إلي جوار الباب جلس منتظرا نهاية المخاض ..
كانت الزوجة ترقد في الداخل وبجوارها أمها وحماتها
وقابلة مدربة ( حكيمة ) .. الزوجة تعاني الآلام وعذاب المخاض ، وسائرهن ، عدا
الحكيمة ، التي لم يكن الأمر يعنيها في شيء ، سوي أن تقوم بتوليد المرأة الماخض
وتحصل علي أجرتها ، يعانين القلق الموجع ومرارة الانتظار الذي يعرفن أنه انتظار
عقيم بلا طائل ..
فقد أعلنها الطبيب منذ أشهر بدون رحمة :
" مبارك .. بنت ! "
" بنت ؟! "
إذن فليس مباركا علي الإطلاق .. إنها البنت الرابعة آتية
لتزيد الدنيا سوادا في عيني الأم المسكينة !
إنها بنت أخري .. والزوج لن يسكت هذه المرة ولن يصبر
أكثر من ذلك !
حمي الطلق وأشتد المخاض ودفعت الطفلة ، المحاصرة بالداخل
، العوائق بيديها العاجزتين الصغيرتين محاولة أن تثبت للعالم جدارتها بأن تخرج له
.. بل لعلها أحست أن الأب غير راض عن مجيئها إلي العالم ، ويراها فائض بشري لا
قيمة له ، فأرادت أن تثبت له جدارتها وهي لا تزال في منتصف الطريق بين أن تكون أو
لا تكون !
أطلقت الأم الصرخة المدوية الأخيرة . صرخة الميلاد ..
وانزلقت الطفلة إلي العالم مغطاة بأوزار المعركة التي لم تخضها بعد !
أطلقت الجدة الأولي زغرودة قصيرة مختنقة .. لم تلبث أن
قطعتها عندما زغرت لها الجدة الثانية ورمقتها من طرف عينها بنظرة حادة مسنونة
وكأنها تقول لها بصمت كامل مزدري :
" بتزغرتي علي أيه يا ولية ؟ علي خيبة بنتك ؟!
"
وبالفعل فقد وئدت الزغرودة في مهدها .. كما وئدت فرحة
الميلاد في صدري الأم والطفلة علي السواء ..
" هتسموها أيه ؟! "
" سموها زي ما تحبوا .. مش هتفرق .. كنا عايزين واد
.. لا حول ولا قوة إلا بالله ! "
وكأنهم يتقبلون العزاء في مأتم .. ظل الأب جالسا أمام
الباب والسجائر المستهلكة تتكوم تحت رجليه ، حتى أمست تلا صغيرا من الأعقاب التي
ينطلق من بعضها خيوطا واهنة من الدخان .. كانت السجائر تنفث الدخان بالنيابة عن
الأب ، الذي يمتلأ فراغ صدره العريض بأدخنة الغضب واللوم والمرارة واليأس والأمل
المفقود .. والرغبة في الانتقام !
...........................
مرت أشهر ثلاثة علي مولد " أسماء " وكأنها لم
تمر أساسا .. أمسي الأب أكثر صمتا وانعزالا وبات لونه أكثر بؤسا وقتامة .. وفي
المساء حين يجلسون جميعا ، لأول وآخر مرة ، ليتناولوا وجبتهم معا كان الأب يرمي
الكلام دون مواربة :
" فلانة ولدت النهاردة وجابت واد ! "
" طيب ! "
هكذا ترد الزوجة ، المشغولة بإطعام الطفلتين اللتين
تكبران " أسماء " بسنوات قليلة ومنعهما من اللعب بما تحتويه صينية
العشاء من أطباق وأرغفة خبز ..
طيب أيها الزوج ، حسنا يا " شهريار " .. وماذا
تريد الآن ؟!
وهل هي تختار نوع الجنين بحسب مزاجها .. أليس تلك البنات
لك النصف فيهن .. ألسن يحملن نصف كروماسوماتهن منك قبل أن يحملن نصفها الآخر مني
؟!
طبعا لم تكن الزوجة تفكر بمثل هذا الكلام ، تلك الردود
القاسية ، ولم تكن تعرفها أصلا .. لكن غيظا مكبوتا وحزنا قديما ، كأطلال بيت مهدم
تثير الحزن أكثر مما تثير الخوف ، كانا ينخران في صدرها المثقل ..
إنها لم تكن تحلم بذلك ، كانت ذات يوم طالبة متفوقة
وذكية ، وينتظرها مستقبل مشرق ، إن تركها أحد تصل إليه .. لكنها لم تحصل علي
فرصتها قط ، فالعريس المنتظر قد جاء يدق الباب ورده أمر غير وارد إطلاقا :
" ده ولد عمتك يا بنتي .. وغلبان وعلي قد أيدينا
وفوق ده وده شاريكي ومستنيكي من زمان ! "
ينتظرها منذ زمن وهي لا تزال في سادسة عشرتها من العمر
القصير الجميل !
