التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الحلقة الخامسة

 

جري بأقصى سرعته مبتعدا .. رغم ضخامته ومنظره المروع ، إلا أن شكله وهو يعدو بجنون ببقايا ثيابه الممزقة المتدلية حوله ،  المنبلقتان خوفا وفزعا كان كفيلا بإثارة شفقة أي إنسان على هذا المسخ البائس المعدوم الحيلة .. حتى ضحاياه أنفسهم كانوا جديرين بالإحساس بالشفقة نحوه ، لو حدث وأتيحت لهم الفرصة لرؤيته في هذا المنظر الغريب !
لقد أطلق الآخر سراحه ، لم يصدق أن هذا الشيء المخيف بالغ الضخامة يمكن أن يتركه يرحل ويخلي سبيله هكذا بسهولة .. ولكنه فعلها وإن لم يفهم الأول بعد كيف تمكن من الإفلات !
لقد قرر " أنسيل " أن يخلي سبيل منافسه الخائر المصدوم من مطاردة الصيادون له ، بل ودله على طريق الهرب .. تركه يذهب لكنه بقي هناك في الغابة وحده .. وحده وسط أولئك الأشرار الذين يتحرقون شوقا لاصطياده وتمزيقه والانتقام منه لمقتل قائدهم " دولين " !
ما الذي يمكن أن يقوله الصيادون الأشاوس لو عرفوا أن الغابة ليس فيها مستذئب واحد .. بل اثنين .. وأن أحدهما أبعد الآخر عن طريقهم لينفرد بهم لوحده ودونما مشاركة !
لقد قرر ابن الطبيعة الأم أن ذلك المتحول بشريا  ، وصنيعة الساحرات وعشب البلادونا ودم الخفاش  ، أجبن من أن يكون عونا له في مواجهة البشر الأكثر وحشية من كليهما .. لذلك روعه وأمره بمغادرة الغابة من فوره ، والابتعاد عن مجال صيده الخاص وإلا مزقه !
حتى وإن كان الآخر في طور التحول فهو قادر على شم رائحته الخاصة ، وقادر على استخراجه ، مثلما يستخرج أحدهم جثة من كومة روث وبنفس السهولة ، من وسط زمرة الذئاب كلها .. وساعتها سيكون عقابه مروعا أكثر مما يتصور أو يحلم !
من ناحيته أنتهز " ايزيا " الفرصة السانحة ، ولاذ بالفرار ناحية التلال القريبة تاركا الغابة خلفه تتلظي في نيران الحريق .. كانت الأشجار تشتعل وتهدي شعلات النار الصغيرة لبعضها ، والأخشاب المتفحمة تطقطق والأفرع المشتعلة تتهاوي محدثة صوتا مدويا ، أختلط بأصوات الرجال المهددة المخيفة وصرخاتهم الوحشية ، وهم يهرعون وسط الأشجار الكثيفة منقبين باحثين عن عدوهم الأول والأخير في تلك الحياة اليوم .. المستذئب المتوحش العملاق الجسور الذي كسر كافة قواعد عيش تلك المسوخ الجبانة ، وهاجم قائدهم ومزقه على أعينهم وأمام أبصارهم المرتعبة .. لكن الأصوات زادت حدتها وقوتها ووحشيتها أكثر وأكثر .. فالمستذئب لم يكتفي بما حققه من نصر الليلة .. بل ، وعلى غرة أكثر مفاجأة لفرقة الصيادين ، برز لهم بغتة وهاجمهم هجوما ضاريا كاسحا غير مبال بطلقاتهم ورصاصاتهم التي انطلقت كالسيل عليه من كل ناحية !
...
في كوخها المتواري قبعت " سليمين " حائرة .. لأول مرة لم تتجول في الغابة لجمع أعشابها الشيطانية ، وصنع وصفاتها السحرية الخاصة المحببة .. أنها لأول مرة تشعر بالخوف يستولي عليها وينهش جوانحها بتلك الدقائق !
