التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قاتل لومبروزو ( قصة قصيرة )

 

 

أهتز الفانوس الوحيد الذي يضيئ الشارع مع تعالي وقع الأقدام الثقيلة التي تتقدم من نقطة غير محددة ،نحو قلب المكان ، أرتعش الضوء الخافت مرتين ، ثم تضاءل وأضمحل بسرعة ، قبل أن ينطفئ تماما ، تاركا الشارع يغرق في بحيرة من الظلام والسكون لا يقطعها إلا صوت الخطوات المخيفة .
وفي داخل البيت سُمع صوت طرقات واثقة على الباب الأمامي ، أرهفت مدبرة المنزل أذنيها ، ولما تأكدت مما سمعته ، تناولت فانوسا كبيرا براق الضوء وتقدمت بحذر نحو الباب ، تساءلت عمن يطرق باب منزل سيدها في هذه الساعة من الليل ، فجاءها صوت غريب يهتف باسم صاحب البيت راجيا الدخول ، ظنته أحد المرضي الذين يأتون ليراجع الطبيب الشهير حالاتهم في أي وقت من ليل أو نهار ، وجذبت الباب وفتحته ، طالعتها ظلمة كاسية بالخارج ووجه مستتر في ركن معتم ينطق صاحبه مطالبا برؤية الدكتور ، لم تحتاج السيدة المتحفظة لأن تنادي باسم سيدها لأنه جاء على الإثر ، وقد سمع المحادثة المبتورة من الداخل ، حيث كان يجلس يقلب صفحات كتاب أمام المدفأة التي تستعر داخلها النيران ، تراجعت الخادمة المخلصة ، بينما تقدم الطبيب المسن نحو باب المنزل ، وأخرج رأسه ليقدم احترامه لزائره الغامض في هذه الساعة ، تساءل الرجل عما إذا كان هذا هو الطبيب الشهير ، الذي تقدره لندن كلها ، فجاءه الرد المزهو بالإيجاب ، ببساطة ، وبسرعة لم تعطي الفرصة لأحد للقيام بأي رد فعل ، أستل الرجل بلطة وهوي بها على وجه الطبيب غل بضربة  شديدة واحدة ، انسحقت عظام الأنف والجبهة ، وسقط الدكتور مهشم الوجه على عتبة منزله ، شهقت مسز " هنسلو " رعبا وانحبس صوتها ، فشلت في إطلاق صرخة استغاثة ، ربما كانت قد غيرت من نهاية القصة قليلا أو كثيرا ، بينما كال المهاجم ضربتين أخريين للرجل الممدد بلا حراك على الأرضية الحجرية ، وتعالي صوت العظام وهي تتحطم وتتهشم ، أنتفض الطبيب مرة واحدة أخيرة ، ثم همد تماما ورقد ساكنا ، بعدها أنسحب المهاجم العتي فجأة ، مثلما حضر فجأة ، وأخذ معه بلطته وتلاشي في الظلام .. أما القاتل فقد كان مجهولا ، ولم يعرف اسمه أبدا ، وأما القتيل فهو الطبيب ذائع الصيت فهو خالق الرجل المجرم الشهير " تشيزري لومبروزو " نفسه !
...
مضت بهما العربة عبر الشوارع المبلطة التي بللتها مياه الأمطار ، كان قائد العربة الوسنان العجوز يقود بحرص وحذر ، خشية  أن يترتب على خوضه المستنقعات الناتجة عن تراكم دموع السماء الغزيرة ضرر كبير بعربته العزيزة ، وهي أهم ما يملك في حياته ، أو بزبائنه الأكابر المهمين ، كان الحوذي برغم كونه جاهل أمي يعرف جيدا قيمة الرجلين اللذين يستقلان عربته القديمة التي لا تزال تحتفظ برونق عصورها الزاهرة الغابرة ، فقد أقلهما من الأكاديمية الملكية ، ومعني أن سيدين مهذبين يخرجان من ذلك المكان ، الذي لا يحلم هذا الحوذي وأمثاله حتى بمجرد المرور عبر قاعاته الفسيحة الأنيقة ، التي يغشاها رجال العلم والمعرفة والمستكشفين الذين رفعوا اسم الإمبراطورية البريطانية عاليا في السماء ،معني هذا أنهما رجلا علم مبرزين ، وثيابهما المتأنقة التي تكمل الصورة جعلته يتطلع إلي كسب رضاءهما بأي شكل ، وبالفعل فقد كان أحد زبوني " أرشيبالد " العجوز يدعي " تشيزري لومبروزو " ،أما الآخر فلم يكن سوي السيد " تشارلز روبرت داروين  " بنفسه ، على أن الأمر لم يكن يحتاج إلي كل ذلك ، فلم يكن السائق العجوز يعرف أسماء الرجلين بداخل عربته ، وإن عرفها فلم تكن لتعني له شيئا ، إنه لا يعرف أسماء العلماء ، فقد كان يخمن ويتكهن ليس إلا !
