التخطي إلى المحتوى الرئيسي

ابنة مؤقتة !

 


أغلق الباب في وجهها فعادت تدق عليه بإلحاح .. جلس على الأرض خلف الباب وقال لها بصوت مبحوح يخنقه البكاء :
" أذهبي من هنا .. لن أفتح لك مهما حدث ! "
وذلك لأنه أكتشف منذ أسبوع واحد إنها ليست ابنته !
وهم جميل عاش فيه ثلاث وعشرون عاما ، تبدد في سبعة أيام قليلة هي أصعب ما عاشه في حياته !
رزق بها بعد زواج سبعة أشهر من أمها التي كانت حبيبته الأولي والأخيرة .. ومنذ أن خرجت من الرحم وهم يقولون له بقصد أو بدون قصد :
" إنها لا تشبهك مطلقا ! "
كان يضحك ويقول لهم :
" نعم .. فهي تشبه أمها ! "
لكنها في الحقيقة لم تكن تشبهه ، كما لم تكن تشبه أمها .. بل كانت شبيهة بشخص آخر لا يعرف من يكون ولا يريد أن يعرف !
جاءته لتحيل حياته جنة .. تعلق بها منذ أن قدموها إليه ملفوفة في فوطة قطنية بيضاء وهي ترتجف ، أمسكها وحمله بقرب قلبه .. ابتسمت له علي الفور ، فاهتز قلبه ووجد نفسه يولج أصبعه الأوسط بين أصابعها الصغيرة المضمومة ويرفعها ليقبلها بشغف وحماس .. كم كانت تلك اللحظة سعيدة !
ابتسمت له وهي بعمر بضع دقائق ، ولم تتوقف عن الابتسام له طيلة ثلاث وعشرون عاما قضتها في كنفه وتحت رعايته .. ما أهمية كونها لا تشبهه ؟!
إن معظم الأطفال لا يشبهون آباءهم شكلا ، لكن كم كانت شبيهة به عقلا ووجدانا .. أحبت ما يحب وكرهت ما يكره .. ورثت ذكاءه وفطنته ، أو لعلها استعارتهما منه دون وجه حق ، درست نفس دراسته ، وحصلت للغرابة دائما على نفس الدرجات المرتفعة التي كان يحصل عليها وبالعدد المضبوط .. وعندما صارت عروسا شابة وفتاة جامعية شعر بأنه أسدي العالم معروفا بأن أهداه تلك الفاتنة الجميلة الروح والقلب والحسناء شكلا !
كانت دائما أقرب إليه مما كانت إلي أمها .. لقد أيقظته ذات ليلة لتبكي على صدره وتقول له وهي تدس وجهها في عنقه :
" بابا .. إنني مريضة وسأموت ! "
ضمها إليه بقوة وسألها عما بها .. ضحك كثيرا حينما علم بحقيقة الأمر، وشعر بالسعادة لكونها أصبحت شابة ناضجة !
لم يُرزق بغيرها ، ولم يسأل زوجته أن تمنحه غيرها .. حتى نظرات الجدة والعمات الناقمة ، وسؤالهن الدائم عن الولد الذي يجب أن يأتي ليخاوي البنت ويحمل اسمه لم تكن تعكر صفو محبته الصافية لها في شيء !
ويوم أن تخرجت من الجامعة رقص في حفل تخرجها بالعصا ، وجذبها إلي صدره لترقص معه ، ثم انغمست الدفعة كلها في الرقص حولهما بشكل لم يحدث من قبل في تلك الكلية العلمية المرموقة !
تلك الكلية .. ليتها لم تذهب إليها .. ليته لم يتركها تطأها بقدمها .. فهي من اكتشفت حقيقة الأمر في النهاية !
إنه ليس أباها !
إنها ابنة رجل آخر ، ليس مهما من يكون ، المهم أنه ليس هو ذلك الرجل .. ذلك الرجل الذي زرع بذرتها ذات يوم ليس هو من أطعمها وسقاها ، ورباها فوق قلبه وتحت جفنيه المغلقين عليها حرصا وحبا وخوفا .. رجل آخر فليكن من يكون ، المهم أنه ليس من تحمل اسمه وساما على صدرها وبقعة بيضاء صافية على قلبها !
