التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الحلقة الثالثة

 

قضي " أنسيل " اليوم في تعب وإرهاق شديدين ، لم يكن قادرا على القيام بأعماله المعتادة ، وكان يشعر بتعب سريع وضيق في تنفسه ، وبدأ يلاحظ ظهور بقع وتقرحات متعددة على جلده .. لم يكن هناك أي أثر للإصابات التي أحدثها في جسده الذئب ، الذي هاجمه ليلة الأمس حتى كاد يصدق أن الأمر كله لم يكن سوي حلم ، أو كابوس مزعج قليلا .. لكن بقعة الدماء المخيفة الجافة بالقرب من باب كوخه أقنعته بأن شيئا غامضا غريبا وقع له ليلة الأمس ، لكنه لم يفهمه جيدا حتى الآن ..
عموما لقد أكتفي بصب الماء على الدماء الجافة أمام بابه ، ونزحها بعيدا لإخفاء أثار ما حدث بالأمس ولتجنب أية أسئلة لن يملك لها إجابات شافية ..
على آخر النهار كانت مقاومة " أنسيل " قد انهارت تماما ، ولم يعد بوسعه القيام بأي نشاط بعد ذلك .. تسلل مبتعدا عن المزرعة ، وكان من حسن حظه أن أحدا ما لم يلاحظه .. أنسل إلي داخل كوخه وأرتمي على فراشه القش المنخفض ، وأغمض عينيه محاولا الخلود للنوم للتخلص من إرهاقه العجيب المتفاقم .. كان هذا في اللحظة التي بدأ فيها القمر رحلة شروقه على الأرض !
من نافذة الكوخ تطلع " أنسيل " ليجد الظلام قد أنتشر حوله ، والشمس توارت في الأفق مفسحة الطريق لسيد الليل ( القمر ) ليحل محلها ويفرض مخافته على الكون !
بدأ القمر يلمع في الأفق ، فهب " أنسيل " من فراشه بعنف مفاجئ ، حتى كاد يسقط على وجهه .. وكان ذلك لأنه أحس  بألسنة نار تندلع فجأة في جوفه ، وتتصاعد إلي رأسه وتلعق دمائه بشغف !
أمسك " أنسيل " برأسه متألما ضاغطا على صدغيه ، محاولا تخفيف آلام رأسه .. لكن النار ذاتها بدأت تسري في جميع أرجاء جسده !
النار في رأسه ، في دمه ، في عروقه .. جوفه تمزقه النار .. جلده يخشوشن ويسخن .. لسانه يحترق حرارة .. عرق ساخن يسيل من كل مسامه مضمخا برائحة خبيثة نفاذة ..
قاوم " أنسيل " آلامه للحظة ، حتى لم يعد قادرا على المقاومة بعد .. فأرتمي على الأرض متقلبا بعنف من النار التي تشويه ، وهم بالصراخ طالبا النجدة والمساعدة حين لاحظ أمرا غريبا .. لقد أنتشر الشعر الأسود الكثيف على جلده وبدأت ملابسه تتمزق وعضلاته وأوصاله تنتفخ .. لقد برزت له أظافر عملاقة أيضا !
كان التحول سريعا مؤلما مرعبا ، حتى أن المسكين لم يجد وقتا لطلب المساعدة من أي أحد .. في الحقيقة كان التفكير في طلب المساعدة متأخرا جدا .. فقد كان في المرحلة الأخيرة من التحول !
لا لم يسرع بطلب العون ولم يلجأ لطلب المساعدة ، ولم يعالج بالماء المقدس والصليب .. لا لم يفكر في أنه سيتحول فعليا ، ولمجرد عضات مؤلمة دامية من ذئب مفترس ، لوحش .. مستذئب !
بعد دقائق كان باب الكوخ يٌدفع ويُنتزع من مكانه تحت تأثير قوة عاتية ، لا يجرؤ أحد في العالم على الوقوف بوجهها .. أندفع باب الكوخ للخارج ، وأنهار على الأرض .. ليخرج ذلك الشيء العملاق المخيف واثبا وثبات قوية طويلة متجها للغابة .. إن الغابة تناديه .. وتعالي نداء الرفاق ينادونه .. ليبدأ معهم أولي ليالي حياته الجديدة .. وليبدأ أولي ليالي الصيد المجيدة !
..................................
في الصباح حدث شيء مريع .. لقد عثر بعض الحطابين على جسد ممزق في الغابة .. جسد بشري !
روع الحطابون المساكين لهذا المنظر المثير للاشمئزاز ، وصرخوا طالبين النجدة من أقرب من يمكنه تقديم العون لهم .. ولم يكن هناك أقرب لموضع الجثة من خدم وأتباع السيد " بيرجيس " ، الذي تسيطر أملاكه على تلك الناحية كلها .. هرع رجال " بيرجيس " لمساعدة الحطابين المساكين ، وهناك وجدوهم يلتفون في حلقة حول شيء ما يشبه كومة من اللحم الممزق  المختلط ببعض الأجسام السميكة الصلبة .. لم تكن كومة لحم بل كانت بقايا جثة اختلطت عظامها ببقايا لحمها الممزق .. أثار المنظر اشمئزاز وفزع الجميع .. لكن السؤال الملح ظهر على الفور وسط الرجال المرتجفين خوفا : فمن الذي فعل ذلك ؟!
