التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بتول : ماذا فعلوا بالشمس ( رواية مسلسلة ) الحلقة الحادية والعشرون

 

جلست إلى مكتبها الأنيق المنسق تخطط مقالها، وتضع له رؤوس مواضيع وعناوين رئيسية، كان موعد تقديم تحقيقها مكتملًا هو اليوم، لكنها كانت تخطط لشيء مهم.. أرادت أن تضيف إلى عناصرها عنصر الملاحظة والمشاهدة العينية، وتنقل للقارئ وصفًا حقيقيًا لمشاعر أم تقبع في سرير المرض، منتظرة موتًا سريعًا عاجلًا يقصف عمرها؛ لتترك زوجًا وأطفالًا محطمين خلفها.. أو موتًا مؤجلًا، تدفع من خلاله بالتقسيط من عمرها آلامًا وتحتمل لومًا وتأنيبًا، وتحميلًا للمسئولية، وفقدانًا لطعم الحياة وحسرة على طفلة كانت- منذ أيام قليلة- تستقبل الحياة، فإذا بها، ونتيجة فعل صغير من حيوان لا يميز بين الخبيث والطيب، ولا بين المرأة والطفلة، التي هي مشروع مبكر لامرأة لم  يئن أوان إطلاق هذا المسمى عليها بعد، زهرة قُطف عمرها مبكرًا دون وجه حق.. أم ترقد بانتظار أحد أمرين كل منهما أسوأ وأعظم خسارة من الآخر!

إنها تريد أن ترى تلك الأم، وتريد أن ترى الطفلة أيضًا.. تريد أن تسمع من الضحيتين في تلك الجريمة، ففي كل أنواع الجرائم يقع الجرم على ضحية مباشرة، أو ضحايا، وحدها.. أما في الاغتصاب وحده فإن المجني عليهم يتجاوزون مجرد فرد واحد أو ألف، إنها أسرة كاملة، وربما جيل، بل ربما أجيال متعاقبة تدفع ثمن جريمة كتلك.. تتجلل بعارها، وتعاني من وبالها، وتهاجر من أرض إلى أرض أخرى، وقد تترك كل ما لديها، من أجل لحظة قصيرة غلبت فيها هرمونات إنسان إنسانيته.. وغلبت فيها عوامل الطبيعة كل ما تناقله وكل ما اخترعه جنس الإنسان من قواعد وما التزم به من أخلاقيات وقوانين!

إنها لحظة عاتية حيث يتجرد الإنسان من جلده المزخرف؛ ليعود حيوانًا، رجل كهوف.. يشارك الحيوانات وحشيتها وبدائيتها وهمجيتها.. الفارق الوحيد أن الحيوانات لا تجتمع أبدًا على لوم الضحية مثلما يفعل البشر!

إنها تعلم أن الأم لا تزال في المستشفى، وعنوان بيت الأسرة لديها، وعنوان بيت المتهم أيضًا.. بشكل ما لا تريد رؤية بيت المتهم، ولا رؤية عائلته، إنها تثق بأنهم حوصروا بجيوش من الصحفيين والإعلاميين والمحققين والشامتين والمتظاهرين بالاشمئزاز والتعالي والشموخ المثالي الفلسفي.. لابد أن طوفانًا من الأسئلة والتوبيخات واللعنات قد حاصرتهم، حيث يتوجب عليهم كل مرة أن يجلسوا أمام العدسات وعلى وجوههم شاش العار الأبيض؛ ليتكلموا عن ثقتهم في براءة أبيهم، وأن التهمة ملفقة، وأن ثمة مخلوقات فضائية آتية من عوالم أخرى تتآمر على أسرتهم الكريمة، وعلى أبيهم الذي لولا أن سبقهم القضاء والقدر باتهامه في تلك التهمة الملفقة، لكان قد تم اختياره معلمًا مثاليًا، وربما المواطن المثالي للعالم كله.. الكل يتآمر علينا حتى يتم إدانتنا، فإن أداننا القضاء فتفتح صفحة وتغلق أخرى، ويكون الجنون من نصيبنا، وظروف الطفولة القاسية، والأم التي كانت تضربه على مؤخرته حين يبول على نفسه، والأب الذي كان يصرخ في وجهه ويحرمه من الحلوى.. مبررات مبررات.. لا يا عزيزي رجل كهذا ليس مجنونًا، أغلب المجرمين عقلاء جدًا.. لكنهم مجرد بشر استسلموا لنوازع لا يجرؤ الآخرين على الاستسلام لها.. الكل يريد أن يقتل، لكن القتلة وحدهم هم من تجرؤا على تنفيذ ما يدور برؤوسهم، المجرمون ليسوا مجانين؛ لأنهم لو كانوا مجانين حقًا لعاشوا حياة يدورون في ساقية، معلقين فيها ليل نهار، وكل هدفهم في الحياة أن يأتوا للعالم برقاب أخرى يعلقونها مكانهم في نفس الساقية قبل رحيلهم.. لذلك لا يجب أن يُقبل دفاع مجرم بالجنون.. فالمجانين حقًا لديهم طرق أخرى لإظهار جنونهم غير الجرائم الصغيرة التافهة!

