عادت إلى البيت لتجد فرحة واستبشارًا مهيمنين على العائلة!
وجدت الأم وهي تجلس أمام مائدة السفرة، التي
حفلت بعدة أنواع من الخضروات والكثير من أكياس اللحوم والأسماك المجمدة، وأوانٍ
متعددة الأشكال والأحجام، وحلل صغيرة مقطع فيها بسلة خضراء وجزر، وعبوات من صلصة
الطماطم المحفوظة، وشرائح من السمك الفيليه بأكياسها.. وبمجرد أن وقع بصرها على
ابنتها العائدة من عملها، حتى انطلقت مرحبة بها بحنان زائد وغير اعتيادي، وقالت لها
وعلامات الفرح تتراقص على وجهها:
-
حمدًا لله على السلامة، يلا غيري هدومك وتعالي ساعديني.. عندنا شغل كتير، خطيبك
جاي يتعشى الليلة هو وعيلته عندنا.. وشكلهم جايين يتفقوا على معاد الفرح يا عروسة!
أحست
"بتول" بالصداع والدوار، بمجرد سماعها لهذا الكلام، وقالت لأمها محدثة
نفسها في الواقع بحيرة:
-
مقاليش يعني، كنت لسه بكلمه من شوية وأنا راجعة من الشغل في الطريق..
قاطعتها
أمها، التي لا تحب المقاطعة في هذه الأمور، حتى تتم على خير:
-
يبقى عاملهالك مفاجأة يا حبيبتي، متاخديش في بالك.. يلا عشان تساعديني ونلحق نخلص
اللي ورانا!
أذعنت
البنت، وإن كانت لا تزال الحيرة تملؤها، وذهبت إلى غرفتها؛ لتستبدل ثيابها سريعًا،
وتعود لتحتل مقعدًا مجاورًا لأمها، وتبدأ في تنفيذ ما تكلفها بها من مهام.. كانت
تقطع اللحم المجمد إلى مكعبات متساوية بينما تركيزها كله ووعيها هائمان في عالم
آخر!
إنها
مندهشة للغاية من كون خطيبها يقرر أن يزورهم؛ مصطحبًا معه أهله ووالدته، بحسب كلام
أمها، ويخبر أبويها بذلك؛ ملمحًا إلى أن سبب زيارته هو التفاهم في إجراءات إتمام
الزواج، ويبدأ منزلها يستعد للزيارة المرتقبة، ويشترون كميات هائلة من الطعام،
ويبدءون في الإعداد لوجبة عشاء ضخمة، وكأنه عشاء فرح بحاله، وفي نفس الوقت يكون
معها على الخط، يحدثها في أمور عادية، ويتصرف بتلقائية وعلى طبيعته، ويتجاهل أن
يخبرها بالزيارة التي رتب لها مع والديها!
ترى
هل تجاهل إخبارها، أم أنه نسي ببساطة وبلا تعمد؟!
من
غير المقبول أن يكون قد تعمد عدم إخبارها، وهو يعرف أن من حقها أن تعرف بأمر زيارة
كتلك، وترتب نفسها وأمورها وتستعد لها، لا يمكن أن تغفر له شيئًا كهذا.. لكن
الأكثر بشاعة أن يكون قد نسي فعلًا، أينسى إبلاغها بشيء ينتظراه، هو وهي، منذ
سنوات ويتمنيان حدوثه؟!
ستغرق
نفسها في بحر شكوك في حالة ميلها إلى أي من التفسيرين؛ لذلك فليس أمامها، وحتى تمر
تلك الزيارة على خير، إلا أن تتبنى تفسير أمها البسيط:
أنه
أراد أن يفاجئها بالأمر!
كانت
يداها تعملان بدأب وبطريقة شبه آلية، بينما عقلها منشغل بالتفكير، وبإدارة الأمر،
وتقليبه على كل وجوهه في رأسها.. لكن تعودها وآليتها لم يعفياها من مشقة الأمر
وعواقبه، فوجدت نفسه تشق طرف أصبعها بالسكين وهي لا تكاد تحس، ولم تشعر بما حدث
إلا عندما سمعت صوت أمها المرتفع يحذرها بقلق وخوف مفاجئ:
-
إيه ده؟! أنتِ جرحتِ نفسك يا بنتي!