في الصف الثاني الثانوي يا ناس .. فكيف ينتظرها منذ زمن
يا من تلعقون الكذب كما تلعق الكلاب عظمة شهية المنظر !
ولكن أليس بوسعها أن تقاوم .. أليس مسموح لها بالاعتراض
؟!
لا ليس بوسعها ولا مسموح لها .. وحتى إن فعلت فمن هذا
الذي سيستمع لها !
الجدة المتصرفة قد تحجرت رأسها ، المتحجرة من الأساس ،
وأصرت علي إتمام الزيجة .. الأم الأمية ، التي لا تقرأ ولا تكتب ، قد أنفتح فمها
وأنشق من الأذن حتى الأذن فرحة بأن ابنتها الوحيدة ، الفتاة الوحيدة وسط أولادها ،
ستتزوج وستصبح عروسا .. ستساق إلي بيت العريس ، الذي لا تريده ولا تريد الزواج نفسه
، كما تساق ذبيحة إلي يدي القصاب لينحرها !
ماذا ينتظرون إذن .. ينتظرون دمها ليلطخوا به الجدران
ويرسموا خمسة دموية علي الجدران ليدرؤوا بها عين الحاسد والحاقد والذي له عين تفلق
الحجر نفسه !
وهكذا استسلمت لقضائها ورضيت بقدرها .. لا لم ترضي يوما
لكنها استسلمت وفارق بين اللفظتين ، لو تعلمون ، عظيم .. استسلمت إذن .. وبعد أن
رفعت الراية البيضاء ودخلت حياتها الجديدة راجية دون كبير أمل أن تلقي فيها
السعادة التي خلفتها وراءها بين صفحات كتبها ، التي أغلقت للأبد الآن ، وبين ثنيات
جلباب المدرسة الأزرق الفضفاض ، وتركت بقاياها متناثرة كرماد حريق فوق مقاعد
المدرسة الكالحة المحببة إلي قلبها .. ولكن الدنيا كلما جابهتها بخنوع واستسلام
كلما طلبت منك المزيد والمزيد ..
وبعد الزواج بدأت المشاكل .. فالعروس لم تحمل لعدة أشهر
بعد الزواج وبدأت الحماة تئن بخبث والزوج يتساءل بلا مواربة :
" مفيش حاجة ولا كده ؟! "
" لا مفيش ! "
ردت عليه بحزم وأوقفته .. لكن السؤال ما لبث أن سؤل
ثانية وثالثة ورابعة وخامسة وبدأت لسان الحماة يستطيل :
" عارفة فلانة .. بنت فلان .. اللي دخلت معاكي في
ليلة واحدة ؟! "
طبعا كانت تعرف " فلانة " وتعرف أباها "
فلان " وأمها " فلانة " جيدا .. فماذا تبغين إذن أيتها الحيزبون ؟!
" آه .. عارفاها ! "
" حامل وعلي وش ولادة .. عقبالك يا بتي يا رب !
"
ولحسن الحظ فإن العقبى لها أستجيب لها قريبا ، ولعل تلك
الحماة الخبيثة مستجابة الدعاء رغم كل شيء .. وأحست العروس ببشائر الحمل ! "
" مبروك مبروك يا أمي .. إن شاء الله يجي واد !
"
آه .. لقد جفت الأقلام والصحف إذن بضربة واحدة .. الولد
وما أدراك ما الولد !
......................................
ولكن الولد لم يأتي في المرة الأولي .. لوت الحماة
شفتيها ، وإن لم تفه بكلمة تحرق الدم ، وتظاهر الزوج ، الذي صار أبا الآن للمرة
الأولي ، بالسعادة والرضا بما أعطاه الله .. ربما كان راضيا ، محتسبا ، في المرة
الأولي .. ولذلك حظيت " شيماء "
،البنت الأولي ، بسبوع * جميل وبكثير من الحلوى ومن الرقص والتصفيق .. وحُملت
الطفلة علي أيدي أباها وأمها وجدتيها وجدها من هنا وجدها من هناك وأعمامها
وأخوالها ، والتقطت لها الصور في أحضان الجميع .. ابتسم الجميع سعداء ، أو تظاهروا
بهذا علي الأقل ، ومر اليوم علي خير .. ولكن لم تنقضي أشهر حتى بدأت الحماة تنق
كالدجاجة .. كانت " شيماء " في حجر أمها تبكي وتتلوي من المغص حينما فتحت
الجدة الموضوع :
" مش تشدي حيلك بقي يا ست الناس .. عشان ربنا يعوض
عليكي وتخاويها ! "
يعوض عليك وتعني أن يعوضك الله عن الخسارة التي ابتليت
بها حينما رزقت بالبنت .. وكيف تعوض تلك الخسارة الفادحة إلا بالإتيان بالولد !
