التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الحلقة الرابعة

 

الآن تري نفسها تسير عبر طرقات القصر الصامتة مثلما كانت تفعل منذ سنوات أربع قصيرة شديدة الطول والألم ومفرطة القبح .. لم يكن هناك شيء تفعله سوي التلصص ومحاولة التنصت علي الأبواب فلم تترك لها المرأتان من سبيل سوي ذلك العمل الشائن الحقير ! 

تري كيف سيكون منظرها لو أنها أحضرت احدي الوصيفات أو خادمات القصر وطلبت منها أن تتلصص لها علي السيدتين وتخبرها بكل ما تقولان أو تفعلان ؟!
تخيل .. " دوروثيا دوريا " ، السيدة الارستقراطية المتحفظة ، التي تنتمي لأشرف عائلات الإمبراطورية وأكثرها مجدا ، تعين فتاة لتكون جاسوسة حقيرة علي زوجة أبيها وأختها !
محال أن تلجأ لفعل يقلل من قيمتها ويزري بها كهذا .. فليس أمامها إذن إلا أن تباشر التلصص بنفسها !
لكن والحق يقال فإن المرأة الأخرى كانت تستحق ما يحدث لها تماما .. تلك الشابة المنفلتة التي ظنت أنه بإمكانها بقطعة ورق ، مشكوك في صحتها ، أن تستولي علي ثروة آل " دوريا " الهائلة بأكملها وتنتزعها من الخمس وريثات ، لتستحق كل ما حاق بها وما سوف يحيق بها بعد !
لقد ظهرت " لوتشيا " وأختها " إليزابيث " في حياتهم فجأة .. عقب موت الأب السيد " ناثان " بعدة شهور ظهرت المرأتان ومعهما صبي في نحو الخامسة تدعيان كونه ابنا للثري الراحل وأخا للدوريات الخمس !
طبعا لم يصدق أحد حرفا وكدن يطردنها شر طردة من القصر ، الذي ما كن ليسمحن لها بأن تدنسه بقدميها .. لكن الشابة ، التي بدا واضحا أنها لعوب خطرة ، أظهرت لهما وصية قانونية موقعة ومختومة بتوقيع وخاتم الأب وفيها تعليمات مغايرة تماما لما تركه لبناته قبل موته .. إنه يعترف ببنوة الولد المدعو " تيموثي " ويترك له ثروته بأكملها !
فزعت النسوة الخمس وهرعن صوب وصي أبيهما القانوني السيد " جوميل " المسن،الذي درس القانون في يورك ،ويعرف جيدا ألاعيب النسوة الساقطات وحيلهن القذرة .. لكن " جوميل " كان لديه مزيد من الأخبار السيئة .. فالأب المتوفى ترك بالفعل وصية يوضح فيها أن لديه ابنا غير شرعيا من امرأة تدعي " لوتشيا " .. وأنه أنجبه منها حينما كان يرافقها في أحدي رحلاته الإسبانية ويطلب تسليم الثروة إلي الوصي حتى يكبر الولد فيتسلم التركة بأكملها .. بكت الدوريات الأربع الصغيرات بينما تجمدت ملامح " دوروثيا " وسألت الوصي بتجهم :
" ولما يقدم أبانا علي فعل كهذا ؟! "
صاحت " ديميلزا " محتجة فنهرتها أختها الكبرى بحزم وعادت تنظر إلي المحامي منتظرة جوابه .. فاجأها ما قاله تماما :
" لقد كان السيد يرغب في ولد بشدة .. لقد كان يقول لي دائما إنه يكرهكن لأن وجودكن منعه من الحصول علي الولد المطلوب ! "
أي ترهات يفوه بها هذا الرجل الخرف ؟!
لكن ما الذي تملكه النسوة الوحيدات أمام جبروت حبر الوصايا وقوة القانون ؟!
