التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الأرملة السوداء ! the black widow

 

لم تكن تخطط للقتل اليوم !
في الحقيقة لم تكن تخطط للقتل ثانية أبدا ، لكن يبدو أنهم مصرين أن يجبرونها على الإتيان بأفعال تمنت لو أتيحت لها الفرصة للإقلاع عنها للأبد ، القتل من أجل القتل لم يكن بغيتها .. ولكن ما حيلتها والرجال كلهم متشابهون في حب الرذيلة ،وسهولة الإقدام على الخيانة وانعدام الإخلاص والوفاء ؟!
لقد أحبت " جورجيو " في الحقيقة ،وكانت تتمني لو أختلف الوضع معه ،كانت تتمني لو أختلف الوضع والمصير بالنسبة له ولها أيضا ،لكنه أبي عليها تلك المنحة والهبة الصغيرة ،مقابل كل ما منحته إياه من حب ومال وسعادة وأوقات طيبة .. لقد جاءها الليلة كما هو موعدهما الدائم ،في الساعة الأخيرة قبل منتصف الليل، كانت تحب تلك الساعة دائما حبا خاصا ، فهي الساعة التي التقت فيها ب" كارل " و " جوزيف " ووقعت في حبهما ،وهي أيضا نفس الساعة التي قتلتهما فيها .. فلا غرو إذن أن تكون تلك ساعتها المفضلة !
لكن " كارل " و " جوزيف " شيء ،و" جورجيو " شيء آخر تماما .. أو هكذا كانت تتمني !
لقد أحبته فعلا فيما يبدو ، إلا فلماذا تجد صعوبة بالغة في التفكير في قتله ،وهي التي لم تتورع عن قتل أكثر من عشرين رجلا من قبل ،رغم أن ذلك لا يكلفها شيئا يذكر في الحقيقة .. فكأس النبيذ ليس أرخص منه حتى لو كان مكللا بجرعة قاتلة من الزرنيخ !
لقد استعدت لتلك الليلة جيدا ،ارتدت أفضل ثيابها وأكثرها أناقة وفتنة ،وتزينت بذوقها العالي الرفيع ،وغمرت نفسها بعطر البنفسج المفضل لديها ، طبعا لابد أن تكون في أبهي زينتها الليلة ،ولابد أن تغمر " جورجيو " بعطفها وجمالها ،فهي آخر ليلة في حياته بالتأكيد ،ولن يتاح له ولا لها فرصة جديدة للتمتع برفقتهما المحببة !
إنها خبيثة كما هي قاتلة وغادرة ، فلم تبدر منها أقل لمحة أو يبدو عليها أي تغيير نحو العشيق المنحوس يدل على أنها عرفت بخيانته لها ، إنها لم تسعد كثيرا بتلك المعرفة ،حتى ولو كانت تمنحها الفرصة لمعاودة القتل بعد انقطاع طويل دام أربعة أشهر كاملة !
وبعد أن أنهت تجهيز نفسها لتلك الليلة الموعودة سمعت من أسفل صوت " جورجيو " يداعب الوصيفة الثانية لها " بيلا " مداعبة بريئة ،ويعلو صوته كالعادة ليدل علي وصوله ،ارتجفت " فيرا " عند سماع صوت " جورجيو " المرتفع الرخيم ،وارتعشت يداها رغما عنها ،وأحست بمنابت شعرها تتحبب وتئن ،أرهفت أذنيها جيدا لتسمع كل كلمة يفوه بها ،فتلك آخر مرة ستسمع فيها صوته المحبب الذي لن يشنف آذانها ثانية إلي الأبد !
انتهت " فيرا " من تجهيز نفسها لاستقبال الحبيب ورش عطرها المفضل ، ثم أخذت تهبط السلم بخيلائها المعهود مستمتعة بمنظر " جورجيو " ،وهو يحدق فيها من أسفل بنهم وشوق ولهفة ، كان مفتونا بجمالها الآخاذ ، مثلما فُتن به رجال كثيرون قبله ، وكما لم ينتبه غيره للقسوة المفرطة والغدر والخديعة الكامنين تحت الأجفان الرقيقة ،التي ترصع عينان واسعتان جميلتان غامضتان كألغاز أبو الهول ، لم ينتبه المسكين ولم يفهم، لم يفهم أنها غادرة ماكرة وأنها مختلة ، مختلة العقل استوي عودها على الخيانة والغدر ،لذلك فقد صار مطلب حياتها هو الإخلاص من محبيها .. الإخلاص الذي تفتقده هي ذاتها ولم تعرفه يوما !