انتبهت
"بتول" لتجد أصابعها وأعلى كفها الأيسر مخضبان بالدم، فألقت السكين
وثمرة الخضار التي كانت تقطعها من يدها وأسرعت، وهي تمسك يدها وتضغط الجرح بفوطة
صغيرة إلى الحمام.. لتغسل جرحها وتنظف يدها مما علق بها من دم!
...
في
الثامنة إلا ربع حضر "حسين"، كان ميعاده أصلًا- كما حدده بنفسه- في
السابعة، لكنه جاء متأخرًا ثلاثة أرباع ساعة كاملة.. قد نلتمس له العذر بأنه كان
يجلس منتظرًا أن تنتهي زوجة أخيه من ارتداء ثيابها وأخذ زينتها، وتأخرت في ذلك،
كما هي عادة النساء، أو أنه كان ينتظر حتى تنتهي أمه من صلاة العشاء، وتضع عباءتها
وطرحتها، أو أنه تأخر لأنه كان يسند المرأة العجوز، ويساعدها في هبوط السلم هناك
أو صعوده هنا.. أو أن السيارة تعطلت بهم في الطريق، أو أي حجة من حجج الغياب
والتأخر، التي يسوقها الزائرون والتي يتقبلها المضيفون.. وليس أمامهم إلا أن
يفعلوا!
لكن
خطيب "بتول" لم يكن من حقه انتحال أي عذر من الأعذار السابقة أو سوقه
كمبرر لتأخره، الذي لم يؤاخذه أحد عليه على أية حال أو يؤنبه بسببه، فلم تكن زوجة أخيه لتعطله بانتظارها، ولم يكن منتظرًا
أن يؤذن العشاء وتؤدي أمه الصلاة ليصطحبها معه، ولم يكن مجبرًا على مساعدتها في
الهبوط من على أو الصعود على السلم.. فلا زوجة أخيه ولا أمه قد حضروا معه، بل جاء
بمفرده عبر الباب الذي فتحته له الأم متهللة الوجه، بطوله وهو يحاول أن
يبتسم.. لكن وجهه كان مسودًا وعليه سحابة
من كدر وغبرة!
تلاشت
ابتسامة الأم العريضة حينما وقعت عيونها عليه، وتطلعت إليه بقلق للحظة، قبل أن
تلملم أطراف ابتسامتها التي كادت تذوب وتختفي، وتعيد رسمها ثانية على وجهها، لكنها
جاءت باهتة مفتعلة لا روح فيها، ككل شيء نفعله بدون اقتناع أو لمجرد المجاملة..
كان الأب وولداه يحتلون حجرة الجلوس التي تركوا بابها مفتوحًا على مصراعيه،
منغمسين في حديث روتيني ممل، منتظرين حتى يطل العريس- هو وأهله- بطلعتهم البهية..
"بتول" كانت في حجرتها تعيد رسم الطلاء على شفتيها، الذي وضعته في
السابعة إلا عشر دقائق؛ استعدادًا لظهور عريسها وعائلته- في الموعد المتفق عليه-
لكن تأخره المخل واضطرارها لشرب عدة أكواب من الماء، بل وتناولها لقطعة لحم صغيرة
بالصلصة، بعد أن قرصها الجوع، جعلوها مضطرة إلى إعادة رسمه وتصحيحه، ووضع طبقات
جديدة إضافية، بمجرد أن سمعت دقات جرس الباب، وقد انتهت وخرجت من غرفتها، بينما
كان "حسين" لا يزال واقفًا مرتبكًا على الباب، وكفتها نظرة واحدة لتدرك
أنه وحده.. وأنه أيضًا ليس على ما يرام!
