التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الحلقة الرابعة

 

في بداية المساء تحركت الحملة المدججة بالسلاح .. في المقدمة سار " دولين " صياد الحيوانات المفترسة الشهير بجسده العملاق وعضلاته المفتولة ، ومن خلفه جاءت بقية الرجال .. كانت الثقة ترفرف على ذلك الجمع السعيد المأمن جيدا .. فما الذي يستطيعه ذئب متوحش ، مهما بلغت  قوته وشراسته ، في مواجهة تلك الثلة المباركة من الصيادين والمطاردين المهرة الشجعان ، الذين لا يخافون شيئا .. ولا حتى الموت نفسه ؟!
عموما بدأت الحملة التوغل داخل الغابة الهادئة الصامتة ، متوقعة العثور على الذئب المتوحش ، الذي روع المقاطعة بأسرها ، وقتله في أسرع وقت ..
ابتسم " دولين " عندما سمع رجاله يعبرون عن أملهم في العثور على ذلك الذئب اللعين والتخلص منه في أسرع وقت ، وصاح بقسوته المعتادة وهو يضحك ضحكته الجهورية :
-" كلا .. سنصطاده حيا يا رجال وسنحمله إلي البلاط .. جلالة الملك " لوي " يحب الحيوانات الغريبة والطريفة ! "
كان " دولين " يتحدث من نفس مفعمة بالثقة ، والتأكد من الفوز المبين .. كان يعتقد جازما أنهم بصدد رحلة صيد صغيرة ، يوقعون فيها بذلك الشيء المتوحش ويحملونه عائدين به إلي حيث يشاءون .. وبالفعل كان الأمر مجرد رحلة صيد صغيرة .. لكن من الذي سيصطاد من تلك كانت المشكلة !
المشكلة الأكبر أنهم لم يكادوا يتوغلون مسافة كافية ، والقمر يطل عليهم من أعلى ساخرا من سذاجتهم ، حتى فوجئوا بالكائن الضخم المخيف ينقض عليهم بعنف ، دونما أدني خوف منهم أو من الأسلحة التي يحملونها .. الأغرب أن الوحش بدأ هجمته الأولي على قائدهم " دولين " مباشرة ، وكأنه يعرف أنه هو قائد ورئيس تلك الجماعة من الرجال القادمين لقتله والتمثيل به ، وأنقض عليه ممزقا إياه أمام عيونهم .. بينما انطلقت أسلحتهم النارية كلها في ذات اللحظة نحوه !
...
جري " ايزيا " مبتعدا بذعر تاركا أشلاء الطفلة مبعثرة في كل مكان .. لقد قوطع وهو ينهش الجسد الصغير القليل اللحم ، وتلك هي المرة الأولي التي يقاطع فيها ولا يستطيع أن يكمل التهام وجبته ..
كان قد أوقع بالطفلة المشردة على مشارف الغابة ، حيث آوت الفتاة إلي أجمة عالية اختبأت خلفها .. لكنه أوقعها ومزقها منفذا تعليمات رغباته الوحشية الداخلية فليس .. أجمل من لحم الأطفال البض اللين اللذيذ !
هكذا علمته جماعته الصغيرة من الذئاب ، ومع إن الطفلة كانت نحيلة قليلة اللحم ، إلا أنها مثلت له وجبة طيبة معقولة خاصة بعد القحط الذي أصابه خلال الأيام الماضية .. فهو لم يوقع صيدا منذ أكثر من أسبوع ، باستثناء ذلك المدلل البدين التافه الذي كان لحمه ، لشدة العجب ، شديد الرداءة.. لذلك كان يحتاج لدافع بالغ القوة ليحمله على ترك تلك الوجبة الصغيرة الطيبة .. لكن من لديه الشجاعة ليدعي أن أصوات طلقات رصاص كثيفة ، وعشرات الأقدام التي تهرول مقتربة من مكمنه الآمن ليست دافعا كافيا للهرب !
