التخطي إلى المحتوى الرئيسي

قضية دكتور كريبن الغامضة ! dr. hawley harvey crippen case

طبيب أمريكي، ينتقل إلي لندن برفقة زوجته الممثلة المسرحية، وبعد فترة تختفي الزوجة، وتظهر بدلا منها عشيقة في مسكن الطبيب، الجميع يشكون والأدلة تحاصر الطبيب، ثم يجدون جزء من جثة زوجته الممزقة في قبو منزله، دفن غير بارع ومحاولة فاشلة لإخفاء رائحة التحلل، ثم هروب عبر المحيط، لكن العدالة تطارده، وتقبض عليه، ويتدلى دكتور " هاولي هارفي كريبن " من حبل المشنقة، جزاء وفاقا وحكم مستحق، عدالة تحققت .. أم أن هناك خدعة أكبر من الجميع .. خدعة فشل أكبر عقل جنائي في التاريخ في اكتشافها، ولم تظهر الحقيقة إلا بعد مائة عام .. حقيقة مرعبة وغريبة ولا يمكن أن يصدقها أحد ؟!
...
بدأت القضية المثيرة عام 1894م حين تزوج طبيب أمريكي يدعي " هاولي كريبن " للمرة الثانية، بعد وفاة زوجته الأولي وأم ابنه، من ممثلة مسرحية اسم شهرتها هو " كورا "، وعاشا معا في نيويورك، وكانت الزوجة تعمل في المسارح باسم مستعار هو " بيل إلمور"، وبعد ثلاثة أعوام انتقل الزوجان إلي انجلترا، وعاشا في لندن، في عام 1900 تعرف كريبن بفتاة اسمها " أيثل لينيف" وجعلها سكرتيرته، ويبدو أن الطبيب ومساعدته ارتبطا بعلاقة عاطفية، غير أن علاقتهما لم تشتهر قبل عام 1905م، وفي نفس العام أنتقل " كريبن " وزوجته إلي منزل يقع في شارع ( هيلدروب كريسنت ) في لندن، ولأنهما كانا يمران بضائقة مالية فقد حولا منزلهما إلي بنسيون، لكن وبعد خمسة أعوام أخري اختفت الزوجة " كورا " تماما عن الأنظار، آخر مرة ظهرت فيها " كورا كريبن" كان في حفل في ليلة 31 يناير عام 1910، وفي اليوم التالي لم يجد أحد لها أثرا .
بدأ أصدقاء الزوجة يسألون عنها، فأخبرهم " كريبن " أنها عادت إلي أمريكا، ثم زعم أنها ماتت هناك وجثمانها تم حرقه في كاليفورنيا، قصة غريبة وغير مقنعة، وزادت الشكوك بعد أن تركت " إيثل "، سكرتيرة الدكتور، بيتها وذهبت لتعيش معه، ثم بدأت السكرتيرة تذهب إلي الحفلات برفقة " كريبن " وهي ترتدي مجوهرات وملابس زوجته " كورا" !
