التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بتول : ماذا فعلوا بالشمس ( رواية مسلسلة ) الحلقة العاشرة

 

خمس دقائق كاملة مرت وهم يحاصرونها بنظراتهم.. جلسوا بعد تبادل القبلات، وعبارات الترحيب، المحملة بقدر لا يستهان به من المداهنة والنفاق، والتأكيد على فخر الأسرة وفرحتها بالنبي الذي زارها أخيرًا، وشرف في حجرة الجلوس الخاصة بها، بينما يوشك الأنبياء كلهم أن يتقلقلوا في قبورهم اعتراضًا على هذا النفاق المبالغ فيه.. جلست الحماة المستقبلية، باعتبار ما كاد يكون مرتين من قبل، والمفترض أن يكون خلال شهور قليلة، بجوار زوجة ابنها على كنبة الصالون العريضة المريحة.. أما العريس وأخوه وشقيق العروس الأكبر، الذي أيقظوه من نومه، فجاء ناعسًا بالبيجاما وعيناه شبه مقفلتين، ووالد العروس فقد جلسوا صفًا واحدًا على أربعة مقاعد متجاورة.. بينما جلست الأم وبجوارها ابنتها على مقعدين بالقرب من الباب المفتوح، كانت الأم تخطط لأن تجلس مع ابنتها في أعماق الغرفة، تاركة صدارة الجلسة، التي تبدأ من عند زاوية فرش الصالون بداية من الباب لزوجها ولبقية الرجال.. لكنها عندما عادت و"بتول" في يدها وجدتهم قد اختاروا مجالسهم على هذا النحو، فسلمت أمرها لله، وجلست رفقة ابنتها في هذا المكان الحيوي، ويبدو أن القدر قد اختار أن يجعلها تهيمن على هذه الجلسة منذ بدايتها؛ لأنه سيكون لها دور عظيم فيها!

سلطت والدة "حسين" وزوجة ابنها الأكبر عينيهما على "بتول"، الجالسة لصق أمها.. كانت المرأتان تنظران إليها بطريقتين متباينتين، وكل منهن لديها في رأسها خواطر تختلف جذريًا عن خواطر الأخرى، وتصوراتها الخاصة بشأن البنت.. زوجة الابن، التي سوف تصبح تبعًا للترتيب العائلي، عديلة لـ "بتول" وسوف يقتسمان الأخوين والمنزل الكبير معًا، وسوف تتعاونان في كل شيء تقريبًا، أختان مرشحة كل منهما لأن تكمل الأخرى، وتمدها ببعض صفاتها ومميزاتها، وهكذا كانت "هند" تنظر إلى الفتاة، خطيبة أخو زوجها، نظرة دهشة وغبطة وحسد وخوف ممتزجة كلها مع بعضها.. إنها من قبيلة (الطيب أحسن)، وقد عاشت عمرها لا تفارق الخط المرسوم لها ولا تحيد عنه، تلهو وتتقافز يمينًا ويسارًا، وتتلاعب حول نقطة الوصول، لكنها لا تزال، كقطار جاد، ملتزمة بخطها الأساسي.. حياتها يمكن توقعها وتصورها ورسم كل تفاصيلها، حتى بدون أن تربطك معرفة مباشرة بها، بل وتوقع نهايتها بدقة دون أن تقع سوى في خمسة أو ستة أخطاء صغيرة، هي غالبًا أخطاء في صياغة الحدث لا في كيفية حدوثه، سوف تموت يومًا بشعر أبيض كالقطن، وحولها أبناءها وبناتها وأحفادها، وتحظى بلقب (المرحومة الحاجة فلانة)، ويظل الجميع يذكرها بخير، وأولادها يحرصون على زيارة قبرها في العيدين، وربما في بعض المناسبات الأسرية الخاصة، حاملين الفاكهة والقرص لتفريقها- رحمة ونور- على روحها، وإخراج صدقة العيد الصغير على روحها سنويًا، يحدث هذا لمدة عام أو عامين، خمسة أعوام ربما.. ثم تبدأ زيارات الأبناء والأحفاد تتباعد، وتبدأ المبررات وحجج الغياب في الظهور بقوة، وتشحب ذكراها في قلوبهم، ثم تموت ذكراها وتلحق بها في قبرها.. وخلال عشرة أعوام- على أقصى تقدير- تكون قد ماتت الميتة الثانية والأعظم.. ميتة الذكرى وزوال الذكريات، وتلاشي لحظاتها وصورتها من ذاكرة من كانوا يعرفونها.. وتظل وحيدة مهجورة في قبرها، لا يصلها سوى دعاء يطلقه أحد لروحها، حينما تأتي سيرتها عفو الخاطر في مجلس من مجالس السمر الرجالي، أو النميمة النسائية، أو ترحم عابر أو صدقة مفاجئة يخرجها أحد باسمها، وتظل هكذا حتى يفتحون عليها ليدفن ميت جديد بجوارها، حينئذ تعود العجلة إلى الدوران.. وعلى بدء يرجع ما انتهى لعود من جديد!

