التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الحلقة السادسة ( والأخيرة )

 


ابتسمت له ولم تظهر عليها علامات غضب .. سرها أن الولد يكذبها دفاعا عن " والي " .. لكم هو يحب هذا الحصان إذن ولكم هذا يثلج صدرها !
" لا يا فتاي .. لست كاذبة ! لا شيء يحملني علي الكذب عليك .. ما أهميتك بالنسبة لي لكي أتجشم مئونة الكذب عليك ؟! لست إلا سائس خيول صغير وبوسعي طردك في أي لحظة دون أن يسألني أحد لما فعلت ذلك .. لكنني لن أفعل ذلك ! أتعرف لماذا ؟! لأن لدي أمانة صغيرة .. أمانة غالية جدا .. وليس عندي من ائتمنه عليها سواك أنت ! فأسمع وأنصت ثم أحكم .. وأنا سأرضي بحكمك مهما كان ! "
بدأت السيدة تحكي كل شيء .. كل ما حدث في ليلة مصرع الصغير " تيموثي " تاركة التفاصيل الصغيرة غير المهمة خلف ظهرها :
" لقد نصحنا القس أن نجمع رفات الأختين، والدة " تيموثي " وشقيقتها ، معا تحت بناء واحد مصمت ونغلقه بالصلوات وبالماء المقدس لنمنع أرواحهن من تكدير القصر بجولاتهن الليلية المرعبة مرة أخري .. لكننا لم نكن نعلم أين دفنت الأخت .. " إليزابيث " خالة الصغير غادرت القصر وماتت بعيدا عنه ولم نحضر جنازتها ولم نعرف أين تم دفنها .. خُيل إلينا أن " تيموثي " لابد وأن يعرف فجئنا به .. استجوبناه بقسوة خاصة عندما أبدي تمنعا وامتناعا عن إجابة أسئلتنا المحددة له .. في النهاية صرخ الولد متهما إيانا بقتل خالته وأمه .. صفعته " دريدا " بقسوة وكادت تفتك به لولا أن حجزتها عنه ومنعتها من الفتك به .. لن أدعي القداسة ولا الطيبة أمامك فالله وحده يعلم كم كنت أكره هذا الولد ! كنت أكرهه مثلما كرهت أمه تماما .. ولد شرير قليل الأدب ولا يليق بتاتا بأن يحمل اسم " دوريا " العريق .. لكنه لا زال أخي ولا زلت أنا الوصية عليه .. وأي ضرر يحيق به أنا من سيسأل قانونا عنه ! لذلك طلبت من الوصيف حمل السيد الصغير إلي فراشه .. أجلت الموضوع لوقت آخر ليهدأ ويكون علي استعداد لأن يتكلم .. عامة لم نكن بحاجة إلي المرور بهذا كله فقد عرفت أخيرا كيف آتي برفات " إليزابيث " من يوركشاير حيث دفنها أحد عشاقها الكثيرين ! لكن الصغير خاف منا .. ظن أننا سنقتله ، مثلما قتلنا أمه وخالته كما يعتقد ، فهرب من القصر ليلا !
أختلس بندقية الأب وأمتطي " سكارليت " ، الجواد الذي خصصناه له ، وهرب باتجاه القرية الصغيرة خلف الضيعة .. هناك من ساعده علي الهرب وأنا واثقة من ذلك لكنني لا زلت حتى اللحظة أجهل من يكون هو هذا الشخص !
هذا أمر بديهي فلن يستطيع الولد أن يغادر فراشه ، ثم يتسلل أمام عيني الوصيف ويترك الغرفة ويأخذ البندقية من غرفة المعروضات العائلية ويفتح الإسطبل ويأخذ جواده .. كل ذلك دون أن يراه أحد أو يستوقفه أحد الخدم أو أهل القصر !
