التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بتول : ماذا فعلوا بالشمس ( رواية مسلسلة ) الحلقة الثامنة

 

بقيت في البيت تسعة أيام دون أن تخرج أو ترى وجه الشارع.. اللهم إلا بعض الوقفات الخاطفة في الشرفة، كانت وقفاتها في الشرفة وقفة غير احتجاجية، مع أن قلبها وعقلها كانا محملين بالاحتجاج، والاعتراض وصخب الشعور بالظلم والقهر..

كان الأب قد قرر أن يمنعها من مواصلة العمل في الجريدة وطلب منها تقديم استقالتها ببساطة!

رفعت إليه عينين محملتين بدموع ساخنة مفاجئة، وسألته غير مستوعبة بعد لحجم ما يدور في رأس الوالد من خطط بشأنها:

- أسيب الجريدة، أُمال أشتغل فين؟ الجرايد الكبيرة كلها بالواسطة والمعارف!

نهرها الأب، دون أن يرفع صوته، قائلا، وهو يرفع كفه علامة إنهاء الموقف، وقفل باب النقاش:

- لا جرايد كبيرة ولا صغيرة، هتسيبي الصحافة كلها.. مجالناش منها غير وجع الدماغ.. هدورلك على شغل في مدرسة خاصة تبع واحد دكتور مشهور معرفتي!

تهلل وجه الأم، التي كانت واقفة عند باب المطبخ، متظاهرة بتقشير حبات من الكوسة، بينما كانت تُعمل سكينها بشكل تمثيلي، وأذنها ووعيها كله مركزين مع الحوار الدائر بين زوجها وابنتها في الصالة الصغيرة، على بعد خطوات من باب المطبخ المفتوح..

بصوت من يقاوم البكاء قالت "بتول" مستعطفة والدها:

- بس أنا يا بابا مبحبش التدريس، وبحب الصحافة يا بابا.. الصحافة هي دراستي ومعرفش أشتغل في حاجة غيرها!

احتد الأب قليلًا، لكنه تحكم في نفسه، وقال أخيرًا بصوت حاسم:

- متشتغليش خالص.. إحنا مش محتاجين شغلك ولا أنت محتاجاه.. اقعدي في البيت وأظن خطيبك أصلًا مش عايزك تشتغلي بعد الجواز!

تجهم وجه الفتاة حينما ذُكرت سيرة خطيبها أمامها.

كان قد زارها مرتين فقط منذ تم إطلاق سراحها هي وزملائها في الوقفة الاحتجاجية!

...

"حسين علي" شاب في أواخر العشرينات، طويل نحيف أسمر، صافي السمرة ورائق الملامح، وسيم على طريقته الخاصة.. جده الأكبر من "بني سويف"، لكنهم استقروا في القاهرة منذ سنين تزيد عن الخمسين عامًا، أصبحوا قاهريين، وإن لم ينسلخوا عن أصلهم القديم انسلاخًا تامًا كاملًا.. دائمًا كانت هناك حالة (البين البين) التي تلمحها في طريقة معيشتهم، وفي تعبيراتهم المنزلية، في أمثال الجدة، التي بقيت حية بعد وفاة الجد بأكثر من عشرين عامًا، وحكمها ومواعظها.. الأم، رغم أنها قاهرية صرفة، فقد انتقلت إليها طريقة الجدة في الحكم على الأشياء.. ولم تحتاج كثيرًا من الوقت لتصبح نموذجًا مصغرًا، أكثر حيوية ومرونة، من الجدة بصفتها من عائلة محافظة، متدينة جدًا أصلًا.

كان "حسين" قد درس الصحافة والإعلام مثل "بتول"، تعرفا ببعضها عندما كانت هي في السنة الجامعية الأولى، بينما كان هو يستعد للحصول على درجته العلمية الجامعية ؛ ليتخرج ويواجه الحياة.. لكنه، بعد التخرج، لم يسعَ للحصول على فرصة عمل في مجال الصحافة فقد كان الأمر محسومًا لديه:

- الصحافة والحاجات دي متأكلش عيش في البلد دي!

وهكذا لجأ إلى ما يوفر العيش فعلًا، وبلا صعوبة تذكر، وجد نفسه على رأس عمل والده، الذي كان يملك محلين للملابس الجاهزة والإكسسوارات والهدايا والعطور، وأخر للأدوات المنزلية والأجهزة الكهربائية.. ولأنه لم يواجه مشكلة الحصول على عمل، أو تدبير النفقات وتجهيز نفسه للزواج ، وتكوين بيت وأسرة ، فقد تقدم لخطبة "بتول"، التي تعلق قلبه بها منذ أن تعرف بها في إحدى الأسر الجامعية النشطة، عقب تخرجه بشهور قليلة.. وافقت به البنت وعائلتها، وقدم لها دبلة عريضة ومحبسًا، وأسورتين كبيرتين من مقتنيات جدته، التي قررت أن تهبها لعروس حفيدها البكري.. وتمت الخطبة في جو ودي ومستقر وآمن!