إنها لا تعرف ماذا يحدث بالضبط في ( شيفلدان ) ، لكنها واثقة أن هناك شرا مستطيرا يجول حرا طليقا متحللا من أية سيطرة في الخارج .. إن ثمة سؤالا هاما يحيرها وتتطلب إجابته أقصي سرعة ممكنة : إذا كان " ايزيا " قد أقسم لها مرارا بأنه لم يهاجم المدعو شخصا عملاقا ويعضه عدة مرات  أبدا ، ولا يكاد يعرف من هو المستذئب الآخر أصلا .. إذن فكيف تحول الآخر .. من الذي هاجمه وعضه ؟!
هل هوجم وتلقي عضة التغيير القاسية بواسطة ذئب عادي ، ولكنها خبيرة جيدة بالذئاب الحقيقية ، وتعلم أنهم لا يتسببون أبدا في تحول أنسي لمستذئب ما لم يقوموا بعضه عدة مرات متوالية .. لكن المستذئب  اللعين  الثاني هذا لا يمكن أن يكون هذا قد حدث معه ، فهو عملاق ومرعب بما يكفي ليستطيع مقاومة أي ذئب عادي صغير بل والفتك به كذلك !
إذن .. لقد وصلت " سليمين " إلي النتيجة التي طالما كرهت الوصول إليها .. إنها جاهلة كأي بشري ولا تعرف كل شيء كما تتخيل .. فثمة مستذئب ثالث في غابات ( شيفلدان ) !
...
أخيرا أنسحب رجال فرقة الصيد ، بعد أن عجزوا تماما عن تحقيق هدفهم .. وبعد أن وجدوا أنفسهم بإزاء مهاجمين اثنين وليس واحدا فقط !
لقد بدءوا في إطلاق النار على المستذئب الأول وحاصروه ، رغم أن أطاح بعدد كبير منهم ، وأصابهم إصابات بالغة مميتة ، لكنهم كادوا يتغلبون عليه وفكروا في حيلة إلقاء الشباك ، بعد أن فشلت الرصاصات في التغلب عليه وإردائه قتيلا .. كادوا يوقعون به إذن ، ولكن هذا كان قبل أن يباغتهم مخلوق آخر لا يقل بشاعة ولا ضخامة عنه بالهجوم الساحق عليهم .. إنه مستذئب آخر !
صرخ " وريل " ، أحد رجال الحملة ، وهو يلقي سلاحه ويتراجع بجسد مصاب بعدة إصابات شديدة ، وبوجه مغطي بالدماء :
-" مستذئب آخر ! هناك واحدا آخر ! "
صاح رفيق له ، لا تقل إصاباته بشاعة عنه ، بصوت مرتجف ذعرا
-" يا إلهي .. هناك آخرون منهم ! كم مستذئب في تلك الغابة اللعينة ؟! "
كان المهاجم الجديد شيئا خارق القوة ، بشعا ضخما في حجم بقرة .. وقد روع الرجال المساكين حينما بوغتوا بذلك الشيء المخيف الأبيض وهو يهاجمهم فجأة ، ظاهرا بشكل مباغت من بين سحب الدخان وألسنة اللهب التي تلتهم الغابة من حولهم !
تراجع الرجال مذعورين بلا نظام ، وأسفرت هجمة مفاجئة للمستذئب الجديد عن مقتل رجلين وسقط ثالث ، وهو يجري فزعا ، بين الأغصان المتساقطة المشتعلة ولم تلبث ألسنة النيران أن أحاطت به وأمسكت بثيابه ، لتتعالي صرخاته المستغيثة المتألمة وتختلط بعواء المستذئبين المخيف الذي ملأ أرجاء الغابة ، وتردد صداه في كافة البطاح والقرى المظلمة المحيطة بغابة ( شيفلدان ) الموبوءة ..
