التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بتول : ماذا فعلوا بالشمس ( رواية مسلسلة ) الحلقة السادسة

 

أنكر المأمور أن يكون أي من الشباب الذين نظموا الوقفة الاحتجاجية، والذين تم القبض عليهم، قد تم إحضاره إلى القسم!

كانوا مصرين على تسميتها بالوقفة، بينما هو مصر أنها مظاهرة بالتعارض مع القانون.. لم تكن المسميات هي المهمة أو النقطة الفارقة بينهم، بل إصرار الرجل على أن الأولاد لم يؤتَ بهم إلى هنا، كان هو النقطة الفارقة والحاسمة في تلك المقابلة القصيرة، التي لم تستغرق سوى مائتين وأربعين ثانية.. أربع دقائق فقد فيها الأستاذ "يوسف" الأمل في العثور على كريمته.. وأيقن أن أمامه مشوارًا صعبًا طويلًا ومعقدًا ليصل إلى المكان الذي أخفوا فيه ابنته!

وفي لحظة يأس وقهر تمتم الرجل غاضبًا في وجه رئيس القسم:

- لو مش عارفين مكانها يبقى نروح نشتكي للنائب العام!

لمعت عينا المأمور بنظرة عميقة غامضة، وهتف ساخطًا بدون أن يفقد هدوء أعصابه أو يرتفع صوته:

- والنائب العام هيعمل لكم إيه؟! طالما إحنا قولنا مجوش هنا يبقوا مجوش هنا!

نكس الأب رأسه، وشعر بمرارة في حلقه.. بينما أمسكه الرجل ذو اللكنة الصعيدية، والذي ظل بجواره طوال الوقت، وعرفه سريعًا بنفسه وبابنه المحامي.. جذب الرجل، الذي كان اسمه "العمدة" والد "بتول" وسحبه، بينما كان ابن الأول الشاب يشير إليهما ويقول بلهجة ذات معنى:

- استنوا بره أنتوا شوية يا جماعة.. دقيقة وأحصلكم!

فهز أبوه رأسه، وقال وهو يتجه نحو باب المكتب، ساحبًا معه السيد "يوسف":

- طاب مستنيك يا ولدي.. ربنا يبارك فيك يا حضرة المأمور ويجعلك للمظلومين سند وضهر!

...

انتظروا بالخارج خمس دقائق، بينما كان "حاتم" لا يزال في مكتب المأمور.. وخرج بعدها ووجهه مكفهر، وقال وهو يسحب الباب من الخارج ليغلقه خلفه:

- الراجل معندوش معلومات فعلًا.. بس قالي نختصر المشوار ونشوف حد كبير يسأل لنا في الأمن الوطني!

غاص قلب الأب حينما سمع اسم الجهاز الخطير، الأشهر في مصر، بينما تلقى والد "حاتم" العبارة فازداد لونه قتامة واسود ما حول شفتيه.. ونظر بأسى وحزن نحو والد "بتول" محاولًا مواساته بكل طريقة!

خرجوا من نقطة الشرطة في أسوأ حال ممكن .. سار والد "بتول" في المقدمة، وقد تهدلت ملامحه، وكتسب عمرا مضاعفا فوق عمره الحقيقي .. كان منظره أيقونة للذل وانكسار النفس، فلحق به "العمدة"، الذي لم يفصح حتى الآن ما إذا كان هذا اسم له أم لقب، وأمسك بذراعه من الخلف وجذبه بلطف ثم قال له مواسيا:

- "متخفش يا حاج هنفضل معاك لما تلاقي البنية .. كتر خيرك ده إحنا واد وعاملين عليه ده كله، آمال أنت اللي واخدين لك بت .. ربنا يكون في عونك ويعديها على خير ! "

كان الرجل في الحقيقة يهدف إلي مواساة الأب المكلوم وطمأنته، لكن الكلمات التي أختارها بغير عناية، زادت من مخاوف الرجل، وفتحت دفترا أسود في عقله بدأ يقيد فيه عدد لا يحصي من المخاوف ومسببات القلق .. إنه كابوس حقيقي والبنت يبدو أنها سوف تختفي مع من اختفوا سابقا فلم يظهر لهم، بعد ذلك، أي أثر !