فليسامح الله هذا الشخص فهو يتحمل نصف وزر ما حدث تلك الليلة المشئومة ! أما نصف الوزر الآخر فعلي رأسي أنا يقع .. هل تعرف لماذا ؟! "
هز " أنطوان " الذي استغرقته القصة تماما رأسه نفيا فورا فأجابت السيدة بنفسها علي سؤالها قائلة :
" أنا مذنبة ليس لأنني قصدت إيذائه .. بل لأنني أخذت " والي " وذهبت في إثره ! لم يكن يجب أن آخذ " والي " تحديدا فهو مخلص لي حتى الموت .. إنه مستعد أن يموت من أجلي كما أن مستعد من أجلي أيضا أن يقتل !
لم أرضي أن أترك أحدا من الخدم أو الحرس يلحق به .. الفتي الصغير المسكين بحاجة إلي من يعامله برفق وبحنان ويعيده إلي القصر دون شد وجذب أو عنف .. اقترحت " ديميلزا " أن تذهب هي خلفه فرفضت بدون إبطاء .. لا ليس هي .. أبدا لن أسمح بذلك !
امتطيت " والي " إذن ودرجت في أعقابه .. كنت أعرف أنه لم يذهب بعيدا لذلك لم أستحث " والي " علي الجري بأقصى سرعته .. كنت علي ظهره بينما هو يمشي الهوينى بي وأنا أمسح الأراضي الشاسعة ، أراضينا الشاسعة ، بناظري بحثا عن الغلام الصغير .. حتى عثرت عليه أخيرا !
كان بالقرب من المستنقع واقفا يبكي وينتحب بينما " سكارليت " راقد إلي جواره .. أصيب الجواد غير المدرب جيدا وتعثر وتحطمت عظام قدمه الصغيرة .. كان " تيموثي " في حالة شديدة الصعوبة وقد شعرت بالشفقة من أجله فورا !
لكن الغلام أساء الظن بي .. حسبني آتية خلفه لأقتله !
لكنني وبالله لم أكن أنوي شرا به أبدا .. لماذا أقتله هنا إن كنت أنوي أن أفعل ؟!
ليس هنا سواي أنا وهو .. وأي شر يصيبه سأكون أنا المتهمة الوحيدة كما صرت فعلا بعد تلك الليلة وحتى الآن !
المتهمة الوحيدة .. والملومة الوحيدة .. وأنا رغم أنفي يجب أن أبقي صامتة .. لأن القاتل الحقيقي أعز علي من روحي .. واتهامي ظلما مدي الدهر لا يساوي شيئا أمام احتمال فقدانه إلي الأبد !
حاولت استرضاؤه وإعادته باللين معي .. أقسمت له أننا ، أنا وشقيقاتي ، ليس لنا يد في مقتل أمه وخالته ولا نية عندنا لإيذائه .. لكن الولد كان عصيا متجبرا رغم صغر سنه فرفع بندقيته وأطلق النار باتجاهي !
أخطأتني طلقته لكنها خدشت ذراعي فحسب وهي تمر بجواري تماما .. في تلك اللحظة فقدت السيطرة علي ما يجري هنا !
كنت قد هبطت من فوق صهوة جوادي ووقفت أحادث الفتي محاولة الاقتراب منه بقدر الإمكان .. لكن " والي " سمع طلقة الرصاص ورآني جريحة .. فجأة أطلق صهيلا مرتفعا وجري كالريح صوب الغلام !
كنت قد سقطت أرضا عندما فوجئت بإطلاق النار .. لم أستطع أن أمنعه في الوقت المناسب .. في أقل من لحظة كان " والي " فوق " تيموثي " .. ضربه بقائمته فسقط الولد وسط الأوحال علي ضفة المستنقع !
نهضت واقفة فورا وصرخت عليه بأعلى صوتي :
" والي .. والي .. لا .. لا ! "
لكن " والي " لم يعد يسمعني أو يسمع أحد .. لقد تخيل أنني في خطر ويتصرف بفطرته دون أن ينتظر رأيي أو يبالي به !