أما بالنسبة للسيدين  فلم تكن خواطر الحوذي أو ما يظنه عنهما تعنيهما في شيء ، فقط جلسا في داخل العربة المريحة وأسند كلا منهما عنقه إلي الجدار الداخلي المبطن بجلد سميك وثير ، حافظ " أرشيبالد " الأريب على تماسكه ونظافته حقبة بعد أخري ، ليريح رأسه المتعب المثقل من عناء المناقشات العلمية والجدال الفلسفي الطويل اللذين خاضا فيهما معظم ساعات المساء ، حتى تحولت أمسيتهما لسلسلة لا نهاية لها من نقيق الدجاج ونقار الديكة !
كان للسيد " لومبروزو " نظرية معينة ، عرضها تفصيليا ، مدللا عليها بكل وسيلة علمية ممكنة ، على السادة أعضاء الجمعية العلمية الملكية ، إلا أنه ، وكعادة نظريته سيئة السمعة هذه ، لم يلاقي إلا التكذيب والصدود ومحاولات التفنيد الشرسة من قبل بضع علماء يظنون أنهم بجلوسهم فوق مقاعد وثيرة على كثب من مجموعات الكتب وعينات المواد المختلفة ،قد خبروا كل شيء في الكون ، وحللوا تفاصيله ، وأدركوا كنهه وغايته إدراكا كاملا !
بعد بضع دقائق ، وبينما العربة تهتز بهما في طريقها ، عبر الشوارع المعبأة بمياه الأمطار إلي فندق الملك ، أي ملك ؟! ، ليأخذا قسطا مع الراحة ، ويستعدا ليوم حافل مليء بالأحداث غدا ، إذ حدثت ارتجاجه عنيفة تبعها توقف العربة ، ثم تناهي إلي مسامع الرجلين صوت الحوذي وهو ينهر شخص ما ، لا يريانه حيث هما ، بكلمات حادة وإن حاول أن تكون مهذبة خالية من الفظاظة إكراما لخاطر زبونيه المحترمين ، تبادل الرجلين النظرات منتظرين أن تعود العربة للتحرك بهما ، بيد أن دقيقتين كاملتين مضتا والحوذي لا يزال مشتبكا في خضم مشاجرته الباردة مع هذا المجهول ، الذي يبدو أنه عنيد كثور وسمج ثقيل كالقطران ، أخيرا نفد صبر دكتور " لومبروزو " ، الذي وجد أن وقته الثمين يضيع هباء في مشاحنة عامية بلا معني ، فدفع باب العربة وأطل برأسه  إلي الخارج ،ليصفعه هواء بارد محمل بقطرات مطر ثقيلة ، تنذر بدورها بنوبة ثانية من الهطول الكثيف ، ربما أشد مما شهدته الليلة الماضية بطولها ونهار اليوم ، سعل الرجل ، الذي كانت مناعته الضعيفة مشهود لها في المحافل العلمية ، وأخذ يجول ببصره متفقدا مسبب الإزعاج هذا الذي توقفت العربة وتعطلت رحلته بسببه ، وبينما كان ظهر الحوذي المتخشب ينتصب أمام وجهه ، شاهد بصعوبة ملامح لرجل غريب يقف أمام العربة ،وهو منخرط في حديث يبدو أنه لا ينوي أن يقطعه أو ينهيه مع " أرشيبالد " ، الذي كان ضائق الصدر به حقا .
