قضية
غامضة، زوجين قُتلا بطريقة بشعة، رجل وامرأة، ولمدة أربعين عاما بقي قبرهما بدون
هوية، ولكن حتى بعد أن تم تحديد شخصياتهما بصعوبة بالغة، فإن الألغاز المحيطة بهما
لم تنتهي بعد، بل ظهر لغز جديد ومحير : فأين الطفلة .. أي طفلة ؟!
ابنة
مفقودة، طفلة لم يرها أحد أو يسمع عنها لأربعة عقود، هل ماتت، هل قُتلت مع
والديها، هل فُقدت ؟!
وأخيرا
يتم حل اللغز، لكن تبقي القضية غامضة.. والحل النهائي لم يظهر بعد !
إنها
قضية " تينا ودين كلاوس " .. التي لا تزال قيد التحقيق منذ أثنين
وأربعين عاما !
...
البداية
كانت مرعبة وقاسية ووحشية، ففي يوم 12 يناير عام 1981م كان هناك رجل يتجول مع كلبه
في منطقة أحراش ومستنقعات تقع في مقاطعة هاريس بولاية تكساس الأمريكية، وفجأة راح
الكلب يتشمم، ثم غاب لبضعة دقائق، وعاد بعدها وفي فمه صيد من نوع غريب ومرعب :
ذراع إنسان متحللة!
هرع
صاحب الكلب المذعور ليطلب الشرطة، وتم تفتيش المنطقة كلها، وفي النهاية وجدوا
جثتين متحللتين، لرجل وامرأة، المرأة ثبت أنها ماتت خنقا، أما الرجل فقد تم
تقييده وضربه على رأسه حتى الموت، وكلا الجثتين على بعد بضعة أقدام من بعضهما،
وكان هناك أدلة جرمية مادية أيضا في مسرح الجريمة: منشفة مليئة بالدماء وسراويل
رياضية ملقاة بالقرب من الجثتين !
كانت
الجثث قد تحللت، ولا يوجد أي شيء يشير إلي شخصية أصحابها، لا هويات أو رخص قيادة
أو جوازات سفر، أو خطابات أو وثائق مسجل بها اسم احدي الضحيتين، وقررت الشرطة
محاولة تحديد أسماء الضحايا عن طريق اعادة رسم ملامحهما، وقامت فنانة تعمل مع
الشرطة بوضع رسم أولي لوجهي القتيلين، لكن وبسبب مرحلة التحلل المتقدمة التي وصلا
إليها، فلم تكن الملامح واضحة أو كافية
للتعرف على شخصيات المجني عليهم .
تم
فحص بلاغات الغياب، لكن أي منها لم يتطابق مع أوصاف الضحايا، وبعد تحريات وتحقيقات
واسعة لم تتوصل الشرطة إلي أي دليل يخص الجثث التي العثور عليها، أو تحديد شخصية
القاتل، وبقيت القضية لغزا محيرا غير محلول .
وبعد
فشل كل المحاولات استسلمت السلطات، وأمرت بدفن الجثتين في مقبرة مقاطعة هاريس،
التي تم العثور على جثثهما في أراضيها .
ولمدة
ثلاثين عاما بعدها بقيت المقبرة التي تحمل الرفات المجهولة بلا اسم ولا هوية، وظلا
مجهولين تماما، لكن مع تطور تقنية الحمض النووي، ظهر مشروع أمريكي وطني لجمع عينات
الحمض النووي من المواطنين وسكان الولايات المتحدة، واستخدامها في مطابقة وتحليل
الأدلة المادية المحفوظة من قضايا قديمة لم تُحل أبدا، هذا المشروع الكبير يحمل
اسم كودوس Kudos، ولذلك تم استخراج بقايا جثتي قضية عام 1981
المجهولتين، بعد ثلاثين عاما من العثور عليهما، أي في عام 2011، وبعد استخراج الرفات
القديمة أُخذت منهما عينات الحمض النووي، وبعدها بدأت عمليات المطابقة والتحري عن
تطابقات مع أشخاص أحياء، في النهاية أثمرت الجهود بالوصول إلي امرأة تدعي "
ديبي بروكس" تطابق الحمض النووي لها مع العينة المأخوذة من رفات الرجل، وثبت
أنها أخته وأن اسم صاحب الجثة المجهولة هو " دين كلاوس"، وعثروا كذلك
على أقارب تطابقت عيناتهم مع حمض المرأة القتيلة، التي تم تحديد شخصيتها بأنها
زوجة " دين" واسمها " تينا كلاوس ".
ووفقا
لشهادة أقارب الزوجين فإنهما انتقلا إلي تكساس في عام 1980م، حيث وجد
"دين" فرصة عمل هناك، وظلا على اتصال مع عائلتيهما حتى شهر أكتوبر من
نفس العام، ثم أنقطع الاتصال، وبعدها ببضعة شهور تلقوا اتصالا من مجهولين أخبروهم
أن لديهم معلومات عن " دين وتينا"، وكذلك معهم سيارة الزوجين الحمراء،
وعرضوا تزويد العائلة بالمعلومات واعطائهم السيارة مقابل ألف دولار، والتقت عائلة
" دين" بمجموعة غريبة من الناس في دايتونا بولاية فلوريدا، ومنهم امرأة
تسمي نفسها ( الأخت سوزان )، والتي أخبرتهم أن " دين" وعائلته انضموا
إلي جماعتهم الدينية، المدهش حقا هو موقف السلطات الأمريكية التي رفضت البحث عن
الزوجين المختفيين، حين مرت شهور طويلة دون وصول أى معلومات جديدة عنهم، وتقدمت
عائلتيهما بشكوي وطلب للبحث عن " دين " وزوجته، وتم اعلان أن الزوجين
قررا عدم الاتصال بذويهم بارادتهم، أى أنهم أرادوا الاختفاء والابتعاد عن
عائلاتهم.