أمر غبي وملفت جدا للأنظار، بعدها بدأ أصدقاء " كورا " يوصلون شكوكهم للشرطة، وأهتم بوليس لندن، فأرسلوا محققا إلي منزل " كريبن"، وهناك سمع المحقق منه نفس القصة : كورا عادت إلي أمريكا وماتت هناك، لكن أحدا لم يصدق القصة، وفي زيارة المحقق الثانية لمنزله غير دكتور " كريبن " قصته عن اختفاء زوجته، أدعي أن " كورا " سافرت إلي أمريكا فعلا، لكن بصحبة عشيق لها، أحد زملاءها الممثلين، وأنها خانت زوجها وهجرته، كانت القصة مقنعة، ولزيادة التأكيد سمح الطبيب للمحقق بتفتيش المنزل، ولم يجد هذا شيئا مريبا فغادر البيت راضيا ومقتنعا بقصة " كريبن "، لكن ما حدث بعد ذلك كان غريبا جدا، فقد رجع نفس المحقق إلي البيت مرة ثالثة، وكان سبب الزيارة هذه المرة هو ضغوط أصدقاء " كورا" المتواصلة على شرطة سكوتلنديارد، لكن حينما وصل المحقق " والتر ديو " إلي البيت وجده خاليا، دكتور " كريبن" وعشيقته أخذوا متعلقاتهم وهربوا .. لكن لماذا هربوا إذا كان كل شيء ما يرام، وكان دكتور " كريبن" بريئا ؟
تصرف مريب جدا، وفورا بدأت الشرطة تفتش البيت، من أعلاه إلي أسفله، لم يتركوا ركنا ولا شبرا إلا قلبوه، حتى قبو تخزين الفحم نقبوا أرضيته، وبمجرد أن فعلوا ذلك انتشرت رائحة كريهة وبشعة .. رائحة تعفن عضوية !
في حفرة وجدوا أشياء كلها أغرب من بعضها، كمية من الليمون المقطع، وملابس داخلية رجالية ملفوف داخلها شيء، قطعة من جسم بشري، جذع، بدون رأس ولا أطراف ولا هيكل عظمي ولا وجه يمكن التعرف من خلاله على شخصية صاحب الجثة !
وفورا أعتبر دكتور " كريبن" متهما، وبدأت الشرطة مطاردته، أما هو فقد كان في المحيط الآن، هرب من لندن مع " إيثل" إلي بروكسيل في بلجيكا، ثم ركبا سفينة متجهة إلي كندا، كان الرجل وشك على أن يفلت من قبضة البوليس، فلو وصل إلي كندا فلن يمكن القبض عليه أو تتبعه هناك، لكن البوليس الإنجليزي كان مصرا على الإمساك بالطبيب  وعشيقته، الأمور الغريبة والمدهشة في هذه القصة لا نهاية لها، ومنها سبب القبض على " كريبن"، فقد تخفت صديقته " إيثل" في شكل صبي وهما فوق السفينة، حتى لا يعرف أحد أنهما رجل وامرأة، لكن الفتاة لم تتقن سلوك الرجال فشك قائد السفينة فيها، الأغرب أن إصرار " كريبن" على الركوب في الدرجة الأولي أحد أسباب القبض عليه، فلو ركب هو و" إيثل" الدرجة الثالثة، التي تقع خارج نطاق تجول القبطان لكان من الممكن أن يفلتا، ويصلا إلي كندا سالمين، أرسل القبطان برقية إلي لندن بشكوكه، وتلقت الشرطة هنا الإشعار، فركب المحقق " والتر ديو" سفينة أسرع من سفينة " كريبن"، ووصل قبله إلي الميناء الذي حدده القبطان الذكي اللماح، لذلك ما أن وضع " كريبن" قدمه في كيبيك الكندية حتى وجد " ديو" في انتظاره، فقيد يديه ووضعه على سفينة أخري أعادته هو وصديقته إلي لندن، مرة أخري ساهم غباء " كريبن" في سرعة سقوطه، فقد كان من الأسلم له أن يسافر إلي امريكا، بدلا من كندا التي كانت لا تزال جزء من الإمبراطورية البريطانية وخاضعة للقانون الإنجليزي .
إعادة " كريبن " و" إيثل" إلي لندن قوبلت باهتمام من الصحف والجمهور، تحولت محاكمة " كريبن" إلي حدث شعبي وكان الناس يحجزون أماكن في محكمة أولد بيلي لرؤية الطبيب القاتل وشريكته.