اقترح "حاتم" برجولة وشهامة :

- " طيب روحوا أنتوا وأنا ليا سكة كده همشي فيها وربنا ييسر ! "

اتسعت عينا الأستاذ " يوسف " وظهرت علامات هم وكمد مختلطة بأمل بازغ وتساءل بلهفة :

-" هتعمل أيه يا ابني .. طمنا ! "

رد " حاتم " مطمئنا بإبهام وغموض شديدين :

-" عندي حد هروحله يتدخلنا وربنا ييسر ويقدر يحل الموضوع ! "

نظر إليه أبيه مستفهما، وظهرت علامات تحذير خافتة في عينيه، لمحها الشاب فقال مستدركا بحذق :

- " روحوا أنتوا بس وإن شاء الله خير ! "

أمسك والد " بتول " بكم الشاب بشكل عفوي، غير مقصود، وهتف متوسلا راجيا :

- " أروح معاك يا ابني .. نروح معاك مش هقدر أروح لأمها من غيرها .. دي كانت تطب ساكتة فيها ! "

فجأة تغيرت الوجهة مائة وثمانين درجة وتساءل " العمدة " بذكاء :

-" هو إحنا أيه اللي عرفنا إن البوليس خدهم  فعلا .. ما يمكن أتعوروا من الخرطوش والغاز المسيل وطلعوا على المستشفي ! "

ظهرت نظرة أمل حقيقية في عيني الأب لكنها ما لبثت أن خمدت أمام ضربات الواقع القاسية :

-" كانوا اتصلوا بينا يا حاج .. البت على الأقل كانت هتكلمني ولا هتكلم أمها وتقولنا هي فين ! "

فكر والد " حاتم " قليلا ثم رد مسلما بالأمر الواقع :

-" صح صح .. عندك حق يا عم الحاج ! طيب نمشي إحنا ونسيب الواد يتصرف ! "

ذهل الأستاذ " يوسف "، وتشبث بذراع " العمدة " وهتف متوسلا مرعوبا:

- " لأ لأ نمشي فين .. طاب والبت يا مولانا .. البت يا ناس ! "

ربت والد " حاتم " على ذراعه وهم بالكلام، لكن الابن أخذ زمام المبادرة وقال شارحا الموقف كله لوالد " بتول " ولأبيه هو أيضا :

- " بص يا أستاذ  .. بنتك وولد عمتي لو كانت الشرطة خدتهم من المظاهرة صحيح وعايزة تخبيهم محدش هيعرف لهم طريق جرة تاني ! أنا راجل بتاع قانون وفاهم البلد دي ماشية إزاي .. هتلف أقسام البلد قسم قسم، وفي الآخر هيقولولك بنتك مش عندنا وأعلي ما في خيلك أركبه ! ولا هينفع بلاغ ولا نائب عام ولا حقوق إنسان ولا بتاع .. المصيبة دي ميحلهاش غير واحد واصل ودايس في السلطة فوق .. غير كده تسلم أمرك لربنا وتسيبهم يرجعولك البنت براحتهم، يوم أتنين، عشرة، شهر، شهرين .. سنة ! هما ومزاجهم ! يبقي نهدا كده ونشوف راس كبيرة تتدخل لنا في المصيبة دي ونطلع العيال بالذوق والحبة والبوسة ! "

كان كلام الشاب جارحا وصريحا للغاية، لكنه كان واقعيا صلبا صلابة الحقيقة، وحادا حدتها القاسية ..

طأطأ والد "بتول" رأسه، وأغرورقت عيناه وكاد يبكي فعلا، لولا أنه تماسك في آخر لحظة وقال يائسا :

-" طاب هتروح لوحدك يا ابني ؟!"

ابتسم " حاتم " بمرارة وقال مظهرا الخطورة والجدية :

-" ما هو لازم أروح لوحدي يا عم الحاج .. مش فرح هو ولازم كل حاجة تبقي بهداوة .. يجملها ربنا بالستر إن شاء الله ! "

تنهد الأب بحرقة وكاد يبكي للمرة الثانية لولا أن مال عليه " العمدة " وشد على كتفيه وهزه بقوة قائلا :

-" شد حيلك آمال .. شد حيلك يا راجل مش كده ! "

أخيرا أستأذن " حاتم " منصرفا، مستقلا عربته اللادا، بعد أن رفض أبوه ورفيقه أن يقوم بتوصيلهما في طريقه، مصرين على أن يذهب هو إلي مشواره الأكثر أهمية بأقصى سرعة .. بقي الرجلان معا لمدة نصف ساعة أخري، ورفض الأستاذ " يوسف " محاولات الآخر لحثه على شرب شيء معه، وأنصرف مستلما أخيرا بعد أن تبادلا أرقام الهواتف وعناوين المنازل !

...

لم ينم أحد في منزل " يوسف عمران " في تلك الليلة .. ظلت الأم جالسة ويدها على خدها تتابع زوجها وهو يجري اتصالات لا نهائية، معظمها كانت ب" حاتم العمدة " ووالده، كان الأب الصعيدي لطيفا للغاية، ومدركا لحجم الورطة التي وجد الرجل نفسه فيها باختفاء ابنته، وعدم معرفته بطريق يوصله إليها .. لذلك أخذ صديقه الجديد بطول بال وحاول أن يسري عنه وأخذ يبذل له وعودا وطمأنات لا نهاية لها .. بكت الأم بلا توقف في تلك الليلة !

ناموا على الطوي فلم يأكل أحد لقمة ولم يفكر أحد في إعداد طعام .