قادته
الأم أمامها حتى وصل إلى خطيبته التي تقف بالقرب من باب غرفتها تحدق فيه، وتعض
شفتيها بقلق حتى تلون طرف لسانها بلون الكريز الذي تغطي به شفتيها.. صافحها
بحرارة، برغم علامات عدم الارتياح البادية على وجهه، أما هي فقد انقبض قلبها،
وتسللت البرودة إلى أطرافها، وتخشبت أصابعها التي يقبض عليها بيده، حتى كادت تعجز
عن تحريكها واستردادها بعد أن أنهى مصافحته لها.. أما الأب فقد نهض واقفًا، حينما
رآه هالًّا عليه في حجرة الجلوس، ورسم ابتسامة استقبال رسمية باردة على محياه، لم
تستطع أن تخفي قلقه، أجلسوه وقدموا له عصيرًا وحلوى، جلس مرتبكًا على حافة المقعد،
وجلست "بتول" بعد تردد في المقعد المواجه له، بينما جلس الأب وابنيه عن
يمينه وشماله، أما الأم فقد تركت مقعدًا فارغًا عن يمين ابنتها، واختارت المقعد
الذي يليه لتجلس عليه.. أخذ "حسين" يتلفت حوله؛ محاولًا رسم ابتسامة
طبيعية على ملامحه التي كانت أكثر اسمرارًا مما ينبغي، لكن "بتول" وأمها
لاحظتا بقلق أنه يفرك يديه متوترًا مرتبكًا.. بعد عبارات الترحيب التقليدية قال
الشاب مفسرًا في غير إقناع:
-
معلش يا جماعة.. الوالدة بعافية شوية ومقدرتش تيجي معايا!
تبرير
واهٍ، لكنهم لا زالوا في مرحلة أدب الضيافة، ولن يعترضوا على أي شيء يقوله أو أية
مبررات يسوقها، لكن حاجبي "بتول" أعربا بصراحة عن شعورها ناحية ما يدعيه
خطيبها.. إنه يكذب ويحاول أن يداري كذبه بسوق حجج تفضحه أكثر!
شرب
"حسين" جرعة ماء، وواصل فرك أصابعه، وهو يواصل كلامه الذي لم يقاطعه أحد
خلاله:
-
أخويا ومراته عندهم مشوار فمقدروش يجوا معايا هما كمان.. والحاجة كانت عايزة تيجي
والله بس أنا قولتلها تفضل مرتاحة عشان متتعبش!
صدر
أول رد فعل رسمي من الأم التي قالت محاولة أن تبدو صادقة في تصديقها لما يقوله
خطيب ابنتها وصادقة في تمنياتها لأمه:
-
ألف سلامة عليها يا ابني.. سلامتها بالدنيا.
لكن
"بتول" كانت قد وصلت إلى آخر حدود تحملها وصبرها، فقالت ساخرة بوضوح:
-
كويس إنك أنت كمان مكانش وراك مشوار وقدرت تيجي.. حاكم أصله يوم الصدف الكونية هو!
سال
الامتعاض من عيني الأب الذي قاطع ابنته وقاطع الجميع بعذر شرعي ومقبول تمامًا:
-
ما تروحوا تحضروا لنا العشا يا جماعة إحنا جعنا..
ثم
التفت إلى الشاب المرتبك، وقال مبديًا كرمه وعطفه:
-
أمانة تلاقيك جعان أنت كمان يا "حسين"، الجماعة عاملين لنا شوية أكل
إنما إيه يستاهلوا بقك.. نبقى نكمل كلامنا وإحنا على السفرة!
رفعت
"بتول" حاجبيها، ورمقت خطيبها بنظرة جعلته يكاد يذوب خجلًا، لكنه حاول
أن يفلت من حصار عينيها له، وقال بتهذيب، وهو يربت على صدره شاكرًا وممتنًا:
-
الله يخليك يا عمي ملوش لزوم والله أنا بس هقول كلمتين كده وماشي على طول..
