التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بتول : ماذا فعلوا بالشمس ( رواية مسلسلة ) الحلقة الثالثة والعشرون ( الأخيرة )

 

هبطت على السلم وهي لا تكاد ترى الطريق ولا درجات السلم المصفوفة تنازليًا أمامها.. كانت عيناها شاخصتان تحدقان في مجهول، مجهول تراه ولا يراه غيرها.. إنها ترى عمرها الذي انقضى، وهو قليل بميزان الزمن والبشر، وعمرها الآتي الذي يهل مقبلًا من بعيد، وهي لا تعرف عدده ولا حصره.. لكنها تعرف شيئًا واحدًا، أنه ليس لديها استعداد أن تعيشه وهي تبرر نفسها، وتختلق الأعذار، وتقبل الدنية في نفسها، وتعيش نهبًا لسوء الظن، ولرجل يفرض تنازلاته الخيالية عليها، ويظن أنه يحسن إليها إذ يقبلها بعد ما (حدث) لها، حبيب يرفض أن يقف بجانبها في أدق لحظاتها وأكثرها صعوبة، ويريد أن يمد يديه، هو وأمه وأهله وأهلها تحت ثيابها؛ لينقبوا عن الشيء الأهم والأكثر قيمة عندهم.. حصروا وجودها في شيء صغير تمتلكه ملايين غيرها، وتفتقده ملايين أخريات، وجعلوه مدار وجودها وسببًا من أسباب بقائها.. إنها تدرك الآن وتفهم، بعدما جرى أمامها بأعلى، بعدما رأت أمًّا محمولة ميتة، وقد فارقت الحياة منبوذة وقد فقدت حياتها وأولادها وزوجها وتحطمت أسرتها، وفقدت الرغبة في البقاء والعيش والاستمرار، تفهم وتدرك كيف يفكر خطيبها، وما يدور بخلده تحديدًا.. إن الحب يصنع هالة زائفة حول المحبوب، خاصة المحبوبة التي تتخذ شكل آلهة الطهر والإخلاص والنقاء.. يرفع الرجل حبيبته إلى منزلة الآلهة، إلى منزلة المرأة السماوية المجردة من شهوات الأرض وأهوائها، يسبغ عليها صفات علوية ويعتبر سائر نساء الأرض من أهل الأرض، بينما حبيبته وحدها من أهل السماء، فقاعة زائفة تنفجر وتتلاشى حينما ينالها لأول مرة، بزواج أو بدون زواج، يتغير داخله شيء ويتبدل لون حبه لها، إنه يكتشف أن حبيبته ليست إلا زوجًا من الأفخاذ وثديين وجذع وساقين ورحم.. تهوي صورتها من عل، ويبدأ ينظر إليها بمنظار جديد.. صورة الأم المقدسة المختلطة بخيالات الشعراء السابحين في الوديان، الباحثين عن أجداث حبيباتهم ليموتوا فوقها، تنهار وتتفكك وتتلاشى.. ثم ترتفع في السماء كسحابة غبار وتنطلق كل ذرة في طريقها.. وتستمر الصورة تبهت وتزول مع استمرار العشرة ودوام الحياة ومخالطة الزوجين في كل الأوضاع.. لذلك كثيرًا ما لا يصمد حب ما قبل الزواج إلى ما بعده؛ لأنه حب مبني على تصور خيالي، على صورة رمزية.. لكن الأمر يزدوج ويتعقد ويصبح أكثر خطورة في حالة سقطت الفتاة بين يدي محبوبها قبل أو بدون زواج.. إنها تحطم أيقونة في داخله وتعلن له أن آلهته الوثنية ليست إلا وهمًا.. إنها مجرد امرأة، فتاة، تملك كل ما تملكه الأخريات، وتفتقد كل ما يفتقدنه.. الفتاة التي تعطي نفسها لمن تحب بدون زواج تجعل خطًا مستقيمًا داخله يتعرج وينحني.. كراهية الشاب لها بعد ذلك ونفوره منه يكون شبيهًا بنفور المؤمن من عالم يثبت له ببرهان قطعي أن إلهه الذي يعبده ليس إلا وهمًا وخيالًا.. إن المؤمن يكره الملحد لأنه يحطم ثابتًا داخله ويزحزحه.. وكذلك يفعل الرجل مع المرأة التي أحبها ومنحته نفسها بدون قيد رسمي.. يكفر بها وبحبه له، ويعرف أنه واهم، وأنه لم يحب إلا امرأة عادية.. امرأة لا يمكن الحصول عليها بعقد زواج رسمي وحسب.. بل أيضًا بلا عقود ولا عهود مكتوبة!

