التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بتول : ماذا فعلوا بالشمس ( رواية مسلسلة ) الحلقة الثانية

 

  

دارت الأم في أنحاء البيت متوترة قلقة !

 لقد بلغت الساعة الرابعة عصرا ، ولم ترجع " بتول " أو تتصل بها ، وجميع المحاولات التي قامت بها الأم ، في المقابل ، للاتصال بابنتها باءت بالفشل .. هاتفها يعطي جرسا لكنها لا ترد ، هذا أفظع من أن تجد الهاتف مغلقا في وجهها ، هناك ألف تفسير مرضي لهاتف مغلق لا يصل صاحبه بأحد في العالم ، ربما يكون الشحن قد نفد ، أو أن الهاتف قد تعطل فجأة ، أو سُرق منها في الزحام مثلا ، وأول شيء يفعله سارقي  الهواتف المحمولة عادة هو أن يغلقوا الهاتف المسروق ، أو ينتزعوا البطارية كلها ، إن لم يكن لديهم معرفة أولية بطريقة إغلاق نوع معين من الهواتف .. لكن ما المبرر المطمئن لهاتف يعطي جرسا ولا يرد صاحبه ؟!

استبعدت تماما فكرة أن ابنتها لم تسمعها في وسط الزحام ، فهي قد أخبرتها ، قبل نزولها من البيت ، أنها مجرد وقفة احتجاجية صغيرة مع بعض الأصدقاء على سلم أحدي النقابات ، وأنها ليست مظاهرة بالمعني المعروف ، بل هي أقرب لفسحة ونزهة صغيرة مع بعض الأصدقاء ورفقاء المهنة  .. تركتها الأم تذهب ، ولم تخبر الأب شيئا .. لكن ها هو الأب قد عاد من مكتبه ، في الثانية ظهرا أي قبل ساعتين ، وسأل عن البنت ، ولما استمهلته الأم مقدمة له شتي المعاذير والمبررات ، قبل أن يتناول غدائه بدون وجود ابنته ، التي أكدت له أمها أنها ستكون في البيت بين دقيقة وأخري ، لكنه أكل بدون شهية ، وبقي معظم طبقه ممتلئا بالطعام .. ثم غسل يديه ، وذهب إلي غرفته ليدخن ، لكنه ظل يسأل عدة مرات في الساعة الواحدة :

-" هل عادت " بتول " ؟ "