لكن الزوجة والأم الشابة التي لم تكد تلتقط أنفاسها بعد
من أول حمل وولادة لها .. و الطفلة التي لم يتعدي عمرها أشهرا معدودة ، التي
تحرمها النوم والراحة طيلة الليل
السبوع
: حفلة تقام في اليوم السابع من ميلاد الطفل
كثيرا ، ردت علي حماتها بجملة واحدة نهائية :
" إن شاء الله يا ماما .. بس " شيماء " تكبر
بس وتشد حيلها ونفطمها ! "
الفطام هو المرحلة التي كانت الزوجة الشابة تصر علي ألا
تحمل ثانية قبل أن يصلوا إليها .. لكن الزوج وأمه المتلهفان للحصول علي الولد
المنتظر هل يصبران ؟!
لا لن يصبرا مهما حدث ..ورغم أنفها ، وبالذوق أو
بالعافية ، يتحتم علي الزوجة أن تحمل وتضع من جديد لتأتي بالولد ..
لكن ، فيما يبدو ، فإنه لا أولاد فوق رأس " شيماء
" .. لأن الحمل الثاني ، الذي كان شاقا وثقيلا علي الأم المرضعة ، جاء بطفلة
ثانية .. بنت أخري فيالشقاء الوالدة والمولودة والمولود له !
أتت " مروة " لتحيل العالم ، الذي كان سيئا
بالفعل ، إلي ما هو أسوأ .. حزن الزوج حزنا حقيقيا هذه المرة وأظهر ذلك بجلاء ..
الحماة تلون وجهها بلون الحزن والحنق علي الزوجة التي ليس لها من الأمر شيء ..
ووالدة الأم امتقع وجهها وأخذت تدعو لابنتها من قلبها :
" يا رب .. يا
رب أكرمها وأرزقها الولد يا رب يا كريم يا رحيم ! "
كانت حربا تلك وليست عملية إنجاب وإعمار للأرض !
وتلك المرة ومن نفسها هي ، وبدون حاجة إلي زق ودفع
وإجبار ، بادرت " نعمة " إلي البحث عن حمل جديد ، مع أن " مروة
" لم تكد تكمل شهرها الرابع بعد .. لكن الزوجة كانت قد سئمت ، سئمت النظرات
التي يحدجها بها الجميع .. نظرات الزوج وأمه وأبوه وأخوته وأخواته ، حتى أمها كانت
ترمقها بنظرات خاصة متحسرة وكأنها تراها راقدة تنازع الموت أمامها .. أهي مريضة ،
أهي سقيمة عليلة تستحق الشفقة ؟!
إنها لا تعرف ما إذا كانت قد أقبلت علي خوض تجربة الحمل
من جديد ، الحمل الثالث ، فعلا لتتلافى ما يحيط بها من نكد وهم .. أم أنها هي
نفسها صارت تشتهي الحصول علي الولد مثلما يشتهون !
ذلك لغز سيبقي كامنا في أعماقها مدي طويلا ولن تعرف له
حلا ولا تريد ذلك .. فكل ما تريده أن ترقد بين يدي الطبيب في العيادة المجهزة
ويسلط أشعة السونار علي بطنها ويقول لها مرحا سعيدا ، فهو معها منذ أول حمل ويعرف
كم معاناتها :
" مبروك يا ست الكل .. ولد ! "
آه .. لكنه لن يقلها فيما يبدو ولزمن طويل وربما للأبد
.. فالطبيب لم يبتسم حينما زارته تلك المرة ولم يمرح أو يبدي السعادة .. تلعثم
محاولا تبرير موقفه :
" آه .. ده مش باين للأسف ! "
كانت الحماة واقفة كالصقر بجوار فراش زوجة ابنها فهتفت
مستنكرة وهي تري تفاصيل الجنين واضحة أمامها علي الشاشة :
" مش باين إزاي يا دكتور .. ما هو معدول وكويس أهوه
! "
حك الطبيب ما تبقي من شعره وقال رادا بلطف :
" مش كل العيال بتبان بدري يا ستي .. أسبوعين كده
ولا حاجة وإن شاء الله نعرف ! "
زمت الحماة شفتيها وتلونتا بالسواد وقالت مستنكرة قاطعة
:
" ولا أسبوعين ولا حاجة .. علي أية ما كل حاجة
باينة أهي .. مدور ومكعور .. تبقي بنية ! آه يا غلبك يا ولدي .. يلا يا بت !
"
قالتها بقسوة ورائحة الازدراء والكراهية تفوح منها
كرائحة النشادر !
...
عادتا إلي البيت .. كان الزوج غائبا في عمله والطفلتين
تلعبان علي الأرض التي لوثتاها كلها ببقايا البيض المسلوق الذي أطعمتهما جدتهما
الأخرى إياه .. كانت أم الزوجة هناك ترعي حفيدتيها لحين عودة أمهما المنكوبة ..
ولم تكد تراهم يهلون حتى هرعت إليها منتظرة البشارة :
" ها يا أمي .. طمنيني ! "
مصمصت الحماة شفتيها وقالت محتقرة :
" ولا نطمنك ولا تطمنينا .. اللي مكتوب عليه الشقا
مكتوب ! "
ثم دخلت إلي غرفتها ورزعت الباب خلفها بغل .. ذعرت الأم
ونظرت إلي ابنتها مستفسرة .. هزت " نعمة " رأسها ثم أسندت رأسها إلي صدر
أمها .. وانفتحت في البكاء والعويل !