هذا تفكيره في حالة إذا كان الخطأ معه وبين يديه، فما بالها لو كان يشك أنه اعتُدي عليها من رجل آخر، رجل غريب، لامس جسدها وكشف لحمها ومزق ثيابها، وجعلها جارية لأهوائه ولو لمجرد لحظة واحدة عابرة من الزمان.. ليس بوسعه أن يغفر أو ينسى لحظة كتلك!

كانت ستتقبل طريقة تفكير كتلك لو كان "حسين" زوجًا افتراضيًا وخطيبًا عرفته على كنبة الصالون، لكنه حبيبها وقد اختاره قلبها، ومرا بآلاف المواقف الصعبة معًا.. خطيب عادي كان يمكنها أن ترد إليه شبكته وهداياه وتكسر وراءه مائة قلة وتنساه قبل حلول الصباح.. لكنه حبيبها وحبة قلبها وانتقته بعينها وقلبها، فكيف يتخلى عنها في لحظة كتلك، ولما يحاصرها بسوء ظنه، ويتركها فريسة ونهبًا لقرارات أمه وتحرشات المنقبين عن عذريتها، والخائفين على شرفها لكن عليها هي لا!

ماذا لو كانت قد اختطفت من الطريق العام، واغتصبت هل كان سيتخلى عنها ويبعدها ويتركها بلا ألم ولا ندم؟!

إنها تحبه نعم، وسوف تظل تحبه.. لكن من لا يقبلك في محنتك لا يستحق أن يشاركك لحظات فرحك.. ولا أن تكون أنت سببًا في منحه لحظات من الفرح!

شعرت بقوة مفاجئة تسري في عروقها، ففتحت حقيبتها بهدوء وأخرجت هاتفها المحمول، كان مطفأ فشغلته وانتظرت حتى انتهى تحميل البيانات.. أضاءت شاشته في وجهها وانعكس الضوء على قسمات وجهها وقد تجمدت، أصبحت ملامحها مرسومة على وجهها كدائرة مرسومة بالطبشور على الأرض، جامدة خاوية من الحياة، ضعيفة يمكن إزالتها بجرة خرقة أو قدم تعبر فوقها، لكنها تزول بدون أن تتألم أو تصرخ.. تذهب في هدوء، وتختفي غير مخلفة أثرًا، لكن يكفيها فخرًا أنها قوية لا تستنجد بأحد، ولا تملأ الدنيا صراخًا وعويلًا مثلما يفعل البشر!

أغمضت عينيها للحظة، وتنفست بعمق، كانت تشعر بالحرية تسري في أعطافها، وبالقوة تصعد إلى قلبها ومراكز عقلها.. راجعت قائمة مكالمتها الواردة الأخيرة، كان اسم "حسين" هو أول اسم فيها.. ضغطت زر الطلب دون تردد، وفي أقل من لحظة وجدته يرد.. سمعت صوته حزينًا مكسورًا يقول لها دون مقدمات:

- كنت بحاول أكلمك من بدري تليفونك كان مقفول.. عايزك ضروري!

ردت عليه بهدوء:

- أنا اللي عايزاك!