الجذع البشري الذي وجدوه في قبو بيت " كريبن" قام بفحصه أشهر متخصص في علم الأمراض في التاريخ، وأبو الطب الشرعي الحديث دكتور " برنارد سبيلسبري"، وثبت من نتائج التشريح أن صاحب الجذع تعاطي كمية كبيرة من سم ( سكوبولامين)، وكان بالجذع علامة على أن صاحبه أجري جراحة في البطن، لاحظ أننا نقول ( صاحب) الجذع وليس ( صاحبته)، لأن دكتور " سبيلسبري" أعلن بوضوح أن الجذع لا يمكن من خلاله تحديد جنس الضحية، إن كان رجلا أو امرأة على نحو مؤكد .
لكن كل ذلك كان يربط " كريبن" بالجريمة رغم ذلك، فالسم أشتري " كريبن" كمية منه قبل اختفاء زوجته  " كورا"، وذلك بشهادة الصيدلي الذي باع له السم، كما أن أثر العملية الجراحية يتفق مع تاريخ " كورا كريبن " الطبي، لأنها أجرت عملية في المبيض منذ سنوات .
رغم ذلك أصر دفاع " كريبن" على براءته، وأن زوجته لم تقتل بل هربت إلي أمريكا، وأن الرفات التي وجدوها في القبو ترجع إلي الوقت الذي كان مستأجر سابق يعيش في المنزل، قبل أن ينتقل " كريبن " و" كورا " إليه، كانت هناك محاولات أخري لإثبات براءة " كريبن" لكن دكتور " سبيلسبري" وقف عقبة في طريق قبول المحكمة لهذه الدفوع، لأنه كلما جاء دفاع الطبيب القاتل بحجة أفشلها وأثبت كذبها، في النهاية أطمأنت هيئة المحلفين إلي جرم " كريبن" وكفاية الأدلة ضده، فتم تجريمه وحكم عليه بالإعدام، وتدلي دكتور " هاولي هارفي كريبن " من حبل المشنقة يوم 23 نوفمبر عام 1910 في سجن بينتونفيل في لندن، أما عشيقته " إيثل " فاعتبرت بريئة ولم يحكم عليها بأي عقوبات !
لكن هل انتهت القضية إلي هذا الحد، و" كريبن" مجرم مدان والجرم ثابت عليه ؟!
الحقيقة أن التطورات العلمية تأتي دائما لتقلب الأمور رأسا على عقب، وتحول كل الأشياء المؤكدة إلي أمور مشكوك فيها، وربما تثبت كذبها وتلفقيها من الأساس، ووفقا للتطور العلمي الكبير في مجال الطب الشرعي والعلوم الجنائية نقول أن دكتور " كريبن" ربما يكون بريئا، أو على الأقل فربما يكون قد قتل شخصا أخر غير زوجته " كورا"، وأكثر من كل ذلك فربما تكون " كورا كريبن " لم تقتل أصلا !
مفاجأة مذهلة أليس كذلك لكن كيف أكتشف العلماء هذه الحقيقة الغريبة جدا ؟!
حتى بعد مائة عام من شنقه كان الناس يهتمون بقضية دكتور " كريبن" ويتساءلون حول النقاط الغامضة فيها، فمثلا هل من المعقول أن يتخلص " كريبن" من رأس وأطراف وعظام زوجته، بعد أن يقتلها، ثم يدفن الجذع في قبو منزله، وهل معقول أن طبيب لا يعرف أن ثمار الليمون ليست كافية لإخفاء رائحة التعفن وللتسريع بعملية التحلل الطبيعية، ثم هناك أمر آخر فما سبب تجرؤ " كريبن" على تقديم مجوهرات وملابس زوجته إلي عشيقته، والسماح لها باستخدامها علنا، على الأقل كان الرجل سيأخذ جانب الحذر في حالة كونه قتل زوجته فعلا !
لكن كل هذه كانت تكهنات وافتراضات فقط، حتى تدخل العلم بهيبته ليقلب قضية حدثت منذ مائة عام رأسا على عقب، ففي عام 2007م، تتبع علماء الأنساب في جامعة ميتشيجن بعض أقارب " كورا كريبن" الأحياء، أخذوا منهم عينات حمض نووي، وطابقوها بالنسيج المحفوظ من جذع القبو الشهير، وكانت النتيجة مفاجئة .. لا علاقة إطلاقا بين بقايا الجثة وعائلة " كورا " !
