التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الملص( قصة قصيرة )

 

 

 وضعوه في الصندوق وحاولوا إبعاده عنها إلي أقصي حد ممكن .. ورغم أنهم خضعوا في النهاية لرغبتها في أن يبقي النعش الصغير معها في نفس الغرفة ، إلا أنهم حاولوا الحيلولة بينها وبين إلقاء نظرة أخري عليه .. فزحزحوه لصق الجدار البعيد من الغرفة ووضعوا أمامه قطعة أثاث كبيرة ، تكاد تخفيه تماما عن أنظارها !

كانوا يتخذون كل تلك الإجراءات الصارمة من أجل مصلحتها .. فلا خير لها في أن تري وليدها ميتا مرة أخري !
كان الولد قد جاء إلي الحياة ميتا .. نزل إلي الدنيا بجسده بينما بقيت روحه هناك ، لا أحد يعلم ما إذا كانت روحه قد فاضت إلي خالقها ، أم أنها لا تزال غارقة في نشوة الخلق في بحبوحة الرحم الضيقة ، التي يبدأ منها اتساع الكون وضيقاته .. إلا أن الأمر المؤكد أن الروح بقيت هناك ولم تهبط مع الوليد إلي هذا العالم !
أبت الروح أن تنحدر من عليائها تاركة الطفل يولد ملصا خاويا من الحياة ، والأم الشابة تتلظي بحرارة ومرارة الحزن القاسي الملتهب !
كان هذا آخر أمل لها في الإنجاب .. كادت تشارف سن اليأس ، وخضعت لعلاجات وتجارب طبية لا حصر لها من أجل أن تتكون البذرة في أحشائها .. غرست البذرة ونبتت  الثمرة وتشربت الماء وتقبلت هزة الحياة وتحركت في غلافها ، وكادت تنضج تماما وتصبح جاهزة للقطاف .. لكن القطاف للأسف جاء قبل أوانه وجاءت الآفة الكبرى لتئد الفرحة في مهدها ، وتقتل الحلم الصغير الذي يحظي أغلب البشر بتحقيقه بدون تعب أو مشقة .. آفة الموت تري لما تترصدها هي من دون الناس ؟!
تأخرت في الزواج ، غاب عنها الرجل المناسب حتى استسلمت أخيرا راضية بنصف المناسب .. حلمت بأسرة كبيرة لكن الحلم ، للمرة الثانية ، تعذر عليها فقررت أن تواضع حلمها وتقبل بنصف أسرة .. بطفل واحد تعذبت كثيرا من أجل أن تشعر بحركته في أحشائها !
لم تكن تحب أباه ولا تقبله .. رضيت به زوجا لا حبيبا ، ومصدرا لبذرة طفلها لا أبا له .. المثير في الأمر أنها كانت تفكر في طلب الطلاق حالما تلد وتحصل على من يؤنس وحشتها بقية عمرها !
حلمت أن تأتي البذرة لتخلصها من أصلها .. أرادت أن تحصل على الثمرة دون فرع تتعلق به .. لكن قد آتي الوليد ميتا وبقي الفرع ، وهي معه ، عاريا متصلا بجسدها رغما عنها !
المدهش في الأمر أن الطفل كان في حالة جيدة جدا قبل ولادته بساعات .. ولشدة لهفتها للحصول عليه حرصت على أن تتابع مع طبيبها يوما بيوم منذ ساعات الحمل الأولي .. وصمتها النسوة الأخريات ، المترددات على عيادة ذات الطبيب الشهير المتخصص في أمراض النساء ومتاعبهن ، بالجنون والسفه ، فلا توجد امرأة عاقلة تذهب لطبيب النساء من أجل متابعة حملها مرتين ، وأحيانا ثلاث مرات ، أسبوعيا .. وحتى الممرضة التي كانت تعمل تحت إمرة الطبيب وفي عيادته ، كانت ترميها بنظرات خاصة شبه حاقدة وهي تراها تخرج من حقيبتها قيمة الكشف عدة مرات أسبوعيا .. إنها تدفع ما يوازي مرتب شهر لموظف وما يقيم أود أسرة كاملة كل مرة ولا تبالي !
إنهم لا يفهمونها ، ولا يعرفون كيف تفكر .. إن لديهم طوابيرا من الأطفال ، أزواج بكروش ضخمة لا يكفون عن طلب الطعام ، وآباء وأمهات أحياء لا يريدون أن يموتوا ، وأخوة يسدون عين الشمس ولا يكفون عن الثرثرة ، وعمات وخالات وكنات وأصهار لا يأتي من ورائهم ، في أغلب الأحيان ، إلا المشاكل والمتاعب !
أما هي فليس لديها شيء من هذا كله .. مقطوعة من كل أصل وفرع ضعيف يتطاير وحده في مهب الريح ، ولولا المال الذي ورثته لتسولت أو لقطعوا جسدها وباعوها عضوا عضوا للأثرياء ومكتنزي الأموال الضخمة !
