التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بتول : ماذا فعلوا بالشمس ( رواية مسلسلة ) الحلقة الثانية عشرة

 

بذلت "بتول" جهدًا خارقًا لتقنع أباها وأمها بالسماح لها بالخروج من البيت برفقة خطيبها.. كان منع الأبوين لها من الخروج ليس مرده انعدام الثقة، أو الخوف من تصرفات البنت، لكن الأبوين كأي مواطنين مصريين أصلاء كان لديهم عدم ثقة مطلقة في عدالة وكرم السلطات الحاكمة لبلدهم.. وكانوا يعتقدون أن الأمن لن يترك البنت ورفاقها، بعد القبض عليهم في وقفة احتجاجية، وبعد إطلاق سراحهم، في حالهم، فلابد أن الأولاد سيوضعون تحت المراقبة، وربما يسجلون لهم أحاديثهم ومكالمتهم، لذلك كانت أم "بتول" توصيها بألا تلفظ كلمة ضد الأمن، أو ضد السلطة في مكالمتها الهاتفية القليلة مع أصدقائها وزملائها، بعد الإفراج عنها، وعودتها إلى المنزل.. وكان خوف الأب الأكبر من أن تلتقي ابنته بأحد رفاقها في المظاهرة، خارج المنزل ليرتبوا لمصيبة أخرى، أو أن يتكلموا بشكل غير لائق أمنيًا، وتُسجل عليهم كل تلك الأحاديث، ثم يلقون القبض عليهم وعلى البنت من جديد.. وتضيع من أيديهم تمامًا هذه المرة!

تصور ساذج لكنه لا يخالف ما يحدث في الواقع، فالواقع أصبح كألعاب الإنترنت، سخيفًا جدًا وخياليًا جدًا؛ لدرجة أنه من شدة سخافته وبعده عن المنطق ينطبق تمامًا على الواقع العبثي الذي يجري حولهم في كل مكان!

تخيل جامح لكنه ممكن ومتوقع حدوثه، لكن الأمر يختلف حينما يطلبها خطيبها، الذي على وشك الزواج بها، للخروج معه.. إن الأم تنظر إلى الأمر باعتباره بشرة خير، وتعتقد أن الشاب يريد أن يتفق مع عروسه على ترتيبات الزواج؛ لذلك أبدت قليلًا من التحفظ، حينما أخبرتها ابنتها بأن خطيبها يريد أن يأخذها لمدة ساعة خارج المنزل، كان خروج "بتول" مع خطيبها أمرًا معتادًا ومتكررًا، ولا يحظى بأي اعتراض من الأب، الذي يثق بأخلاق الشاب "حسين"، وأخلاق ابنته.. لكن هذه المرة فإن الأب أبدى عنادًا ومقاومة، وحينما أفضت إليه الأم بخواطرها السعيدة قال لها:

- يجي ويقعدوا هنا قدام عينيا.. ويتفقوا زي ما هما عايزين!

توسلت إليه زوجته:

- عشان خاطري يا "يوسف".. البت مشافتش وش الشارع من ساعة ما أفرجوا عنها!

فرد عليها برقة، مظهرًا جانبه اللين، ومستاء في نفس الوقت لذكر حبس ابنته وإطلاق سراحها:

- أحسن خلينا بعيد عن المشاكل يا أم العيال.. ما يمكن تخرج بره البيت من هنا، ويقبضوا عليها من هنا!

ضربت الأم على صدرها، واستعاذت بالله من هذا الفأل وهتفت مستنكرة:

- ليه بس أعوذ بالله، بعد الشر يا رب.. ما هما حبسوهم يومين، وملقيوش عليهم حاجة وطلعوهم.. هيقبضوا عليهم تاني ليه؟!

كانت تستخدم صيغة الجمع، مشيرة إلى ابنتها وزملائها في تلك القضية، لكن الأب لم يكن يهتم بما يخص زملاء ابنته، بل كانت ابنته وحدها هي مدار تفكيره واهتمامه:

- ودول بيفرق معاهم عليهم حاجة ولا ماعلهمش.. ما ممكن يلفقوا لهم أي قضية، أو يلبسوهم أي مصيبة.. حد يعرف قرار الناس دي فين؟!

