التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الدم والملح ( قصة كاملة )

 

   
 
لم يكن من المنتظر أن تتزوج " سارة " الحسناء الرقيقة التي يتنافس في حبها نصف شبان ( باريس ) من هذا الشاب النحيل الأسمر الخامل الذي ينتمي لأمريكا الجنوبية..
وعندما كانت " سارة " تُسأل السؤال الطبيعي المكرر :
" لماذا يا " سارة " .. ما الذي يروقك فيه ؟! "
كانت تتنهد بهيام وتسبل عينيها وتجيب بحنان جارف :
" إنه الحب يا عزيزي ! "
وهكذا في أقل من عام من تعارفهما .. وشهرين من فتح  موضوع الزواج كانت " سارة شارل بيرنادوت " و" هيوم دي لاس كارديراس " قد تزوجا بالفعل .. ورحلا معاً إلى أمريكا الجنوبية .. إلى الأرجنتين !
***********
على أن " هيوم " لم يكن شاباً سيئاً إلى هذا الحد كما تصور زملاء " سارة " وعاشقيها الكثيرون .. كان شاباً ملتزماً جاداً في عمله .. بالإضافة إلى رزانته وصبره الطويل وهو أحلي ما فيه بالفعل .. وبسبب من رزانته وصبره وأيضاً جده ومثابرته في العمل تمكن من اجتياز سنوات الدراسة الصعبة المرهقة في جامعة ( باريس ) خلال سنة واحدة فقط .. فقد طلب أن يتقدم إلى امتحانات السنوات الأولي والثانية والثالثة والليسانس مرة واحدة .. وقد فعلها ونجح نجاحاً مبهراً أثبت به جدارته وأغاظ به الكثيرون .. والأهم انه تمكن من انتزاع إعجاب " سارة " حسناء الجامعة وغزالها الجامح وحبها بعد ذلك !
كان " هيوم " يدرس موضوعاً شائقاً ولطيفا .. حضارات أمريكا الجنوبية قبل الغزو الأوربي لها .. أو ما كان يسمونه ( الفتح الأوربي العظيم ) طبعاً مع كثير من التجاوز والنفاق !
وهكذا وعن طريقه سمعت " سارة " للمرة الأولي في حياتها عن ( الإزتك ) و( المايا ) وغيرهما !
ولكن أول شيء لفت انتباه " سارة " في زوجها عندما تزوجا ورحلا معاً إلى الأرجنتين .. أن " هيوم " الذي حصل على وظيفة معيد في جامعة ( بوينس إيرس ) براتب حتماً لا يكفي لشيء .. كان لديه خادمان في منزله الفقير المتواضع هناك .. كيف تمكن من الحصول عليهما يا تري ؟!
***********
في الخامس والعشرين من مايو وصل الزوجان إلى بيتهما الصغير الواقع في أحد أحياء( بوينس إيرس ) الجنوبية المتوسطة .. لم تندهش " سارة " أو تغضب لوضاعة المنزل .. فهي لم تتوقع في منزلها القادم أي غني بل كان حب " هيوم " وحنانه يكفيها .. ولكن الذي أدهشها حقاً الخادم الذي فتح لهما الباب .. وجوده عند وصولهما معناه أنه كان مقيم في المنزل عندما كان " هيوم " يدرس في ( باريس ) ومعناه أيضاً أن " هيوم " كان مستمراً في دفع راتب هذا الخادم أثناء وجوده هناك .. فمن أين كان  يجد راتب خادم مقيم في بلده إذا كان هو نفسه يعيش على أموال المنحة الدراسية التي منحتها له جامعة ( باريس ) لتفوقه الاستثنائي !
سألت " سارة " زوجها هذا السؤال بينما كانا يفرغان الحقائب في غرفة النوم المتواضعة التي قادهما إليها الخادم .. فأجابها برفق وبلطفه المعهود أن الأمر ليس كما تظن !