كيف جرؤت أمها على خداع هذا الرجل .. كيف جرؤت على أن تلصق به نطفة ليست من لحمه ودمه ولم يقذفها من أحشائه !
من حسن حظها أنها نفقت ككلبة قبل أن تواجه هذا اليوم،  وتري ابنتها الوحيدة تناقشها الحساب وتدينها وتحكم عليها .. أغلب الظن أنه كان سيصفح عنها !
لو أنها لا زالت حية .. وحسنا فعلت أنها زالت !
زالت من الوجود تاركة إياهما في مواجهة بعضهما .. علم بالأمر فتمزق ، رفض أن يصدق ، لكن الحمض النووي لا قلب له ولا مشاعر ، وذلك اللولب المزدوج اللعين لا يأبه بمشاعر البشر ولا يعرفها !
نعم إنها ليست ابنتك .. نعم إنها ليست من صلبك !
يمكن أن تكون ابنة أي رجل آخر في الكون .. إلا أنت !
تهربت من مواجهته طويلا ، سافرت بعيدا فقط لتجد نفسها  تعود بعد يومين اثنين .. لقد اشتاقت إلي حضنه حتى لو أعتصرها فيه وأزهق روحها !
ذهبت بعيدا ، لكنها عادت إليه ثانية وكان يحسبها عائدة ولم يكذبه قلبه .. فأين تذهب بعيدا عنه أو يذهب هو بعيدا عنها ؟!
قررت أن تقف أمامه وتقول له :
" هذه أنا .. خذني إذا شئت أو ألقني في القمامة .. فلا حياة لي بدونك ! "
كان قد عاش أياما على السجائر والأكسجين المخنوق الملوث بالدخان ، دون طعام أو شراب .. عاش على الدخان والمرارة لا تفارق حلقه !
هل يكذب العلم ويصدق قلبه .. أم يفعل العكس ؟!
الأحماض والدماء والزجاجات تقول له أنها ليست ابنته ، وصدره الذي رقدت عليه أكثر مما رقدت على فراشها يقول له أنه ليست ابنة أحد آخر سواه هو !
هو الذي رباها ، هو الذي أنفق عليها .. هو الذي أحبها ونمت وحبت وكبرت وضحكت ونامت بين يديه .. أي حق لأحد غيره في العالم في إدعاء أبوته لها ؟!
مرض قلبه ، وشعر بالكون يتهاوي فوق رأسه .. لكن قلبه لم يطاوعه على نزع صورها التي تملأ جدران الشقة .. صورتها بجوار فراشه ، تحت وسادته ، على حوائط الصالة ، على مكتبه .. حتى الساعة ذات السلسلة الذهبية ، التي رثها أبا عن جد ، زينها بصورة صغيرة لها !
فهل ينتزع كل هذا .. هل ينتزعها ويرميها في القمامة لأن زجاجة معمل سخيفة قالت له أنها ليست ابنته .. وليس من حقه أن يحبها ؟!
تمني الموت مائة مرة في تلك الأيام القليلة .. لكن الموت لم يدركه بل أدركته هي !
عادت إليه ثانية ..
 فتح بابه ليجدها واقفة بثوب أسود وعينان منتفختان ، وفي يدها حقيبة صغيرة تتدلي ككومة حزن ، وفي عينيها نظرات حب وتوسل ورغبة هائلة في البكاء .. إنها لم تكف عن البكاء لحظة واحدة منذ أن طالعت نتيجة التحاليل بعينيها .. لكنها الآن تشتهي البكاء علي صدره !
تطلع إليها بوجه شاحب مصفر للحظة .. ثم وجد نفسه يغلق الباب في وجهها !
بالتأكيد إنه لم يفعل ذلك بوعيه المستقل الواعي ،  بل كانت تلك ردة فعل لحمه ودمه الثائران على فكرة الخيانة والخديعة التي تعرض لها .. وتلك التي تقف أمامه إنها الخيانة ذات نفسها متجسدة فكيف يقبلها في بيته بعد ذلك وكيف يصفح عنها ؟!
