأجل غرض أهمِّ بكثير من الظاهر!

فلأجل أيِّ شيء قُتل "داجوبرت" غدرًا؟! وما السرُّ خلفَ قصة موته وتخليده الغامضة؟!


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...