لقد اكتشفوا أمره ، اكتشفوا مخبئه المنعزل ، وهذا ما كان يخشاه منذ البداية .. ترك بقايا اللحم متناثرة حول العظام الصغيرة وهرول ، والدماء تتقاطر من أنيابه ومخالبه ، مبتعدا في قفزات سريعة ، محاولا الوصول إلي مؤخرة الغابة في أسرع وقت .. هناك مكمن جماعة الذئاب ، التي أنضم إليها ، وهناك سيعثر على مخبأ آمن ريثما يبتعد البشريين المزعجون عن طريقه .. إنه لم يخطط لهذا .. لم يخطط لهذا مطلقا !
لكن تحركات البشريين كانت أكثر سرعة ، فما لبثت نصف دستة من الرجال المدججين بالأسلحة أن اقتربت منه بشكل خطر .. سمع أصوات تهشيم الأفرع الشجرية بكثافة تحت أقدامهم القاسية الضخمة ، فأيقن أنهم على بعد خطوات منه .. أتجه نحو أشد مناطق الغابة كثافة وإظلاما ، لكن القمر الذي كان منذ بداية الأمر أحن صديق عليه ، صار الآن عدوا .. فتسللت أشعته الفضية وأضاءت أعالي الشجر ، وساهمت مع ما يحمله الرجال من مشاعل في تحويل الغابة المظلمة دائما إلي بقعة تسبح في الضياء .. وتلظي " ايزيا " بين ضوء القمر البارد وضوء النار الحار فأيقن بالهلاك وأنه ساقط لا محالة بين أيدي أعدائه !
 
تلفت حوله بسرعة محاولا العثور على ملجأ يحميه .. تراجعت جماعات الذئاب ، واندفعت هاربة لاحقة بالحيوانات الأخرى ، محاولة التواري لأبعد مدي عن أعين وأيدي البشر المسلحين .. عجز " ايزيا " عن اللحاق برفاقه وداهمه الوقت فتأخرت فرصة النجاة كثيرا ، بينما تعالت أصوات صرخات الرجال الغاضبة وترددت أصداؤها المخيفة في أرجاء الغابة .. اندفعت المزيد من جموع الحيوانات الآمنة هاربة أمام الزحف البشري ، وبدأ بعض الصيادين الغاضبين المصدومين يشعل نارا في الأفرع المتدلية من الأشجار الضخمة ، فأمسكت النيران بالأشجار وبدأت طيور الليل التي اعتلت قممها تحلق صارخة بغضب ..
اندفعت آلاف من طيور البوم محلقة ، وحفيف أجنحتها ، غير المسموع ، صار واضحا الآن بسبب وجود الآلاف منها تطير في وقت واحد .. تعالت الأصوات أكثر وأكثر ، وتصاعدت الأدخنة من الأفرع والأغصان المشتعلة ، بينما تصاعدت ألسنة النيران الكثيفة منذرة باندلاع حريق لا تحمد عقباه في الغابة بأسرها .. اقتربت ثلة من الرجال المسلحين أكثر فأكثر .. بينما أندفع " ايزيا " المذعور محاولا الهروب بأية طريقة .. اختبأ وسط أجمة ضخمة ملتفة بعيدة عن خط سير الرجال وعن مرمي أسلحتهم التي يطلقونها بعشوائية جنونية على كل ما يتحرك أمامهم .. كان رجال الحملة قد جنوا وفقدوا صوابهم بالفعل ، بعد رؤيتهم لكبيرهم وهو يمزق شر ممزق أمام عيونهم في لحظات قليلة ، أما نيرانهم  ، التي انطلقت على الوحش المهاجم فلم تصبه أقل إصابة ولم تؤثر فيه أدني تأثير ، فقد أفقدتهم المفاجأة صوابهم تماما .. حملوا أشلاء " دولين " ونحوها عن الطريق جانبا وأبقوا رجلين لحراستها ثم انطلقوا داخل الغابة .. عازمين على قتل كل ما يتحرك أمامهم والإجهاز على الغابة بأكملها .. فقد هداهم غبائهم وذعرهم إلي أن النار واحتراق الغابة قد يجبران ذلك الوحش على الخروج لهم والظهور أمامهم مرة ثانية !
لكن الشيء الذي لم يكن رجال حملة " دولين " يعرفونه ، ولم يكن " دولين " ، قدس الله روحه الصاعدة لتوها ، نفسه يدركه .. أنه ثمة وحوش كثيرة في تلك الغابة تستحق القضاء عليها وليس ذلك المستذئب فقط !