اقتنعت الأم بوجهة نظر زوجها، وطلبت من "بتول" أن تطلب من خطيبها الحضور إلى البيت؛ ليجلسا معًا كما يشاءا.

لكن "حسين" الذي حضر في الخامسة من عصر اليوم التالي بمفرده، مرتديًا قميصًا أنيقًا باللون البني، وبنطالًا من الجينز الأسود، تمكن من إقناع الأبوين باصطحاب خطيبته معه إلى الخارج، واعدًا بأن يأخذ باله منها، وأن يعيدها في مدى لا يتجاوز ساعة واحدة.. كان لدى "حسين" كلام يقوله، كلام كثير.. ولم يكن بيت العائلة مكانًا مناسبًا ليقوله فيه!

...

خرجا أخيرًا بعد تقديم قائمة من الوعود والتأكيدات للأبوين المنزعجين:

لن يذهبا بعيدًا جدًا..

لن يجلسا في مكان يجتمع فيه نشطاء سياسيين، أو أناس من هواة المشاكل..

لن يتحدثوا في أي شأن سياسي أو عام، خشية أن يكون هناك من يسجل لهما وعليهما..

لن يتأخرا عن ساعة واحدة..

وتحت حماية تلك الشروط خرجت الفتاة مع خطيبها، كادت الأم ترسل شقيقها "ناصر" معها لكنها تراجعت أخيرًا، محتكمة لبقية العقل التي لا تزال تملكها، بعد أن ذهب حبس ابنتها، واختفاؤها عن عينيها يومين وغموض مصيرها، وجريهم من قسم لقسم بحثًا عنها، وهم على الطوي ومضغ الهم ومرارة الصبر، بمعظم عقلها وتفكيرها.. ذهبا إلى مطعم بيتزا في (سيتي ستار)، وجلسا في الدور العلوي، بعد أن صعدا السلم الدائري،  الذي تخشاه "بتول" بشدة، كما تخشى السلالم الكهربية وربما أكثر.. كان على المنضدة نشرة واحدة مطبوعة ملونة أنيقة بأنواع البيتزا التي يقدمها المطعم، فقدمها "حسين" إلى خطيبته؛ طالبًا منها أن تتولى اختيار نوع يأكلانه معًا.. اختارت بيتزا بالسردين وأخرى مارجريتا، ونهض "حسين" ليوصي على الطلبات في مكان الخبز، الذي يفصله عن مناضد الجمهور حاجز زجاجي سميك نظيف.. ثم نزل إلى أسفل، حيث يوجد جزء مخصص للمشروبات الساخنة والمثلجة والحلويات والشيكولاتة، وعاد بعد دقيقتين ومعه علبتي مشروب برتقال مثلجتين، وزجاجتي مياه غازية.. جلس أخيرًا في انتظار وصول الطعام، أخذت "بتول" رشفة كبيرة من الماء الصافي، ولاكتها في فمها للحظة قبل أن تبتلعها، وتتبعها بأخرى ثم تتنهد براحة وتقول وهي تبتسم بسعادة:

- ياه.. كنت عطشانة جدًا!

كان "حسين" يتطلع إلى وجهها بتركيز، لكنه بدا وكأنه لم يسمع ما قالت؛ لأنه لم تبدر منه أية بادرة طيبة، ولم يرد مثلما اعتاد أن يرد على مثل هذه العبارات بردود خاصة تحبها الفتاة وتحفظها عن ظهر قلب.

وضعت زجاجة المياه على المنضدة بينهما، ونظرت إليه مباشرة، لمعت عيناه وبدا أنه استعاد وعيه وتركيزه أخيرًا.. نظر إليها ثم ابتسم وسألها مترفقًا:

- شكلك كنتِ عطشانة قوي؟!

ردت وهي تحاول الابتسام:

- ما كنت لسه بقول كده.. بس أنت اللي شكلك مش مركز!

خفض بصره ومد أصابعه يقلب النشرة المطبوعة المتروكة على المنضدة، وعبث بها مرتين أو ثلاث، ثم سأل فتاته وهو لا يزال يتطلع إلى أسفل:

- أنتِ رقيقة قوي يا "بتول"، هشة.. وأنا مش عارف أنتِ استحملتِ اليومين بتوع الاعتقال دول إزاي!