لم تفهم " سارة " معني ( أن الأمر ليس كما تظن ) ولكنها أظهرت أنها فهمت كل شيء من خلال هذه الجملة المبتورة التي لا معني لها في الحقيقة .. كانت " سارة " من النوع الرقيق الدمث وكانت تعرف أن لكل مجتمع ثقافته وعاداته .. لذلك كانت تظهر تفهماً واحتراماً لكل شيء حول زوجها وكل كلمة يقولها ؛ حتى لو كانت فارغة ؛.. حتى لا يعتقد أنها لا تفهم مجتمعه وثقافته ثم يبدأ في النهنهة والتمتمة كعادته !
ولكن رغم كل شيء فإن منظر هذا الخادم لم يريحها كثيراً .. ولم يكن هذا هو كل شيء تحظي به " سارة " في اليوم الأول لها في ( بيونس إيرس ) .. بل كانت تنتظرها مفاجأة أكبر على العشاء .. حينما جلست على المائدة لتكتشف وجود خادم آخر يساعد في تقديم العشاء .. زادت دهشتها ولكنها لم تسأل زوجها هذه المرة .. فقد خشيت أن يقول لها أن الأمر ليس كما تظن !
***********
في الصباح خرج " هيوم " ليذهب إلى الجامعة .. وترك " سارة " في البيت مع الخادمين وقبل خروجه طبع قبلة على خدها الرقيق وقال لها بابتسامة هادئة :
" أرجوا يا حبيبتي ألا تصابي بالملل من بقائك وحدك .. لا تحاولي التحدث إلى الخادمين فهما لا يتحدثان كثيراً ! "
ابتسمت " سارة " بدورها وأجابت على زوجها قائلة :
" بل هما لا يتحدثان مطلقاً .. هل هما أبكمين ؟! "
وكانت هذه أول ملاحظة ذكية لاحظتها " سارة " على خادميها الجديدين .. إنهما لا يتكلمان مطلقاً بل يسارعان إلى تنفيذ كل أمر يوجه إليهما ببطء وجمود .. كما أنهما يتحركان حركة آلية غريبة وكأنهما مجرد ماكينتين !
وكان رد " هيوم " على تلك الملاحظة العابرة هو هزة رأس وعبارة أخري من عباراته الغامضة :
" لا شأن لك بهما .. إنهما مطيعان وصامتان .. الصمت من دلائل الطاعة ! "
وخرج " هيوم " تاركاً " سارة تحاول التأقلم مع هذه الأجواء الغريبة !
***********
كان الخادمين جد مطيعين وصبورين ولم يخالفا أي أمر للمدام " سارة " .. ولكن صمتهما المطبق وأسلوب تحركهما الآلي الغريب ظل يرسم علامة استفهام أمامها .. ولكن " سارة " لم يكن لديها وقت كاف للاهتمام بهذا الأمر .. فقد كان البيت في حالة من الفوضى الرجولية .. صحيح أنه مرتب ومنظم ولكن ذلك بالنسبة للرجال فقط الذين لا يلاحظون كل شيء بمنظار دقيق .. ولكن بالنسبة لفتاة قادمة من وسط باريس فقد كان عبارة عن دغل كثيف مليء بالفوضى والقذارة ولابد من تنظيفه وتنظيمه .. وهكذا شمرت " سارة " عن ساعديها ونادت الخادمين ليكونا رهن أمرها .. وأخذت تنقل هذا وتنظف ذلك وتلقي ذاك في القمامة حتى أصبح البيت في النهاية مرآة مصقولة يمكنك أن تري وجهك ليس في مراياته فقط بل أيضاً في حوائطه وعلى ستائره! .. وحتى على موقد المطبخ .
وهكذا بعد ست ساعات من العمل المضني سمحت السيدة للخادمين بأن يذهبا للنوم وطلبت منهما أن يتناولا عشاءهما ويناما لأنها  هي التي ستهتم بعشاء السيد من الآن فصاعداً ..
ولم تدر " سارة " بهذا الطلب البسيط مدي الخدمة التي أسدتها لهذين البائسين .. فالحقيقة أن الخادمين كانا بحاجة إلى النوم .. بل بحاجة لشيء أقوي من النوم ليريحهما من متاعبهما .. بحاجة للموت !