- أجيلك البيت ولا أنت في الشغل!

ردت عليه بملامحها المتصلبة:

- لا ده ولا ده.. تعالى في شارع (عبدالمنعم رياض) عند نمرة (9) هتلاقيني منتظراك تحت!

اعترته دهشة عارمة وهتف متسائلًا بقلق:

- ليه يا "بتول" هنعمل إيه هناك؟!

ردت عليه بحسم قبل أن تغلق الهاتف وتنهي الاتصال دون سلام ولا كلام إضافي:

- هتعرف لما تيجي.. متتأخرش!

انتهت.. ثم تحركت إلى وسط الشارع وأوقفت سيارة تاكسي وأملت للسائق نفس العنوان الذي أعطته لـ "حسين" منذ دقيقة!

...

نزل من التاكسي ليجد نفسه في شارع مزدحم.. كان هذا وقت الذروة والسيارات تندفع في الاتجاهين.. وبالمثل كانت الأفكار تندفع في الاتجاهين في داخل رأسه.. إنه حائر مبلبل مرتبك، لقد غادرت أمه المنزل ليلة أن ذهب يحاول إقناع أهل "بتول" بتزويجه إياها بدون حضور عائلته، ذهبت إلى بيت خالته في (الصف)، مهددة بعدم العودة في حالة نفذ ولدها ما يضمره وأدخل عليها هذه الفتاة (رد السجون) عروسًا في بيتها!

كانت أمه متشددة جدًا وقد رفضت كل الحلول الوسط التي عرضها عليها، بل إنها لم تتورع عن التشهير بخطيبته أمام أختها وزوجها الغريب، وأولادها الذين لا يكاد يعرفهم أو يعرفونه، قالت له متحدية بعناد:

- أُمال لما هي سليمة مش عايزة تكشف ليه؟! والله البت دي ما مظبوطة ولا عدلة.. دي شمال!

كانت تلك أول مرة تستخدم امرأة كأمه مصطلح (شمال)، الذي يطلقه جيله من الشباب والأجيال الأصغر، على كل بنت لا يعجبهم سلوكها، أو كل بنت ترفض تودد شاب لها، أو تسير برأسها رافضة وصاية أهله وأهل الحي وأهل المدينة كلهم عليها.. ابتسمت خالة "حسين" وقالت ملمحة إلى شيء فهمه الشاب على الفور:

- والله أمك عندها حق! ما كنا بنات لا عمرنا نزلنا مظاهرات ولا دخلنا أقسام ولا حد شاف كعب رجلنا.. هو في أحسن من البنت اللي قاعدة في بيتها كافية خيرها شرها لا حد يجيب في سيرتها ولا تجيب في سيرة حد!

وفي تلك اللحظة، وكأنها مصادفة كونية، دخلت ابنة الخالة، التي حصلت على دبلوم الزراعة، وجلست في البيت تنتظر العريس لتقدم لهم (الساقع) وهي تبتسم بخفر وحياء!

رمقتها الخالة بإعجاب ورفعت حاجبيها قائلة في خبث نسائي مكشوف وساذج جدًا:

- آدي البنات اللي الواحد يأتمنها على عرضه! مش اللي دايرة على حل شعرها وعاملة نفسها راجل!

وقف كلام الأم في حلق "حسين" وشعر أنه سيختنق، فقد فهم من كلامها أنها لم تقرر فقط الوقوف في طريق إتمام زواجه من "بتول"، بل إنها تخطط لشيء آخر ولن تني عن الزن على رأسه وتسويد عيشه حتى  يحقق لها ما تريد!

استأذن منصرفًا بسرعة.. وقد قرر أن يحسم الأمر- اليوم وليس غدًا- مع حبيبته!

لكنها كانت أسرع منه.. وقد قررت أن تتخذ هي زمام المبادرة في تلك المرة!

...