نظرت إليه البنت طويلًا بوجه مصدوم، ثم أغمضت عينيها وضغطت على جفونها بقوة قبل أن تهتف وهي تحرك سبابتها في وجهه:

- تاني، تاني يا "حسين".. هنرجع للسيرة دي تاني؟!

ضحك محاولًا تخفيف جو التوتر ولمعت سمرته الرجولية المحببة، فتح علبة مشروبه وراح يشرب منها ببطء.. حذت "بتول" حذوه، وظلا يشربان بصمت، حتى أتى كل منهما على نصف علبته المعدنية تقريبًا، ثم وضعها أمامه على المنضدة:

- يا ستي متزعليش.. ما هي دي كمان حاجة مش بالسهل تتنسي، بذمتك يعني أنت خلاص نسيتي الأيام دي فعلًا ومحتاجة حد يفكرك بيها؟!

رمقته بصمت منتظرة أن يكمل كلامه، وفعلًا أضاف بعد أن تيقن أنها لا تنوي أن تعلق الآن:

- أنا بس اللي مستغربه أنتِ إزاي صمدتِ واستحملتِ اليومين دول.. أنا لو مكانك مكنتش استحملت بصراحة!

ابتسمت "بتول" وشبكت أصابع يديها معًا، وقالت لخطيبها في هدوء:

- بس أنت مكانش ممكن تكون مكاني يا "حسين".. ولا ينفع أصلًا تكون مكاني!

تلاقى حاجبيه الثقيلين وهو يتساءل جادًا تمامًا:

- ليه يعني؟!

ردت "بتول" بثقة:

- لأنك ملكش في الحاجات دي! يعني شغل المظاهرات والاحتجاجات والمناقشات الثورية.. الحاجات دي بعيد عن مجال اهتمامك وتفكيرك!

استمع إليها بصمت وانتباه، ثم قال فور أن انتهت مما تقول:

- فعلًا عندك حق! أنا مركز في شغلي وأكل عيشي، عشان أقدر أحوش وأكمل فرش الشقة وتجهيزها.. وأعرف أتجوز وأفتح بيت وأعمل عيلة وأصرف عليها!

بجدية سألته "بتول":

- طاب والبلد؟!

رد عليها فورًا قائلًا بإصرار:

- مالها البلد.. ما هي حلوة أهي!

ضحكت قائلة بسخرية:

- حيييلوة!

- أيوه حلوة وأهي مكفايانا وأدينا عايشين، بناكل ونشرب ونتجوز ونخلف ونربي عيالنا.. عايزين إيه تاني أكتر من كده؟!

انتبهت إليه "بتول" وركزت في كل كلمة يقولها، ودهشتها تتعاظم مع كل حرف يخرج من فمه، إنها لم تكن تدرك جسامة حجم الاختلاف بينها وبين خطيبها إلا في هذه اللحظة.. صمتت قليلًا ثم قالت بحذر:

- بس الأكل والشرب والجواز مش كل حاجة.. ده إذا كنا فعلًا عارفين ناكل ونشرب ونتجوز زي الناس!

رد عليها معاندًا:

- سيبوها بس أنتوا تمشي وهتبقى زي الفل!

اتسعت عيناها وأخذت تتطلع إليه بدهشة.. لقد جاءا إلى هنا، بحسب ما أخبرها به وما قاله لوالديها، من أجل الحديث عن إتمام مشروع الزواج وتفاصيله، لكن الكلام بينهما انحرف إلى مسار غريب تمامًا وغير متوقع، رفعت "بتول" علبة مشروبها المعدنية إلى شفتيها، وجرعت منها رشفتين لتجد وقتًا كافيًا تفكر فيما يجب أن ترد به.. أخيرًا قالت وهي تضع العلبة- التي فرغت تمامًا الآن- جانبًا وتمسح يدها بمنديل ورقي استخرجته من علبة أنيقة تتوسط المنضدة.. قالت أخيرًا وهي تنظف ما بين أصابعها بحرص:

- مش وقته الكلام ده.. أظن إننا مش جايين هنا عشان نتكلم في أفكاري الثورية ولا عن يومين الحبس اللي راحوا لحالهم خلاص!