حيوان مفترس ؟!
صحيح أن تلك الغابة تعج بأنواع مختلفة من الحيوانات اللاحمة ، لكن أي منها لا يستطيع أن يصنع  بجسد بشري ما صُنع بذلك المسكين الممزق المجهول الهوية !
في تلك اللحظة وصل المزيد من الدعم للرجال داخل الغابة ،  وكانوا مجموعة من خدم السيد " بيرجيس " ، يقودهم أحد عمال المزرعة يدعي " أنسيل " .. فرق " أنسيل " بجسده الضخم الحلقة البشرية المحيطة بالجثة ، ووقف على كثب منها وأخذ ينظر لها بعمق وتركيز .. لحظة واحدة ألم فيها بتفاصيل المشهد المروع الواقع تحت بصره .. ثم هرول مبتعدا وأفرغ معدته خلف الأشجار !
تقيأ " أنسيل " المسكين من هول المنظر، ثم قام بتغطية قيئه بسرعة ببعض الأوراق المتساقطة ، خشية أن تقع أنظار البعض على محتويات معدته التي أفرغها لتوه .. فليس من الحصافة أن يري أحدهم قطع اللحم الغريبة التي لفظها من جوفه !
عاد " أنسيل " إلي حلقة الرجال ، وأشار عليهم بالبحث أولا عن أحد يتعرف على القتيل ويعرف شخصيته لحمله وإعادته إلي أهليته ، أو ليدفنونه حيث هو إن كان مجهول الهوية ..
وبالفعل عزم الرجال على تنفيذ الفكرة على الفور ، وذهب بعضهم لإخبار أهل القرية القريبة من الغابة بما حدث  ، لعل القتيل يكون من بين أهلها أو يكون هناك من هو قادر على تعريف شخصيته ..
ولم يبقي مع " أنسيل " سوي اثنين من أتباع السيد أمرهما بأن يذهبا ويجمعا الأغصان لتغطية الجثة بها ، وذهبا تاركين إياه يحدق باشمئزاز في بقايا جسد الآدمي الممدد أمامه سائلا نفسه برعب :
-" أيمكن أن أكون أنا من فعلت ذلك .. شيء مثير للاشمئزاز حقا ! "
في تلك اللحظة شاهد " أنسيل " شيئا جعل قلبه يدق رعبا ودهشة .. لقد كانت هي !
تلك المرأة المسماة " سيليمن " ذات جدائل الشعر الطويلة والجمال الغامض .. كانت تمر خلف بعض الشجيرات القريبة حاملة بيدها كومة من الأعشاب ذات الشعر الكثيف المتدلي الغريب المنظر ، تجمدت أنفاس " أنسيل " للحظة وعزم على محاولة اللحاق بها ..
إنه لم يراها منذ تلك الليلة الوحيدة  التي قابلها فيها ولا يعرف ما إذا كانت حلما من الأحلام أم حقيقة جامدة !
تحرك سريعا من موقفه لكنها كانت قد توارت بعيدا عن ناظريه في أقل من لحظة .. صاح يائسا :
-" سيدتي .. سيدتي أأنت هنا ؟! "
لم يجبه سوي صوت الريح ، وهي تعصف بأعالي الأشجار والأوراق المتساقطة بغزارة في خريفها المعتاد .. مرت لحظة ثم كرر " أنسيل " النداء دون أن يجبه أحد .. ولم يكد يفكر في البحث عنها للمرة الثانية حتى كان الأتباع الاثنين قد عادا محملين بكومات من الأغصان لتغطية الجثة بها .. وخلال ثوان كانت كومة اللحم المختلطة بالعظام ترقد تحت الأغصان وأوراق الشجر بعيدا عن عيني " أنسيل " المرتعبتين !
وبعد بضع ساعات كان أهل القرية المجاورة قد أرسلوا وفدا منهم للتعرف على جثة القتيل .. الذي لم يكن سوي راهب عجوز يقيم منفردا نائيا بنفسه في تلك الأنحاء والغابات المظلمة المنقطعة .. لقد كان راهبا يا " أنسيل " .. راهبا !
ردد لنفسه وهو يراقب الرجال الأشداء ، وهم يحفرون قبرا صغيرا لدفن بقايا الراهب الممزقة به .. الآن فقط تيقن " أنسيل " بأنه انتهي وحلت عليه اللعنة !
...