في الصباح الباكر كان الأب أمام عنوان في ( المعادي )، حيث يقيم " حاتم العمدة " وأسرته، كان موعده مع الأب في التاسعة صباحا، لكن ذهول عقل السيد " يوسف "، والكرب الذي يمر به، أنسياه اسمه، وجعلاه لا يميز بين ساعة وأخري .. التقوا ثلاثتهم، الأبوين والمحامي الشاب، ثم ذهبوا إلي أحد المقاهي المبكرة ليتحدثوا بعيدا عن البيوت والنسوة المفزوعات على أولادهن المختفين .. كانت أخت " العمدة "، والدة الطالب المختفي، قد أتت مهرولة من الصعيد، حينما سمعت بخبر القبض على ابنها، وخلفها زوجها وستة أبناء، وعسكرت في منزل أخيها الأكبر، حيث حولته إلي جحيم بصراخها وصواتها طوال الليل، لم تترك أحدا ينام أو يتذوق للراحة طعما .. وأخذت تلوم شقيقها وتبكته على عدم رعايته المثلي لفلذة كبدها الذي استأمنته عليه !

كان هذا سببا كافيا لكي يهرب الرجلان من البيت في وش الصبح، بدون إفطار، تاركين الأم المسكينة تتحمل عبء العمة وأسرتها الصاخبة الحزينة ..

في المقهى طلب " حاتم " إفطارا خفيفا وشايا، فتناول أبوه شطيرتين من الفول والجبن الرومي، وشرب كوبين من الشاي، وأزدرد قطعة كعك صغيرة، بينما لم يمد والد " بتول " إلي الطعام يدا، لكنه ونتيجة لإلحاف " العمدة " وتشديده عليه، أخذ كوبا من الشاي وتظاهر بأكل قطعة كعك، لكنه لم يكن يأكل في الحقيقة ..

كانت الأخبار التي يحملها " حاتم " مطمئنة إلي حد ما .. قال للرجلين أنه تلقي وعدا بإطلاق سراح الأولاد خلال يوم أو يومين على أن يبقي الأهل هادئين ولا يقيموا الدنيا ويقعدوها !

أنقبض قلب السيد " يوسف " وهتف بحزن شديد يعتصر صدره حتى كادت أنفاسه تضيق ويختنق :

-" يوم ولا يومين ! لسه هنستني يوم ولا يومين تاني ! "

يوم أو يومين في هذا الجحيم الذي قضاه أمس في البيت .. هذا أكثر مما يعتقد أنه قادر على  تحمله !

لكن " حاتم " الصريح لم يشأ أن يخفي عنهما شيئا فقال بصدق مطلق :

-" الحكاية كبيرة يا عم الحاج والمسألة مش هينة .. ده تظاهر من غير تصريح وشغلانة ! وكمان كانوا بيهتفوا ضد الحكومة والسلطة وغلطوا في الكل .. دول كويس إنهم هيشوفوا النور تاني ! "

أنقبض قلب الأب على انقباضه وهتف متأملا فرج قريب :

-" طيب ما يقولولنا على مكانهم .. يدلونا عليهم وإحنا نروح نجيبهم ! "

ابتسم " حاتم " لطيبة الأب وسذاجته وهتف بجدية :

-" يا عم الحاج ده الراجل نفسه ميعرفش مكانهم .. بس هو كلملنا حد

 كبير ووعده خير وقاله هيطلعوا هيطلعوا .. بس الصبر يا ناس الصبر ! "

دمعت عينا الأب وشعر بحرارة تلتهم صدره وقال وهو يتنشق ليخفي إرهاصات بكائه :

-" عايز فلوس يا ابني .. أنا مستعد .. أبيع اللي ورايا واللي قدامي بس البت تطلع لنا سليمة ! "

مد " حاتم " يده عبر المنضدة وأبعد يد والد " بتول "، الممسكة بعدة عملات ورقية كبيرة الفئة، برفق وهتف مظهرا رجولته وجدعنته :

-" شيل فلوسك يا عم الحاج .. الحكاية مفيهاش فلوس .. لو على الفلوس كانت بقت هينة ! "

مؤمنا على كلام ابنه قال " العمدة " :

-" أخ بس ياخدوا اللي عايزينه ويسيبوا العيال .. مكانش حد غلب ! "

أخفض السيد " يوسف " رأسه وأخذ يتمتم بحزن :

-" يا رب يا رب "

فأمن " العمدة " على دعائه وراح يقول بدوره مواسيا للرجل شبه المنهار بجواره :

-" يا رب يا عم الحاج يجيبها ربنا على أحسن حال ! "

تدخل " حاتم " منهيا تلك المناقشة القصيرة المؤلمة :

-" إن شاء الله خير يا جماعة .. خير إن شاء الله ! "

ذهبوا أخيرا مستسلمين، مسلمين أمرهم لربهم ..

وقضت عائلة " بتول " ليلة أخري في الجحيم .. بدون طعام أو شراب أو نوم!


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...