قاطعها معترضًا:

- تفتكري هما راحوا لحالهم خلاص فعلًا؟!

نظرته بدقة مفكرة ثم سألته حذرة:

- تقصد إيه؟!

بدأ الألم يطفو فوق ملامحه، وقال لها والصدق يغلف كل كلماته:

- أنا بحبك يا "بتول"، بحبك جدًا.. وعشان بحبك مقدرش أشوفك بتعرضي نفسك للخطر وأسكت، لازم أمنعك حتى لو غصبٍ عنك، لازم أحافظ عليكِ.. وعشان إحنا حاجة واحدة وهنبقى في بيت واحد، لازم محدش فينا يخبي حاجة على التاني ولا يتكسف يقوله أي حاجة.. وأنا حاسس إنك مخبية عني حاجة.. صح ولا لأ؟!

مسحت "بتول" بنفاد صبر على جبهتها المشتعلة، وهتفت بصوت ضعيف:

- لا مش صحيح يا "حسين"، أنا لا عمري خبيت عليك حاجة ولا هعملها أبدًا.. أنت بس اللي بيتهيألك!

وصل الطعام في تلك اللحظة، ووضعت قطعتي البيتزا بينهما، تتصاعد منهما رائحة الطهي الطازج الساخنة الشهية، كانت "بتول" من عشاق البيتزا، لكنها في تلك اللحظة، وبرغم جوعها الحقيقي، لم تجد في نفسها شهية لتناول قطعة واحدة منها، أو حتى لمحاولة ذلك.. انتظرا حتى انصرف النادل، ثم عادا يتحدثان متجاهلين تمامًا الطعام الموضوع أمامهما.. استأنفت البنت كلامها بثقة وإصرار:

- وبعدين أنا عارفة أنت بتتكلم عن إيه بالظبط، وسبق وحكتلك كل حاجة حصلت بالملي.. لا خبيت ولا أنكرت حاجة، وسألتك صراحة إذا كنت تحب تكمل معايا حتى لو كانوا عملوا فينا حاجة فعلًا  ولا لأ، وأكدت لي إنك مصر تفضل وتكمل معايا.. مش ده اللي قلته بعضمة لسانك؟! إيه بقى اللي اتغير دلوقتي!

نبتت قطرات عرق مفاجئة على جبين "حسين"، وأحس إرهاقًا غريبًا وسخونة في أطرافه وقال متلعثمًا مداريًا قلقه:

- مفيش حاجة اتغيرت إحنا زي ما إحنا.. كل الحكاية إنه مينفعش نبدأ حياتنا سوا وحد فينا مخبي حاجة عن التاني!

فكرت "بتول" للحظة، ثم فجأة انفتحت متكلمة ببطء وتركيز، وفي جمل متوالية قصيرة ومحددة قصت عليه كل ما حدث، من اللحظة التي كانوا يقفون عليها على سلالم النقابة، وحتى خروجهم من الحجز بعد يومين، روت له كل شيء، حتى النقاط الرمادية التي تخيلت أن ذاكرتها قد أسقطتها، عادت تطفو على السطح وتشرق في وعيها من جديد، ووجدت عقلها يستعيد مشاهد ونقاطًا، وربما جملًا عابرة أو كلمات تافهة بلا معنى، أحداث صغيرة سقطت من ذاكرتها، لكنها تكتشف الآن أنها لم تسقط ولم تضع، فقط كانت مخفية في حرز أمين، داخل ركن آمن مظلم ساكن من عقلها، وها هي تخرج إلى النور، حينما أرادت استعادتها وإعادة تذكرها وإخراجها إلى ضوء الشمس الذي تختبئ منه وتخافه.. لكن "بتول" لا تخاف شيئًا وليس لديها ما تخفيه أو تخشى الاعتراف به.

قالت له كل شيء للمرة الثانية، وأستمع إليها بأذن صاغية وبانتباه كامل للمرة الثانية، لكن مسحة التصديق على وجهه كانت أقل، أو هكذا تخيلت، من المرة الأولى!