أخذت " سارة " حماماً منعشاً ثم ارتدت فستاناً باريسياً فاتناً وتزينت بذوق كعادتها .. وأعدت عشاءً دسماً ووضعته فوق المائدة التي زينتها بالورود والفاكهة وأضاءت شموعاً لها رائحة عطرية غريبة  .. ثم جلست تنتظر عودة " هيوم " من الخارج لتفاجئه بهذا العشاء الرومانسي الدسم !
وفعلاً عاد الزوج في الساعة التاسعة مساءً متأخر ساعتين عن ميعاده المعتاد ولكن لا بأس .. ولكن الغريب حقاً أنه فزع عندما رأي الشموع التي أشعلتها " سارة " فوق المائدة وصرخ فيها بصوت غليظ :
" من أين أحضرت هذه الشموع ؟! "
بهتت " سارة " لغضبه الذي لم تدرك له سبب وأجابت بارتباك :
" من غرفة العمل الخاصة بك !"
فسألها " هيوم " وقد زاد غضبه :
" غرفة العمل ؟! "
ثم فكر قليلاً وفجأة ألتوت ملامحه في استنكار وهتف باشمئزاز :
" هل دخلت لغرفة الأسلاف ؟! "
كان " هيوم " قد أخبر " سارة " بأن لديه غرفة في البيت يطلق عليها ( غرفة الأسلاف ) وقال لها أنها تحوي مخلفات وأشياء تعود لأسلافه المرحومين وطلب منها برقة ألا تدخلها لأن فيها أشياء قابلة للتلف بسرعة .. كانت " سارة " تعرف ذلك وتذكره جيداً لذلك فقد أجابت على سؤال زوجها لها بارتباك :
" نعم ! "
فهتف " هيوم " مستنكراً :
" ألم أطلب منك عدم دخول هذه الغرفة ؟! "
" كنت أنظفها يا عزيزي .. أنا آسفة ظننت أن هذا الأمر لن .... "
ولكن " هيوم " لم يبقي ليسمع باقي اعتذارات " سارة " بل قام بإطفاء الشموع وانتزعها من أماكنها .. ثم حملها في يده ومضي نحو غرفة الأسلاف وفتح بابها ودخل .. وبعد ذلك أغلق الباب بعنف في وجه " سارة " ..
وبالطبع فسدت الليلة !
***********
في اليوم التالي صالح " هيوم " زوجته وقدم لها هدية لطيفة .. وطلب منها برقة ألا تدخل ( غرفة الأسلاف ) ثانية أبداً أثناء غيابه .. معللاً ذلك بأن فيها أشياء يمكن أن تتلف بسهولة من مجرد لمسة واحدة ، كما أن بعض الأشياء قد تؤذي " سارة " إيذاءً بالغاً دون أن تدري ..
ومن أجل كبح فضولها وعدها " هيوم " بأن يريها محتويات الغرفة بنفسه ويشرح لها تاريخ كل قطعة فيها .. وهكذا نال " هيوم " الوعد الذي يريده من " سارة " بعدم دخول هذه الغرفة لأي سبب من الأسباب واطمأن باله .. وعادت الأمور لطبيعتها بين الزوجين ..
وإن كانت الأصوات التي تصدر من داخل غرفة الأسلاف هذه ظلت تؤرق " سارة " ليالي طويلة !
***********
في اليوم التالي خرجت " سارة " للتسوق بعد أن استأذنت " هيوم " وطلبت منه أن يسمح لها باصطحاب أحد الخادمين ليقوم بحمل ما تتسوقه .. ولكن " هيوم " وإن سمح لها بالخروج والتسوق كما تشاء إلا إنه رفض ذهاب أحد الخادمين معها رفضاً باتاً متعللاً بجهلهما وأشياء أخري كثيرة لا تقنع إلا ساذجاً .. مثل " سارة " !