فترد الأم بالنفي ووجها يزداد شحوبا ، وقلقها يتزايد مع كل نفي ترد به على زوجها .. ومما زاد من قلقها وتوترها أنها كانت تعرف أنها تكذب ، لم تخبره بما قالته لها ابنتها ، بل أكتفت بقولها أنها ، أي " بتول " ، في مهمة عمل صغيرة ، وسوف ترجع في موعدها .. فات موعد الفتاة الطبيعي ، وزاد توتر الأم ، ومعه زادت أسئلة الأب ، وغادر غرفته ليجلس في الصالون ، وهو يمسك هاتفه محاولا الاتصال بابنته .. نفس النتيجة التي حصلت عليها الأم من محاولاتها كانت من نصيب الأب ، ووجد هاتف ابنته مغلقا في وجهه .. هنا بدأ يقلق حقا ويفقد صبره ، إنه هادئ رزين ، ومتفهم إلي حد كبير ، ولولا ثقافته وتفهمه وحسن احتوائه لأبنائه ، خاصة " بتول " ، ما وجدت البنت كل تلك المساحة من الحرية ، التي تعطيها الفرصة لأن تفعل كل ما تشاء .. ارتبطت بوعد مع أبيها ألا تفعل شيئا من خلف ظهره ، وألا تخفي عنه أمرا من أمور حياتها ، فمنحها ، في مقابل هذا الوعد الموثوق ، مساحة كاملة من الحرية والثقة .. اختارت مجال دراسة لم يكن من ضمن طموحات الأبوين لابنتهما الوحيدة ، وعملت بمهنة تعتبر في محيط العائلة عملا غير مناسب لبنت ، لعروس يجب أن تبحث عن مهنة مأمونة ، مهنة تتيح لها الجلوس في الآمان على مكتب ، تعمل ما تجده وإن لم تجد فبها ونعم ، ويكفيها أن تتبادل الحديث مع الزميلات ، ولا مانع من تبادل الكلام مع الزملاء من الذكور ، خاصة إن كان فيهم من يصلح لكي يكون عريسا لها ، وتعود في موعد يومي محدد ، لتفرغ بقية طاقاتها في الوقوف بجوار أمها في المطبخ ، وتعلم صنع المحشي والمحمر والمشمر ، وتدخر راتبها لتشتري منه جهازها ، وتهيئ نفسها للزواج باكتناز قطع الثياب ، والملابس الداخلية ، والأواني الصغيرة ، ولا مفر من بعض قطع المشغولات الذهبية إن أمكن ، ثم تضع يدها على خدها بقية أيامها منتظرة العريس ، الذي سيأتي ليدق بابها لتبدأ في بيتها حياتها الجديدة الحقيقية ..خط مرسوم وسيناريو معتمد اختارت " بتول " أن تخرج عنه ، وتتمرد على مناظره الداخلية والخارجية .. انحرفت انحرافا شرعيا مقبولا ، واختارت مهنة متعبة وجالبة للمشاكل ، وغير مناسبة من أكثر من وجه لفتاة في مقتبل العمر وفي سن الزواج والأحلام المعتمدة من قبل أسرتها ، وغالبية المجتمع الذي تعيش فيه .. قررت أن تدرس الإعلام وتعمل بالصحافة ، وتركض خلف الخبر ، وتمد يديها النظيفتين في مستنقعات ملوثة وتحرك ماء عفنا راكدا ، ممتلئا عن آخره بالميكروبات والجراثيم والأمراض القديمة الكامنة ، لتستخرج منه الحقيقة وتعرضها على الناس .. والتحقت بالعمل في جريدة خرجت إلي النور مع شروق فجر التغيير على مصر كلها ، جريدة جديدة يديرها مجموعة من الشباب المتحمس المثقف .. قال لهم رئيس تحريرها الشاب جدا في أول اجتماع عمل :

-" العواجيز ملهمش مكان في جريدتنا هنا .. العواجيز بيديروا البلد كلها كفاية عليهم كده ! "

ضحكوا لقوله غير منتبهين لما فيه من خطورة !

إنهم يمارسون إقصاء مماثلا لما يمارسه الآخرون نحو فئتهم العمرية ،  يرفض العجائز الاستعانة بطاقات الشباب ، مغترين بخبرتهم ، فيرفض الشباب بالتالي الاستفادة من خبرات المسنين مغترين بطاقاتهم ، فتضيع على البلد بالتالي بركة الخبرة وبركة الطاقة ، ويسير كلا منهما في خط موازي للآخر .. يتجاوران ولا يتقاطعان ولا يستفيد كلا منهما مما عند الآخر !

تركوا لها حرية مطلقة لكن الأم تحس بالندم على ذلك الآن ، لو كانت ابنتها مجرد موظفة على مكتب ، أو مدرسة ، أو عاملة في فندق لها مواعيد عمل محددة ، ومكان عمل ثابت لا يتغير ، لما عانت كل ذلك القلق والتوتر كلما خرجت البنت في مهمة تحقيق صحفية وغابت قليلا ، أو لم تتصل في مواعيد متقاربة أو انقطعت أخبارها ، ولو لساعة واحدة من الزمان ..  يصر الأبناء على ألا يقيدهم الآباء بنير على أعناقهم ، لكنهم لا يقدرون أن الآباء بدورهم قبلوا هذا النير ، قبلهم بكثير ، فوق أعناقهم وقلوبهم ورغباتهم الخاصة ، من أجل أن يوفروا فراشا دافئا وبيتا آمنا ، ومورد رزق ولقمة عيش مؤمنة لأبنائهم .. صراع لا ينتهي سببه الوحيد أن كل طرف في تلك المعادلة ، الآباء والأبناء ، لا يفكر في أن يضع نفسه مكان الآخر ولو لدقيقة واحدة !