...
كانت تلك أول مرة تبكي منذ أن أرغموها علي ترك المدرسة
لتتزوج .. لم تبكي حين زفوها بالقسر الجميل إلي ابن عمتها ، ولم تبكي حين كانت
تعاني متاعب المخاض مرة واثنتين .. ولم تبكي حين كان زوجها ، وحماتها وأخوات زوجها
، يعايرونها جهرا أو تلميحا بإنجاب البنات .. لكنها بكت الساعة !
لا ليس لأنها عرفت أنها تحمل بنتا ثالثة .. بل لأنها
أحست أنها لا قيمة لها في هذه الدنيا .. ليست لحما ودما ، ولا عقلا ، ولا قلبا ،
ولا إنسانا له مشاعر وجب احترامها ، ولا أما تحمل في داخلها قدسية الأمومة وجمالها
وروعتها الفريدة .. بل هي مجرد وعاء !
معون* ، مثل الحلة أو الطبق ، ما عليها سوي أن تحمل وتضع
، وليس أي حمل أو أي وضع .. بل يجب أن تحمل وتضع الولد ، وإلا فلا قيمة لها ولا
شأن .. ليست أغلي عندهم من طبق من الصفيح أو حلة من الألمونيوم .. ولا حتى عند
زوجها المتظاهر بحبه لها .. هل يحبها فعلا ؟!
تشك الآن في كون أي أحد يحبها علي الإطلاق .. فهل سمعتم
بأحد يحب حلة أو طبق ؟!
وكأنها قد بشرت علي نفسها كما يقولون .. فما إن استسلمت
للبكاء أول مرة حتى لازمها البكاء دوما بعد ذلك .. ، صارت تبكي ليلا ونهارا ،
وتبكي وهي نائمة ، حتى أحلامها كانت تري نفسها فيها جالسة تبكي .. فقد صارت حياتها
كلها آلام !
لم يرضي الزوج عما سمعه ولم يفتح فمه بكلمة معترضا أو
محتجا أو مسلما قدره لربه أو حتى معزيا لزوجته الحزينة الصموت .. بل سمع الخبر
ببساطة ثم ذهب ليغلق بابه علي نفسه .. ويظل هناك بقية اليوم يدخن سجائره بلا
انقطاع وينفخ من صدره غيوما سوداء حارقة !
لكن ماذا بوسع العناد أن يجدي , وهل الله عز وجل يُعاند
معه ؟!
استسلمت " نعمة " لما هو مقدور ومكتوب عليها
منذ أن كانت جنينا في بطن أمها .. ولعل
أباها هو الآخر ، أستقبل مولدها الحزين بالجلوس أمام البيت وتدخين السجائر ليفرغ
فيها غليله ..
غريب أمر هؤلاء القوم .. هم أكثر من يطنطنون بالإيمان
بالله وبقضائه وقدره .. وهم أيضا أكثر من يضجون بقضائه وقدره هذا ولا يتقبلونه إلا
مرغمين ساخطين !
مرت شهور الحمل سريعا وأصرت الطفلة الثالثة علي أن تأتي
إلي العالم في أسرع وقت فجاءت مبكرة عن موعدها الطبيعي شهرين كاملين ولأن ( عيال
الفقري تيجي بدري )* فقد هرولت " أسماء" إلي العالم غير عالمة بما
ينتظرها هناك ..
أرتدي الزوج جلبابه البلدي الأبيض وذهب إلي السوق ليجلس مع رفاقه من البائعين والمتسببين* هناك
.. كانت تلك مجرد حجة فالحقيقة أنه خرج لأنه لا يريد أن يشهد مولد البنت الثالثة
له .. كان راغبا في خنق زوجته ، أو خنق الطفلة الجديدة فور مولدها ، أو حتى خنق
الثلاث بنات دفعة واحدة ..
وتجبنا للمشاكل وليمر اليوم الأسود علي خير قضي بقية
ساعات النهار خارجا .. وعاد في المغرب شاحبا واهنا مصفر الوجه بسبب تدخينه كومة من
السجائر علي الريق بدون قضمة خبز أو شربة لبن ..
أشفقت عليه أمه حين رأته ولمعت عيناها بالإصرار الذي
يلمع في عيون المرأة العربية القوية حين تقرر أنها هي وحدها المخول لها حل المشكلة
المستعصية والإجهاز عليها .. وقد كانت الحماة بالفعل قد قررت أن وقت الحل والإجهاز
قد جاء ..
بدون مقدمات قالت لولدها :
" أتجوز عليها يا أمي* ! "
رمقها ولدها المرتعش ، من فرط الجوع والحزن والتدخين
الثقيل ، بعينان متفاجئتان من قولها ولم يجد ردا يقوله :
" مالك بتبحلقلي* كده ليه ؟ مش عايز يجيلك واد يشيل
أسمك ويكون في ضهرك ؟! "
لم تكن الأم في الحقيقة تسأل بل كانت تقرر حقيقة تعرفها
جيدا .. نعم يا أمي إنني أريد الولد الذي يحمل اسمي ويكون سندا لي في ظهري .. لكن
كيف يمكنني الحصول عليه ؟!