حينما نزل على الناصية اليمنى من الشارع لم يجد "بتول" تنتظره كما أخبرته.. تلفت حوله وقد خطر له أنها ربما كانت تسخر منه، وتدبر له مقلبًا سخيفًا.. ثم سمع صوتًا ينادي اسمه.. كان الصوت صادرًا من أعلى فرفع رأسه غريزيًا ليجد خطيبته تطل عليه من الدور الثاني لعمارة كبيرة فاخرة البناء.. لم يعرف لماذا أحضرته إلى هنا، ولا لأي هدف.. كانت تلك أول مرة يزور هذا العنوان، ولا يعرف أحدًا فيه.. خطر له أن الفتاة تستدرجه لتحدثه بعيدًا عن أبويها وأمه.. لكن ماذا جاء بها إلى هنا ولماذا هنا تحديدًا؟!

هل جاءت وحدها أم معها أحد؟!

ارتجف حينما ضبط نفسه يفكر فيها بتلك الطريقة، وشعر بالعار، ثم انتبه إلى أن واجهة العمارة مملوءة بيافطات كبيرة معظمها تحمل أسماء أطباء مختلفي التخصصات.. أنف وأذن وحنجرة، قلب، أوعية دموية، جلدية وتناسلية، أورام، نساء وولادة!

تعجب من الأمر.. فهل تكون "بتول" مريضة وتخفي الأمر عن أهلها؟!

فجأة وجدها أمامه، كانت عيناها متورمتان قليلًا ووجهها محمر صاخب، لكنها صلبة باردة وحادة النظرات.. هم بأن يسلم عليها ويسألها عما تفعله هنا، لكنها عاجلته ببرود قائلة:

- تعالى ورايا!

نظر إليها مندهشًا ولم يتحرك من مكانه.. لكنها مدت يدها وجذبته خلفها.. ثم دخلا معًا إلى العمارة الفخمة.. واستقلا المصعد إلى الدور الثاني!

...

وجد نفسه معها في عيادة نساء وتوليد شبه شاغرة.. كانت هناك تمرجية تجفف الأرضية، التي انتهت من مسحها لتوها، وممرضة ترتدي ملابس بيضاء وحجاب صغير أنيق مربوط حول رقبتها تجلس إلى مكتب مصقول نظيف تتكدس فوقه الأوراق.. هتفت حينما وقعت عيناها على "بتول" مشيرة نحو الغرفة التي توجد على جدارها لافتة صغيرة بحروف بارزة عليها اسم الطبيبة:

- اتفضلي يا آنسة "بتول"!

التفتت "بتول" خلفها ونظرت إلى "حسين" وكأنها لا تراه وقالت له آمرة:

- استناني هنا!

دخلت غرفة الكشف وأغلقت خلفها الباب.. ولم تكد تمضي عشر دقائق، قضاها "حسين" جالسًا على خازوق من نار، حتى خرجت ووجهها هادئ ثابت الملامح.. لم يتغير فيها شيء لكنها وجهت إلى "حسين" أمرًا نافذًا قائلة:

- الدكتورة عايزاك!

رفع حاجبيه مندهشًا وعجز عن الكلام وعن الحركة والتصرف.. لكن "بتول" دفعته نحو غرفة الكشف وأدخلته.. ثم أغلقت خلفه الباب!

...

خرج بعد ثلاث دقائق مطأطئ الرأس منكس الذقن ووجهه مسودًا.. كانت "بتول" قد وقفت تنتظره بمجرد أن سمعت صوت دوران رتاج الباب، اقتربت منه بهدوء وألقت عليه نظرة طويلة صامتة.. همهم بكلمة غامضة ثم ظهر صوته مضعضعًا وهو يقول:

- "بتول" أنا والله..

همست له وهي تضع أصبعها على شفتيها وقد لمعت عيناها وصار شكلها مرعبًا حقًا:

- متتكلمش!