تبادل العشيقان حديثا قصيرا شيقا ،ريثما أعد العشاء في غرفة الطعام الرئيسية ، كان " لورينزو " الصغير قد وضع في فراشه في غرفته القصية ليكون بعيدا عن مخدع أمه وعن غرف استقبالها وما يحدث فيها كل ليلة من موبقات ، لسوء الحظ كان " جورجيو " جائعا بحق تلك الليلة ،فهجم على المائدة وركز كل قواه في التهام أكبر قدر من ذلك الطعام الطيب ، رمقته " فيرا " بنظرة مستنيمة حادة من تحت جفنيها المصبوغين بظلال ثقيلة قاتمة ، كانت نظرتها مزدرية وعازمة ، فقد حسمت أمرها منذ أيام خلت ولم تعد في حاجة إلي أية مراجعات مع نفسها ،من لا يثبت إخلاصه التام ووفائه لها ولعشقهما يمكنه ببساطة أن يأخذ نفسه ويختفي .. من الكون كله !
كان الشراب ، الذي أعدته السيدة بنفسها ،  ممزوجا بالزرنيخ ،وكذلك لحم الحمل ، لم تحجم " فيرا " عن الاشتراك في الوجبة لئلا تثير مخاوف " جورجيو " وشكوكه ،بل أعلنت أنها تتبع حمية غذائية خاصة لإنقاص وزنها مكتفية بشريحة لحم بقري مدخنة ،وقليل من الخضراوات النيئة ،كان " جورجيو " يلتهم طعامه بشراهة ليملا معدته ،ممنيا نفسه بليلة غير عادية بين ذراعي تلك الفاتنة غير العادية .. وبالفعل فقد هناك ليلة غير عادية أبدا بانتظار العاشق الغافل الأبله !
انتهت الوجبة ،فنهض " جورجيو " من مقعده ،وعيناه تلمعان ببريق كأنه ومضات نار تتلظي وتأبط ذراع حبيبته ،وتهاديا معا إلي السلم المؤدي للدور العلوي !
...
في غرفتها الفسيحة المزودة بحمام خاص استأذنت " فيرا " من معشوقها لتذهب إلي الحمام ،وتصلح من شأنها لأجله ، لم يري " جورجيو " ما يجب إصلاحه في " فيرا " ،التي كانت في أوج تألقها وهندامها ،لكنه لم يملك إلا أن يأذن لها راجيا إياها ألا تطيل انتظاره ..
دخلت " فيرا " الحمام وصفقت الباب خلفها بحركة غاضبة ،ـتاركة " جورجيو " وحده في الغرفة المترفة يلاقي مصيره المروع ، كان الصب المتيم قد أحضر زجاجة (شاتو لافيت ) باهظة الثمن خصيصا للاحتفال بتلك الليلة الرائعة ، ففتحها محدثا فرقعة مدوية ،وملأ لنفسه كأسا عبه سريعا ،ووضع بقية الزجاجة بجواره منتظرا حضور " فيرا " العزيزة لتشاركه الشراب ، لكن " فيرا " تأخرت ووجد " جورجيو " من العسير عليه مقاومة سحر الشراب ، فصب لنفسه كأساً أخري رشف منها رشفة أولية مستمعتا بطعم النبيذ عالي الجودة ،قبل أن يشعر بشعور غريب للغاية ، كانت معدته وكأنها بالون يريد التحليق خارج حلقه ، ترك " جورجيو " الكأس ووضعها على أقرب قطعة أثاث له ،قبل أن تسقط أرضا وتتناثر محتوياتها ،ويسقط هو علي بعد خطوات منها مفرغا معدته بقوة ، تقيأ " جورجيو " محتويات جوفه كلها ، وشعر بدوار شديد وزغللة جعلت كل شيء حوله يتراقص ويتداخل ، مسح فمه بكمه للمرة الأولي في حياته .. لكنه بعد أقل من دقيقة أنكفأ للأمام وتقيأ للمرة الثانية !