لذلك تمسكت بحلمها الذي كان يعني لها الكثير .. أن تكون أما ، أن تنبت هي الأصل لتتمسك به ما دامت فرعا مقطوعا .. أن تثبت نفسها في الأرض من رأسها ، طالما أن أعقابها عارية مكشوفة لا يغطيها إلا الأوراق النقدية !
لذلك كان علمها بتعذر إنجابها ضربة شبه قاضية لها .. امتلأ رأسها بالهواء وشعرت بالخواء ، أحست بالغيظ يملأ قلبها ، وبالحقد يعبق أنفاسها وينشر حولها روائح كريهة نفاذة يشتمها جميع من حولها ويخافون منها !
إنها تحقد على الزوجات السعيدات .. وتحقد أكثر على الأمهات السعيدات !
ولإدراكه جيدا لمدي ما يمكن أن يحيق بنفسيتها المتهدمة إن استحال عليها الحصول على طفل ، بذل طبيبها كل ما يمكن بذله من جهود من أجل أن يحقق لها حلمها .. لكن حالتها كانت نادرة ، وكان عليها أن تنتظر طويلا حتى يتم اكتشاف علاج ناجع لحالتها .. صبرت وتصبرت وانتظرت ، وتحول تاجها البني إلي أبيض فوق رأسها ، شابت قبل الأوان وشاخ قلبها ..
 تحولت لعجوز في نهاية الثلاثينيات ، وزيد عمرها ضعفا وسكنها حزن مؤلم ، ورفرفت عليها طيور سوداء بأجنحة من جلد شفاف تنذرها أنها ستموت بلا ذكر ولا ذكري .. لا طفل تحتويه في حضنها ولا قطعة لحم تخرج من أحشائها ولا شجرة ستنبت من بذرتها الجرداء الجافة !
بكت حتى صفي ماء عينيها .. لكن ماذا يجدي البكاء ؟!
البكاء لا يستدر شفقة الكون ولا عطفه ، بل يثير سخريته ويهيج قسوته .. لذلك كلما ضعف المرء وخضع بالبكاء كلما زاده القدر من الضربات وعاجله بالمآسي !
هذا العالم لا يواجه بالأعين المبللة ، بل بالأعين الواسعة الجافة ، وبالحدقات المفتوحة علي اتساعها المحملة بالاستهانة وبشيء من القسوة .. وقد أنتهي بها الحال إلي ذلك في النهاية !
جفت دموعها وامتلأت نفسها بالقسوة والمرارة والرغبة في الأذى .. ولم يكن هناك من تصب عليه نهر القسوة المتدفق في داخل نفسها المتقرحة حقدا وحسدا وشعورا بالاضطهاد سواه هو .. زوجها !
تفننت في تكديره وتسويد عيشه .. أرادت أن تحول حياته إلي جحيم كبديل عن الجحيم الذي يستعر في أحشائها .. كانت تتهمه بأنه لا يشاركها آلامها ولا يحس بأحزانها .. ولكنه في الحقيقة كان يتألم أكثر منها !
ردت عليه محاولاته للترويح عنها ، وإدخال السعادة عليها بالشجار والصراخ وسوق الاتهامات التي تنتهي بالبكاء و بمطالبات  لا تنتهي بالطلاق !
تحولت أيامهما معا لضريبة  يدفعها المرء للقدر عن عينه وعافيته ،  نوع من التكفير عن الذنوب .. وتحمل السياط من قبل الصالحين في مواكب نعي الحسين الشهيد !
لكن ذلك أنتهي مع أول خبر تفاجأ به من فم طبيبها .. إنها تحمل البذرة الآن وتوشك أن ينبت لها جذر تغرسه في قلب الأرض !
صمتت حين تلقت الخبر وبدت واجمة ، وربما مصدومة وحزينة .. لكنها في الحقيقة كانت سعيدة ، سعيدة لدرجة أنها لم تكن تجد في قاموس الكلمات والعبارات ودليل الحركات والإيماءات البشرية ما يصلح للتعبير عن مدي فرحتها في تلك الدقائق !
كانت سعادتها حزنا أصيلا يتفاقم كل لحظة ، لم تكن تبدو كالسعادة التي تبدأ بدفقة هائلة ، ثم تأخذ تخمد وتبرد وتتلاشي .. كانت فرحتها تتعمق وتتجذر في داخل روحها في كل لحظة .. نمت الفرحة داخلها وكبرت مثلما يكبر الطفل في رحمها كل لحظة !
يأخذ من دمها وغذائها ويمتص جزأ من عناصر بقائها ، ويحتوي أرومتها داخله ويقتطع من دمها ومن ذاكرة الأجيال المحفوظة في داخلها .. إن للحم وللخلايا ذاكرة تختزن كل ما مر علي الخلق من لدن " آدم " وحتى ساعة خلقها هي ،  لذلك يتذكر المرء أشياء لم يرها بعينيه ويعرف أحيانا ما لم يعلمه له أحد .. الروح لا تستنسخ لكنه اللحم والذاكرة المحفورة فيه ..