ذلك هو ملخص حياتها وأملها الأكبر هي، وقبيلة هائلة العدد من أمثالها منتشرة حول كل مكان في العالم.. أن تعيش ثم تموت في هدوء.. لذلك كانت تشعر بمشاعر مختلطة وغريبة، وهي تتطلع إلى الفتاة المرشحة لأن تكون معها، وتعاشرها معاشرة الإخوة عما قريب، الفتاة التي خرجت لتصيح وتطلق الشعارات، وتقف في وجه رجال الأمن، والتي قُبض عليها، وأحيطت بالقيود الحديدية، وحُملت في عربة الترحيلات المخيفة إلى قسم الشرطة، والتي حقق معها رجال الشرطة، وربما وكيل نيابة أنيق له هيبة وعليه سيماء الوقار، والتي اختفت يومين، ولم يعرف أحد أين هي وماذا حدث ويحدث معها، والتي ظهرت من جديد، مثلما تظهر العفاريت في ليل البيوت المسكونة بعد تجربة مريرة.. وها هي جالسة أمامها، بوجه أنثوي مزين بأناقة، وبثياب مهندمة، وببسمة تحتل شفتيها، وكأنها عفريتة أو شيخة تملك قوى خارقة، وتحس أنها لا تملك إلا أن تنحني أمامها، طالبة منها أن تسمح لها بأن تمس طرف ثوبها وتقبل يديها!

أما الحماة فقد كانت خواطرها مختلفة تمامًا؛ ولذلك استغرقت فترة صمتها وقتًا أطول، وبينما انفكت عقدة لسان زوجة ابنها، وأخذت تحادث "بتول" بل وتمازحها بتهذيب أيضًا، ظلت الحماة صامتة تراقب، بعينين حادتين، تفاصيل عروس ابنها الثاني، ورأسها مليء بأفكار تدور دورة محمومة حول بعضها وتكاد تتشابك بالأيدي وتأخذ بخناق بعضها بعضًا!

لقد كانت العروس لا تعجبها من مبدأ الأمر.. تلك الفتاة المشاغبة، العنيدة، التي نفذت إرادتها على الجميع، وعصت أمر أبيها ورغبته، ورغبة خطيبها في أن تبقى بالبيت، معززة مكرمة؛ لترعى بيتها وزوجها، وتنجب له الأولاد، وتطبخ وتغسل وتمسح وتكنس، وتؤدي دورها كامرأة على أكمل وجه.. بدأتها بالعصيان والتمرد، ثم أكملت عليها بتلك المصيبة التي حدثت لها، القبض عليها، وحبسها كالمشبوهين، والله وحده يعرف ماذا جرى معها أثناء هذين اليومين اللذين اختفت خلالهما، ولا أين كانت، ولا ماذا فعل رجال الأمن الغلاظ الشداد بها وبمن معها.. لو كانت رجلًا لغفرت  لها كل ما تقدم من ذنبها وما تأخر كذلك، فالرجل يواجه أخطارًا تخصه وحده في النهاية، يمكن أن يُضرب وأن يُسجن وأن يُعدم كذلك، لكن كل ذلك يجري عليه وحده، حتى عاره يمكن التخلص منه بالتبرؤ منه ببساطة.. لكن عار البنت يمس أهلها قبل أن يمسها، وما سميت البنت (عار) في الصعيد إلا لهذا السبب؛ لأن كل ما تفعله لا يمسها هي فقط، بل يمس أسرة كاملة، ورجال قد يضعون رؤوسهم في الطين مدى الدهر من أجل فعلة بنت واحدة لا تساوي شيئًا!