في كوخها المختفي غير المنظور كانت " سليمين " ترتجف ، ربما لأول مرة في حياتها ، فرقا ورعبا ..
رباه .. إنها لم تخطط لهذا .. لم تخطط لهذا ولم تتمناه حتى أبدا !
لقد حولت " ابن هيبوليت " اللعين هذا بناء على رغبته ورغبتها أيضا ، وكانت تنتظر منه أن يتحول لخادم مطيع لها ولجوقة الساحرات ويفرض رعبه ، الذي هو رعبهن في الأساس ، على أنحاء القرية ويمنع المتطفلين من مقاطعة سبوتهن والتهجم عليها .. لكنها لم تكن تدري أن الأم الكبيرة لها تدبير مختلف تماما !
إنها تسمع الآن بأذنيها أصوات عواء المستذئبين يملأ أرجاء الغابة والقرية حولها .. بينما " ايزيا " العديم النفع ، بملابسه الممزقة وعيناه المفزوعتين ، يرقد كالكلب الذليل عند قدميها منتظرا لمستها الشافية .. فمن أين إذن آتي هذين الآخرين ومن يكونا ؟!
وكيف يمكنها إخضاعهما والسيطرة عليهما .. هذا إذا كان في إمكانها في الأساس فعل ذلك ؟!
لقد رحلت الساحرات رفيقاتها بالفعل عن الغابة ، وبقيت هي وحدها ، بل أصرت على البقاء .. لكن يبدو أنها ستكتشف عما قريب أنها كانت مخطئة وستلحق بهن في أول فرصة سانحة !
لكن متى ستأتي الفرصة السانحة وهي قابعة في كوخ محاط بجيش من المستذئبين المتوحشين الذين لا سيطرة لأحد عليهم ولا قدرة لها على التحكم فيهم .. هل سينفعها سحرها في ذلك الموقف ؟!
لا تتوقع هذا ، وإلا لكان السحر قد نجح في إنقاذ أمها ذات يوم من مخالب وأنياب مستذئب متحول غاضب ، حولته بنفسها ثم حاولت إقصائه بعيدا فمزقها شر ممزق وتركها قطعا متناثرة حول كوخها السحري !
اهتز باطن " سليمين " لتذكرها تلك الحادثة البشعة وخفضت بصرها لتنظر إلي " ايزيا " المرتجف وتسأله بصوت متوتر :
-" لماذا لا تختبئ بعيدا يا " ايزيا " .. ألا تخشي أن يجدوك هنا ؟! "
رفع " ايزيا " بصره إليها وقد لمعت نظرة غريبة في عينيه ، وسألها بصوت لا تزال الرجفة تسيطر عليه :
-" أين أذهب يا سيدتي الساحرة ؟! أيوجد في شيفلدان مأوي أكثر أمنا من كوخك السحري الخفي ؟! "
أرتجف قلب الساحرة المخضرمة قليلا وهتفت محاولة هدهدته :
-" لا لكنك ستكون أكثر أمنا بعيدا عن هنا .. إنهم سيقلبون الغابة الليلة وسيمشطونها بحثا عن المستذئبين المختبئين فيها ، وقد يستعينون بسحرة آخرين لكشف كل الأماكن الخفية والمخابئ السرية .. وحينها سيكون وجودك هنا مضرا بك وبى ! "
إنها تريد أن تتخلص منه الآن ، قال " ايزيا " لنفسه ، لكنه وجد من الأوفق أن يلوذ بالصمت الآن ولا يفصح عن رأيه فيها بصدق حتى تحين ساعة آمن واطمئنان يستطيع فيها أن يحاسبها على ما صنعته به .. لكن تلك الساعة لن تحين أبدا فيما يبدو .. لأن باب الكوخ الخفي أرتج لحظة تحت وقع تعويذة لا تقاوم .. قبل أن يسقط بصوت مدو كاشفا عن شيء أبيض بالغ الضخامة يقف الآن في مدخل الكوخ !


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...