وهكذا خرجت " سارة " بمفردها حاملة سلة تسوق صغيرة وخرجت لأول مرة لتتفقد الحي منذ وصولها إلى الأرجنتين قبل أسبوعين ..
كانت الجيرة فقيرة كما لاحظت " سارة " من النظرة الأولى .. مجرد مربعات سكنية تتكون من وحدات متشابهة كأنها معازل أو مستوطنات عمالية تتخللها بضعة بيوت قليلة ؛ مثل بيت " هيوم " و" سارة " ؛ أفضل حالاً من باقي المساكن .. وكان هناك عدد قليل من المحلات التجارية وعدد كبير من البائعين المتجولين الذين يفترشون الأرصفة والطرق ويعرضون سلعاً من كل الأشكال والأنواع .. فاكهة وخضراوات وملابس وأواني ولحوم متنوعة وطيور حية ومجمدة وأدوات معدنية .. حتى أن " سارة " لن تستغرب إذا وجدتهم يبيعون أطفالاً أو كبسولات فضاء !
المهم أنه وسط كل هذه الفوضى لمحت " سارة " سوبر ماركت متواضع فقصدته على الفور .. ودخلت لتجد أمامها محلاً كبيراً ليس إلا يسمي نفسه سوبر ماركت ولكن المهم أنه مكدس بكل أنواع البضاعة ..
وهكذا بدأت " سارة " جولتها في السوبر ماركت وبدأت في وضع بعض الحاجيات في سلتها الصغيرة .. ولكنها فجأة لمحت امرأتين عجوزين تشيران إليها ويتهامسان .. رفعت " سارة " رأسها ؛ بعد أن أحست بمراقبتهما المختلسة لها ؛ وابتسمت لهما بظرف .. ولكنها فوجئت برد فعل غريب للغاية منهما .. أبيض وجههما من الرعب بمجرد أن التقت عيناها بعيونهما وتراجعا في ذعر .. ثم أخذت أحداهما تردد بصوت واضح عبارة باللغة الإسبانية لم تفهم منها " سارة " إلا كلمة ( كريستوس ) التي تعني (المسيح ) !
ذهلت " سارة " لرد فعل المرأتين وأصابها اضطراب أنساها وضع الكثير من الحاجيات التي كانت تحتاج إليها في سلتها .. فتوجهت نحو الشاب الجالس فوق الخزانة ودفعت ثمن مشترياتها .. ثم عادت إلى البيت وهى في غاية الاضطراب ..
وفي المساء كادت " سارة " تحكي لزوجها عن الموقف الذي تعرضت له في السوبر ماركت .. ولكن شيء ما في عقلها طلب منها ألا تفعل فأطاعته .. والحقيقة أن " سارة " أحسنت بإخفاء الأمر عن " هيوم " .. وإلا كان هناك عواقب وخيمة !
***********
وبعد أسابيع حدثت صدفة بالغة السوء بالنسبة ل" هيوم " ولكنها كشفت ل" سارة " عن سر جديد من أسراره الكثيرة التي لم تعرفها بعد ..
كان هناك معرض للكتب في ( بوينس إيرس ) وعلمت " سارة " بذلك فطلبت من " هيوم " أن يذهبا لشراء عدد من الكتب لإضافتها إلى مكتبة المنزل .. كانت " سارة " تحب القراءة بالفعل ولكن " هيوم " كان من رأيه أنها تدعي الثقافة لتصبح المرأة الكاملة التي تجمع النقيضين ( الثقافة والجمال ) .. لذلك سمح لها بالذهاب كما تشاء ولكنه أعتذر عن مرافقتها .. والحقيقة أن طباع " هيوم " تغيرت كثيراً خلال فترة بسيطة .. فبدأ يهمل زوجته ويقضي جل وقته في ( غرفة الأسلاف ) هذه التي تتصاعد منها روائح غريبة .. ليست كريهة ولكنها غريبة جداً .. وحتى خروجهما معاً الذي كان يومياً في ( باريس ) لم يحدث منذ قدومهما إلى الأرجنتين أكثر من مرتين !