صرخ فيها أن تذهب لتبحث عن أبيها ، فنادته بكرب ككرب صاحب الحوت في ظلمة القبر المتحرك أنها لا تعرف لها أبا سواه !
سقط على الأرض خلف الباب جالسا وظل جامدا للحظة ، بالخارج فعلت مثله تماما .. ألقت حقيبتها على الأرض وجلست أمام الباب ..
إنها تشعر بما يعتمل في نفسه الآن ، وتري يديه وهما تعبثان بلحيته النامية وتشد شعيراتها الخشنة دون وعي !
إنها تعرف ماذا يفعل الآن .. فكم شعرت به وهو بعيد عنها .. فكيف لا تشعر به وهو لا يفصله عنها سوي باب مغلق !
لم يكن يبكي فقد جفت منابع دموعه وحل الجدب بروضته التي كانت خضراء منذ أسبوع واحد .. يا الله .. أسبوع واحد يغير المرء من حال إلي حال ، فكيف لا يصدق البعض أن الله خلق الدنيا في ستة أيام !
صرخ فيها ثانية بصوت جاف أن تذهب فردت فورا :
" لا ! "
ترك الباب وهرع إلي الداخل ، وأغلق خلفه باب غرفة نومه ، وأخرج ألبوم صور ضخم مملوء بصورها وصوره وصورهما معا وصور قليلة معدودة لأمها .. أنتزع صور الأم ومزقها !
فلم يتبقي سوي صورهما هما الاثنين فقط ، زالت الذكري السوداء واختفت .. أحرقها بالنار فأصبحت رمادا للمرة الثانية بعد أن رمدت في قبرها منذ سنوات !
تطلع إلي الألبوم ثانية .. فلم يجد شيئا يحول بينهما الآن !
لقد أختفي الوجه الكريه وأصبح منه لها .. منه لها ولا أحد يقف بينهما !
أمام الباب كانت راقدة على جانبها ، لم تنم منذ عرفت الخبر ولم يفارقها الأرق والسهاد .. لم تتعود على النوم في مكان لا تترد فيه أنفاسه .. ولأنه قريب الآن ، وحتى وإن كان بينهما حائط صلد كريه ، لكنه هنا .. أنفاسه الدافئة خلف هذا الباب .. لذلك نامت هنا !
أمام باب البيت في العراء ، بلا شيء يغطيها أو يسترها لكنها كانت تشعر بالأمان .. الأمان والدفء لمجرد وجود أباها ، أباها حقيقة ولتقل المعامل ما تقوله ، بالقرب منها .. مرت عليها دقائق وهي نائمة تحلم بحلم متداخل غامض .. كل شيء فيه غامض !
 أنابيب تفور وتغلي ، أمها راقدة علي فراش بطريقة غير لائقة ، هو يضمها إلي صدره ، يحتضنها في حفل تخرجها ، المزيد من الأنابيب تغلي وتقذف الشرر ..
أفاقت على شيء يلمسها بحذر .. كادت تفتح عينيها لتري .. لكنها آثرت الصمت والبقاء ساكنة !
تذكرت حين كانت تداعبه وهي صغيرة وتختبئ منه ، جاعلة إياه يقلب البيت كله بحثا عنها .. إنها تختبئ منه الآن ولكن تحت جفنيها المغلقين !
أحست بنفسها تُرفع من فوق الأرض ، حُملت بعيدا برفق .. ثم شعرت بنفسها توضع فوق فراش ناعم طري وغطاء دافئ يُسحب فوقها حتى أسفل عنقها .. أكانت تحلم أم كان هذا حقيقة ؟!
لعله هذا ولعله ذاك ، لكنه حلم رائع وحقيقة أروع .. فقط لو كانت حقيقة وليس حلما آخر من تلك الأحلام الفردوسية الجميلة التي طالما حلمت بها .. وهي راقدة في حضنه !
 
تمت
نُشرت بمجلة البحرين الثقافية
عدد يناير 2016


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...