نصحهن الوصي ، باعتباره صديق للأسرة ، أن يتوصلن إلي حد وسط يضمن لهن ألا تلقي بهن أم أخيهن في الشارع .. فالمرأة سيئة السمعة فعلا ، وبوسعهن الطعن في صحة دعواها وتأجيل تنفيذ الوصية لسنوات وسنوات ، والدفع بعدم صحة نسب الولد للأب المتوفى .. لكن كل ذلك سينتهي حتما بفوزها هي وأختها ، وليس هناك من طريقة سوي التفاوض معها علي أن تتنازل عن تنفيذ الوصية فورا وتقبل بوضع الولد تحت وصاية أخته الكبرى ، مقابل ألا يشهرن بها ولا يطعن في نسب الولد .. كانت تلك طريقة عرفية إلي حد كبير وليس لها قوة الوصية القانونية التي تحملها المرأة ، لكن من ناحية أخري ، فالمرأة تملك من الذكاء ما يكفي لكي تعرف أن النسوة الخمس لسن عاجزات إلي هذا الحد .. وبوسعهن التقدم بشكوى إلي الملك رسميا والطعن في كل شيء .. وامرأة سيئة السمعة فاقدة النسب الحسن لن تخرج من شرك كهذا بسهولة أبدا .. وربما لا تخرج منه إطلاقا !
أي أن الوصي في النهاية كان يعرض عليهن نوعا من المساومة .. مساومة قذرة لكنها كل ما لديهن للأسف !
تولي السيد " جوميل " عرض الصفقة علي المرأة فقبلت بها علي الفور بطريقة مثيرة للدهشة والتعجب .. لكن قبولها أثلج صدور النسوة رغم أنها اشترطت أن يسمحن لها ، ولأختها وللولد بطبيعة الحال ، بالبقاء في القصر الفسيح !
اعترضت القطط الأربعة لكن الأخت الكبرى قبلت .. وجاءت " لوتشيا " وأختها ومعهن الصبي الذي كانت أخواته يرينه للمرة الأولي !
صبي جميل فعلا ورقيق الحاشية ويبدو طيب المنبت .. لكن منظر الأم كان قميئا وقذرا حقا .. بدت امرأة ساقطة كما يجب أن تكون الساقطات .. ولا تعرف كيف تحترم المكان الذي تعيش فيه !
لذلك لم تكد تمضي أيام علي حضورها إلي القصر حتى بدأت تثير المشاكل وراء بعضها .. رفضت التوقيع علي التنازل عن الوصاية للأخت الكبرى وأخذت تماطل .. ثم بدأت تحاول فرض سيطرتها في النهاية .. وبدأت في افتعال المشاكل ومحاولة دس أنفها في حسابات الثروة ودخل أراضي " دوريا " وأملاكها الهائلة ونقودها السائلة .. لكن كل ذلك أنتهي فجأة وعلي نحو مباغت حقا !
فلقد بدأت المرأة تعاني متاعب صحية وتشكو من آلام في أمعائها بصفة مستمرة .. ثم في صباح يوم مشمس جميل وجدوها ميتة في فراشها !
أحضروا طبيبا وفحصها ولم يكن هناك ما يريب .. بدا واضحا أنها ميتة موتا طبيعيا لكن أختها " إليزابيث " صرخت واتهمت الأخوات بقتلها وأحضرت دليلا دامغا علي صحة دعواها .. فقد وجدوا زجاجة من الزرنيخ علي منضدة التزين الخاصة بالمرأة الميتة !
كاد الأمر يتحول لتحقيق قانوني لكن أحدي الأخوات الأربع أنهت الأمر حينما أحضرت وصيفتها الشابة الجميلة ، التي كانت تقدم الخدمة أحيانا للسيدة " لوتشيا " ، وجعلتها تشهد بقسم أنها رأت المرحومة تستخدم الزرنيخ في تجميل بشرتها ونزع الشعر من جسدها !