لا تريد "بتول" أن ترى أسرة المتهم ولا منزله، فهي تعرف ما ستجده هناك، وتعرف ما الذي ستسمعه، إن قبلوا أن يتحدثوا معها ويعطوها كلمة، ممن يعيشون هناك!

فكرت قليلًا ثم توصلت إلى الاختيار الأفضل المطروح أمامها.. سوف تذهب لزيارة الأم في المستشفى!

...

استدعاها رئيس التحرير إلى مكتبه، كان هناك اجتماع مصغر حيث وجدت رؤساء أقسام التحقيقات، والصحة والجمال، والمرأة، والإعلانات، متجمعين وملتفين حول الأستاذ "راجـي" في حلقة مفرغة كاملة الاستدارة.. شعرت بالدهشة وقليل من الارتباك لوجودها وسط كل هؤلاء الأعلى منها مرتبة والأكثر منه خبرة وحنكة في العمل الصحفي، وبصحبة رئيس التحرير نفسه، لكن الرجل كان لبقًا وبسيطًا فطلب إليها أن تأتي نحوه، ثم سألها بود عما وصلت إليه في تحقيقها بشأن الانتهاكات التي يتعرض لها الأطفال ومن هم دون سن البلوغ.. همست بصوت مبحوح ما لبث أن استرد قوته وحيويته الطبيعية وهي تقول:

- هقفله النهاردة.. بس لسه عندي زيارة صغيرة وهرجع أكمله وأسلمه للمطبعة!

نهض رجل متحفظ الثياب، يقف بقميص شاهق البياض وسروال سميك مكوي جيدًا وزوى ما بين حاجبيه قائلًا في اعتراض واحتجاج رسمي بارد:

- هو سعادتك ناوية تبعتيه المطبعة من غير ما يمر عليا وعلى السيد رئيس التحرير ولا إيه يا شاطرة؟!

كان هذا هو رئيس قسم التحقيقات المعروف بتحفظه وروتينيته وعشقه للرسميات، وكانت لغته كريهة، وطريقته مطابقة لطريقة المسنين والكهول الذين يعتبرون أنهم حاذوا خبرة العالم كله، ويفضلون أن ينظروا إلى الأجيال الأقل منهم عمرًا كلها، حابلها ونابلها، على أنهم مجرد عيال!

لكن رئيس التحرير خف لنجدتها فقال وهو يبتسم برقة:

- الآنسة قصدها يعني هيكون جاهز نبعته المطبعة بعد ما نراجعه يا أخينا.. متبقاش حنبلي كده وتقف على الوحدة!

سكت الرجل مغلوبًا.. لكن "بتول" أحست بود مفاجئ نحو رئيسها الجديد الذي بدا متفهمًا وحنونًا أكثر مما توقعت!

نظر إليها الرجل لمدة نصف دقيقة ثم صفق بيديه مشجعًا وقال بطريقة مرحة:

- يلا يلا بقى يا بطلتنا.. شوفي هتروحي فين عشان تخلصيلنا التحقيق الجميل ده.. على فكرة فلوس المواصلات على المجلة!

استأذنت لتذهب مبتسمة رغم كل شيء.. ثم خرجت مخلفة وراءها الآخرين منكبين على أعمالهم.. ومقرًا يغلي محمومًا استعدادًا للعدد الجديد من المجلة.. العدد الذي يخططون ويتمنون أن يكون مختلفًا ومدويًا!

...