 وقد كان لحم الأم مليئا بالذكريات السيئة والمشاعر الكريهة ، ومحملا بطاقة سلبية تكفي لإغراق الكون بأسرة .. وقد تشبع الوليد بكل ذلك ، ولهذا تحرك في الأحشاء قبل موعده ،  وأستنفد عمره قبل موعده أيضا !
ولد ميتا رغم أنه كان يصول ويجول راكلا متشقلبا في الرحم قبلها بساعات .. فكيف وجد الموت وقتا كافيا ليختطفه من بين يديها ؟!
خرج من جوفها ميتا وقيل لها أصبري .. أصبري !
ولكن لما تصبر وما جدوى الصبر هنا ؟!
ما فائدة الصبر إن لم يكن يعدك إلا بمزيد من الحزن ومزيد من الألم والخواء !
صبرت طويلا لكي تحصل عليه .. فإذا فقدته فعلام تتصبر بعد ذلك وماذا تنتظر ؟!
عليها أن تصبر إلي الأبد وتنتظر ِشيئا تريده ولا يأتي متعللة بشيء تملكه ولا تريده !
صفقة العمر الخاسرة الطويلة .. ثم يقال لك بمنتهي الرعونة والبرود : اصبر !
حاضر يا سيدي سأصبر كما صبر أولوا العزم .. لكنني لست منهم ، كما أنني أعرف أنك جزوعا هلوعا أكثر مني !
لم يفلح المسكن ولا المنوم في دفعها للراحة .. أغمضت عينيها بعد أن نفذوا رغبتها ووضعوه في صندوق مغطي بالقماش في نفس مساحة الحجرة التي تضمها .. لم تلقي سوي نظرة واحدة على وجهه !
كان وسيما رقيقا جميل المحيا .. سيلتهم الدود ما تعبت أحشائها في تكوينه وتغذيته .. الدود سيكون أولي منها بالقطعة التي تعبت في حملها وتنميتها ولم يتعب هو !
أي قسوة وأي ذنب اقترفته في حياتها يعادل ذلك الألم والعذاب الذي تحس به ؟!
لم يدخلها المنوم في حالة ثبات واسترخاء .. بل أدخلها في غيبوبة قلقة لم تفتأ  تنتبه منها كل دقيقة لتنظر حولها باحثة عن وليدها !
لم يكن هناك أحد حولها ، تركوها وحدها تماما لتستريح من تعب الولادة ومرارة الحزن ، وتحظي بشيء من النوم والراحة .. لكنها لم تنم ولم تبقي مستيقظة .. تعلقت بين حافتين وتأرجحت بين حالتين .. بقيت هناك بعين نائمة وعين مفتحة تبحث عن حلمها الذي فقدته قبل أن تراه !
عن الطفل الذي جاء ولم يجيء والذي خُلق للموت والفناء والعدم .. لم تبكي فألمها أكبر من النحيب والبكاء !
الحزن الرطب المبلل يكون أقل قسوة وأعظم رحمة .. أما الألم الجاف فتتحطم على صخرة قسوته الروح ويصيب جدبه النفس بالتهشم ويفلقها إلي أنصاف وشظايا !
دخل عليها مرتين محاولا جبر الكسر الذي بينهما وإشعارها أنه هنا ، وأنه بجوارها ، وأنه يغفر لها ما تقدم من أخطائها نحوه وما تأخر .. لكنها لم تكن تشعر بالذنب نحوه !
لقد عقد الصفقة وقبض الثمن فعلام يتظاهر بالفروسية إذن ؟!
أغمضت عينيها وتظاهرت بأنها لا تراه ولا تسمعه .. إنها فعليا لا تريد أن تراه ولا أن تسمعه !
أرتد خائبا بعد أن فشلت محاولتيه الأولي والثانية ، فتركها لتسترد نفسها وتعترف بأخطائها .. شعرت بالراحة فور خروجه وما لبث صوت ضعيف أن خرج من الصندوق !
الصندوق الصغير الذي وضعوا فيه طفلها الميت .. إنها تسمع صوت خربشة وقلقلة واضحة تتصاعد منه !
إن الطفل حي وها هو يناديها .. ينادي أمه لكي تأتي وتخرجه من هناك !
فورا أزاحت الأغطية ووضعت قدميها على الأرض .. كانت ضعيفة واهنة متألمة لكن لا شيء في الكون بقادر على جعلها تتجاهل نداء وليدها لها !
إنه النداء الأقوى من الموت ذاته .. نداء البذرة لأصلها أقوي من الموت ، وأقوي ولا ريب من كل عنفوان الحياة !