سمعت " فيرا " من الحمام أصوات تقيؤ عشيقها فأدركت أن محبوبها الأول ( الزرنيخ ) بدأ يؤتي مفعوله الذي لا يخيب ، لو بحثنا في ضمير " فيرا لورينزي " لوجدنا أنها لم تحب في حياتها بإخلاص ولم تأمن سوي للزرنيخ ، وأنه كان حري بها أن تقع في غرامه وتتزوجه فقط لو كان مخلوقا حيا صالحا لأن يبادلها الحب !
بعد دقيقة جاء صوت " جورجيو " المعذب مرة أخري وهو يفرغ معدته ، التي لم يبقي فيها ما يمكن إفراغه ، للمرة الثانية ثم الثالثة ، قدرت " فيرا " أنه يتهاوى الآن ،ولن يملك التماسك بعد أن بدأ الزرنيخ في قضمه من الداخل، وبالفعل لم تمر دقائق حتى سمعت القاتلة المختبئة في حمامها صوت جسم ثقيل يسقط على الأرض يتبعه أصوات تساقط أجسام معدنية وتهشم زجاج .. لقد سقط " جورجيو " على الأرض سابحا في بحر من قيئه !
عندئذ فقط شدت " فيرا " ملامحها المنبسطة وخرجت من مخبئها متهادية في بطئها القاسي المميت ، كان الحبيب ،الذي مني نفسه بتلك اللحظة أكثر مما ينبغي ،ممددا علي كثب من الفراش الضخم الوثير مصفر الوجه مرتعدا ،وأطرافه ترتعش وفي عينيه تتراقص نظرة زائغة لا تستقر علي شيء ،حتى أنه لم يدرك أن " فيرا " واقفة فوق رأسه إلا بعد دقائق طويلة ،فتح العشيق عينيه بصعوبة بالغة فوجد ساقي حبيبته المغطاتين بجورب شبكي أسود واقفتين علي بعد خطوة واحدة منه ، فأخذ يُصعد بصره بصعوبة أكبر لأعلي ،حتى وصل إلي وجهها الجامد الممتلئ بالقسوة ،كانت " فيرا " تبتسم لكن ابتسامتها كانت شيطانية ومخيفة لدرجة أنها كانت أبشع من أي شيء آخر رآه " جورجيو " في حياته كلها ،قالت له بسمتها الذئبية ( أنت رجل مقضي عليه يا أيها المأفون ) !
انفرجت شفتاه الجافتان أخيرا فقال لها بصوت ضعيف مضعضع :
-" فيرا ، فيرا .. ماذا أصابني ! "
لم ترد عليه " فيرا " بكلمة ،بل مضت تتأمله بصمت وبرود مخيفين ، لكنه تحامل علي نفسه مرة أخيرة ،وسألها بصوت أكثر ضعفا وأبعد نبرة :
-" فيرا حبيبتي ، حبيبتي .. ماذا .. ماذا أصابني ؟! "
ولم يجد وقتا لإكمال كلامه ، لأن نوبة قيء أقوي وأعنف فاجأته فأنقلب على بطنه ،وهو يصدر أصوات إفراغ معدة مرتفعة ومخيفة ، مطت " فيرا " شفتيها باشمئزاز ،وتطلعت إليه بعينين ناريتين للحظة طويلة ،قبل أن تجيبه بصوتها الخالي من الرحمة :
-" لا شيء أيها الحبيب الخائن .. إنه مجرد ثمن صغير تدفعه نظير خيانتك لي مع تلك الساقطة ! "
فتح " جورجيو " عينيه اللتين خبا الضوء منهما وتطلع إلي " فيرا " ، كان مبهوتا من كلامها ،لكن الحالة التي وصل إليها جعلته عاجزا حتى عن رسم تعبير الدهشة على ملامحه المنهارة ،نظرت له " فيرا " لحظة وهو يتأوه ويتقلب عند قدميها ،ويفرغ معدته مرة ثالثة ورابعة وكأنها تنظر لفأر يحتضر ، لم تحرك سكرات موته فيها أدني شفقة أو رحمة ، لقد نسيت " فيرا رينزي " تلك المشاعر منذ سنوات .. ولم تعد حتى تعرف كيف يشعر بها الآخرون !