كانت أم الطفلة المجني عليها محجوزة في (مستشفي المعادي العسكري)، بعد إصابتها بجلطة في القلب عقب علمها بما جرى مع طفلتها.. كانت المرأة ترقد في غرفة العناية المركزة نظرًا لخطورة حالتها.. أعلن الأطباء أنها لا تستجيب للعلاج، مضت بضعة أيام وهي ملقاة في فراشها، تحيطها أجهزة التنفس والرعاية وتمتد، منها وإليها، الخراطيم.. كان الطب الحديث يقاوم، والمرأة تدافعه بمقاومة مضادة ورغبة هائلة في الموت.. لم يكن أحد بجانبها في المستشفي سوى أمها!

لقد حضر زوجها بشكل سريع جدًا من السعودية حيث يعمل، حينما انتشرت أخبار الجريمة التي تعرضت لها ابنته.. كانت الطفلة قد أدلت بأقوالها، وتم صرفها من سراي النيابة برفقة عمها وخالين من أخوالها، كان العم معقود الحاجبين ووجهه مغبرًا بالغضب والسواد والحزن.. جذب الطفلة من عنقها بقسوة وقال موجهًا كلامه في الأصل لشقيقي زوجة أخيه، أم الطفلة:

- يلا فضحتينا أنتِ وأمك!

نهره أحد أخوال الطفلة فواجهه صارخًا، وقاومه بضراوة حينما حاول انتزاع البنت منه، وقال له وقد تحول لحيوان متوحش:

- والله ما تطلع من بيتي غير لما يجي أبوها ويستلمها ويتصرف فيها براحته.. يخليها، يدبحها، هو حر في لحمه اللي اتفضح واتعرى!

أما الأم- الراقدة بين الحياة والموت- فلم يكن بيدها شيء.. لقد جاء زوجها، وذهب من فوره إلى بيت أخيه، ثم أخذ ابنته، وأخاها وأختها من هناك، واختفى بهم دون أن يفكر في إلقاء نظرة واحدة على زوجته، وأم أولاده، التي يعلم أنها في المستشفى في حالة خطرة!

لقد تحملت المرأة أمام الآخرين وزر ما حل بابنتها، وتدهور حالتها المستمر، ورفض جسدها الاستجابة للعلاج لا يعني سوى أنها تحمل نفس الوزر وذات المسئولية لنفسها أيضًا.. لن تطيب لها الحياة في كل الحالات والأسلم لها أن تمضي!

فإن كنت تعيش في أرض يهاجم أهلها المجني عليه، ويلومونه، أكثر مما يهاجمون الجاني ويلومون عليه فمن الأفضل أن تذهب بسلام تاركًا لهم مبادئهم العفنة، يطبقونها على الآخرين سعداء فرحين، مؤمنين بعدالة نظرتهم.. حتى يأتي يوم يكتوون هم أنفسهم بتلك المبادئ، ويشربون من نفس الكأس الذي سقوه لغيرهم ذات يوم!

دائرة عملاقة مفرغة لا من هم داخلها راضين بالدوران فيها، ولا هم يحاولون الخروج منها.. والأكثر قبحًا أنهم لا يدعون غيرهم يفعل!

قلعة تحترق ومن فيها يجبرون الباقين على البقاء، ومن هم خارجها لا يستطيعون الابتعاد عن النار والدخان، ولا يُسمح لهم بالدخول لإنقاذ المحاصرين!

...

استقلت "بتول" المصعد إلى الدور الثاني -بعد سلسلة من الإجراءات المعقدة للسماح لها بالدخول- ولم يكن يرافقها في تلك الرحلة القصيرة سوى قلمها ودفتر صغير، وهاتف محمول تعلقت سماعتيه بأذنيها من أسفل الطرحة.. كانت تفكر طوال الدقائق القليلة التي قضتها في رحلة الصعود، سهل عليها أن تدخل لزيارة الأم، لكنها لن تقدم نفسها كصحفية.. ستذهب كزائرة، كصديقة مجهولة، كمتعاطفة، كفتاة تفهم جيدًا وتدرك فداحة ما لحق بتلك الأم المسكينة وبابنتها.. لقد ذبح هذا المجرم المحترم طفلة في عمر أبنائه، ولكن أحدًا لم يمد يده ليضمد جراحها أو جروح أمها، بل امتدت المزيد من السكاكين لتكرر ذبحهما، وتسيل المزيد من دمهما، جرم فعله غيرهما سوف تظلان طوال عمرهما ، الأم والابنة ، تدفعان ثمنه ، وتعاقبان بعقابه وتؤاخذان بسببه ، وربما عقاب الجاني نفسه وجزاءه لن يكون مساويًا لعشر ما سوف تعيشه وتعايشه وتكتوي به تلك الطفلة وأمها.. إنها تتذكر جيدًا ما قالته لها زميلتها "ماهي"، حينما علمت بقصة الاعتداء على الطفلة.. قالت لها بأن أحدًا لن يرضى بالزواج منها حينما تكبر!