بغريزة كغريزة إناث الحيوانات حين تعبر سهولا وتتخطي حواجز ، وتقفز فوق قمم مدببة مغطاة بالثلج أو تعبر من حلقات النار لتأتي بأولادها ، نهضت من مكانها .. لم تعد أنثي بشرية بل تحولت لتجسيد حي للغريزة التي صنعت الحياة والتي قهرت الموت .. غريزة الأمومة التي لا حل لألغازها رغم بساطتها ووضوحها !
نهضت ومشت على أطراف أقدامها .. لا تريد أن يسمعها أحد ليأتي ويحول بينها وبين ما تنوي أن تفعله .. أول ما قامت به كان إغلاق الباب على نفسها من الداخل !
أغلقت الباب وبدأت ، بوهن وضعف ، تحاول إخراج الصندوق من خلف الدولاب الصغير الثقيل الذي وضعوه ليحول بينها وبين رؤيته .. حاولت زحزحته وإبعاده ، وتمكنت من فعل ذلك بصعوبة بالغة .. لهثت وتفشي الألم في كل قطعة من جسدها .. لم تستسلم ولم تخنع ، لو كانت تعرف الاستسلام أو الخنوع لما وصلت إلى حد هنا ولما حظيت بتلك البذرة الميتة التي خرجت من أحشائها الطرية الحنونة لتقبع في صندوق من الخشب الصلب القاسي !
أخيرا انفردت بصندوق طفلها وتمكنت من لمسه .. ارتعشت وهي تتحسس الغطاء غير المثبت .. تلمسته بنعومة للحظة ثم أزاحته ببطء ليسفر لها حجابه عن شيء صغير ملفوف بقطعة قماش تغطيه تغطية كاملة ولا تدع له للهواء منفذا .. سيقتلونه .. أولئك الحمقى يمنعون التنفس عن طفلها ليخنقوه ويقتلوه !
كان الطفل يتحرك في داخل كفنه المرتجل !
يلبط كفرخ دجاج .. ملص يحاول التملص وقد أتت ماما لتنقذه !
فكت القماش بلهفة عنه ، فظهر وجهه الصغير .. وجه منير محبب بملامح تشبهها كثيرا .. ابتسم لها الطفل فور رؤيته لها وكف عن البكاء !
كانت عيناه جافتين ولا دموع فيهما لكنه كان يبكي قبلا .. زال البكاء الآن ، وأطل علي العالم عبر عينيه ،  انتظرته طويلا ليكون فرحتها فجاء القساة الغلاظ ليحبسوه في صندوق ويحاولوا خنقه ليكون حزنها ووجعها ما بقي من عمرها !
رفعته واحتوته بين يديها .. سمعت صوت باب الحجرة يدق دقا متواصلا ملحا عصبيا فلم تبالي به .. ما الذي يريدونه منها ؟!
فليتركونها تنعم بطفلها قليلا ويدعوه ينعم بأمه .. لم تتحرك لتفتح الباب ، بل قربت الطفل من وجهها وقبلته .. قبلته بشغف وحنو ولهفة وشبق !
شبق لروحك الذي هو أقدم أنواع الشبق في العالم .. إننا لا نحب الآخرين بل نحب أنفسنا في الآخرين !
لذلك نكره كل من يؤلمنا ، ونحتقر كل ما يخالفنا ونعادي كل من يعادينا .. نحن وليس الآخرين هو عشقنا الأول وسبب بقائنا في هذا الكون !
ولأنه هي وهو قطعة منها ، لأنه كائن من كينونتها ، ولأنه يحمل دمها ويتغطي ببشرتها فقد سمعت ندائه ولم يسمعه الآخرين .. ضمته إلي صدرها وبدأت تهدهده !
سمعت صوت الباب يفتح بالقوة من خلفها ، فلم تهتم ولم تبالي بشيء .. وخلفها ظهر زوجها وعلى وجهه علامات القلق والذعر ، ومعه الطبيب محاولا بسرعة إفراغ أمبول في حقنة بحوزته .. بينما هي مستمرة  في هدهدة الطفل على ذراعيها .. ثم بدأت تغني به !
غنت له بحنان وبصوت جميل .. إنها أول مرة تغني في حياتها ، وأول مرة تدرك أن لديها صوت جميل .. كل الأمهات يصبح لديهن صوت جميل بعد أن يلدن ، وكأن ما يختزنه في أجسامهن ويقدمنه ولأطفالهن وهم أجنة يعوق تلميع أحبالهن الصوتية ويخشن من أصواتهن العذبة .. صوت الأم العذب يرن في أذني طفلها ، رغم أنها لا تعرف ما إذا كان يسمعها أم لا !
لا أهمية لذلك .. والطفل يتأرجح بلطف على ذراعيها وهى تواصل الغناء .. الغناء حين يكون بديلا للبكاء واقسي درجات الألم حين يُعبر عنها بالرقص والحنجلة !
أقترب منها الزوج الصامت المصدوم وخلفه الطبيب القلق المتوتر .. لم تعرهما التفاتا وواصلت هدهدة صغيرها وغيرت النبرة لتشدو له بصوت أعلي وبأغنية أكثر مرحا وفرحة !
 
