التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بتول : ماذا فعلوا بالشمس ( رواية مسلسلة ) الحلقة الرابعة

 

في الشارع الممتد أمام النقابة كانت بقايا المعركة، التي خاضها طرف واحد، لا تزال متناثرة في الأرجاء.. بقايا غريبة وأشياء معدنية، وحصى وحجارة صغيرة، وقذارة وغبار متطاير، ووجوه مذعورة تتنحى جانبًا، وتتحرى جوانب الطريق.. منظر كامل متكامل من الفوضى والخراب النازل من أعلى، الذي يشبه قنبلة فوضى تلقيها السماء على الأرض، كنوع من المداعبة التي تتحول إلى مصيبة.. الطفل الذي يرمي عليك (بمبة) ليرعبك فقط، فتنفجر في عينك وتدمر ما تبقى من حياتك وحياته أيضًا!

ذنب كبير اقترفته السماء، وهي لاهية تعتقد أنها تفعل معروفًا صغيرًا، وليس أمامها إلا أن ترسل زلزالًا شاملًا ليصحح أخطاءها.. أو تبعث البديل الرقيق للزلزال والبراكين، والفيضانات والسيول المدمرة، المطر الذي يمحو، كمنديل مبلل، خطايا السموات ويحولها إلى هباء رطب فوق الأرض!

وفوق الأرض كانت ثمة أغراض متناثرة كبقايا معركة أو زلزال وقع هنا، نظارة شمسية تحطمت إحدى عدستيها، وعلبة سجائر مهروسة، يبدو أن شخصًا ينتعل حذاء غليظًا داس عليها، باكو لبان كبير مقطوع من أعلاه، وإحدى حباته- الملفوفة بورق أخضر وأبيض خفيف- تطل بنصفها على العالم في ذعر.. فوارغ متعددة تشي بأن معركة صغيرة تم خوضها هنا، ونثار زجاج ورمال وأتربة مختلطة، ربما يكون الزجاج ناجم عن تحطم نظارة، أو علبة طلاء أظافر كانت تحملها إحدى الفتيات المشاركات في المظاهرة.. وبقايا نعاس وصدأ وخمول، وسخط ولا مبالاة وبرود وغضب مكبوت، تغطي الأوجه التي تمر بالمكان صدفة، أو بتدبير عفوي ساذج يحاول أن يعطي نفسه مظهرًا من مظاهر البراءة وعدم التعمد.. إن شر الأوطان هي التي تعيش فيها الدهر تكتم مشاعرك، وتكذب على نفسك، قبل الناس، وتظل تختلس النظر من يوم مولدك حتى يوم الممات.. وشر المعارك هي التي تخوضها القوة ضد نفسها لا ضد عدو حقيقي..

هل كان يوجد أعداء حقيقيون على سلم النقابة ذلك اليوم؟!

حركت بقايا المعركة، ومخلفات المظاهرة مخاوف الأب.. من الجلي أن الشرطة كانت هنا، وفضت التظاهرة بالقوة، ووجوه الناس الذين ظلوا هنا تنبئ بالحقيقة التي شهدوا عليها، ولم يستطيعوا التدخل أو جبنوا عنه.. لقد سيق كل أولئك الشباب المشاركين في تلك الوقفة إلى أقسام الشرطة للتحقيق معهم، الشباب والبنات، وابنته معهم.

تجمدت ملامح وجه الأب، وأخرج هاتفه النقال ليحاول- لآخر مرة- الاتصال بابنته؛ ليعرف أين هي الآن.. المفاجأة أنه وجد الهاتف يدق تلك المرة، بعد فترة من وجوده على وضع مغلق؛ فملأته قطرة أمل وكاد يشعر ببعض التفاؤل.. إلا أن الاتصال انقطع فجأة؛ مخبرًا المتصل أن الرقم الذي يحاول أن يكلمه مشغول.. أنهى سريعًا وكرر محاولة الاتصال.. فعاد الهاتف يخبره بتلك الرسالة المرعبة أن الهاتف الذي يحاول الاتصال به.. مغلق!

...

وصلوا أخيرًا بعد رحلة من الرج والاصطدام ببعضهم، ومعاينة قبح العالم من خلف تلك الفتحات الضيقة المخيفة.. من المخيف حقًا أن تطل على العالم من فتحة ضيقة، وأن تري العالم بعين واحدة، الفاقد لنعمة البصر تمامًا خير ممن يراوحه العمى ويداعبه، ويأتيه كاملًا ويذهب عنه جزئيًا، ويعود إليه في صورة بصر مغشي ضعيف؛ لأن ضيق النظر وقلته يعلم الانتظار والأمل، بينما العمى الكامل حقيقة بيضاء ساطعة، الحقائق البيضاء أكثر سطوعًا من الشمس.. إنها قوية، وتعلمك مجابهة الحق، وعدم التستر وراء حطام جدران الأمل، وبقايا كلمات مثل (ربما) و(قد يحدث) و(نتمني).. لا لن تتحقق ربما، ولن يحدث ما تعتقد أنه قد يحدث، وليس من حقك أن تتمنى.. لقد قُضي الأمر!