تبادلا نظرات متواطئة وردت الأم علي نفسها :
" الفقرية النقرية * دي مفيش في عنقودها غير
البنتة* ولا عمرها هيجيبلك واد .. لا دلوقتي ولا بعدين ! يبقي أيه يا أمي ..
"
قطعت الأم كلامها بذكاء راجع إلي المكر والدهاء وليس إلي
العقل والمعرفة والعلم منتظرة أن يلتقط ولدها طرف الخيط ليشده بنفسه :
" طاب هي هترضي ؟!
كان يتحدث عن " نعمة " لكن الحماة مصمصت
بشفتيها معلنة استهانتها وقلة اكتراثها بتلك الكنه الخائبة :
" ما ترضي ولا مترضاش .. عنها ما أتزفتت رضيت هي
هيبقي ليها عين تفتح بوقها بعد ما بلتك وبلتنا بتلات بنات .. قال ترضي قال ..
مستنيين رضاها أصلك إحنا ! "
كانت كلمات الحماة قاسية كحد سيف مسنون وخالية تماما من
الرحمة لكنها نزلت علي قلل ولدها المكلوم بردا وسلاما .. وفتحت عيناه علي شيء جديد
لم يفكر فيه من قبل .. إنه يستطيع الحصول علي الولد الذي يريده من زوجة أخري ما
دامت الأولي ( الفقرية النقرية ) لا تعرف كيف تأتي به !
فكر " عبد الرحيم " قليلا وأدار الأمر في رأسه ، بدأ يفعل علي
الأقل ، ثم قال معلنا تردده :
" طيب ما يمكن ربنا يكرمها ويكرمنا وتجيبه ( يقصد
الولد ) المرة الجاية ولا اللي بعدها !"
لطمت الحماة خدها الأيمن وقال بصوت مرتفع متحسر :
" والله ما هتجيبه ولا هتشوف منها ولاد .. دي فقرية
وعنقودها مفيهوش غير البنات .. خليك وراها لما تبليك بست سبع بنات يتعلقوا في
رقبتك متلاقيش حتى واحدة تانية ترضي بيك ! "
كانت تهدده بلباقة في صورة تحذير من المستقبل .. نخ
قليلا وبدا أن الكلام مناسب لهواه تماما :
" طاب ودي مين اللي هترضي بواحد متجوز وعنده تلات
بنات ومرة* في رقبته ؟! "
" يا أمي الدنيا مليانة .. النسوان مفيش أكتر منها
! "
داعبته صورة عروس أخري تزف إليه وقال مستمتعا :
" بس أنا ماخدش إلا واحدة بيضا* متروحيش تجيبلي
واحدة عازبة* ولا أرملة !"
لقد راقه الأمر وبدأ يفرض شروطه :
" يا ولدي قول بس ربنا يسهل .. وبعدين البيضا دي
عايزالها واحد ولد زيها .. أنت لسه قايلها بلسانك أنت راجل متجوز ومعاك تلات بنات
ومرة يعني لازم توطيها * شوية عشان ربنا يكرمك بالواد اللي نفسنا فيه يا ولدي !
"
كان ثمة اتفاق قد اختمر إذن ونتائجه ستظهر حالا في
الطريق .. نتائج قاسية وليس بها ذرة واحدة من الرحمة !
...
لم يري زوجته تلك الليلة ، ولا الطفلة الوليدة بالطبع ،
ذهب إلي المندرة ورقد علي كنبة بلدي من الموجودة هناك ونام حتى الصباح .. لم ينم
جيدا بل قضي ليله الطويل متقلبا علي جمر الغضا وفي رأسه تدور معركة مهولة ، تقعقع
فيها الأسلحة وتنطلق القذائف المتبادلة وترتفع التهديدات ولا بوادر أمل عن هدنة
قريبة ، وربما صلح ، في الأفق !
كان الزوج يعاني صراعا كبيرا بين ما يريده وما هو متاح
له .. إنه في الحقيقة لا زال يحب " نعمة " ، وحتى وإن فترت مشاعره نحوها
كثيرا بسبب الإنجاب وخلفة البنات وخيبة أمله في أن تنجب له الولد المنتظر ، لكنه
لا زال يحبها رغم كل شيء .. فهل سترضي هي بامرأة أخري تشاركه فيها ؟!
لو رضيت لكان معني هذا أنها لا تحبه ، وقد تكون سعيدة
حينما تزحلقه وترحل حمولته السخيفة علي امرأة أخري حتى وإن كانت ضرة لها .. وإن هي
أبت ورفضت وعاندت ، نعم يمكنه أن يتجاهلها تماما ويتزوج مرة ثانية رغم أنفها ، وهي
لا تملك له شيئا ، لكنه من ناحية أخري غير راغب في الدخول بقدميه إلي الجحيم الذي
سينقلب إليه البيت بسبب وجود ضرتين فيه .. طلاقه لها غير وارد بالمرة ، وهو لن
يفرط فيها أبدا ولا في بناته .. فهن في النهاية لحمه ودمه ويحملن اسمه !