صرخت ثانية وأنا أري " والي " يطيح في الفتي ركلا وضربا بقوائمه .. جريت نحوه لأحاول منعه .. تعثرت وسقطت وعاقتني أطراف رداء نومي .. قمت فورا وهرعت علي قدر طاقتي محاولة إنقاذ الفتي من بين قوائم فرسي الغاضب .. لكن الولد كان في وسط المستنقع الآن !
فقد صوب البندقية ، التي ألتقطها من جواره وهو علي الأرض ، وأطلق علي الجواد .. غضب " والي " ودفعه برأسه العملاق فطار في الهواء وسقط فوق الأوحال المبتلة فابتلعته كما تبتلع الرمال المتحركة مسافرا سيء الحظ في الصحراء .. صرخت مستنجدة وكدت أنزلق داخل المستنقع بدوري محاولة إنقاذ الفتي لكن الأوان كان قد فات .. و" والي " يقف هناك ويغوص بقوائمه في الماء الآسن .. غاصت قوائم " والي " ثم بدأت أطرافه وجذعه يختفيان عن عيني !
يا ويلي .. سأفقد كلاهما .. يا ويلي .. يا إلهي ساعدني !
غرق " والي " في الأوحال أمام عيني :
" لا لا " والي " .. والي " ! "
صرخت وقد نسيت الغلام حينها .. أعترف أن حصاني أعز علي منه ولا أتحمل فقده مهما كان الثمن !
نعم صرخت من أجل " والي " كما لم أصرخ من أجل " تيموثي " .. ولكن منذا الذي يلومني علي أية حال !
لقد حاول هذا الشقي قتلي .. والآن يتسبب في موت حصاني العزيز !
دخلت وسط الأوحال وأنا أصرخ وأهذي من الفزع .. بالتدريج وجدت نفسي أغرق هناك .. لم يعد مرئيا لي منه سوي أعلي رأسه وهو يحمحم غاضبا .. صرخت عليه مرة أخري ثم فقدت الوعي !
وخلال لحظة لا أعرف ماذا أسميها رأيت ما لن يصدقني أحد أبدا إذا قصصته عليه .. احتفظت برؤاي لنفسي فيكفيني اتهامهم لي بالقتل والتسبب في موت الصغير .. فهل أتحمل اتهامهم لي بالجنون أيضا !
لقد رأيت " والي " يخرج من مياه المستنقع .. رأيت رأسه تبرز خارج الأوحال ثم بقية جسمه .. وقف هناك .. وقف كقنطور أسطوري علي الأوحال .. كانت الأوحال تحته لكنها لم تكن قادرة علي ابتلاعه !
أخذت الأوحال تتساقط من فوقه أمام عيني .. أمام عيني حدث هذا وأنا ملقاة هناك وسط المياه الراكدة العفنة التي أخذت أغرق فيها بالتدريج !
نصف ميتة كنت لكنني شعرت به يقترب مني .. يسير علي الماء وقوائمه تغوص غوصا هينا فيها بينما وزنه كان حري بجعله يغرق فيها خلال لحظة !
أغمضت عيني وشعرت بقوة تسحبني خارج المستنقع .. لم أكن أري شيئا لكنني كنت أعرف أنه هو !
لكنني لا أريد أن أراه .. بحق الله لا أريد أن أراه ثانية !
عندما جاءوا خلفنا .. كنت ملقاة علي الضفة مبللة حتى جلدي وغارقة في الأوحال .. هرعوا خلفنا " جوديفا " و" جرانفيل " وكبير الخدم وثلاثة من الحرس لكن كل شيء كان قد أنتهي !
إلي جواري كان يقف " والي " بلا نقطة ماء علي جلده .. ولا لطخة وحل واحدة علي جسده !
حملوني إلي القصر وفتشوا المستنقع .. لكنهم لم يجدوا الصغير هناك !
فتشوه مرة وأثنين وثلاثة .. لكن لا أثر ل" تيموثي " في أي بقعة في المستنقع !
وصرت أنا المتهمة الأولي .. المتهمة الوحيدة .. وحدي كنت معه هناك وهذا حق .. لكنهم نسوا أن " والي " كان هناك أيضا !