مضت دقيقة أخري قبل أن يجد السيد " لومبروزو " أن حلمه قد أُسُتغل أكثر مما يجب فقال منذرا الحوذي بلهجة هادئة رصينة :
-" إنك تؤخرنا يا سيدي .. تقدم أو دعنا نجد لأنفسنا عربة أخري ليس لدي حوذيها حديث مهم يشغله عن ممارسة وظيفته الصغيرة ! "
كان اعتراض الزبون المهم مقبولا وموضوعيا تماما ، لكن يبدو أنه أغضب الرجل الواقف أمام العربة بشكل ما ، إذ قطع كلامه مع " أرشيبالد " المسكين بحدة، وركز أنظاره على وجه المعترض الشجاع ، تفحصه لنصف دقيقة قبل أن يفتح فاه ليقول في لهجة خالية من كل ذوق :
-" إنها مجرد خمس دقائق أيها السيد المهم .. تناول عشاءك وأذهب إلي السرير وخلص العالم لنصف يوم من ثرثرتك ! "
أصدر الحوذي صوت اعتراض بينما طقطق السيد " داروين " من داخل العربة بلسانه وهتف مظهرا تأففه :
-" يا له من عامي سوقي جدير بالانقراض ! "
ورغم انخفاض نبرات صوت الرجل المندس بداخل العربة المقفلة من جوانب ثلاث ، إلا أن عبارته المزدرية قد جرحت أذني الرجل الذي أحمر وجهه بشكل مروع وتقدم وهو يضع كفيه حول خصره مظهرا نيته العنيدة في افتعال مشكلة :
-" ماذا تقول أيها الكتلة العفنة ! "
كاد " لامبروزو " يرد متجاهلا كل قواعد اللياقة والرصانة العلمية عندما تقدم الرجل المشاكس مقتربا بوجهه من حيث يطل هو بوجهه من العربة ، ووقعت أنظار العالم الصنديد على ملامح الرجل ، فجف حلقه فجأة ، قم أبتلع ريقه بصوت مسموع ، وأخذ يتفرس في ملامح الرجل للحظات طويلة ، قبل أن يرتد إلي الداخل ويسقط فوق مقعده ووجهه شاحب ثم قال مسترحما السماء :
-" يا لله ! هلا نظرت أيها الإوزة المهاجرة ورأيت بنفسك ! "
كان " لامبروزو " يلقب " داروين " بالإوزة المهاجرة ، في الحقيقة إن الأخير لم يكن يميل إلي هذه الكنية البغيضة ، لكن رجاء " لامبروزو " غير المفهوم جعله متسامح كراهبة ترعي الأطفال في مدرسة الأحد ، وتساءل دهشا :
-" ماذا ؟! "
أشار " لامبروزو " بطرف إصبعه نحو الخارج وهتف بصوت مرتعش :
-" إنه هو ! نموذج حي للرجل المجرم ! كل هذه الملامح والتقاسيم الواضحة .. يا إلهي ! "
ثم فجأة دب فيه نشاط كبير وامتلأت نفسه غبطة ، وصاح موجها كلامه للحوذي الخجل من تصرفات قريبه الذي لا يدري شيئا عن أصول اللياقة :
-" أيها الحوذي المسكين .. أطلب من صديقك أن يركب العربة .. إننا نريده في عمل هام وسوف نأخذه معنا ! "
...
انبري الرجل ، الذي قدم نفسه تحت ضغط الرغبة في تحقيق فائدة ما باسم " تشادويك " ، في وصلة تشكي وسرد ممل لسوء أحواله المادية والاجتماعية والسكنية والوظيفية والمعيشة والصحية ، محاولا استدرار عطف السادة ، بغية الحصول على مقابل طيب لهذه التجربة الصغيرة ، التي قيل له أنهم ينوون إجراءها عليه ، متعهدين في نفس الوقت ألا تلحق به أية أضرار جراء ذلك ، وفي منزل الطبيب ، الذي أقلتهم عربة " أرشيبالد " المذعور إليه ، وضع العالمان الرجل تحت ضوء ساطع ، سلطاه عليه دون رحمة ، ثم انخرطا في أخذ قياسات دقيقة لوجهه ، عرض جبهته وتراجعها إلي الداخل ، تجويف العينين ، ذقنه المدبب الصغير ، شفتاه الغليظتان وأسنانه العريضة اللامعة ، الشبيهة بأسنان الضواري والمفترسات ، فكيه الضخمين ، ثم انحدرا نحو أطرافه فأخذا قياس ذراعيه من عند الكتف حتى مشط اليد ،وبعدها جاء الدور على أقدامه ورجليه ، ورغم أن كل شيء كان على ما يرام من وجهة نظر " داروين " ، إلا أن السيد " لامبروزو " لم يكن راضيا تماما ، وبدا أنه يبحث عن شيء معين، فجأة أنار وجهه وتألقت ملامحه بعلامات الظفر ،وقال وهو يرفع رأس الرجل ليكشف عنقه الغليظ القصير وجوانب رقبته ، التي تنحسر عنها ياقة ثوبه المتسعة المهللة ، مشيرا بحركة مسرحية متقنة إلي بثور حمراء كبيرة ، بعضها جاف صلب متماسك ، والآخر يبدو نديا على نحو ما ، لكن هذه الحركة لم ترق ل" تشادويك " الذي قال بخشونة :
-" رقبتي أيها الأحمق سوف تكسرها !"
لكن العالم العظيم لم يعر سوقية ضيفه اهتماما بل وقف باسط ذراعيه ،وهو يهتف شاعرا بأنه يعيش أعظم لحظة في حياته :
-" يا لرحمة السماء ! كما نظن تماما .. هل لديك شك بعد الآن يا سيدي ؟!"