قاطعته
"بتول" ساخطة:
-
سيبه يا بابا.. يمكن عايز يودي الحاجة للدكتور ولا حاجة!
نظر
إليها "حسين" من أسفل حاجبيه نظرة يائسة موجوعة، إنه يعرف أنها تحس بما
يجري حولها، لم تنطلِ عليها ألاعيبه ولا اعتذراته الممجوجة المفضوحة، لكنه عاجز
أيضًا عن أن يصب كل اللوم والتأنيب عليها هي مخليًا سبيل نفسه، ومدعيًا أنه لم
يخطئ في شيء.. إنه خاضع لرؤية أمه العقيمة العتيقة، لكنه أيضًا، وهو يعرف ذلك
جيدًا، يحمل شكوكه الخاصة ويتعذب بها.. بوسعه أن يلوم حبيبته قائلًا في نفسه دون
أن يجرؤ على أن يصارحها بما يفكر فيه ثانية:
-
وهي عليها بإيه من ده كله.. ما تعمل اللي بنقولها عليه وتخلص!
لكنه
يعود إلى نفسه وإلى مسئوليته ليسائل نفسه بدوره:
-
وليه متبقاش أنت راجل.. وتخليك جنبها وتصدقها وتثق فيها!
بالفعل
هو ليس مرتاحًا لتزعزع ثقته في خطيبته وحبيبته، وكما قالت له بنفسها من قبل صراحة:
إذا كانت تكذب عليه أفلم يكن من الأسهل أن تخدعه، وتصلح ما خرب جراحيًا وتقدم له
سلعة فاسدة مغلفة بسلوفان لامع؟!
وإذا
كان يكذبها ويشك فيها، وهم لا زالا على البر، فماذا سيفعل معها حينما تصير في بيته
وفي عصمته؟!
الكارثة أنه يعرف أن الشك إذا بدأ فهو لا ينتهي
أبدًا، وشهادة طبيب بعذريتها لن تعالج شيئًا مما انكسر بينهما، ستذهب إلى طبيب
ليفحصها لترضيه وترضي أمه، لكن ما الذي يضمن له ألا تخدعه في هذا الأمر أيضًا!
ثقته
فيها هو الحاجز الوحيد بينهما، وبين انهيار حبهما وعلاقتهما، فإذا خرقا سفينتهما
من أعلاها، فهل يتوقعان ألا تغرق ويتسرب الماء إلى أسفلها.. إلى الجذر والأساس!
رفع
عينيه إليها، وهو يشعر بالسخط عليها وعلى نفسه لأول مرة، كان يمكنها أن تجنبه
وتجنب نفسها، وتجنب عائلتين كاملتين، كل هذا العذاب لو أنها كانت أقل طموحًا،
ورغبة في إبراز نفسها، لو أنها كانت طيعة أكثر، لو أن عقلها كان أكثر انغلاقًا
وجمودًا، لو أنها كانت بنتًا عادية لا تبالي بأمور وطنها ولا بلدها ولا تعرف سوى
كيف تحب وتتزوج وتسعد حبيبها وترضي بعلها!
ثمن
باهظ يدفعه الرجل الذي يقع بحب فتاة طموح في هذا الوطن، إنه وطن يكره الطموح
والطموحين، ويكره الطموح أكثر بل ويزدريه إن كان صادرًا عن فتاة!
فتاة
يجب أن تعيش في القالب، مثل الكب كيك، ولا تغادره ولا تعلو عليه، القالب يشكلها
ويضغط على روحها، لكنه أيضًا يحميها ويمنحها تلك النعمة المباركة.. أن تصبح واحدة
من القطيع لا تدرك من أمور العالم حولها شيئًا!
طفت
صورة أمه في خياله الآن، كم كان يتمنى أن تكون "بتول" صورة من أمه، أو
حتى من زوجة أخيه.. الفتيات الطموحات حبيبات رائعات.. لكنهن زوجات سيئات وربما غير
محتملات أصلًا!