ولكن " سارة " لا تستطيع أن تشكوه فهي التي اختارت.. ثم إنه كان لطيفاً رغم كل شيء .. أو بتعبير أدق كان ما يزال يدعي اللطف !
وذهبت " سارة " إلى معرض الكتاب وتجولت بين أجنحته .. واشترت بضع أعمال ل" بلزاك " و" زولا " و" دافني دي مورييه " .. ثم خطر لها أنه سيكون من اللطيف أن تفاجأ " هيوم " العزيز بكتاب في مجال تخصصه .. لذلك توجهت نحو جناح الكتب التاريخية .. وسألت أحد القائمين على خدمة رواد المعرض هناك عن القسم الذي توجد فيه كتب عن حضارات أمريكا الجنوبية القديمة فأرشدها إليه .. وهناك وجدت عدداً ضخماً من الكتب عن ( المايا ) و( الإزتك ) و( مدينة الموتي ) و" أتوالابا " .. وكانت هناك فتاة ترتدي عوينات ثرثرت معها " سارة " قليلاً بالإنجليزية فعرفت منها أنها ؛ الفتاة لا " سارة " ؛ معيدة في قسم الحضارات القديمة في جامعة ( بوينس إيرس ) .. فهتفت " سارة " بمرح وهى تضغم الحروف لتظهر أنها فرنسية تماماً :
" في قسم الحضارات القديمة .. لابد أنك تعرفين زوجي فهو أستاذ في نفس القسم .. لقد درس في باريس وحصل على الدكتوراه من هناك وقد تعرفنا على بعضنا وتزوجنا في باريس ! "
فخلعت الأستاذة عويناتها وسألت بمرح مصطنع ؛ فقد كانت لا تكره شيئاً في حياتها كما تكره سيرة أساتذة القسم الذي تعمل به ؛ قائلة :
" أستاذ في قسمنا .. حسناً يمكن أن أكون أعرفه .. ما هو اسمه ؟! "
فأجابت " سارة " والزهو يطل من عيونها :
" " هيوم " .. هيوم دي لاس كارديراس " ..
لابد أنك تعملين تحت إمرته ! "
فردت الفتاة دون تردد :
" " هيوم دي لاس كارديراس " .. لا يوجد في قسمنا أستاذ بهذا الاسم .. ولا حتى في الجامعة كلها .. أنا واثقة مما أقول ! "
وتبخرت الفتاة تاركة " سارة " متسمرة مكانها تعاني حيرة هائلة وذعر .. بمن تزوجت إذن .. بمن ؟!
***********
عندما عادت " سارة " إلى المنزل وجدت " هيوم " بانتظارها !
كان هذا شيئاً غريباً للغاية .. فالزوج كان يعود كل يوم ليس قبل التاسعة أو العاشرة مساءً .. فما الذي أتى به في الثانية ظهراً ؟!
الأغرب أنه كان جالس في غرفة المعيشة مطرقاً ويبدو عليه الهم والغم .. وعندما سمع صوت " سارة " وهى تدخل إلى الغرفة عندما لمحته جالساً فيها من خلال زجاج الواجهة .. رفع عينيه إليها ورشقها بنظرة خاوية مخيفة .. فارتعشت " سارة "  وكادت تصاب بالإغماء .. كانت نظرة غريبة وقوية للغاية .. حتى أنها شعرت أنه منوم مغناطيسي !
وبعد ذلك لم يكن من " هيوم " إلا إنه ترك موضعه ونهض بهدوء .. ثم غادر الغرفة وبعد قليل سمعت " سارة " صوت الباب الخارجي يغلق ثم سمعت صوت المفتاح وهو يدور فيه من الخارج .. هرعت " سارة " نحو الباب الخارجي وحاولت فتحه فأمتنع ..
لم يكن هناك مجال للشك في الأمر .. لقد أغلق عليها " هيوم " الباب بالمفتاح !!