من ناحيته لم يكن " داروين " بحاجة إلي أن يجيب عن سؤال صديقه ورفيق العلم العزيز ، فلم يكن يساوره أي نوع من الشك في توافر صفات الرجل المجرم في هذا النموذج البشري ( الوضيع ) ، الذي اسقطته هبة سماوية في طريقهما دون قصد ، وأبدا لم يكن يشك في قدرات " لامبروزو " العلمية ولا قدراته التحليلية .. بل كان يشك فقط في قواه العقلية واتزانه النفسي لا غير !
...
في هدأة الصباح الباكر تسلل الرجلان خارج منزل السيد " لامبروزو " ، كان ضيفهما قد غادر منذ زمن ، بعد أن حصل على أجره السخي ، أما هما فقد قضيا بقية الليلة يتناقشان فيما يجدر بهما أن يفعلاه ، حتى أتفقا في النهاية على خطوة هامة برغم تعارض وجهات نظرهما الشديد ، غادرا المنزل بينما كانت أمطار لندن تهطل فوق رأسيهما بغزارة ،وراحا يجريان كأحمقين مبتلين تحت وابل المطر باحثين عن عربة تقلهما إلي وجهتهما ، وأخيرا عثرا على عربة مبكرة يقودها حوذي نشط ، وكان للصدفة هو نفس الرجل الذي أقلهما بالأمس .. " أرشيبالد " سيء الحظ !
دخل " داروين " أولا إلي العربة ، ثم تبعه " لامبروزو " وهو يطوي مظلته الضخمة ويهتف آمرا ووجهه يقطر ماء ويلمع انتصارا في نفس الوقت :
-" سكوتلنديارد من فضلك يا عزيزي !"
...
في مكتبه جلس المفتش " فردريك إيبرلين " يستمع بتعجب إلي الأنباء الغريبة التي حملها إليه سيدان مهذبان يقولان أنهما عالمين ، قال له " لامبروزو " وهو يدس مجلدا مكدسا بالأوراق تحت أنفه ، حتى كاد يقحمه داخل فمه:
-" سوف تجد شرحا وافيا لنظريتي في هذه الأوراق الصغيرة .. لدي بياناته الكاملة وبوسعكم الإيقاع به خلال خمس دقائق لا أكثر ! "
هتف المفتش المخضرم نافذ الصبر متسائلا :
-" لكن بأي جريمة ؟! بما تتهمونه يا سادة ؟!"
دون صبر أجاب الرجل الواثق من نظرياته :
-" أؤكد لك ان هذا الرجل مجرم لا يشق له غبار ، لقد سمعت عن هؤلاء المومسات اللائي قُتلن في وايت شابل ،أكون أحمقا  مأفونا كسعدان يسكن أعالي الأشجار إن لم يكن هذا المدعو هو قاتلهن !"
طقطق السيد " داروين " سبابته ،وهتف مستنكرا :
-" لا تسيء للسعادين يا عزيزي من فضلك .. إننا من نسلهم ! "
لكن " لامبروزو " تجاهله وهو يرسم على وجهه تعبير من طراز :
-" دعنا من سعادينك الغبية الآن !"
وواصل تقديم حججه ومبرراته مشددا على ضرورة أن تقبض قوات الشرطة على هذا الرجل في أقرب وقت ، وأخيرا تخلص منهما " إيبرلين " وهو يعد بأن يهتم بالأمر بنفسه وفورا ، غادر العالمين البارزين واثقين من وعد المفتش الكبير ، الذي لم يكن ينوي تحقيقه .. للأسف !
...
في الصباح كانت أنباء مقتل " تشيزري لومبروزو " قد ملأت أرجاء لندن ، ووصلت حتى أسماع السيد " تشارلز داروين " ، بينما هو يتناول إفطاره في بيته ، فنهض منزعجا تاركا قدحه من القهوة الصباحية ، وتناول قبعته وخرج من فوره ..
لم يتجه نحو بيت زميله البارز ليري أية كارثة حلت به ، ولم يجرؤ على التوجه نحو سكوتلنديارد ، ليتحدث عن الشكوك التي كانت تعصف به حول شخصية القاتل ، بل أتجه رأسا نحو ميناء لندن ، وهو يتلفت خلفه في كل خطوة  ، حيث كانت حركة السفن دائبة فيه ، ووقف على الرصيف البحري ، مستعرضا السفن الراسية بعينيه الحادتين ، ثم رفع يده وأشار إلي أقرب سفينة إليه ،وهتف مظهرا سلطته التي تعطيها له مكانته العلمية الفائقة :
-" أيها الكابتن إلي جزر جلاباجوس .. رأسا من فضلك !
                                 تمت
 
 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...