التخطي إلى المحتوى الرئيسي

جرائم التسميم بالتايلينول في شيكاجو ! Chicago Tylenol murders

 

في يوم 29 سبتمبر عام 1982, شعرت الطفلة "ماري كيلرمان" ببعض التوعك والصداع الصباحي, مما دعاها إلى تناول كبسولةٍ من علبة لعقار إكسترا سترينث تايلينول Extra-Strength Tylenol. لكن الذي حدث بعدَها أنَّ ابنة الثانية عشرة, والتي تقيم في قرية إلك جروف Elk Grove بولاية إلينوي, قد سقطت في حمام منزلها ميتةً نتيجة تناولها الدواء بدلًا من أن تشفَى من وعكتها الطارئة. وقد حدث ذلك عند دقات الساعة السادسة والنصف صباحًا!
لم تكدِ الأنفاس تُستردّ حتى حدثت الواقعة الثانية, وكانت الوفاة من نصيب "آدم جانوس", وهو عامل بريد في السابعة والعشرين من العمر, ويسكن مع عائلته في أرلينجتوت هايتس Arlington Heights إلينوي, والذي تناول كبسولة تايلينول, ليسقط بعدها مريضًا بشدَّة ويُنقل إلى المستشفى, وهناك لفظَ آخرَ أنفاسه. الأمرُ الأكثر مأساوية أنَّ عائلة "جانوس" كانت موعودةً بحالتي وفاة أخريين ولنفس السبب, حيث فقد شقيق الضحية الأصغر "ستانلي" وزوجته "تريزا" حياتهما بعد تناول الدواء الملوث, ومن نفس العلبة التي تناول منها "آدم" كبسولته المميتة, والأكثر مأساوية أنَّ حالتي الوفاة الجديدتين هاتين حدثتا أثناء حالة الحداد والحزن على "آدم"!
وحتَّى هذا الوقت لم يكن أحدٌ قد ربط بين كبسولات وعبوات التايلينول وبين حالات الوفاة الغامضة تلك, إلا إنه- وفي اليوم التالي- توفّيت "ماري رينر" بعد تناولها كبسولة من نفس الدواء, وكانت قد أنجبت طفلها الرابع منذُ أسبوع واحد, ثمَّ لحقت بها "ماري ماكفرلاند", 31 عاما وتقيم في ألمهورست/ إلينوي Elmhurst , أما "باولا برنس", وتعمل مضيفةَ طيران, فقد وجدَت ميتة في شقتها بعد تناول كبسولات التايلينول التي ابتاعتها من أحدِ المتاجر القريبة. ويُلاحظ في هذه الحالات أنها جمعت أشخاصًا لا علاقة لهم في معظم الحالات ببعضهم, وأنَّهم يقيمون في أحياء وضواحي مختلفة حول إلينوي, وقد قاموا بشراء زجاجات الدواء الملوث بالسيانيد من متاجر مختلفة, مما يقطع بكون المسمِّم الخفي قد عمد إلى القيام بالتلاعب في عدد وافر من الزّجاجات, ونشرها عبر عدةِ أماكن مختلفة, وعلى مبعدة مسافات كبيرة من بعضها. كانت الوفيات كلها مركزة في مدينة شيكاغو وإلينوي, وهي المنطقة المسمّاة ميتروبوليتان metropolitan area, والتي تضمهما مع ضواحيهما, وقد تنبَّه الناس أخيرًا إلى الرابط بين حالات الوفاة المفاجئة لهؤلاء الأشخاص, وهم ليسوا مصابين بأمراضٍ مزمنة ومختلفو الأعمار, وفي أوقات متقاربة جدًّا, وبينَ آخر منتج تناولوه قبيل الوفاة وهو عقار التايلينول, ومن ثمَّ انتشر التحذيرُ عبر ضواحي وأحياء مدينة شيكاجو, وجرى التحفظ على علب العقار موضوع الشك, وتمَّ إحالتها للتحليل, وثبت أنَّ الكبسولات ملوثة بمادة سيانيد البوتاسيوم Potassium cyanide القاتلة, والتي تتميز بكونها شديدةَ السميَّة, ولما كانت كلّ حالات التسمم التي حصلت جاءت نتيجة تناول كبسولات من إنتاج شركة جونسون آند جونسون Johnson & Johnson, ولكن تمت عملية التعبئة في مصانع مختلفة؛ فقد صار من الواضح أن التلاعبَ بالدواء تمَّ في المخازن بعد عملية التعليب, وهكذا أصدرت الشركةُ تحذيرًا عامًّا في 1 أكتوبر 1982م, وقامت بسحب جميع عبوات التايلينول من الأسواق لإجراء عملية فحص واختبار بعد إصدار إدارة الشركة أوامر باسترجاع حوالي 31 مليون عبوة تايلينول من الأسواق والصيدليات, ومحلات البيع بالتجزئة في يوم 5 أكتوبر, وقد تمت تلك الإجراءات المرهقة والمكلفة ماديًّا تلافيًا لخسارة الشركة الكبرى لسُمعتها, وتكبيدها خسائر فادحة. وتمَّ العثور على ثلاث زجاجات أخرى دُست فيها المادةُ السامة, بالإضافة إلى الخمس السابقة التي تسبَّبت في حوادث موت الضحايا, وقد لجأت الشركة إلى عدَّة إجراءات للحفاظ على سمعتها, ومنع أيِّ فرصة للتلاعب بمنتجاتها مرة أخرى, تضمَّنت تغيير شكل عبوات الأدوية بحيث تحتوي كلُّ علبة على غشاء من النايلون يتم تمزيقُه لفتح العبوة ولا يمكن إعادة لصقه, وبالتالي ينفضحُ أيُّ محاولة للتلاعب, أو دس أيِّ كبسولات مقلدة داخلها, أمّا الكبسولات نفسها فقد أصبحت صلبة وغيرَ قابلة لإعادة إغلاقها مرة أخرى إذا ما تمَّ فتحها ووضع مواد دخيلة فيها.
كما تمَّ منعُ وضع علب التايلينول على أرفف العرض في المتاجر, بل أصبحت تُباع بشكل حذر, وعن طريق طلبها من البائع مباشرة, والذي يحتفظ بها في مكان أمين خلفه.
وهكذا تم حلُّ المشكلة بشكل سريع وحاسم, وتوقَّفت حالات التسمم الغامضة, لكن بقي أهمُّ ركن في حل تلك القضية الغريبة وهو: إلقاءُ القبض على المتسبِّب في حالات الوفيات المأساوية السبعة هذه!
في قضيةٍ كتلك يكون العثورُ على الجاني من أصعب ما يمكن؛ لأنه- وببساطة- لا يوجد خيط واحد يقود إلى المجرم المستتر, أو المجرمين خلفَ تلك العملية التخريبية المروعة, على أنَّ شخصًا ما تبرع بالزجِّ بنفسه كمشتبه به في القضية, الطريف أنه أصبح أحدَ أكثر الأشخاص شبهة في تلك القضية التي لم يتم حلُّها حتى الآن, وقد توصَّل إلى هذه النتيجة المشرفة بجهوده الخاصة, ودونما معاونة من رجال الشرطة أو القائمين على تنفيذ القوانين!
جيمس وليم لويس James William Lewis رجلٌ كان يعيش برفقةِ زوجته في مدينة نيويورك, ولم تكن له صلةٌ بأيِّ شكل من الأشكال بجرائم التَّسميم العمدي في شيكاجو, إلا إنه بدأ بإرسال رسائل إلى الشركة المصنِّعة لعقار التايلينول, والمضارَّة من الهجمات مجهولة الفاعل, جونسون آند جونسون, وكانت تلك الرسائل تحوي صيغَ تهديد وابتزاز, وتطالب الشركة بدفع مبلغ مليون دولار مقابلَ إيقاف عملية تسميم عبوات التايلينول التي تنتجها!
   