ملحوظة : كلمة ( ملص) تعني الجنين الذي أُسقط أو تم اجهاضه قبل اكتماله .

 

 

 

 

 

 

 

 

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...

شيرلوك هولمز التحقيقات الجنائية : أبو الطب الشرعي قاهر القتلة !

  " برنارد سبيلسبري "  الرجل الذي جعل من علم الأمراض علما له قواعد وأصول .. نظرة ثاقبة وذكاء حاد وعناد لا حد له   شهد عالم الجريمة شخصيات لامعة ذاع صيتها ، وعالم الجريمة ، كغيره من مجالات الحياة والعمل المختلفة يضم نخبتين وفصيلين : رجال الشرطة واللصوص ، المجرمين ومحاربي الجريمة ، القتلة والأشخاص الذين نذروا أنفسهم لتعقبهم والإيقاع بهم ،ودفعهم إلي منصات الشنق أو تحت شفرات المقصلة أو إلي حياض أية ميتة لائقة بهم . وبطلنا اليوم هو واحد من أبرز وألمع من ينتمون إلي الفئة الأخيرة : إنه الطبيب الشرعي الأكثر شهرة وإثارة للجدل ، الرجل الذي جلب على نفسه عداء عدد لا يُحصي من المجرمين والسفاحين والقتلة ، إنه سير " بيرنارد سبيلسبري " ، متعقب القتلة وعدو المجرمين وصاحب أكبر عدد من القضايا الملغزة التي لا تزال الكتابات والتخمينات حولها مجال خصب للإبداع والجدل ملتهب الأوار .   ميلاد الرجل المنتظر ! خرج " برنارد " إلي النور يوم 16 مايو 1877م(1) ، في يوركشاير ، وهو الابن البكر للمتخصص في كيمياء التصنيع " جيمس سبيلسبري " وزوجته " ماريون إليزابيث جوي " ، كا...