" والي " الذي غاص في المستنقع وخرج منه كعفريت أسطوري .. ما الذي رآه هذا الحيوان تحت الماء العفن الراكد القديم .. وكيف خرج من هناك ؟!
ذلك سيبقي لغز حياتي إلي الأبد !
جاء دور " أنطوان " ليسأل بعد أن بدا له أن السيدة قد أنهت قصتها :
" ولماذا لم تحكي كل ما حدث لأحد مثلما حكيت لي الآن ؟! "
ابتسمت له متسامحة ثم أجابت بنبرة صادقة تماما :
" لو رويت لهم حرفا لقتلوه .. " والي " ! كانوا سيضعون رقبته في طوق ويقطعوها .. هل تعلم لماذا لأنه قتل أخي ولأنه أيضا تحول لكائن شيطاني .. ألم تسأل نفسك كيف يغادر هذا الحيوان مربطه وراء باب الإسطبل المغلق ؟! "
لا لم يسأل نفسه وحق له أن يتعجب لذلك !
حقا كيف فعلها " والي " في تلك الليلة حينما جاءه يستدعيه بصوته أمام باب غرفته !
لكن بقيت أسئلة أخري في جعبة الفتي :
" ألهذا نبذتيه ووضعتيه في إسطبل منفرد ؟! "
ابتسمت السيدة لجوادها الذي وضع رأسه بالقرب من صدرها في مشهد عاطفي نادر المثال .. قالت موضحة :
" لم أتركه بمفرده ولم يكن ليهون علي أن أفعل به ذلك .. لقد أبقيت " إيمرت " ليرافقه وأنت تعلم ذلك جيدا ! "
لكن الفتي لم يكن قد أنتهي بعد .. هناك مئات الأسئلة التي تحيره !
لكن السيدة بدا أنها قالت ما تود قوله وأنتهي الأمر بالنسبة لها .. استدارت لتغادر ونادت وصيفتها !
أهذا كل شيء ؟!
انتهت الليلة هكذا ؟!
جاءت الوصيفة حاملة الشال للسيدة وهرعت تضعه علي كتفي سيدتها .. استدارت السيدة لتنظر إلي " أنطوان " و" والي " الذي وقف هادئا ساكنا تماما للمرة الأولي .. شيء غريب يحدث هنا لكنه ليس أغرب من التصرف الذي أقدمت عليه وصية " دوريا " الصارمة !
ابتسمت ل" أنطوان " برقة ثم وضعت إصبعها علي شفتيها وهتفت وتعبير غريب علي وجهها :
" أوششش ! "
أتأمره بالسكوت إذن ؟!
لعنة الله عليها فقد بلبلته أكثر مما أوضحت له شيئا وزادت حيرته أضعافا !
غادرت الإسطبل وبقي " أنطوان " بمفرده فيه !
...
في الصباح التالي وجدت السيدة " دوروثيا دوريا " ، أكبر بنات عائلة " دوريا " الأرستقراطية العريقة البالغة الثراء ، ميتة .. شخص الأطباء حالة وفاتها المفاجئة أنها بسبب نزيف داخلي مفاجئ ناجم عن حادث هجوم حصان هائج عليها !
لكنها كانت بخير حال الليلة الماضية ؟!
تركت السيدة الغريبة الأطوار وصية غريبة مثلها خلفها توصي بمبلغ مالي كبير لسائس صغير عندها يدعي " أنطوان " وكذلك توصي له بجوداين من جياد الأسرة الفارهة .. أحدهما يدعي " إيمرت " والآخر يسمي " والي " !
تلقي الفتي الوصية الغريبة بدهشة وحيرة وخوف عظيم .. المرأة المجنونة ماذا فعلت به ؟!
إنه لا زال لا يصدقها حتى الآن .. وحتى لو كانت صادقة فهي لم تروي له كل شيء !