نظر
إليها لآخر مرة وهو يدرك، لحظة عن أخرى، أن أي كذبة سيسوقها لن تنطلي عليها ولن
تصدقها.. أخيرًا قرر أن يكون صريحًا تمامًا:
-
الحقيقة يا جماعة.. في مشكلة في البيت والوالدة رافضة تتمم الجوازة!
شهقت
الأم وقد خاب أملها، وانطفأت جذوة حماسها بشكل مباغت، بينما ارتفع حاجبي الأب
بزاوية حادة.. بينما ظلت "بتول" نفسها هادئة ترمقه باستخفاف وتقدحه
بنظراتها الحادة نارًا تكوي عروقه:
-
أنتوا طبعًا عارفين اللي حصل بعد حبس "بتول"، وطريقة تفكير الحاجة..
وكمان العروسة عنيدة شوية ومخها ناشف..
قاطعته
"بتول" التي ضرب الدم في رأسها، ولم تعد تجد في نفسها صبرًا لمواصلة
الاستماع وهي صامتة قائلة بحنق:
-
أنا عمري ما أخلي حد يهيني ولا يمسح بكرامتي الأرض عشان تفكيره مش تمام.. اللي
عايز يصدقني يصدق مش عاوز..
لكزتها
أمها لتكف عن الكلام، لكن "حسين" ابتسم ابتسامة مشرقة، برغم أنها محملة
بالمرارة، ورد على خطيبته قائلًا:
-
وأنا مصدقك يا "بتول" وعارف إنك مبتكذبيش.. وعشان كده جاي الليلة أقدملك
إيدي تقبليها؟!
تهلل
وجه الأم لدقيقة، ثم سرعان ما انطفأ الضوء الذي أنار وجهها، عندما لاحظت ملامح وجه
زوجها غير الراضية.. هتف الأب مستنكرًا أكثر منه متسائلًا:
-
طيب يا ابني منين لسه بتقول الوالدة رافضة الجوازة دي.. ومنين جاي تتكلم في جواز؟!
أجاب
"حسين" ممزقًا بين ما يفصح عنه، وما يخفيه في نفسه:
- أنا
راجل يا عمي، ومش عيل ولا معتمد على حد.. وأنا اللي هتجوز مش هما يعني أنا حر وأنا
مسئول عن نفسي وعن اختياري.. محدش كبير عليا!
كادت
"بتول" تبتسم سعيدة بما سمعته، لكن الأب قاطع كل الانفعالات وردود الفعل
بقوله:
-
أيوه يعني هتتجوز من غير رضاهم؟!
فكر
"حسين" للحظة قبل أن يرد بارتباك:
-
مش بالظبط! إحنا هنتفق ونحدد كل حاجة، وأكيد عند الجد أمي وأخويا وأهلي مش
هيسيبوني لوحدي.. أكيد هيجوا في ليلتنا ويقفوا جنبي!
التقى
حاجبي الأب، وهو يرد ولا أحد يجرؤ على الحديث بدلًا منه، فقد صار مهيمنًا على
الجلسة وعلى الكلام:
- طاب
وده كلام برضه يا ابن الناس.. فرضنا اتفقنا وجينا نتمم، وأهلك فضلوا راكبين
دماغهم.. ومتنساش إنك هتتجوز في بيت عيلتك، والست أمك هتعيش معاكم.. هدخل بنتي على
حما مش عاوزاها ولا راضية بها!
بدأت
"بتول" وأمها يفكران في هذا الأمر الذي لم يدر لهما بخلد من قبل: ماذا
لو تزوج "حسين" من "بتول" رغمًا عن والدته؟!
ستحول
المرأة حياتها إلى جحيم، وربما تتسبب في حدوث طلاق بين العروسين!
انقبض
قلب الأم وهي تتخيل شكل حياة ابنتها في بيت تهيمن عليه حماة قوية الشخصية ومسيطرة،
وتكره البنت من صميم قلبها ولا تريدها لولدها!