***********
ظلت " سارة " تدور وتدور في المنزل كالمسعورة طوال النهار وحتى منتصف الليل .. كانت تريد تفسيراً فورياً للذي حدث اليوم .. لذلك انتظرت " هيوم " طويلاً حتى عاد أخيراً .. كانت على استعداد لانتظاره حتى الصباح إذا لزم الأمر . فلم يكن لديها أي استعداد لأن تأوي إلى فراشها قبل أن تحصل على تفسير لما فعله اليوم .. كيف يجرؤ على إغلاق الباب عليها بالمفتاح .. يا إلهي أيظنها فتاة من حواري ( بيونس إيرس ) يمكنه أن يتحكم فيها كيف يشاء .. حسناً .. لسوف يندم على أنه فكر في التعامل معها بهذه الصورة المهينة !
كانت " سارة " ترغي وتزبد وترسل التهديدات الحارة .. غير  مدركة  أنها إنما تهدد الهواء في الحقيقة .. ف" هيوم " لم يعد بعد من الخارج .. والخادمين كأنهما تمثالين من البرونز .. لا صوت واحد يصدر عنهما !
رباه .. أي حياة تلك التي تحياها ؟!
وهنا عاد " هيوم " .. سمعت " سارة " صوت المفتاح وهو يدور في الباب الخارجي فهرعت نحوه لتؤنبه وتقرِّعه على الموقف السخيف الذي فعله معها اليوم .. بمجرد أن ظهر وجه زوجها حتى صرخت " سارة " بغل :
" ها قد عدت يا سيد .. لتجد جاريتك ما زالت تنتظر خلف الباب ! "
قالت " سارة " واستعدت لمواصلة الهجوم عندما فوجئت ب" هيوم " .. " هيوم الرقيق الناحل الوديع الذي لا يؤذي ذبابة .. ينقض عليها فجأة وينهال عليها ضرباً بوحشية كأنه  مارد من الجن!
تعالى صراخ " سارة " المستغيث .. وأخذت تتوسل  إليه  أن يتركها وتنادي الخادمين وتطلب منهما إنقاذها وتصرخ بأعلى صوتها :
" النجدة .. النجدة .. فلينقذني أحد ! "
ثم تعود فتتوسل لزوجها ؛ الذي أنتفش شعره كالشيطان واحمرت عينيه ؛ أن يتركها .. وبالفعل تركها " هيوم " ولكن ليس قبل أن يزين وجهها بكدمات زرقاء عديدة حول عينيها !
أخلى " هيوم " سبيل زوجته لحظة .. ولكنه عاد فأمسك بها من شعرها بقسوة  وهو يقول لها مهددا ومتوعدا :
" إياك أن تخالفي لي أمراً أو تدوري تتحدثين مع الناس في شئوني بعد  اليوم  .. لو فعلت ذلك مرة أخرى فسأحولك لتصبحي واحدة كهذين ! "
قال " هيوم " ثم دفع " سارة " بغلظة فاصطدمت بأريكة بعنف وسقطت فوقها وأخذت تنشج وتبكي بكاء هستيري مرتعش .. وفي لحظة ما رفعت عينيها الملوثتين بالدموع الغزيرة لتجد الخادمين واقفين متخشبين أمام باب غرفتهما يحدقان فيها بعيون خاوية وأجساد متصلبة متخشبة وكأنهما لا يريانها من الأساس .. أولا يشعران بأي شيء يدور حولهما .. وقد كان ذلك صحيحاً تماماً !
وهنا هبط الوعي على " سارة " بغتة وفهمت معنى ذلك .. المعني الذي كان أمامها ولكن عماها وغرامها ب" هيوم " منعها من رؤيته .. أي مصيبة جاءت بها من قلب باريس لتقع فيها هنا ؟!
***********
مر أسبوع قضته " سارة " في غرفتها مغلقة الأبواب عليها !
لم تتناول طعاماً يذكر بل عاشت على القليل من البسكويت والماء .. بقيت جالسة في فراشها طوال الوقت ترتجف رعباً وأسنانها تصك ببعضها خوفاً وهلعاً .. حتى النوم كانت تختطفه لدقائق ثم تقوم صارخة على كوابيس مروعة وكان نومها أشبه ما يكون بالإغماء أو الغيبوبة !
