يعدُّ "ثيودور روبرت بندي " Theodore Robert Bundy, المعروف
عالميَّا بتيد بندي, أحدَ أشهر القتلة المتسلْسلين في التّاريخ كله. "تيد"
كان شابًّا واعدًا ووسيمًا. ولد عام 1946م, ونشأ في جوٍّ عائلي غيرِ ملائم؛ حيث لم
يعرف أباه الحقيقي أبدًا, ولم يكنْ اسمُه العائلي "بندي" إلّا اسمَ زوج
أمِّه الذي اعْتُبر أباه بالتَّبني. في شبابه المبكِّر كان "تيد" محطَّ
الأنظار, لتفوُّقه وذكائه, وأيضًا لأنَّه كان وسيمًا وجذّابًا, وقد ساعده كلُّ ذلك
على اقتحام المجتمعات في صورة الشابِّ المهذب الذي ينتظرُه مستقبلٌ باهر, لكنْ في
الحقيقة فإنَّ الشابَّ المرموق لم يكن إلّا قاتلًا عاتيًا وهمجيًّا, يتضاءل أمام
شرِّه إجرامُ كثير من أباطرةِ الجريمة المعروفين أكثرَ منه. تميزت جرائمُ "تيد"
بعدَّة خصائص, منها: المهارة الشديدة في الإفلات, وعدم ترك أيِّ أدلة وراءه, كان
ينفِّذ هجماته دائمًا على فتيات مِن ذوات الشَّعر الفاحم, ويعتدي عليهنَّ قبل أو
بعدَ قتلهن, كما كان يتميز بالإقدام الشَّديد والجرأة, حيث لم يكن يتورَّع عنِ
اقتحام بيوت الطالبات أو المنازل الملحَقة بالجامعات لاصطيادِ ضحاياه, إضافة إلى أنْ
كان يرتكب عدَّة جرائم في ليلة واحدة أحيانًا.
تواصلتْ جرائم "تيد"، بالرغم من أنَّه
اعْتُقل وقُدِّم للمحاكمة عام 1975م, لكنه تمكَّن من الهروب بطريقة بارعة, وعاد
إلى الشَّوارع ليصطاد المزيدَ من الضحايا, حتى بلغ عددُ الفتيات اللّائي سقطنَ قتلى
في هجماتٍ متفرقة, نفَّذها تلميذُ القانون النابه, أكثرَ من 30 فتاة, وهوَ العددُ
الذي أقرَّ به فقط, ويُعتقد أنَّ عدد ضحاياه أكثرُ من ذلك بكثير.
غيرَ أنَّ تدخل القدَر بحيلةٍ صغيرة ساعدَ على
الإيقاع بهذا السَّفاح الدموي, الذي يندر وجودُ أمثاله بين فئة القتلة المتسلسلين
المتنقِّلين. ففي ليلة 15 يناير 1978م, دخل السفاحُ بيتًا للطالبات في تالاهاسي Tallahassee / فلوريدا, وهناك
نفذ هجمةً على طالبةٍ تدعى "مارجريت بومان", وضربها ثمَّ خنقَها, وبعدها
انتقلَ إلى غرفةٍ مجاورة تنام فيها "ليزا ليفي" Lisa Levy، والبالغة من
العمرِ عشرين عامًا, واعتدى عليها وضربَها بوحشيَّة, وخنقَها وتركها ميتةً خلفه .
ثمَّ هاجم طالبتيْن أخْريين
في غرفتيْهما, لكنهما نجتَا من الهجمات, وخرجتا حيَّتين لكنْ بإصابات جسيمة, منها
كسورٌ في الفكِّ وارتجاجٌ في المخ وغيرها. كانت الضحيةُ الثانية "ليفي"-
بالإضافة إلى إصاباتِها الجسيمة- قد تعرَّضت للعضِّ بقوَّة من جانب "تيد
بندي", لكنَّ هذا النوع من التَّمثيل بضحيته كان هو سببَ وقوع القاتل الهارب-
متأخِّرًا جدًّا- في قبضة العدالة, فعلى فخذِها الأيسر تركتْ أسنان
"تيد" آثارًا واضحة, وكان من حُسن الحظِّ وجودُ رجل شرطة متمرِّس وحادِّ
الذكاء بينَ الفريق الذي تولَّى معاينة مسرح جريمة بيت الطّالبات الأخيرة, فقام
بوضْع مسطرة بالقرب من أثرِ الجرح المميز في فخذِ الضحية, وبالتالي أمكن قياسُ
الحجم الدقيق للعضَّة وآثار الأسنان. لاحقًا, وعندما سقط "تيد بندي" في
قبضة الشرطة كان من الممكن إفشالُ القضية ضدَّه لولا بعضُ الأدلَّة المهمَّة, أكثر
فائدة كان أثرَ العضة الذي تولّى طبيبَا أسنان هما "ريتشارد سوفيرون"
و"لويل ليفين" مطابقته مع أسنان "تيد"، فصنعَا قالبًا لأسنان
الأخير, كما قامَا بتصوير السَّطح الداخلي لأسنانه باستعمال مرآة !
كان دليلُ الأسنان غيرَ قابل للدَّحض, وبالرغم
من براعة "تيد" القانونية, إذْ تولَّى جانبًا من الدفاع عن نفسه بجانب
المحامين الذين عيَّنتهم المحكمة للدِّفاع عنه, إلا إنَّ كلَّ الجهود فشلت في
إبطال دليلِ الأسنان, ومن ثمَّ أدِين "تيد بندي" بتهمتي قتل, وثلاثِ تُهَم
شروعٍ في قتل, إضافةً إلى إدانته بتهمةِ اختطاف واغتصاب وقتل طفلةٍ في الثانية
عشرة من عمرها, في مدينة أورلاندو/ فلوريدا, وحُكم عليه بعددٍ من أحكام الإعدام!
أخيرًا أُعدِم "تيد بندي" بالكرسي
الكهربائي, في سجن برادفورد بفلوريدا يوم 24 يناير عام 1989م, ولم يكن عمرُه قد
تجاوزَ الاثنين والأربعين عامًا فقط يومَ موته. كان لإقدام "تيد" على ترْك
أثرِ أسنانه على جسد "ليزا ليفي" الفضلُ الأكبر في جلوسِه على الكرسي
الكهربائي وتخليص العالم من شرِّه !
تعليقات
إرسال تعليق