انقبض
قلب الأم، بينما كانت "بتول" تحاول أن تضغط على نفسها، وتؤجل انفعالاتها
حتى ينتهي الشاب مما جاء أصلًا ليقوله:
-
أنا مسئول عن نفسي يا عمي، وهبقى مسئول عن مراتي، ومحدش له دعوة بينا.. إحنا هنعزل
وهنبقى لوحدنا، وأكلنا وشربنا على حالنا.. يعني يدوب مفيش غير البيت والسكن اللي
هيجمعونا!
قاطعته
الأم، وقد بدأت تتحمل باليأس التام:
-
ودي حاجة هينة؟َ! هيبقوا طالعين نازلين وشهم في وش بعض، يعني معقول عروستك مش
هتصبح على أمك، ولا أمك هتصبح عليها.. هيبقوا عدوين يعني؟ ده غير المعازيم والناس
اللي هتيجي تزوركم هيلاقوا أم العريس واخدالها جنب.. ليه العروسة خرج بيوت ولا مش
عاجبة حماتها؟!
التقط
والد العروس طرف الخيط، وقال مترفقًا بالشاب، الذي جاء ملقيًا بهمه عليه:
-
يا ابني الجواز مش عريس وعروسة وخلاص.. دول عيلتين بيتجوزوا بعض ولو مش قابلين بعض
عمر الجوازة ما هتعمر!
جلس
"حسين" مطرقًا، بينما انهالت فوق رأسه الحكم المنزلية العريقة، التي كان
جزء كبير منها صائبًا وصادقًا فعلًا، بينما التزمت "بتول" الصمت، منتظرة
أن ينتهي هذا الجدال الفارغ؛ لتسأل السؤال الذي يقف في حلقها.. قال الأب مستدركًا:
-
وكمان يا ابني متأخذنيش مينفعش تقف بطولك يوم الفرح من غير والدتك وأهلك، الناس
تقول علينا إيه، أخدنا الولد من أهله وناسه.. ميصحش وأنت سيد من يفهم في الأصول!
هز
"حسين" رأسه ثم أطرق، ووضع يده فوق جبهته، بينما كانت يده الأخرى تستريح
مفرودة الأصابع فوق ركبته اليسرى.
أخذ
الأبوان يقنعانه بعبثية فكرة أن يتزوج ابنتهما دون رضاء أمه، وفجأة دق جرس هاتفه
المحمول، انتفض الشاب وكأن عقربًا لدغه، ثم أخذ يبحث مرتبكًا عن الجهاز الصغير في
جيوبه.. بدا أنه لا يتذكر أين وضعه بالضبط، لكنه وجده أخيرًا في جيب سرواله
الخلفي، تناوله ووضعه على أذنه، دون أن يقول مرحبًا أو أهلًا أو أي كلمة ترحيب أخري، أخذ يستمع لمدة دقيقتين، وملامح
وجهه تتغير تدريجيًا إلى ملامح عابسة محملة بالهم، ولونه يسود أكثر فأكثر.. أخيرًا
نهض الشاب مرتبكًا، ووجهه محملًا بالهم والكدر.. استأذن سريعًا وأعلن أنه مضطر
للذهاب لأمر عاجل ومهم!
استوقفه
الأب للحظة، وسأله بقلق مبديًا شهامته واستعداده لمساعدته، إن كان بحاجة إلى ذلك:
-
خير يا ابني.. في حاجة؟! تحب أجي معاك؟!
ردد
"حسين"، واضطرابه يتزايد مع كل كلمة كاذبة يلقيها رغمًا عنه:
-
لا خير خير يا عمي.. حاجة بسيطة.. حاجة بسيطة إن شاء الله!
غادر
حجرة الجلوس أخيرًا، بعد أن صافح الجميع بسرعة واضطراب، ثم خرج يتبعه الأب، ثم أتت
الأم بعدهم، أما الولدان فقد بقيا مكانهما.. بينما انسحبت "بتول" إلى
غرفتها.. مفكرة في السفرة التي لم تُمد والطعام الذي لم يأكله أحد!
تعليقات
إرسال تعليق