هل كانت الميتة حقا تستخدم الزرنيخ غير عالمة بأنه شديد السمية ؟!
كذبتهن الأخت وحاولت أخذ الصغير والفرار به .. لكن الأخوات تصدين لها ومنعنها .. هربت " إليزابيث " من القصر ليلا بعد أن فشلت في أخذ " تيموثي " معها لكنها لم تذهب بعيدا .. فقد عثروا عليها في بيتها بعد أسبوع واحد ميتة أيضا .. سقطت من فوق سلم منزلها وتحطم عنقها وكسرت رقبتها وماتت !
انتهت القصة الآن والصغير رسميا أصبح تحت وصاية أخته الكبرى دون الحاجة إلي تنازل من أحد ولا مشاكل وقضايا تقام هنا أوهناك .. لكن " دوروثيا " بدأت تساورها الشكوك بقوة !
هل حقا كانت عشيقة أبيها تستخدم الزرنيخ للتجميل .. وتري لما كانت " ديميلزا " تسمح لوصيفتها بتقديم الخدمة ل" لوتشيا " رغم أنها كانت أكثر الأخوات كرها لها ؟!
أهناك جريمة خفية في الأمر .. أم أن الأمر كله مجرد سوء حظ للمرأة وأختها ؟!
هل قُتلت " إليزابيث " هي الأخرى ؟!
وتري .. كيف سيكون الحال مع الصبي الآن ؟!
هل بإمكانها ترويضه وجعله شابا محترما جديرا بالاسم العريق الذي يحمله ؟!
لكن كل تلك الأسئلة سرعان ما تبخرت من رأس " دوريا " فقد اكتشفت ، بالصدفة ، شيئا لا يصدق .. شيئا مثيرا للهلع والذعر !
...
الحقيقة أن الشكوك عصفت بالجميع بعد حالتي الوفاة المباغتتين لوالدة " تيموثي " وشقيقتها لكن ما من أحد كان لديه دليل يدين أحد أو يبرئ ساحته .. فبقي الأمر معلقا واستقر الولد ، الأخ ، الصغير تحت رحمة خمسة من النسوة الكارهات له ! 
لكن المستغرب حقا أن الأخت " ديميلزا " كانت تبدي عطفا وحنانا غريبا نحو من يفترض أنه أخاها الصغير .. سلوكها بمفرده كان مستهجنا من بقية القطط لكن الأخت الكبرى كانت تشعر بالدهشة .. لما تصر الأخت الرابعة علي إبداء كل هذا العطف نحو الطفل الذي لم تكن تطيق رؤية وجهه منذ بضع أيام !
بدأت الشكوك تساور " دوروثيا " لكنها لم تفعل شيئا حتى فوجئت بما لم تتوقع حدوثه أبدا .. فلقد استيقظت ذات يوم مبكرا جدا لتضبط أختها تتسلل خارجة من غرفة الصغير وعلي وجهها علامات التوتر والقلق .. دوهمت الأخت برؤية أختها الكبرى وتلعثمت محاولة تبرير موقفها لكن وصية العائلة شعرت بأن شيئا شريرا أو غريبا يجري هنا .. أسرعت إلي داخل الغرفة لتجد " تيموثي " يتلوي من الألم باكيا مستغيثا !
هرعت تفحصه لتعرف ما به لكنه كان يتلوي ويصرخ فحسب ولا يستطيع أن يصف شيئا مما يحس به ولا أن يجيب عن أية أسئلة .. غادرت " دوروثيا " الحجرة المسرعة وذهبت لتأمر بإحضار الطبيب .. كانت الأخرى لا تزال واقفة هناك وعلي وجهها شحوب مخيف .. حاولت تبرير موقفها قائلة :
" لقد سمعته يبكي فجئت لتفقد الأمر ! "
رمقتها أختها غير مصدقة وتجلي الاتهام في عينيها ولاح الرد المفحم دون حاجة إلي كلام .. إن حجرة " ديميلزا " في نهاية الرواق فكيف سمعت صوت " تيموثي " ولم تسمعه " دوروثيا " التي تلاصق حجرتها حجرته ؟!