كانت تمسك شيئًا تضم عليه أصابعها في اليد الأخرى.. فأمسكت يد "حسين"، الذي كان كدمية مطاطية لا تستطيع الحركة ولا المقاومة ولا التحكم في أوصالها، تناولت يده وفتحت كفه.. ألقت في كفه المفتوح شيئًا ثم ضغطت على أصابعه وأغلقت كفه عليه.. كان شيئًا دائريًا ثمينًا صغيرًا.. كان حلم خمس سنوات وانتظار ليالٍ طويلة، وشوق للاجتماع بمن تحب والبقاء معه من الموت وحتى الموت.. كانت عاصفة صيف عاتية وقد أطاحت بكل أحلام الربيع، وأوهام الخريف، وخيالات الشتاء الدافئة الكاذبة.. في صيف واحد تكتشف أن حلم خمس سنوات باطل ولا طريق يوصل إليه.. ما أغرب الفصول وما أعجب تقلباتها!

كانت دبلة خطبتهما في كفه المضمومة الآن.. أملاكه رُدت إليه.. لكن "بتول" نفسها كانت قد انفلتت من بين يديه ومضت.. مخلفة إياه واقفًا وحده وسط العيادة الخاوية!

...

هرول في الشارع باحثًا عنها.. كانت قد سبقته بعدة أمتار فأحد خطاه ليلحق بها.. كانت تسير في هدوء وقد وضعت يدًا حول حقيبتها، بينما انطلقت الأخرى حرة تلامس وجهها وطرحتها بحرص.. كانت تسير سيرًا حثيثًا بينما يجري هو، لكن لأنها انطلقت قبله فقد كادت تصل إلى نهاية الشارع قبله.. ناداها مرتين فلم تستدر ولم تلفتت إليه.. خشي أن يفقدها وأن تستقل تاكسيًا وتغيب عن بصره.. فضاعف من سرعته في الجري.. الغريب أنه لم يكن قادرًا على اللحاق بها رغم ذلك.. فقد أخذت المسافة بينهما تتسع حتى أصبح الشارع كله يفصل بينهما!

كانت تسير أمامه مخفية وجهها عنه.. هادئة رزينة ثابتة لكنها لم تكن تدرك أنها تبكي وأن الدموع تملأ عينيها!

كان يناديها لكنها لم تكن تسمعه، دموعها كانت تحجب صوته عنها.. إنها تسمع طوال حياتها أن الدموع تحجب الرؤية.. لكنها تعرف للمرة الأولى أن الدموع يمكن أن تحجب الصوت والسمع أيضًا!

فجأة انتبهت "بتول" لظاهرة غريبة.. أن الشمس تتقلص وتكاد تختفي عن عينيها.. الدنيا تغيم أمام وجهها ومدى الرؤية يتقلص!

من المدهش والغريب أن تغيب الشمس الآن، أو أن يخفيها الضباب في هذا الجو الصحو الصافي.. توقفت الفتاة مكانها ورفعت وجهها لتنظر إلى السماء مستطلعة هذه الظاهرة الخارقة..

تطلعت إلى السماء لكن ستارًا شفافًا كان يحجبها عنها.. تعجبت وأحاطت وجهها بكفيها ونظرت ثانية وهي تسأل نفسها تاركة دموعها تسيل أخيرًا وتخلي سبيلها:

- هي الشمس راحت فين؟!

ثم واصلت طريقها وهي تفكر بأنها يجب أن تكتب قصتها يومًا ما.. ولسوف تبدأها بذلك المشهد الغريب.. المشهد الذي احتجبت فيه الشمس عن عينيها في منتصف الظهيرة ولسوف تبحث بإصرار ودون تهاون عن إجابة هذا السؤال الذي يطن في أذنيها الآن ويصدع رأسها!

"بتول".. أين ذهبت الشمس؟!

ماذا فعلوا بها؟!

 


 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...