مع أنها مجني عليها وليست جانية..

مع أنها طفلة وليست ناضجة يمكنها الدفاع عن نفسها ورد الاعتداء عن جسدها الصغير البكر الهش الضعيف!

سيتصور كل من يفكر في الارتباط بها أنها بغي.. أو أنها سوف تتحول إلى بغي يومًا ما!

الغريبة أننا في مجتمع يؤمن بأن المرأة ضعيفة واهنة، لا تقدر على شيء.. لكن الوضع ينقلب في حالة تعرضها للاغتصاب تحديدًا، تتلاشى معتقداتهم القديمة، وتتبدل أفكارهم مائة وثمانين درجة، وتتحول المرأة إلى كائن بالغ القوة، يمكنه أن يتغلب على عشرة  رجال.. ويمكنها أن تحمي نفسها من كتيبة مدججة بالسلاح، ويعلنون ببساطة: أنه لا أحد يستطيع أن يأخذ شيئًا من امرأة إلا برضاها!

وهم أنفسهم الذين يرمون النساء بالغباء وقلة العقل وانعدام القدرات الذهنية، ويعتقدون أنها آلة مصممة للإمتاع والحمل والولادة والطبخ، ثم يطنطنون بكيدها وقدرة كيدها، وكيدها الذي يفوق كيد الرجال والشياطين وبني الإنس والجن، متجاهلين أن الكيد يحتاج درجة عالية من الذكاء.. وأن الكيد لو كان عارًا وشنارًا كما يتخيلون لما وصف ربهم نفسه في الكتاب الذي يتعبدون به ويؤمنون به بأنه (يكيد كيدًا)!

أنت في مجتمع ليست له قواعد، مجتمع ينسج لكل حالة نسيجًا خاصًا، ويغير قناعاته ويبدلها ويتنصل منها وفق أهوائه ومصالحه.. يؤمن بالشيء ونقيضه، وبالضد وعكس الضد وبكل شيئين لا يجتمعا معًا ولا يوفق بينهما إلا الشديد القوي!

وتلك المرأة التي جنى مجرم- يرتدي ثياب رجل فاضل- على ابنتها لن يلاقي من العار والعقوبة والنبذ مثلما ستلاقي هي وطفلتها الغضة.. التي قٌصف عودها الأخضر واجتثت جذورها وهي لا تزال نبتة تحتاج إلى الماء الصافي وضوء الشمس وليس ظلام القسوة والعار والمستقبل الذي انتهى قبل أن يبدأ!

أصدر المصعد صوتًا مفاجئًا فارتجفت "بتول" وانتبهت فجأة لتجد رجلين ينضمان إليها في المصعد وأحدهما يبدأ في إغلاق الباب، تلفتت حولها مندهشة بذهن أبيض مبقع ببقع طافية بنية وحمراء قانية، أدركت حينما نظرت إلى لوحة المصعد الرقمية أن المصعد وقف بها في الدور الثالث، ودخل رجلين جديدين بينما هي لا تزال واقفة فيه كتمثال حجري.. ملأها خوف مفاجئ طارئ غريب وأحست وكأن الرجلين يغلقان عليها طريق الخروج ويضمران لها شرًا.. تنفست للحظة بصوت مرتفع وظهر عليها مزيج من الرعب والتوتر ومدت يدها نحو الباب.. سألها أحدهما بلطف:

- نازلة تحت؟!

لم تجب.. لكنها انطلقت كسهم ومرقت من بينهما بسرعة البرق حتى صارت خارج المصعد!

رمقها أحدهما وهي تجري بهلع مبتعدة وقال لرفيقه:

- مالها بنت المجنونة دي؟!

فرفع الآخر حاجبيه وابتسم ببساطة وقال وكأنه يقدم حقيقة كونية مثبتة علميًا:

- هما كلهم اتجننوا اليومين دول!

لم يفصح الرجل عما يقصده بـ (كلهم).. لكن "بتول" مضت في طريقها إلى الغرفة التي ترقد فيها أم الضحية.. بينما مضى الرجلان في طريقهما وهي لا تدرك أن أحدهما هو والد البنت المجني عليها.. وقد جاء ليلقي نظرة أخيرة على زوجته ويخبر أمها بأنه قد طلق ابنتها!


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...