عادت الأخرى تقول مؤكدة بلهجة تبرير ومدافعة واضحة :
" إنها " ميراندا " .. كانت تمر بقرب حجرته لتحضر لي شيئا فسمعت صوته يتألم فأتت وأخبرتني ! "
" ميراندا " هذه هي وصيفة الدوريا الرابعة .. لكن الأخت الكبيرة لم تصدق حرفا !
لكنه ليس وقت المواجهة ولا تبادل الاتهامات الآن .. جاء الطبيب أخيرا لينهي المناقشة ففحص الصبي وأعلن أنه يعاني من تلبك معوي روتيني !
جميل !
أي اتهام يمكن توجيهه في عرض كهذا مع العلم أن الصبي أكل كميات هائلة من الكعك المحلي بالأمس ؟!
أي اتهام يمكن توجيهه .. لكن " دوروثيا " شعرت بأن شيئا يجري خلف ظهرها .. قررت أن تقطع الشك بالحماية ، ففرضت حراسة علي الصبي من وصيفتها الهمامة " زوي " التي صارت ،تنفيذا لأوامر سيدتها ، تلازم الصبي في غدوه ورواحه وتنام ليلا خارج بابه !
لكن الصبي تعافي سريعا في اليوم التالي وزال الألم من أمعائه والشحوب من وجهه .. ما الذي يثبته هذا ؟!
إن هذا لا يثبت شيئا ولا ينفيه .. لأن الألم أخذ يعاوده ويراوحه ويذهب ويعود !
ثارت شكوك الوصية وظنت أن وصيتها تفرط في أداء واجباتها كحارسة مناوبة علي الصبي .. لكن سرعان ما ظهر أمر آخر لفت أنظار الأخت الكبرى بعيدا عما يحدث للطفل الخاضع لوصايتها !
فقد بدأ الخدم وعمال الإسطبل والحراس يتحدثون عن أشياء غريبة .. إنهم يتناولون حكاية غير معقولة عن امرأة تغطي وجهها تطوف حاملة شمعة طوال الليل في حديقة القصر وتحوم حول الإسطبل وتظهر لبعض القائمين بالخدمة الليلية في مواضع مختلفة من القصر !
لم تصدق الدوريات كلهن حرفا في البداية .. ثم حدث ما غير آرائهن كلهن عدا كبراهن التي اعتصمت بتكذيبها الحاسم لما يقولون كلهم .. لقد شوهدت المرأة ذات الحجاب الشفاف علي وجهها بواسطة احدي الأخوات الخمس .. فلقد رأتها " ديميلزا " بالقرب من باب غرفة التيوليب في الحديقة الصغرى !
" ديميلزا ".. " ديميلزا " كل شيء يبدأ عند " ديميلزا " وينتهي عندها !
ما الذي يحدث هنا بالضبط .. مزيد من التعقيد والتشابك لكن ليلة غريبة الحوادث حملت مزيدا من الغموض !
فلقد أتت " زوي " إلي سيدتها ذات ليلة وأيقظتها بدون لباقة وهي تصرخ أن الصبي فقد من غرفته !
كانت تنام خارج بابه ، كما روت وهي تلهث فرقا ، واطمأنت إلي أنه في فراشه .. ثم صحت علي هواء بارد يحيط بها وهي تنام خلف الباب الخارجي لجناحه الصغير ، وأمام بابه الداخلي ، فصحت .. ذهبت للاطمئنان علي الولد فوجدت فراشه خاويا وباردا !
كيف فراشه بارد وهو كان نائما فيه منذ قليل ؟!
هرعت المرأتان تصرخان علي الحرس الليلي فصحت بقية الأخوات وأتين ليستفهمن عما يحدث .. ظهر الخوف علي وجه " دريدا " و " دولوريس " و" ديزموندا " بينما اعتصمت التوأم الرابعة بصمت مريب !