لكن،
وبعد ثلاثين عاما ثبت كذب هذا الزعم، وتأكد أن " دين وتينا" قتلا معا
بطريقة وحشية .
لكن القصة لم تنتهي عند ذلك الحد، لأن أخت الرجل
المقتول أخبرتهما أنه كان لديه هو وزوجته طفلة صغيرة قبل اختفاءهما، ابنة كان
عمرها عام واحد وقت العثور على جثة أبويها، لكن لم يكن هناك أي رفات أو بقايا لطفل
صغير في الغابة التي وجدوا جثتي " تينا ودين"، ولم يعرف أحد أي شيء
عنها.. فأين الطفلة اختفت " هولي ماري كلاوس " ؟
كان
هناك احتمالين : فإما أن الطفلة قُتلت مع والديها، وتم إخفاء جثتها الصغيرة أو
التخلص منها، وإما أن القتلة وفروا " هولي" وأخذوها بعيدا لسبب ما ..
لكن كيف يمكن ايجاد طفلة مختفية، إن كانت لا تزال على قيد الحياة، بعد ثلاثين عاما
كاملة ؟!
التحقيقات
في هذه القضية الغامضة مثال للإصرار على كشف الحقيقة، مهما بلغت الصعاب والتحديات،
فلم يكن هناك أي دليل عما حصل ل" هولي"، أو طرف خيط يرشد إليها .
المدهش
أن العثور على " هولي ماري" أصبح مشروعا وطنيا أمريكيا، وشارك فيه عدة
أطراف ومؤسسات، فقد تم توزيع صور الطفلة الأخيرة مع أبويها، قبل اختفاءهما، وصور
أخري تخيلية تعطي فكرة تقريبية عن شكلها بعد تقدمها في العمر، في كل مكان، عائلتي
الزوجين تبرعوا بعينات من حمضهم النووي لمواقع ومؤسسات تقوم بعمليات المطابقة على
أمل أن تتشابه عيناتهم مع عينة محفوظة عندهم، وكالعادة في هذه القضايا ظهرت نساء
كثيرات أدعين أنهن " هولي ماري"، وكانت الكثيرات منهم محتالات، أما بعض
النسوة اللائي كانت كلا منهن تشك في أنها ليست ابنة حقيقية للأسرة التي نشأت بينها،
فقد أثبتت عمليات المقارنة أنها لا علاقة لأى منهن بعائلة " كلاوس" .
الغريب
جدا في هذه القضية أنها بلغت مرحلة اليأس الكامل، فكل الألغاز بقيت بلا حل، ولم
يتم تحديد هوية قاتلي الزوجين، أو معرفة مكان طفلتهما الرضيعة، وأغلقت كل الأبواب
في وجوه الجميع، حتى حدثت مفاجأة مذهلة، فقد وجدوا " هولي ماري " أخيرا
وبطريقة مدهشة، امرأة في الثانية والأربعين من عمرها، متزوجة ولديها خمسة أبناء،
الغريب أن يوم اكتشاف مكان ابنة " دين وتينا كلاوس " المختفية كان يوافق
يوم عيد ميلاد والدها الحقيقي، واحتراما لخصوصيتها وحماية لها لم يتم إعلان اسم أو
عنوان " هولي" الحالي، الغريبة هو طريقة وصول الطفلة إلي عائلتها
الجديدة، لم يكن هناك أي شبهات في تورطهم في مقتل الزوجين من أربعين عاما، لكن كيف
حصلت العائلة على الطفلة ؟
لقد تبنوها من كنيسة تقع في أريزونا، وقد جاءت
بها امرأتان غريبتان، كانتا تلبسان أردية بيضاء وحافيتي القدمين، وأعلنتا أنهما
عضوتان في جماعة دينية متنقلة، وتركت المرأتان " هولي " الصغيرة واختفيتا،
ولم يعرف أحد حتى الآن من هما، وما علاقتهما بمقتل الزوجين والدي الطفلة !
القصة
الأكثر قبولا هو أن الزوجين راحا ضحية علاقتهم بجماعة دينية متطرفة، كانت فوق انتماءها الديني تحترف تجارة المخدرات وأمور أخري، ويبدو أن " دين" قرر أن يترك
الجماعة، لذلك تم قتله مع زوجته، والتاريخ الأقرب لوقوع الجريمة هو نوفمبر عام
1980، وهو نفس الشهر الذي وصلت فيه الطفلة " هولي ماري" مع المرأتين
الغامضتين إلي الكنيسة في أريزونا، وهذا يعني أنهما قتلا قبل العثور على بقاياهما
في الغابة بنحو ثلاثة أشهر .
بعد
العثور على الابنة المفقودة ركزت التحقيقات على محاولة الإيقاع بالقتلة وتحديد
شخصياتهم، وأجرت السلطات تحريات واسعة ، خصوصا وسط الجماعات والطوائف الدينية
الصغيرة والمنعزلة، لكن أربعين عاما مرت
منذ وقوع جريمة القتل، وعلى الأغلب فإن القتلة أنفسهم قد ماتوا، أو تقاعدوا بعد أن
بلغوا مرحلة الشيخوخة .
وهذا
يعني أنه قتلة " دين وتينا كلاوس" سيبقون مجهولين إلي الأبد، وحتى ظهور
أدلة جديدة، ولن تعرف " هولي ماري" من قتل والديها، ولا من هما المرأتين
اللتين أخذتاها بعيدا، واختفيتا بعد ذلك إلي الأبد !
تعليقات
إرسال تعليق