لكن هل ترضي " نعمة " بوجود ضرة لها ؟!
هل ترضي وتقبل مرغمة بوصفها ( أم البنات ) الخائبة
الفاشلة التي لا تعرف كيف تأتي بالولد .. أم تعاند وترفض وربما تذهب إلي بيت أبيها
غاضبة وتطلب الطلاق ؟!
كلاهما مر .. وكلاهما علقم في حلقه .. لكنه للأسف مجبر
علي الاختيار ما بين هذين الحلين !
ليس لأن أحدا سيجبره علي شيء بل لأنه يريد ( الولد ) ..
يريده بكل جوانحه ومستعد لدفع نصف عمره الباقي من أجل الحصول عليه !
يريد ( الولد ) الذي سيحمل اسمه ويحافظ عليه .. يريد (
ولدا ) يكتب اسمه بجواره علي لافتة الدكان باسم (
عبد الرحيم أبو العلا وولده فلان )
..
إنه يعرف أن كثير من الأولاد هذه الأيام لا قيمة لهم ولا
محل لهم من الإعراب .. ذكور بلا رجولة ، تكبر فارغ وعنجهية وتنصل من مسئولياتهم
نحو آبائهم .. رأي ذلك بعينيه وليس بحاجة لمن يقوله له .. ذلك السائق المسكين عم
" عرفة " ، الذي بلغ من الكبر عتيا ، ومع ذلك فهو ينزل فجر كل يوم ليحشو
عربته المتهالكة ، التي نخر الزمن عظامها وأبلي الغلب جدتها ، بالزبائن ويقودها
بيدين جافتين معروقتين لم يبقي فوق أديمهما جرام لحم جيئة وذهابا ، مرارا وتكرارا
، فوق طريق طويل متعب ، لمجرد أن يكسب جنيهات قليلة تقيه من الجوع وهو زوجة مسكينة
لا تقل عنه شقاء ولا نحولا .. أليس له أولاد ( ذكور ) ؟!
ثلاثة يا محترم ، في عين العدو ، لكنهم كقلتهم ، بل ربما
قلتهم خير وأبقي .. فأكبر الأولاد هجر الأسرة وأخذ زوجته وسافر إلي الكويت ، يعيش
ويعمل هناك ، وكما يقولون يعيش في بحبوحة ولا يتذكر أبيه وأمه بمليم ولا حتى بطرحة
تلفها أمه علي رأسها بدلا من طرحتها التي بليت وامتلأت بالثقوب .. الولد
الثاني سافر إلي مصر ( القاهرة ) وتزوج
واحدة لا يعلم أحد أصلها وفصلها ثم فص ملح وذاب .. ولا يعرف أبواه إذا ما كان حيا
أو ميتا حتى !
أما الثالث ( ننوس عين أمه ) فهو طالب فاشل ولا يصح
تسميته إلا ب( صايع ) .. ليس له عمل إلا النوم حتى العصر ، ثم يصحو ليبتز ما يمكنه
من أمه المسكينة ، جنيها أو جنيهين ، ربما كانت هي كل ما لديها لتنفقه علي البيت
يومها ، ويختفي ليذهب ( في ستين داهية ) حتى تباشير الفجر !
نعم يعرف ذلك ويعرف أكثر من ذلك .. لكنه يريد الولد رغم
ذلك!
لماذا .. إنه يعرف ولا يعرف في نفس الوقت .. إنه حتى لا
يفكر لماذا يريد الولد بل هو يريده والسلام !
ومرة أخري كر عقله راجعا إلي مشكلة زوجته .. هل ترضي
بوجود ضرة لها أم ترفض ؟!
علي تلك الحال المضطربة القلقة نام .. وأستيقظ مبكرا
بعينين مثقلتين شاعرا بأنه لم ينم دقيقة واحدة .. وربما كان هذا صحيحا !
...