خرج الرجال للبحث عن الصبي فشاهدن المرأة المغطاة الوجه تحوم في الحديقة بالفعل لكنها اختفت تماما وبغتة بمجرد ظهور حرارة البشر الأحياء في المكان !
ثبت الحق الآن وأتضح أن الأخت المدعية ليست كاذبة .. لكن من تراها تكون المرأة الغامضة وماذا تريد من القصر وساكنيه ولما تحوم هنا ؟!
البحث عن الصبي الآن أكثر أهمية من التفكير في إجابات أسئلة لا قيمة لها .. لكن سرعان ما وجدوا الولد نائما بالقرب من الإسطبل !
كان فاقدا الوعي في الحقيقة ، لكنه بدا نائما متكورا علي نفسه من البرد الشديد .. حملوه داخلا ولفوه بالأغطية الدافئة .. أفاقوه ثم أعطوه شرابا ساخنا ثم سألته الوصية عليه عما حدث .. قال الولد كلاما لا يصدقه عاقل !
أدعي أن خالته " إليزابيث " جاءت إليه وأخذته من فراشه !
خالته " إليزابيث " .. التي ماتت منذ أسابيع ؟!
نظرته أخته الكبرى بتفهم ثم أمرت " زوي " بحمله إلي فراشه .. كان الأمر محسوما بالنسبة إلي المرأة العاقلة الحكيمة .. فالولد يهذي ويتخيل بسبب مرارة فقد أمه وخالته تباعا في بضعة أيام !
أنتهي الأمر بالنسبة لها وحسم عقلها كل الأمور !
لكن ما القول عندما أختفي الولد ثانية من فراشه في الليلة التالية برغم أن الوصيفة لم تنم خارج بابه تلك المرة .. بل كانت تنام في فراش ملاصق لسريره ؟!
كيف حدث ذلك ؟!
تحيرت " دوروثيا " وبدأت تشعر بالسوء .. ثمة سر خفي يحدث هنا وشيء فوق طبيعي .. إذن .. فهذا وقت طلب المساعدة من الكاهن !

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...

شيرلوك هولمز التحقيقات الجنائية : أبو الطب الشرعي قاهر القتلة !

  " برنارد سبيلسبري "  الرجل الذي جعل من علم الأمراض علما له قواعد وأصول .. نظرة ثاقبة وذكاء حاد وعناد لا حد له   شهد عالم الجريمة شخصيات لامعة ذاع صيتها ، وعالم الجريمة ، كغيره من مجالات الحياة والعمل المختلفة يضم نخبتين وفصيلين : رجال الشرطة واللصوص ، المجرمين ومحاربي الجريمة ، القتلة والأشخاص الذين نذروا أنفسهم لتعقبهم والإيقاع بهم ،ودفعهم إلي منصات الشنق أو تحت شفرات المقصلة أو إلي حياض أية ميتة لائقة بهم . وبطلنا اليوم هو واحد من أبرز وألمع من ينتمون إلي الفئة الأخيرة : إنه الطبيب الشرعي الأكثر شهرة وإثارة للجدل ، الرجل الذي جلب على نفسه عداء عدد لا يُحصي من المجرمين والسفاحين والقتلة ، إنه سير " بيرنارد سبيلسبري " ، متعقب القتلة وعدو المجرمين وصاحب أكبر عدد من القضايا الملغزة التي لا تزال الكتابات والتخمينات حولها مجال خصب للإبداع والجدل ملتهب الأوار .   ميلاد الرجل المنتظر ! خرج " برنارد " إلي النور يوم 16 مايو 1877م(1) ، في يوركشاير ، وهو الابن البكر للمتخصص في كيمياء التصنيع " جيمس سبيلسبري " وزوجته " ماريون إليزابيث جوي " ، كا...