لم تغادر " سارة " غرفتها طوال هذا الأسبوع إلا إلى الحمام وفي الخفاء حين تتأكد من عدم وجود " هيوم " في المنزل ..
كانت لا تريد رؤية وجهه النحس ولا وجوه خادميه البائسين المرعبين اللذين رغم بشاعتهما وخوفها الشديد منهما .. إلا إنها كانت تشفق عليهما بشدة .. أليسا ضحيتين مثلها !
وهكذا ظلت " سارة " تفكر في حل للخروج من هذه المصيبة .. كيف تهرب من قبضة هذا الوحش !
تهرب من البيت أثناء غيابه وتلجأ إلى السفارة الفرنسية .. حل جيد فقط لو لم يكن " هيوم " اللعين هذا يقرأ الأفكار ببراعة ويعرف الذي تفكر فيه قبل أن تقدم عليه !
وهكذا وجدت " سارة " كل منافذ البيت ونوافذه مغلقة وبإحكام شديد ..
ورغم ذلك حاولت عدة مرات الهرب دون فائدة .. وأخيراً أدركت أنها صارت أسيرته وتحت أمره .. فإن شاء عذبها وإن شاء تركها .. وإن شاء ؛ وهو الأسوأ ؛ جعلها واحدة من هؤلاء !
وبعد مرور أسبوعين آخرين كانت " سارة " قد حسمت أمرها .. إذا كانت عاجزة عن الهروب من قبضته فلتوجعه قبل أن يتخلص منها .. ولتجعله يدفع ثمناً باهظاً لما فعله بها !
وهكذا ؛ وبعد أن تأكدت من عدم وجوده في المنزل ؛ غادرت " سارة غرفتها .. وتوجهت نحو المطبخ وفتحت الدرج الخاص بالأدوات  الكبيرة  وانتقت منه مطرقة ثقيلة .. وخرجت من المطبخ متوجهة نحو ( غرفة الأسلاف ) وعلى وجهها تصميم هائل .. ودون تردد بدأت في تهشيم القفل الموضوع على الباب .. ثم اقتحمت الغرفة فوجدت أمامها المناضد الغريبة المليئة بالتماثيل والأواني والشموع غريبة الرائحة والشكل .. كل هذه الأشياء رأتها " سارة " من قبل .. إلا إنها لم تفهم معناها .. الآن فقط تفهم !
وهكذا وبكل الغل في قلبها انهالت " سارة " بمطرقتها تحطيماً وتهشيماً على كل ما تراه أمامها .. حطمت وهشمت وكسرت .. حتى لم يتبقي شيء في الغرفة سوي أشلاء وبقايا متناثرة !
***********
أخيراً انتهت " سارة " من تدمير غرفة الأسلاف .. ولم  يبقي أمامها سوي شيء واحد .. إنها تريد أن تحرر الروحين المحبوستين معها في المنزل !
وهكذا توجهت " سارة " نحو المطبخ وبحثت وسط الأدراج العلوية حتى عثرت على الشيء الذي تريده .. وهو الشيء الذي غفل " هيوم " عن إخفائه أو التخلص منه .. حمداً لله !
وغادرت المطبخ إلى الغرفة التي ينام فيها الخادمين .. كان المسكينان ينامان كقرمتي الخشب مفترشين الأرض .. فرمقتهما " سارة " بنظرة مليئة بالشفقة والتعاطف .. ثم تقدمت منهما ورغم خوفها من لمس هذه المخلوقات .. إلا إنها تحاملت على نفسها وبدأت في إيقاظهما برفق .. واستيقظ الخادمين بسهولة وجلسا مكانهما بعيون حمراء خاوية وأطراف متخشبة .. وهنا فتحت " سارة " الكيس الذي جاءت به من المطبخ ودست يدها فيه وأخرجت قبضتها مضمومة على حفنة من مسحوق أبيض .. ثم طلبت من الخادم الأول أن يفتح فمه .. فأطاعها على الفور .. وعلى الفور أيضاً مدت " سارة " يدها دون خوف ودست في فمه كتلة من الملح !