غمرت الشمس الغرفة بمجرد أن فتحت الجدة الستائر .. كانت
والدة " نعمة " قد باتت ليلتها في بيت ابنتها النفساء ، وقررت أن تبقي
معها بضع أيام حتى تسترد عافيتها لتقدم لها الرعاية التي تعرف أن حماتها ، والدة
زوج " نعمة " ، لن تقدمها لها خاصة في تلك الظروف :
" صباح الخير يا ضنايا ! "
همست الأم برقة وأنحنت علي فراش ابنتها لتجس جبينها :
" لا الحمد لله .. بقيتي زي الفل يا حبيبتي
السخونية راحت خالص ! "
كانت الزوجة الشابة قد ارتفعت درجة حرارتها بعد الوضع
بقليل ، وخشيت أمها أن تكون قد أصيبت بحمي النفاس أو أي مرض آخر من التي تصيب
النساء الوالدات :
" البت نايمة ! "
قالت الجدة مبتسمة فردت عليها " نعمة " وهي
تتأوه :
" خليها تنام .. مخلتنيش نمت طول الليل كل شوية واء
واء ! "
ابتسمت لها أمها وقالت بحنان جارف وهي تنحني عليها للمرة
الثانية :
" سلامتك يا ضنايا .. أجيبلك حاجة بقي تتقوتي بها
كده ! "
هزت " نعمة " رأسها بوهن وقالت :
" لا لا .. مليش نفس خالص ! "
وضعت الأم يدها علي صدرها وقالت راجية ابنتها :
" عشان خاطري يا بتي .. ده أنت تعبانة وضعفانة يا
نن عيني ومفضلش فيكي رطل لحم يوحد ربنا .. كلي يا أمي عشان تشدي حيلك وتقدري علي
رضاعة البت ! "
لم يكونوا قد اختاروا اسما للمولودة بعد ، فقد فاجأتهم
بقدومها المبكر ، قبل أن يجدوا فرصة للتفكير في اسم مناسب لها :
" صح أنتوا هتسموها أيه يا " نعمة " ؟!
"
تذكرت الجدة هذا الأمر الهام فبدأت تناقش ابنتها فيه ..
ردت عليها " نعمة " بنبرة كمد :
" لما نشوف أبوها الأول ! "
ردت الجدة مبتسمة بمرارة :
" أبوها ؟! "
هنا تذكرت " نعمة " أمرا مهما للغاية بالنسبة
لها :
" هو " عبد الرحيم " مجاش طل علينا بالليل بعد ما جه من بره ؟!
"
لم تكن قد رأت زوجها منذ أن داهمتها آلام الوضع ظهرا ولم
تكن تعرف أين قضي بقية يومه :
" أيه .. آه طبعا طبعا يا أمي .. جاه وطل عليكي
وباس البت الصغيرة آمال أيه ما هي بته برضه ! "
كانت الأم ، الجدة ، تكذب وكانت ابنتها تعرف جيدا ذلك ..
لكنها لم تراجعها ولم تقررها فقد كانت تعرف أن اهتمام زوجها بها ، وبابنته الوليدة
، بالكذب خير من إهماله لهما بالصدق والحق !
" هنسميها " أسماء" إن شاء الله ! "
كان هذا جواب السؤال الذي طُرح منذ قليل :
" علي خيرة الله يا أمي .. وعقبال يا رب ما تخاويهم
وتحليهم بالواد ! "
قالتها الأم بعفوية ، ولعلها لم تشعر بنفسها وهي تقولها
، لكن عبارتها جعلت مصارين " نعمة " تتقلص ووجهها يغمق لونه .. ألا زالت
مطالبة بأن تلد الصبي بعد كل هذا التعب والمشقة ؟!
ما أطول حبل أمانيها وما أتعس أيامها .. ندمت الأم كثيرا
علي ما فاهت به فحاولت إصلاحه بسرعة :
" مع إن البنات والله حلوين ورزقهم كتير .. يعني
اللي جابوا الواد عملوا بيه أيه يا حسرة .. ما هما أخواتك العطولة * أهم خدنا منهم
أيه غير تعب القلب ! "
كان كلام الجدة صحيحا .. لكن مهما كان المنطق هنا ومهما
كانت مقتضيات الحكمة وإملاءات الواقع .. فلابد من الولد .. لابد من الولد ولو أريق
في سبيله الحب والأمان وحتى الكرامة نفسها !
ظهر الزوج علي عتبة الباب بنفس جلبابه الذي غادر به
المنزل بالأمس ، ويبدو أنه نام به كذلك ، رغم أن هذه لم تكن من عاداته :
تنحنح بقوة ثم قال ببرود :
" صباح الخير يا " نعمة " .. حمدا لله
علي السلامة ! "
أقترب من زوجته الراقدة علي الفراش وأنحني ينظر إلي
طفلته التي مر علي وجودها في العالم أكثر من ستة عشرة ساعة دون أن يري وجهها
الصغير مرة واحدة :
" حلوة حلوة .. زينة .. هتسميها أيه ؟! "
وكانت الطفلة بالفعل حلوة وزينة بل جميلة بوجه مستدير
كالبدر وبشرة بيضاء محمرة وشعر خفيف أشقر لا مثيل له في العائلة كلها .. لكن لم
يسألها عن الاسم الذي سيطلقونه عليها ؟!
أليست ابنته أيضا .. وله حق تسميتها !
" ما تسميها أنت المرة دي ! "
أجابت الحماة بلهفة محاولة إزالة الحاجز البارد بين
ابنتها وزوجها الذي أحست بوجوده منذ لحظة دخوله الحجرة المشمسة :
" لا خلي أمها تسميها .. أهو تنقيلها اسم حلو مجلع
* من بتوع اليومين دول .. أنا بقي دقة قديمة ومخي متربس ومعرفش غير الأسماء
القديمة العفشة* ! "
لم تعرف إن كان يبرر موقفا غير مقبول ، أم أنه تحدث
بالصدق .. لكن لهجته الودودة سرت عنها وجعلت قلبها يخفق والابتسامة تكاد تقفز إلي
شفتيها ..