...

وحينما دقت الساعة معلنة السادسة مساء كان حبل الصبر لدي الأب ، ولدي الأم أيضا ، قد انفكت آخر عقدة فيه وأنسل حتى طرفه .. هب الأب خارجا من غرفته ، وبدأ يزعق مباشرة في وجه الأم !

المسكينة ، التي لا ذنب لها في شيء ، وجدت نفسها في موقف بالغ السوء .. لقد أخفت الحقيقة عن الأب ، وتركته يعتقد أن ابنته في عملها الروتيني ، وأنها ، في أغلب الأحوال ، تسعي وراء تحقيق صحفي صغير في أي مكان ، وستنتهي من عملها وتعود في أي لحظة .. لكن كل اللحظات ، والساعات أيضا ، مرت ، ولم يظهر للبنت أثر في البيت .. لا زال هاتفها مغلقا وهي لم تتصل أو ترسل كلمة أو خبر !

هب في وجه الأم صائحا لاعنا مستفسرا ، فقالت الأم وهي تبعد وجهها عنه ، تحسبا لهجوم لفظي قاسي منه نحوها يتطاير خلاله رذاذ غضبه في وجهها الشاحب المرهق :

-" الصراحة .. الصراحة البنت مش في الشغل ! "

حدق فيها الأب للحظة ، وقد اتسعت عيناه دهشة ، كف عقله عن العمل لدقيقة ، وشعر بأن أذنيه تصفران ، وأمواج الدم الساخنة تضرب مخه داخل جمجمته .. زمجرت رياح الغضب والشعور بالخديعة في داخله ، وكاد يحطم ذراع زوجته وهو يمسكها منه بقوة ويعتصر لحمها بغل متسائلا بدهشة :

-" آمال فين ؟! "

تجمعت سحابة رقيقة من الدموع في عين الأم اليمني ، وحاولت برقة استخلاص ذراعها الممسوك بقوة من بين يد الزوج المستميتة عليه ، لاحظ والد " بتول " فجأة أنه يقبض على ذراع أمها بقوة أكثر مما ينبغي ، فحرر ذراعها وهو يكرر سؤال بصيغة أخري أكثر مباشرة وسخطا :

-" بنتك في أنهي داهية دلوقتي ! "

كانت شبه عاجزة عن الكلام ، لكنها شهقت مرتين ، محاولة كتمان دموعها ، والسيطرة على عواطفها ، لتتمكن من الإجابة على سؤال الوالد القلق السهل .. ردت أخيرا وهي تتوقع عقابا قاسيا يحل بها :

-" الحقيقة البنت وأصحابها .. عاملين .. عاملين وقفة احتجاجية ! "

أرتفع حاجبا الأب وتلاقيا ، ثم شعر بصفير حاد في أذنيه ، مرت عليه لحظة عدم فهم ، أحس خلالها أن عقله صار ورقة بيضاء خاوية .. نظر في وجه زوجته وكأنه لم يفهم ما قالته ، وشعرت هي بدورها بأنه لم يدرك جيدا معني ما تفوهت به .. كادت تكرر عبارتها لكنه باغتها بصوت شاحب خفيض متألم متسائلا :

-" أيه ؟! "

قررت الأم أن تلقي آخر ما في جعبتها من أسرار ، وتخبره بكل شيء ، فقالت مستخدمة نفس الكلمات التي أوصلت بها " بتول " إليها خبر الوقفة التي سوف تشارك فيها :

-" عاملين هي وأصحابها وقفة على سلالم النقابة عشان فصلوا صحفيين زيهم ظلم .. بس متخافش الداخلية مش هتيجي عندهم هما في نقابتهم بعيد عن .. "

لم ينتظر الأب حتى تستكمل زوجته تطميناتها اللفظية الجوفاء ..

هرع يسحب سترته ، التي خلعها ووضعها على ظهر مقعد في الصالون ، وجري إلي الخارج وهو يرتعش ويردد ملتاعا غير مصدق :

-" الداخلية ؟! أستر يا رب ! "


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...