لكن الأمور ما لبثت أن تعسرت، وتلبدت سماء الخطوبة الصافية ببعض الغيوم والضباب.. كان "حسين" يريد أن تبقى عروسه في البيت بعد الزواج، وأن تصبح سيدة منزل، نسخة حديثة حسنة الطبع من أمه وجدته وخالته وعماته الثلاث.. وشجعه على اتخاذ هذا الموقف كونه مستغنيًا ماليًا، فليس بحاجة إلى زوجة تعينه على تكاليف المعيشة براتبها، وثانيًا أنه كان يرى مهنة الصحافة غير مناسبة لفتاة أو لامرأة  متزوجة فيما بعد.. إنها مهنة متعبة ومجلبة للمتاعب، إنها أساسًا مهنة تمتلئ بالبحث عن المتاعب، والنبش في جحور الثعابين، والجري وراء القصص الكبيرة، والتحقيقات الملتهبة.. لقد درس أصول المهنة وحفظها جيدًا؛ لذلك فقد قرر أنها مهنة لا تلائمه.. ولا تلائم زوجته المستقبلية.. ولا أي فتاة أخرى على وجه العموم!

لكن "بتول" لم يكن رأيها من رأيه، كيف تدرس الصحافة أربع سنوات، ثم يقال لها أنها مهنة وعمل غير مناسبين لها، وعليها أن تبقى في البيت ببساطة.. فلماذا إذن سمحوا لها، عن طيب خاطر، بدخول تلك الكلية واختيار ذلك التخصص؟!

كان رأي الأب، والذي يوافقه عليه الخطيب، أنها مجرد شهادة جامعية تختال بها، وتحتفظ بها ليوم قد تضطر فيه إلى العمل لسبب ما، وليس مهمًا أبدًا أن تعمل في المجال الذي درسته وأحبته، ولا أن تعمل من الأساس، طالما أن هناك زوج مستعد لتلبية كل طلباتها، وتوفير كل احتياجاتها دون أن تتعب أو تصدع رأسها بالعمل ومشاكله التي لا تنتهي!

تلك كانت نقطة الخلاف الأولى بين "بتول" وخطيبها، وبسببها تم تأجيل الزفاف مرتين.. وإطالة مدة الخطوبة إلى ثلاث سنوات كاملة!

لم يكن "حسين" يريد أن يخضع لرأي خطيبته، ويتركها تتبهدل في مهنة شاقة متعبة، لكنه في نفس الوقت لم يكن مستعدًا للتفريط فيها.. كان يحبها فعلًا، وهي كانت تحبه أيضًا، وهكذا وقفا معًا على حافة الجرف، وكلٌّ منهما لا يريد أن يضحي بنفسه لأجل الأخر.. ولا أن يضحي بالأخر في سبيل ذاته ومنفعته!

كانت المشكلة في البداية محصورة بين الخطيبين، والخلاف الصغير بوسعهما أن يحلوه معًا، لكن بعد مضي بضعة أشهر، وبعد أن تم تأجيل الزفاف للمرة الأولى، أخذت الرؤوس الكبيرة تتدخل وتدلي بدلوها في الأمر.

وتحزب لكل طرف مؤيدين، ووقف ضده معارضين أشداء.. كانت عائلة "حسين" بأكملها، وعلى الأخص أمه وجدته، في صفه تمامًا، كما أيده في موقفه والد العروس، وأخوها "ناصر" وأعمامها.. أما "بتول" فلم يقف بجانبها سوى أمها، وأخيها الأصغر "إسلام" وخالها الوحيد، الذي كان يعمل صحفيًا بالقطعة لبعض صحف الخليج، لكنه كان موظفًا بوزارة الثقافة في الأصل.. كانت البنت تكاد تعدم النصير، ورأي الجميع أنها على خطأ، وأن عريسها على صواب، أنه عريس جاهز مستعد لتغطية نفقاتها وتوفير احتياجات بيت الزوجية.. فما حاجتها إلى العمل وإلى المكابرة والعناد معه؟!

لم يفهم أحد موقفها ودوافعها أبدًا، حتى أمها كانت تناصرها من باب ألا تحس البنت أن الجميع يقفون ضدها، فيركبها العناد، وتصر على رأيها وتفسد الزيجة السانحة التي ليس من السهل تعويضها!

الخال فقط كان يفهم أنها تريد أن تحقق ذاتها، لكنه في نفس الوقت كان يرى أن تحقيق الذات هذا يمكن أن يتم بعدة طرق، نعم إنه يرى أن من حقها أن تعمل، لكن ليس من الضروري الإصرار على العمل في الصحافة تحديدًا.