إنها لا تكره "بتول"، والحقيقة أنها لا تحبها أيضًا، خضعت لاختيار ولدها بينما كانت تفضل أن تختار هي له مثلما اختارت لأخيه.. إن مواصفاتها الخاصة وشروطها في زوجة ولدها لا تنطبق على تلك الفتاة، لكنها سكتت على مضض، ليست تلك بالبنت التي تأتمنها على ولدها، أو على بيته، أو على تربية عياله.. إنها تريد لولدها عشًا هادئًا يكون هو فيه السيد المطلق الآمر الناهي، والعش الهادئ لا تعمره برأيها، سوى دجاجة طيبة، أو بطة بلدي على الأصح، تصلح لتعميره وملئه بالكتاكيت وتربيتها.. هذه التي تجلس أمامها أنثى نسر، وليست بطة ولا دجاجة على الأرجح..

مالها ومال الصحافة والمظاهرات وأمور الرجال هذه؟!

للبنت في رأيها خط مستقيم لا يجب أن تحيد عنه، وإن حادت عنه فإما أنها فاجرة أو قادرة، والاثنتان لا تصلحان زوجات ولا أمهات.. ربما تكون "بتول" زوجة مناسبة لرجال العالم كلهم، إلا لولدها فهي تراه جديرًا بما هو أفضل منها.. عندما  تختار الأم لابنتها زوجًا فإنها تختاره مناقضًا لصورة زوجها، بينما تفضل لابنها زوجة تشبهها هي تمام الشبه، الغرور البارد للحموات اللائي يعتقدن أن مواصفات العالم متوقفة على مواصفاتهن، وأن بنات العالم يجب أن يكن صورة منهن.. إنها تريد لابنها بيتًا شبيهًا ببيت أخيه الهادئ، وببيتها هي قبل وفاة زوجها، والمؤكد أن تلك الفتاة لا تشبه زوجة ابنها الهادئة المطيعة الوديعة، التي لا رأي لها في شيء.. والمؤسف أنها- أي "بتول"- لا تشبه الحماة أيضًا كثيرًا للأسف!

جلسوا هناك يلفهم الحرج، وخواطر الحماة غير المحببة طغت على تفكيرها، وعقدت لسانها، فجعلتها غير قادرة على مجاراة أم العروس أو العروس ذاتها، أو حتى زوجة ابنها نفسها في الحديث.. تركتهن يتحدثن، بينما انشغل الرجال بحديث مختلف عن الأسعار والبنزين والإشاعات، وندرة بعض السلع وغلاء المعيشة، وظلت هي تسلط نظراتها على الفتاة التي جلست جلسة مهذبة.. لكن الحماة لم يفتها أن تلحظ النظرات الخفية والابتسامات المتبادلة بين ابنها وبين خطيبته.. فجأة طفا مشهد غريب، وأخذ يبرز رويدًا رويدًا من قاع عقل الحماة المظلم، ثم بدأت المياه تتساقط عنه وهو يسبح إلى أعلى، وتتضح تفاصيله شيئًا فشيئًا.. مشهد مثير وغريب رأته منذ فترة لا تجيد حسابها قصرًا أو طولًا، لكنه لا زال ملتصقًا جيدًا بجدران جمجمتها.. وسهل عليها أن تستعيده بيسر متى أرادت؛ لأن تفاصيله أصلًا قليلة جدًا، ويصعب جدًا نسيانها أو اختلاطها بتفاصيل مشاهد أخرى مماثلة، كان مشهد فتاة تُجر على الأرض ونصفها الأعلى عاريًا تقريبًا، ولا يسترها سوى حاملة الصدر فقط، بينما جذعها وضلوعها وبطنها عارية تمامًا، ونصفها الأسفل مغطى ببنطال من الجينز الأزرق.. بينما عباءة مفتوحة مجرورة تحتها وقد انفتحت كل أزرارها في مشهد مثير للذعر والهول!