بعد وقت أدركت المرأة المجردة من كل إنسانية أن ضحيتها يموت ويدخل آخر لحظات حياته ، فتحركت ببطء وبثقة مطلقة ،وتوجهت لتنادي وصيفتها وشريكتها الدائمة في كل جرائمها " بيلا " ،وتأمرها بإحضار " أبنير" الخادم القوي ، شبيه الغوريلا الذي يتمتع ببنيه متينة ،وبعقل أقرب لعقل إنسان الغابة وغباء منقطع النظير ،ومثله خادم تحمد خدمته ولا يخشي خطره .
جاء المعاونان الآثمان ،وساعدا سيدتهما على حمل جثة ضحيتها الجديد إلي أسفل ، إلي القبو المليء بالتوابيت المغلقة المرصوصة في صفوف بجوار الجدران ،إنها مقبرة عشاق " فيرا رينزي " الذين يبدؤون كلهم معها نفس البداية ، ثم ينتهون كذلك بنفس النهاية !
سينتهي دور " بيلا " عند ذلك ،لتعود إلي مخدع مخدومتها لتعمل علي تنظيفه ،وإعادته كما كان وإزالة أي آثار لعملية الاحتضار الزرنيخي التي تمت ، بينما تتولى الغوريلا البشرية مهمة حمل الجثة ،وإراحتها في أحد التوابيت الشاغرة ، وإحكام إغلاق الصندوق ورفعه فوق الصف الأخير ليكون على القمة، كانت مدام " رينزي " تحرص دائما على ترتيب جثث ضحاياها زمنيا من الأقدم إلي الأحدث، لذلك كان جسد زوجها الأول " كارل شيك " يقبع في صندوقه أسفل الصف الأول ،بينما سيعتلي " جورجيو " قمة الصف الثاني ،في انتظار ضحية جديدة آتية عما قريب ،ليتراجع مركزه إلى الثاني على قمة الصف !
وهكذا انتهت متاعب الليلة التي لم تكن متعبة لأحد ،سوي ل" جورجيو " المسكين ، وبقيت " فيرا " أخيرا وحدها وسط صفوف من التوابيت الممتلئة بجثث ضحاياها !
كانت أدوات الاحتفال متواجدة كالعادة في مكانها المعتاد ،زجاجة شرابها المفضل والكأس تنتظر السيدة ،لتحتفل بها ومعها بنصر جديد وبضحية جديدة ، جلست " فيرا " بهدوء على أريكة ملقاة وسط القبو العفن وبين صفوف الصناديق ، وفتحت زجاجة الشراب ،وملئت كأسها بنفسها، وفي ذلك القبو المعتم العفن ،الذي تفوح منه روائح الموت والغدر والخيانة ،أخذت الأرملة السوداء تعب كؤوس الشراب ،وتدندن بأغنيتها المفضلة متطلعة بسعادة إلي الصناديق الحاوية لجثث ضحاياها، لتذكاراتها وجوائزها الخاصة ،التي منحتها لنفسها بأريحية وكرم شديدين ..
في الدور الأعلى انطلقت صرخات " لورينزو " الصغير ،الذي داهمته الكوابيس المفزعة مثل كل ليلة ، لكن أمه لم تهتم به تاركة أمره لمربيته ، كانت " فيرا " قد وصلت مرحلة من الصخب الجنوني والثمالة .. حتى أنها أصلا لم تعد تستطيع أن تعرف أن ابنها ذاك هو الذي يصرخ !
                                        تمت
اقرأ المزيد عن حياة القاتلة المتسلسلة " فيرا رينزي " هنا


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...