وأغلق الخادم فمه وأبتلع الملح بسهولة .. وكذلك فعل الخادم الثاني .. وفي هذه اللحظة سمعت " سارة " صوت خطوات " هيوم " في الصالة الخارجية !
***********
فتح " هيوم دي لاس كارديراس " باب منزله ودخل بهدوء .. غير عالم بما ينتظره بالداخل !
وفي الداخل لم يكن هناك كما هو المفترض سوى زوجته والخادمين .. وثلاثتهم دجاجات مذعورة لا خطر منها .. فما الذي يمكن أن يخشاه " هيوم " الذي يمتلك قوة لا يدري بها إلا هو وبعض ضحاياه !
ولكن " هيوم " وجد أمامه ثلاثة أشخاص لا يهمهم في الدنيا سوي دق عنقه !
وهكذا أندفع الخادمين الذين عادت لعيونهم النظرات البشرية المعبرة وامتلأت بنظرات البغض والحقد نحو " هيوم " المذعور الذي لا يكاد يصدق ما يراه .. كانا في حالة أقرب للتوحش والرغبة في الافتراس .. وانهالا عليه ضرباً بعد أن حاصراه في الركن كالفأر ..
أصيب " هيوم " بالهلع والذعر ولكنه لم يكن من النوع الهين الذي يغلب على أمره بسهولة .. بل أخذ يقاوم المعتدين ويرد الركلات والضربات بمثلها .. وظل " هيوم " يقاوم ويقاوم حتى خارت قواه وأنهار على الأرض شبه ميت !
كانت " سارة " واقفة تتابع المشهد بذهول .. ولم تكد تري " هيوم " يسقط أمامها حتى توجهت نحوه .. وبكل الغل الذي يعتمل داخلها ركلته بقدمها ركلة عنيفة في رقبته فتدفق الدم من فمه !
ولكن الخادمين كانا راغبين في المزيد من الانتقام .. لذلك أنتزع أحدهما كيس الملح الذي  ما يزال بحوزة " سارة " من يدها وتوجه نحو " هيوم " الراقد على الأرض يئن برعب .. ثم أشار إلى زميله فأسرع هذا نحوه وأمسك بالجسد الراقد على الأرض بقوة وكبله بيدين من حديد .. لقد قرر الخادمان الانتقام من معذبهما ليس بالقتل .. ولكن بما هو أقسى من القتل !
وبالفعل ووسط صراخ " هيوم " اليائس وذعر " سارة " بدأ الخادمين يدفعان بحفنات من الملح في عيني " هيوم " اللتين أغرقتهما الدماء !
وأخذ " هيوم " يصرخ ويصرخ .. على حين فرت " سارة " من المكان تاركة " هيوم " يتلقي جزاءه الوفاق !
***********
بعد شهر في باريس قررت " سارة دي لاس كارديراس " الفرار من المدينة لأنها تحس في كل خطوة تخطوها أنها مراقبة وأن هناك قوة مجهولة مخيفة تتربص بها !
كانت التجربة التي مرت بها " سارة " أفظع من أن تسمح لها بمواصلة حياتها بشكل طبيعي بعد ذلك .. فقد كرهت الرجال والزواج والسحر والدم والملح وحتى الحب نفسه كرهته .. وهكذا قررت أن تهب نفسها للوحيد الذي لا يخدع ولا يكذب ولا يحول الناس لزومبيين .. قررت " سارة " ؛ بعد تفكير عميق ؛ أن تهب نفسها للرب !
وخلال أسبوع كانت قد انتقلت لدير معزول في قرية صغيرة وعاشت هناك آمنة وسعيدة !
ولكن مدام " لاس كارديراس "  ؛ سابقاً ؛  لم تكن تعرف أن هناك كاهن فودو أعمي شرير أقسم بآلهته الودونية أن يجوب العالم بحثاً عنها .. وألا يهدأ حتى ينتقم منها !! .
                                                   تمت                     

 

 

 

 

 

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...