لكن الحماة ما لبثت أن قفزت كغراب البين داخل الغرفة
ويبدو أنها سمعت طرفا من الحوار :
" أصباح الخير يا أمي .. أزيك يا حبيبي .. أياكش
تكون نمت كده وروقت ! "
وكأنها لا تري حماة ابنها ولا زوجته من الأساس وجهت كل
حديثها واهتمامها نحو ابنها فقط :
" أحضر لك لقمة تشق بيها ريقك * يا كبدي علي لحم
بطنك من إمبارح يا ضنايا .. هييه .. نقول أيه بقي نصيبنا كده ! "
محاولة تخفيف حدة التوتر قالت والدة " نعمة "
وهي تتصنع الضحك والسعادة :
" نصيبكم حلو وعال .. دي حتى البنات حلوة ورزقها
كتير .. ربنا يرزقك برزقهم يا ولدي ويوسع عليك ! "
هم " عبد الرحيم " بأن يؤمن علي دعاء حماته لكن أمه لم تمهله
أشعلت الفتيل وألقت القنبلة علي الجميع :
" قولتلها ولا لسه ؟! "
نظر " عبد الرحيم " إلي أمه شذرا نظرة تحذير لكنها تجاهلته تماما :
" يا واد ما تقولها .. أنت خايف من أيه .. ده حقك
هو أنت هتسرق ؟! "
للمرة الثانية ينظر لها ابنها محذرا لكن " نعمة
" سألتها بصوتها المتعب المتألم :
" يقولي أيه يا ماما خير ؟! في أيه يا عبد الرحيم
.. حصلت حاجة ؟! "
ويبدو أن أم " نعمة " بفطرتها قد فهمت جزء مما
يحدث هنا فحاولت تغيير الموضوع :
" ها .. مش هتنقوا اسم بقي للبت البيضا العسل دي ؟!
"
هنا ردت عليها حماة ابنتها بعنف :
" عسل خليهالك يا أختي .. كليها ، ألحسيها وأشبعي
بيها وبأمها .. إحنا هنشوف مصلحتنا من تلانا * وولدنا هنجوزوه التي تعمرله وتجيبله
الواد ! "
جحظت عينا " نعمة " ودق الدم عاليا في أذنيها
.. جف حلقها تماما ونظرت بذعر إلي زوجها :
" وده برضه اسمه كلام يا بت الأصول .. حد يقول كلام
ذي ده قدام واحدة نفسة ولسه تعبانة ! "
كان الكلام موجها من الحماة الأولي للحماة الثانية ..
لكن ثمة زوجين شابين سيتمزقان أشلاء في تلك المناورة بين امرأتين من العتاقي ..
" مش وقته يا أما .. لسه بدري علي الكلام ده وبعدين
.. "
أجاب " عبد الرحيم " محاولا تلطيف الجو الذي تكهرب وتطاير فيه الشرر
.. لكن أمه لم يكن لديها أدني استعداد للتراجع ولا للنكوص خطوة واحدة إلي الخلف :
" بدري من عمرك يا ضناي ! ده أنت الشيب خط في راسك
يا ولدي من الهم والحزن .. اللي زيك علي حجرهم وادين وتلاتة .. شوف أخوك "
عبد العزيز " ما شاء الله معاه واد
والتاني جايله في السكة .. وولد عمك مرته جابت تلات ولاد في بطن .. وأنت هتطلع من
وسطيهم عريان وضهرك مكشوف .. والله ما أسيبك غير لما أجوزك وأحط ولدك علي حجري ..
"
انفتحت الأم تكيل مرارات قلبها في جمل معبقة بالكراهية
والمقت والنفور بينما يحاول ولدها إسكاتها بدون فائدة :
" خلاص يا أمايا * خلاص .. مش وقته بعدين .. "
لكنها لم تعطه ، لا هو ولا غيره فرصة لإكمال أي كلام ،
بل اندفعت موجهة كلامها في الأساس ل" نعمة " وأمها الواقفة كفرخ مبلول :
" لأ
دلوقتي .. بلا بعدين بلا قبلين .. لازم الشملولة* تعرف أنك هتتجوز عليها
وتجبلها كل حاجة علي بلاطة كده .. عشان لو مكانش لادد * عليها الكلام تاخدها أمها
في أيدها وهي ماشية .. بلاش نحنحة بقي وطبطبة فارغة .. بلا هم ! "
ألقت الحماة آخر أصبع ديناميت في حوزتها وهرولت خارجة
تاركة الغرفة تحترق بصمت .. و" نعمة " التي تدور الدنيا من حولها ..
تشعر بالمزيد من الضعف والوهن ، وتدور رأسها وتخفت مشاهد الدنيا من حولها .. حتى
تفقد الوعي تماما !
تعليقات
إرسال تعليق