إنها البنت التي سمعتهم يطلقون عليها لقب (ست البنات).. الفتاة التي عراها رجال الأمن في إحدى المظاهرات، وجرجروها على الأرض بثياب مفتوحة في فضيحة معلنة، ومشهد مخيف حقًا لم يتصور أحد أبدًا أن يحدث في العلن.. يحدث في الخفاء نعم، بل وأكثر منه كذلك، والجميع يعرفون ذلك، لكن في العلن فالجميع ينتفض للعرض المهدر والشرف المنتهك.. المؤكد أننا في بلد يخشى أهلها الفضيحة العلنية، لكنهم لا يخشون أن يكونوا سيئين وربما مجرمين طالما شملهم الله الرحيم بستره!

وكمصرية مخضرمة أصيلة لم تلقِ أم "حسين" في وعيها أي لوم أو عتاب على الرجال الأشاوس، الذين عروا فتاة وجرجروها على  الأرض، بل كان كل تفكيرها منصبًا على ماذا فعل أهل البنت بابنتهم (الفاجرة)، التي ذهبت إلى مكان يوجد فيه رجال مستعدون لتعريتها وسحلها.. منطق العبودية المتأصل الذي لا يلوم السيد على جلد عبده، بل يبحث عن مبرر أنيق خلاصته أن العبد يستحق الجلد، فقد كان يحاول الهروب من أسر سيده، وبتلك النظرة الموغلة في القدم والهمجية، بدأت تتطلع إلى عروس ابنها، التي تجلس بجوار أمها وتبادل الولد النظرات بطريقة خفية خبيثة، بدت لها الفتاة وكأنها تغيرت تغيرًا كبيرًا منذ آخر مرة رأتها فيها، خُيل إليها أن كل فعل وكل حركة، وكل نظرة تخرج من البنت محملة بخبرة ودهاء فتاة تمرمطت في أقسام البوليس، وخضعت لأيدي المحققين.. فتاة (رد سجون)، سيقت بأيدي رجال الأمن، وتعرضت للتعنيف وربما الضرب والتعذيب.. وربما ما هو أكثر!

ارتجف قلب الحماة عند تلك النقطة واسود وجهها، التفتت بكامل جسدها إلى "بتول"، وأخذت تتأملها بصراحة وفجاجة، غير ملقية بالًا لأي ممن يوجدون حولها، لا ابنها ولا أهل البنت نفسها، وخواطر كثيرة تدور في رأسها..

 تداعت ذكريات أكثر وأكثر إلى رأسها، الذي بدا وكأنه لا يحتفظ إلا بأنباء السوء، وبدأت كلمات كثيرة تختلط وتصرخ وتمتزج داخل رأسها:

ضرب..

سحل..

تعرية..

سجن..

حبس..

متحرشين..

كشوف..

وعذرية!

ارتجفت بقوة عند تلك النقطة، ولمع لون أسود شرير على ملامحها، التي تغيرت تغيرًا حادًا مفاجئًا تمامًا..

كانت "بتول"، في تلك اللحظة، منخرطة في حديث ودي مع "هند"، التي انتقلت لتجلس بجوارها وبجوار أمها، وكل منهما تعرض طلاء أظافرها على الأخرى، وتتأمل أظافر الثانية، وتبتسم معبرة عن إعجابها باللون الذي تغطي به أظافرها، ومتسائلة عن اسم الماركة التي تستخدمها الأخرى، وعما إذا كانت تساعد على حماية الأظافر، أم تعمل على إضعافها وتقصفها!