والثورات شبيهة برد البصر إلى أعمى، إنها تفتح عينيه وتمنحه الأمل، وتجعله يرى ما كان خافيًا عنه؛ لذلك يكون السقوط في الظلام ثانية، والعودة إلى العمى، أكثر إثارة للرعب وأوجع ألمًا.. أن تُحرم من النور، بعد أن عاينته ورأيته ولمست خيوطه وحلمت في ظل أمواجه، هو العقوبة الأكثر قسوة ووحشية!

وهؤلاء الشباب كانوا عميانًا فأبصروا، استيقظوا ذات يوم على شمس مشرقة تملأ حجراتهم، وخيوطها الذهبية ملقاة على أسرتهم وملابسهم، وفرش حلاقتهم ومناضد زينتهم وزجاجات عطورهم، ثم إذ بيد تغلق شيش النوافذ وزجاجها وتقول لهم بصفاقة:

- كفي ما نلتم من نور الشمس وحرارتها وضيائها.. فإنها ليست مجانية!

بلا ثمن الشمس متاحة للجميع، فمن أعطاكم السلطة لتثمنوا الأشياء المجانية، وتضعوا لها سعرًا.. ربما يكون نفسه الذي أعطاكم الحق في أن تبيعوا الهواء في (قزايز) من قبل؟!

أنزلوهم من السيارة بأياديهم الغليظة، ولم ينسوا طبعًا أن يضربوا الأولاد على أقفيتهم، أثناء نزولهم في مزاح سمج سخيف، أما الفتيات الثلاث فقد تلاصقن خشية الاعتداء والضرب، أو ما هو أكثر، ونزلن كتلة واحدة متشابكات الأيدي، رغم محاولات بعض مرافقيهن الرسميين لتفريقهن، وإجبار كل واحدة منهن على أن تسير بمفردها.. طابور ذنب صغير عبر بين صفين من الرجال ذوي الثياب الرسمية، ثم تم توجيهه إلى مدخل لامع متسع، تحتله عتبة منخفضة بها بضع بلاطات مهشمة ومحفورة، انسابت حولها أتربة ناعمة كالدقيق، وملأت ما حول العتبة ومسافة قصيرة داخل المدخل، وعلى جانبي المدخل باب حديدي مشغول مفتوح على مصراعيه، لا تغلق أقسام الشرطة أبوابها في وجه من يقصدونها أبدًا، ولا ترد زياراتهم من على أبوابها، لكن الكارثة أنه لا يدخلها إلا خائف أو ذو مصلحة أو مرغم مجبر على أمره.. قليل ما يأتي ها هنا الأبطال، وهم إن جاءوا فليسوا بخارجين منها.. إلا إذا حدثت معجزة ما أو تدخلت ملائكة الموت الكثيرة على الأرض، أو ملاك الموت الوحيد في السماء!

كانت البنات خائفات فعلًا الآن، وتسلل الخوف والرهبة إلى قلوب الشباب أيضًا،

لقد سمعوا ما قيل أنه يحدث في مثل تلك الأقسام، وما يجري فيها.. صدق أو كذب فهي أشياء مرعبة، وحكايات مروعة تدل على مدى الظلم الذي يتم في الحقيقة، وعلى مدى السادية في خيال مؤلفيها إن كانت قصصًا زائفة ووهمية ومبالغًا فيها!

الضرب والصفع، التعليق، الكي، التعذيب بالكهرباء، الصعق، الجلد على العروسة، يقال أن العروسة أصبحت موضة قديمة بالية، وأنهم استبدلوها بوسيلة حديثة أكثر تقدمًا.. مصر سباقة دائمًا في اقتناء كل حديث وكل جديد خاصة لو كان شيئًا يحمل في طياته عوامل الإيذاء والتخريب!

مبيدات مسرطنة، وثمار مهجنة وراثيًا، ولحوم مجهولة المصدر والمنشأ.. من البديع  أنهم لم يبتدعوا قنابل ذرية صغيرة للاستخدام الشخصي بعد، وإلا لكانت مصر أول دولة تستوردها وتجرب استخدامها، سباقون نحن إلى كل خير.. يعود علينا ويضر بالآخرين!

بدءوا بدفع مقدمة الصف، وفرقوا بين المجموعة التي تتقدمه، فأسرعوا الخطى وتحركوا بسرعة، بينما كان الرجل ذو الشوارب الغليظة يصيح مطالبًا إياهم بالإسراع؛ مستخدمًا نعتًا بذيئًا يمس الأمهات.. لا أحد يعرف سبب ولع الناس بسب الآخرين بأمهاتهم تحديدًا!

ربما في الأمر سر ولغز قديم، يحسن بالباحثين أن ينقبوا عن تفسير له في كتب التاريخ، وفي البقايا الأثرية المتروكة في كل مكان، فربما عثروا على تفسير منطقي وتاريخي لتلك المعضلة الحضارية العويصة.. أنقدس أمهاتنا لدرجة أننا نرى كل أم غيرهن لابد وأنها عاهرة ؟!

 

 

 

 

 

 

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...