التقطَ رجالُ الشرطة الخيط على الفور, إذ كانت الرغبة ملحَّة في الكشف عمَّن وراء هذه الهجمات الجبانة, وقد اعتُقل الرجلُ لفوره, وأحيلَ إلى المحاكمة. وبرغم انتفاء شبهة التسبب في عمليات التسميم العمدي بالتَّلاعب في عبوات التايلينول, فإنَّ الرجل الذكي- الذي زجَّ بنفسه بغباءٍ منقطع النظير في قضية شائكة لا يد له فيها- حوكم بتهمة الابتزاز, بعد أنِ اختصمته شركة جونسون آند جونسون أمام القضاء, وقد حُكم على "لويس" بالسجن لمدة 20 عامًا, قضى منها ثلاثةَ عشَر عامًا (13) في السجن, ثمَّ أطلق سراحه بإفراج مشروط في عام 1995م!
المشتبَه به الثاني كان كيميائيًّا يدعى روجر أرنولد Roger Arnold, وبرغم تبرئته من تهمة التسميم العمدي, إلا إنَّه اشتُهر لاحقًا لتورُّطه في جريمة قتل من الدرجة الثانية, يُشار إلى أنَّ سببها هو توتر أعصابه, بسبب مطاردةِ وسائل الإعلام له للاشتباه به في قضية تايلينول شيكاجو, وتعرضه للتنمر من قبل بعض الأشخاص غيرِ المسئولين, نالَ بسببها حكمًا بالسجن لمدة ثلاثين عامًا, ولكن تمَّ إطلاقُ سراحه بعد قضاء نصف مدة عقوبته, وقد توفِّي في عام 2008م.
مشتبَه به آخر, امرأةٌ هذه المرة, تدعى "لوري دان" Laurie Dann, والتي كانت مصابة بخلل عقلي, دفعها إلى القيام بمذبحةٍ في العشرين من مايو من عام 1988, حيث راحت تطلقُ النار داخل مدرسة ابتدائية في منطقة وينتكا/ إلينوي, فقتلت صبيًّا, وأصابت خمسةً آخرين, ثمَّ قامت باحتجاز عائلة كرهائن, وقتلت رجلًا ليصبح عددُ ضحاياها اثنين من القتلى, وخمسة مصابين. وأخيرًا أطلقت النار على نفسها في حادث دموي غير مبرر إطلاقًا!
بلغتْ خسائرُ شركة جونسون آند جونسون جرّاء قضية تايلينول شيكاجو, والإجراءات الاحترازية التي اتُّخذت بعدها, من سحبِ ومراجعة ملايين العبوات من عقار التايلينول؛ حوالي مائة مليون دولار أمريكي.
وقد أدَّت تلك القضية إلى تغييراتٍ كبيرة في مواثيق صناعة وتعبئة الأدوية في الولايات المتحدة, ولكنها- برغم أن وحدة بحثٍ بلغ قوامُها مائة وأربعين محققًا وخبيرًا ورجل شرطة تولَّت التحقيق والبحث فيها- تبقى مُلغزة غامضة.. كما يبقى الفاعلُ والجاني الحقيقي مجهولًا حتى اليوم !


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...