لكن "بتول" في وسط الكلام انتبهت لنظرات حماتها المستقبلية النارية المسلطة عليها، دهشت كثيرًا لأن المرأة تنظر إليها بتلك الطريقة الصريحة، دون أن تبذل حتى جهدًا لمواربة نظراتها، وإخفاء طريقتها الفجة في النظر.. أم "بتول" بدورها كانت واعية بحرب النظرات التي كانت تدور بين ابنتها وبين والدة "حسين".. وقد غاص قلبها حينما وجدت المرأة تنظر إلى ابنتها بتلك الطريقة!

فجأة وقفت أم "حسين"، ولفت طرحتها جيدًا حول رأسها ورقبتها، وهتفت بصوت حازم حاد بعض الشيء:

- نفوتكم بعافية بقى يا جماعة.. نسيب البنية ترتاح!

نهض "حسين" ، وتبعه أخوه، وعلى وجهه علامات الدهشة الكاملة، ببنما وقفت "هند" لوقوف زوجها وأخيه وحماتها، وراحت تنظر بتعجب نحو حماتها،

والد "بتول" وأخوها قاما بدورهما، وتبعتهما البنت.. أما الأم فقد ظلت جالسة وحدها تنظر إلى الجميع وعلى وجهها كدر  وغبرة!

قال والد "بتول" متلعثمًا:

- ما لسه بدري يا ست الحاجة.. ده إحنا بعتنا نجيب العشا والحلو!

بصلف وقلة ذوق واضحة ردت الحماة، وهي تسحب زوجة ابنها نحوها من ذراعها:

- عشاكم وصل يا حاج.. مرة تانية بقى عشان مش عاملين حسابنا نطولوا بره!

أخيرًا قال "حسين" متوترًا:

- خلينا شوية يا ماما.. لسه بنتكلم أنا وعمي في شوية حاجات!

سلطت عليه الأم نظرة مروعة، وقالت بغيظ مستتر:

- مرة تانية يا ضنا أمك.. نروحوا نشوفوا حالنا..

ثم ركزت أنظارها على "بتول"، وهي تكمل ببرود:

- وأهو نسيبوا بنت الناس ترتاح، كبدي عليها اللي شافته محدش شافه.. تلاقيها يا عيني مش ناسية اللي عملوه فيها جوه!

ارتج على والد "بتول"، ولم يفهم تلميح أم خطيب ابنته، بينما نهضت زوجته، التي ظلت جالسة حتى اللحظة، وردت على برود أم خطيب ابنتها ببرود مماثل قائلة:

- محدش عمل حاجة في بنتنا يا حاجة.. دول بس قرروهم وخدوا منهم كلمتين، وحبسوا البنات مع بعض عشان يحرموا يعملوا كده تاني!

ردت أم "حسين" فورًا، وكأن إجابتها معدة وحاضرة:

- طيب يا أختي، الحمد لله، غمة وانزاحت.. على سلامتها يا أختي.. على سلامتها!

لكن نبرة السخرية في كلام المرأة لم تفت أذني أم "بتول"، فقالت وهي تسير خلفهم إلى الخارج:

- سالمة يا حبيبتي إن شاء الله وزي الفل.. عقبال ما نفرح بليلتهم يا رب!

أمن "حسين" على دعاء والدة خطيبته وحبيبته جهرًا، فتورد وجه "بتول" خجلًا وفرحًا، بينما قالت الحماة ملقية بآخر كلماتها التي تحرق الدم هذه الليلة:

- إن شاء الله يا حبيبتي، عن قريب إن شاء الله.. كله بأوانه يا أختي.. كله بأوانه!

خرجوا أخيرًا من باب الشقة، بينما همت "بتول" بأن تتبعهم لتودع خطيبها، لكن أمها أمسكتها من ذراعها وأخرتها قليلًا.. ثم تصدرت هي أمام الباب لتسلم على "حسين" وأسرته، قبل أن ينصرفوا.. وتقوم الأم بإغلاق الباب خلفهم بصمت..

وقد فهمت كل شيء يدور حولها جيدًا!


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...