تنهد أخيرًا ومد يده يداعب بأصابعه أعالي علبة المشروب الغازي المعدنية، ويديرها بين أصابعه معطيًا نفسه مهلة للتفكير.

أخيرًا قال وعلى وجهه ابتسامة حنون:

- قلتِ حاجات أول مرة أسمعها.. الظاهر إن في تفاصيل كتيرة لسه مش حابة تقوليها لحد..

قاطعته بصبر نافد وبعيون نصف مقفلة:

- في تفاصيل كانت غايبة عني، كنت ناسياها.. لكن كل التفاصيل بعيدة خالص عن اللي بتتصوره!

فجأة سألها ووجهه مقطب:

- إشمعنا أنتوا؟!

لم تفهم جيدًا، فسألته مستفهمة وهي صادقة تمامًا في رغبتها في فهم ما يقصده:

- إشمعنا إحنا إيه؟!

محاولًا تخفيف وقع كلماته القاسية قال:

- يعني.. أصل الناس دي معروفة إن معندهمش لا دين ولا ضمير، ومش بيفرق معاهم حاجة ولا حد بيحاسبهم، وكتير قوي سمعنا عن حاجات حصلت لبنات وستات في معتقلات وأقسام شرطة، العادي يعني.. وأنتِ وزميلاتك فضلتوا في الحجز يومين، تلات بنات، مفيش حد يحميكم، ولا ليكم ضهر، فمش منطقي إنهم ميتعرضوش ليكم بأي أذية غير شوية خرابيش وجروح بسيطة، وأنتِ بتقولي إنها كمان من الكر والفر بينكم وبين الشرطة ساعة فض المظاهرة.. يعني معنى كده إنهم ملمسوكمشي وأنتوا هناك خالص.. ده مش منطقي وصعب يدخل دماغ حد!

قطبت "بتول"، وقد  أدركت ما خلف كلماته المنتقاة بعناية من اتهامات خطيرة ومؤلمة، تساءلت مبتسمة بألم:

- قصدك يعني إني أنا كدابة!

بسرعة نفى التهمة عن نفسه قائلًا بمظهر رجل شريف صادق:

- لا لا أبدًا.. بس يمكن في حاجة مكسوفة تقوليهالي.. يمكن خايفة!

لم تعطه "بتول" الفرصة ليستكمل بقية قائمة اتهاماته المهذبة التي يغرسها كحد سكين في قلبها، ويمزق بها أطراف روحها.. هبت واقفة واختطفت حقيبتها، التي علقتها في مسند المقعد الذي تجلس إليه.. اسود وجه "حسين" ومد يده، وقبض على ساعدها محاولًا إجبارها على العودة إلى الجلوس ثانية، لكنها أفلتت يدها منه بقوة وقالت له بحزم:

- يلا بينا!

وقف بدوره وتوسل إليها بحرارة قائلًا:

- بتول حبيبتي.. إحنا بس بنتكلم سوا زي أي اتنين أصحاب متكبريش الموضوع..  لسه في كلام كتير محتاجين نقوله..

قاطعته وهي ترتعد من الغضب وخيبة الأمل:

- هتروحني ولا أروح لوحدي؟!

حاول إيقافها ثانية، لكنها علقت حقيبتها في ذراعها، وأبعدت مقعدها بعصبية إلى الوراء لتتمكن من المرور، ثم دارت حول المائدة، ووصلت إلى طرفها الأخر الذي يطل على السلم الحلزوني.. أمسك بذراعها في محاولة أخيرة يائسة لإجبارها على التوقف، لكن ما من قوة على الأرض حينها كانت تستطيع إيقافها وصدها.. أبعدت يده عن ذراعها، ثم بدأت تخطو نحو رأس السلم لتهبطه.. استدار "حسين" ليلقي نظرة عجلى على المنضدة والطعام الذي لم يستهلك منه شيئًا، ألقى بورقة مالية صغيرة كبقشيش للنادل.. ثم هرول خلف "بتول" وهو يدس هاتفه بعجالة في جيب سرواله.. كانت "بتول" قد سبقته بثلاث درجات سلم فحث خطاه ليتمكن من اللحاق بها!


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...