لذلك أراد أن يوجد لها حل وسط، فعرض عليها أن يعاونها في العمل بوزارة الثقافة في وظيفة أمينة مكتبة الطفل بقصر الثقافة الذي يعمل به منذ نحو ستة عشر عامًا.. رفضت "بتول" الحل الوسط، كما رفضت عرض خالها، ورغبة أبيها في أن تعمل بأي وظيفة أخرى خلا الصحافة، على أن يتكفل هو بإقناع "حسين" بأن يسمح لها بالعمل فيها؛ لتتم الزيجة في أمن وسلامة.. في فترة أحست "بتول" وكأنها تحارب العالم كله بمفردها، حتى أمها وخالها سحبا دعمهما لها متهمين إياها بالعناد وركوب الرأس بدون مبرر!

وحينما دعتها جريدة (كرمة الحق) للكتابة فيها، ثارت ثائرة الخطيب، ووجد في هذا تحديًا صريحًا له.. آزرته أمه وتدخلت في الأمر، حتى اضطرمت النار في الرماد الخامد، ووصل الأمر حد التهديد بفسخ الخطبة.. بل أرسلت الأم فعلًا- من وراء ظهر ابنها- إلى أهل "بتول" مطالبة بشبكة ابنها وهداياه التي قدمها لابنتهم!

لكن المياه سرعان ما عادت إلى مجاريها، وتم تحديد موعد جديد للزفاف.. بيد أن الأمر تعسر وتوقف مرة ثانية.. فقد أصرت البنت على أن تسافر رفقة زملاء لها في الجريدة إلى (أسوان)؛ لتغطية أحداث مذبحة ثأرية مروعة بين عائلتين هناك، راح ضحيتها العديد من القتلى.. رفض "حسين" ذلك رفضًا باترًا حادًا، ولأول مرة تقف أم البنت ضدها مباشرة وبصراحة.. صرخت فيها واتهمتها بالعناد، وبأنها تريد أن تفرط في عريس لا يعوض من أجل نزواتها ورغبتها الفارغة في الظهور وادعاء التحرر والجري وراء الصحافة التي ستؤدي لخراب بيتها - بيت الابنة - قبل أن تدخله بقدمها!

وتلك كانت المرة الثانية التي يتم فيها فسخ الخطبة، معنويًا على الأقل!

إلا أن مرور الأيام كفيل بكل شيء، أدرك "حسين" أن فتاته ليست من النوع الذي يسهل فرض السيطرة والرأي عليه، وأنه لن يستطيع أن يتربع في قلبها، وهو يعاندها ويقف ضد رغباتها على طول الخط.. سلم الأبوان أمرهما إلى الله في هذه البنت، وتركوها تفعل ما تريد طالما التزمت بما اتفقت عليه مع الأب من شروط:

لا سفر خارج القاهرة، بدون أن ترافقها اثنتين أو ثلاثة على الأقل من زميلاتها في العمل..

لا تفريط في الحجاب، ومراعاة الملابس المحتشمة..

لا تدخين..

لا سهر خارج البيت مهما تكن الأسباب..

وأخيرًا الالتزام بمصالحة خطيبها، وإتمام الزيجة التي تأخرت عن موعدها شهورًا وشهورًا!

وقد كان وفعلت "بتول" كل ما أرادوها أن تفعله.. وعاد "حسين" إلى غرامه السابق بها، ورغم كل شيء فربما كان إصرار البنت وتمسكها بموقفها، قد جعله يشعر نحوها بشيء من الاحترام والتقدير، أعجبته صلابة دماغها.. وأدرك أنها لن تكون نسخة من أمه وجدته، ونساء أسرته الخانعات الخاضعات.. وهو بوصفه متعلمًا فاهمًا رغم كل شيء، فقد عرف أن هذا النموذج الأخير من الزوجات قد عفا عليه الزمن ولم يعد صالحًا تلك الأيام بشكل كامل!

هذه الزوجة يمكنه أن يطمئن لدعمها ومساعدتها له في حالة وقع في مصيبة، أو نزلت به نازلة من نوازل الزمان ومصائبه التي لا تنتهي ولا  يسهل توقعها!

عادا للمرة الثالثة.

 لكن بعد القبض عليها والإفراج عنها وعن زملائها بدأ كل شيء يتغير!

أحست "بتول" أن هناك شيئًا شريرًا ينمو بشكل خفي تحت ثياب خطيبها، الذي تحبه وتحفظه كما تحفظ راحة يدها.. شيئًا مخيفًا شريرًا وغامضًا هلامي الملامح.. لقد بدأت ملامحه وهو يحدثها تتبدل وتتغير .. بدأ يصبح غامضًا مبهمًا ولا يسهل لها تفسير ما يقوله أو يفعله!

كان كل شيء ينمو ويكبر في الظلام في البداية.. ثم بدأ يخرج إلى النور وتنكشف تفاصيله.. وإذ به مخيفًا ومرعبًا أكثر مما تخيلت ومما قدرت بكثير!


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...