فإذا كان شبح المرأة ذات الحجاب علي وجهها هو ل" لوتشيا " والدة " تيموثي " فلمن يرجع شبح الرجل ذو الأوسمة والذي أعلن له في الإسطبل خبر موت ابن " دوريا " ؟!
وإذا كان هذا المبني الأزرق فعلا مقبرة حصينة لرفات الأختين فكيف لم يمنع روح " لوتشيا " من التجول كل ليلة ؟!
وإذا كان " والي " هو قاتل الصغير فعلا .. فكيف يذهب إليه ليخرجه من المستنقع كل ليلة ؟!
كيف يحدث هذا ؟!
السؤال الأخير كان الأهم والأكثر خطورة : ما علاقة " إيمرت " بكل هذا ؟!
ولما هو بالذات يتقبل " والي " وجوده بجواره ولا يهاجمه ويعضه أو يركله مثلما يفعل مع بقية الجياد في المزرعة الشاسعة المليئة بالخيول ؟!
هل صدقته السيدة في حديثها أم كانت تكذب عليه .. ولماذا تراها تكذب عليه ؟!
" ما أهميتك بالنسبة لي لكي أتجشم مئونة الكذب عليك ؟! لست إلا سائس خيول صغير وبوسعي طردك في أي لحظة دون أن يسألني أحد لما فعلت ذلك ! "
حقا قالت وقد صدقت في ذلك !
لكن الفتي لم يقتنع بكل شيء ولم يكف عن الأسئلة ..
كان في الإسطبل مرة يرعي حصانيه كما يفعل عادة لكن حانت منه نظرة إلي صفحة وجه " والي " من الجانب فرأي نظرة مخيفة في قعر عيني الحيوان الهادئتان ..
إنه لم يري جوادا قاتلا من قبل !
أخافته نظرة الحصان الشريرة الغريبة .. فوجد نفسه يتساءل مثلما تساءلت السيدة من قبل :
( ما الذي رآه هذا الحيوان تحت الماء العفن الراكد القديم .. وكيف خرج من هناك ؟! )
سيبقي في خدمة الدوريات حتما ، فهذا هو شرط الوصية لكي يتولى رعاية " والي " ورفيقه ويتسلم المبلغ الذي خصصته له 
السيدة ، لكنه أبدا .. أبدا لن يستطيع أن يكف عن الأسئلة !!

تمت

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...

شيرلوك هولمز التحقيقات الجنائية : أبو الطب الشرعي قاهر القتلة !

  " برنارد سبيلسبري "  الرجل الذي جعل من علم الأمراض علما له قواعد وأصول .. نظرة ثاقبة وذكاء حاد وعناد لا حد له   شهد عالم الجريمة شخصيات لامعة ذاع صيتها ، وعالم الجريمة ، كغيره من مجالات الحياة والعمل المختلفة يضم نخبتين وفصيلين : رجال الشرطة واللصوص ، المجرمين ومحاربي الجريمة ، القتلة والأشخاص الذين نذروا أنفسهم لتعقبهم والإيقاع بهم ،ودفعهم إلي منصات الشنق أو تحت شفرات المقصلة أو إلي حياض أية ميتة لائقة بهم . وبطلنا اليوم هو واحد من أبرز وألمع من ينتمون إلي الفئة الأخيرة : إنه الطبيب الشرعي الأكثر شهرة وإثارة للجدل ، الرجل الذي جلب على نفسه عداء عدد لا يُحصي من المجرمين والسفاحين والقتلة ، إنه سير " بيرنارد سبيلسبري " ، متعقب القتلة وعدو المجرمين وصاحب أكبر عدد من القضايا الملغزة التي لا تزال الكتابات والتخمينات حولها مجال خصب للإبداع والجدل ملتهب الأوار .   ميلاد الرجل المنتظر ! خرج " برنارد " إلي النور يوم 16 مايو 1877م(1) ، في يوركشاير ، وهو الابن البكر للمتخصص في كيمياء التصنيع " جيمس سبيلسبري " وزوجته " ماريون إليزابيث جوي " ، كا...