تعالي النداء وتصاعد حتى خلايا مخ " ايزيا " الذي لم يعد قادرا على المقاومة أكثر من ذلك .. على أطراف الغابة وقفت ثلة صغيرة من الذئاب تعوي بأعلى أصواتها المرعبة .. كانت تناديه .. الغريب أنه صار يفهم لغتها الآن ويدرك كل ما تريد أن توصله إليه من معلومات :
-" تعالي .. تعالي .. ننتظرك في ضوء القمر ! "
تردد النداء في المرة الأولي فحاول أن يصم أذنيه بأقصى ما لديه من قوة :
-" تعالي .. هلم إلي مرتعك النبيل .. رافقنا تلك الليلة ! "
تعالي النداء للمرة الثانية وخارت قوي " أيزيا " تماما ، وصار بالفعل عاجزا عن مقاومة المزيد .. الغريب أنه كان يحاول المقاومة والامتناع عن تلبية النداء رغم أن هذا ، وهذا بالتحديد ، ما عمل من أجله وما حلم به طويلا !
-" هلم تعالي .. لا تتمنع ليلة طيبة وصيد وفير ! "
هنا تحطمت مقاومته تماما فهرول بأنفاس لاهثة إلي أطراف الغابة .. حيث كانت أسرة كاملة من الذئاب تنتظره !
جروا أمامه فتبعهم ، توغلوا داخل الغابة وصعدوا تلا قريبا .. وقفوا في ضوء القمر الساطع وأنطلق عوائهم المخيف يمزق الليل الساكن في تلك الناحية الموبوءة .. كان عواء جماعيا هو أعنف وأخوف ما سمعته ( شيفلدان ) في كل تاريخها الطويل .. فالويل لك يا شيفلدان .. الويل ، كل الويل ، لك !
.........................
في اليوم التالي أستيقظ سكان  ( شيفلدان ) على نبأ العثور على جثة ممزقة رابعة في تلك الأنحاء .. عُثر على الجثة الجديدة بالقرب من أطراف الغابة ،  محاطة بغائط  حيواني كثير متجمد .. كان القتيل تلك المرة رجلا ولكنه مهم وعظيم الشأن ، لقد كان  السيد " بيرجيس " الأصغر بنفسه !
كان " أرمان بيرجيس " قد توجه ناحية الغابة في الليلة السابقة مطاردا حيوانا غريبا رآه من شرفة قصر الضيعة الكبير  ، وأحب أن يثبت بطولته وجرأته بصيد ذلك الحيوان غير معروف النوع .. لكنه غادر القصر على حصانه من دون علم أحد ، لذلك لم ينتبه أحد لغيابه ، خاصة أخيه الأكبر ، الذي كان مخمورا وفي أشد حالات الثمالة ولم يبالي باختفاء أخيه الأصغر ، ولا تغيبه طوال الليل عن القصر .. وكان العثور على " أرمان " المدلل ممزقا بشناعة فاصل جديد في سلسلة حوادث الرعب التي تعيشها مقاطعة ( شيفلدان ) لكنه كان فاصلا أهم وأكثر خطورة .. فلم يتحرك أحد أو يهتم لسقوط ضحايا من الفلاحين أو التجار أو الراعيات أو الرهبان الفقراء .. لكن سقوط المدلل الثري الجميل أهاج السلطات الحاكمة التي قررت ، في هبة مفاجئة للشجاعة والاهتمام بأرواح الناس ، إطلاق حملة لتعقب وصيد ذلك الذئب المتوحش !
تم خلال أيام تجميع فريق من الصيادين ومطاردي الحيوانات المفترسة ، وتزويدهم بالأسلحة اللازمة الكافية ..
ساهم السيد " بيرجيس " شقيق الضحية الأكبر في الحملة ، ليذر الرماد في عيون المندهشين من بروده وعدم مبالاته بما حدث لأخيه الأصغر .. وفي ليلة مقمرة انطلقت الحملة ، التي ضمت الرجال الأشداء الذين طاردوا وأوقعوا وجندلوا وحوشا أكثر ترويعا ووحشية من وحش ( شيفلدان ) السخيف هذا .. لكنهم ارتبكوا خطأ فادحا صغيرا .. فلقد اختاروا ليلة مقمرة لإتمام مهمتهم  .. وبئس الاختيار والقرار كان هذا !
من ناحيته لم يطلب أحد من " أنسيل " ، الخادم الضخم العملاق ، الانضمام لحملة الصيد هذه .. وإن كان البعض قد اقترحوا ضمه إليها ،  المفرطة وضخامة بدنه لكن لم يستمع أحد لتلك المقترحات المتعجلة لحسن حظ " أنسيل " نفسه !
 لذلك ، وبينما كانت أملاك السيد " بيرجس " تعج بالحركة والنشاط والاضطراب من أجل تجهيز ، وإطلاق حملة صيد الذئب الموعودة ، وفي خضم انشغال الجميع أختفي " أنسيل " .. وتواري بعيدا عن العيون في مكان لا يعلمه أحد !


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...