تريدون مفاجأة أعظم وأكثر إثارة للدهشة، حسنا لقد ثبت أن الجذع البشري يحتوي على كروموسوم واي .. إنه جذع رجل وليس امرأة من الأساس !
الجذع في قبو " كريبن" لرجل وليس لامرأة، إنها ليست بقايا " كورا كريبن" على الإطلاق .. لكن بقايا جثة من هذه يا تري .. وأين ذهبت الزوجة المفقودة عام 1910م ؟!
السؤال الأول يصعب جدا إيجاد الإجابة عليه، لكن بعض كتاب الجريمة اقترحوا أن الجثة قد تكون لمريض مات أثناء قيام دكتور " كريبن" بإجراء جراحة له، وكان الطبيب معروف فعلا بأنه غير ماهر في عمله، وللتخلص من المسئولية قطع " كريبن" الجثة وتخلص من بقاياها، ثم دفن الجذع في قبو منزله، آملا أن يتحلل ويختفي من الوجود، لكن حل أخر ظهر ليفسر وجود هذه البقايا في بيت " كريبن"، فمن المعروف أن الدكتور كان يجري جراحات غير مشروعة، منها إجهاض النساء بشكل غير قانوني، في زمن كان الإجهاض محرم ومجرم فيه، فربما تكون جثة القبو لامرأة ماتت بين يدي " كريبن" وهو يقوم بإجهاضها، أو ربما رجل عرف بسره وهدده، فقتله " كريبن " بالسم ودفن بقاياه في قبو منزله !
لكن في الحالات يبقي السؤال الأهم : إذا كانت " كورا كريبن" لم تقتل على يدي زوجها فأين ذهبت بالضبط ؟!
النظرية الأكثر إثارة للدهشة هي أن " كورا" ربما لم تمت في لندن على الإطلاق، فأثناء فحص ملفات القضية القديمة ظهرت حقيقية غريبة ومريبة، ففي نفس العام الذي اختفت فيه " كورا" وتم اعتبارها ضحية جريمة قتل، دخلت إلي أمريكا امرأة مجهولة، كانت آتية من جزر برمودا، واستقرت في نيويورك، والغريبة أنها بدأت تعمل في التمثيل في المسارح تحت اسم مستعار هو " بيل روز"، وأنها عاشت في منزل واحد مع سيدة أخري، المدهش أن اسم المرأة الغريبة يشبه اسم شهرة " كورا كريبن" في لندن جدا، أما شريكتها في السكن فلم تكن سوي شقيقة " كورا " نفسها !
فهل هذه كلها مصادفات، هل هذه المرأة الغامضة صديقة أو احدي معارف " كورا كريبن" السابقين، أم أنها " كورا" نفسها بشحمها ولحمها ؟!
التفسير الوحيد الذي يجعل دكتور " كريبن" بريئا تماما في هذه القضية هو أن زوجته دبرت مؤامرة للهروب منه وتوريطه في قضية قتل زائفة، وأن جذع الرجل المدفون في قبو منزله ربما تكون هي من قامت بدفنه، وحدها، أو بمساعدة أحد عشاقها الكثيرين !
ستبقي قضية " هاولي هارفي كريبن " غير محلولة بشكل كامل، وستظل هناك كثير من الشكوك والأدلة الغامضة والمريبة، لكن في النهاية فإن دكتور " كريبن" إما أن يكون مجرم غبي وسيء الحظ .. أو أنه ضحية مؤامرة وخطة انتقام عبقرية دبرتها امرأة عاشت عمرها كله تقوم بتأدية الأدوار على المسرح .. وربما يكون مقتلها هو مسرحية أخري .. أعظم مسرحية أدتها في حياتها كلها !

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...