كان " ايزيا " وسط الأجمة يرقد مرتعشا مذعورا حينما فوجئ بمن يقتحم ملجأه الآمن بقسوة ووحشية .. تجمد الدم في عروق " ايزيا " النافرة ، وتهيأ للدفاع عن نفسه حينما وجد نفسه ، لسوء الحظ ، يرتجف ذعرا أمام آخر شيء يتمني أن يراه أو يعثر عليه الآن .. فعلى قيد خطوات من موقفه وجد " ايزيا " نفسه بإزاء كائن ضخم .. شرس المنظر مفتول العضلات ، قوته مفرطة وعضلاته التي مزقت ثيابه تظهر فرط قوته .. أنيابه المطلة من بين شفتين ممزقتين ، وعيونه التي تشبه المجمرة وتكاد تطلق الشرر أنبأت " ايزيا " بأي نوع من المخلوقات يواجه الآن .. لا غرو أن أيدي البشر أكثر رقة وحنانا !
من جانبه كان " أنسيل " ، بعد أن أكتمل تحوله المضاد ، ينعم النظر في ذلك الشيء الرابض مرتعشا مرتجفا أمامه .. إنه لم يدرك أو يكتشف وجوده سوي الليلة فقط !
اثنان من ذلك النوع في غابة واحدة هو أكثر مما ينبغي .. لكن محنة الهروب ألغت كل الاحتمالات القائمة الآن ، وعلى رأسها المواجهة ومعركة في ضوء القمر بحضور الرفاق من الذئاب ، لتحديد أيهما الأحق بالصيد في تلك الغابة .. في منطقة النفوذ الخصيبة تلك !
نظر الدخيل الجديد للدخيل القديم نظرة نارية مفعمة بالغضب والشكر .. لقد طابت نفس " أنسيل " حقا .. فقد أدرك من الذي قتل الراهب المسكين الآن !
...
في شكل حلقة ألتفت النسوة الشابات .. كن مجموعة من النساء المتفاوتات في أشكالهن ، وملامح وجوههن وثيابهن وتسريحات شعورهن وفخامة أو رثاثة ملابسهن ، وألوانها ونوعية أقمشتها .. لكن كلهن .. كلهن كن في شرخ الشباب ، بجمال أخاذ ، وجلود مشدودة ناعمة تبدو كقطعة الزبد .. لا عجوز بينهن ، ولا وسط ،  فكلهن يسلن شبابا وملاحة ومجونا .. ووسطهن وقفت واسطة عقدهن وأكثرهن جمالا ودلالا .. " سيلمين " ذات الشعر الأشقر الكثيف الذي يغطي ظهرها ، وينسدل حتى أعلى ساقيها .. حول النار ألتفت حلقة النسوة الجميلات وبجوارها وقفت الشقراء الفاتنة تؤدي رقصتها .. رقصة السبت الخالدة المتميزة !
تلك المرأة  ، إنها لا ترقص يا ربي .. إنها تداعب الكون بحركاتها الرشيقة الخفيفة اللعوب فيكاد يئن من الوجد تحت قدميها .. بالقرب من النار المشتعلة ، وحول مجال نفوذها أخذت " سيلمين " ترقص مرفرفة فوق الكون وتقيم الدنيا وتقعدها،  تحت وقع حركاتها الرشيقة .. حتى النساء المتجمعات حولها سحرتهن " سيليمن " برقصتها الأورفية الحالمة ،  فتخلين عن طبيعة المرأة المتأصلة في الغيرة من بنات جنسها ، وأخذن يكلن المديح للراقصة  .. التي أخذ شعرها المفرط الطول يلتف ويدور ويتموج حولها متناغما مع حركاتها الطائرة ، وكأنها يشاركها الرقص والحلم والسعادة ، ويطالبنها بالمزيد من الرقص والتموج مع الكون ومجراته  .. كانت المرأة سعيدة تلك الليلة بحق .. سعيدة حتى الصراخ والرقص والموت .. لقد حققت أعظم انتصارات حققتها في حياتها ، وجعلت كل ساحرات ( شيفلدان ) يبدون فتيات غرات جاهلات أمامها .. منذ متى لم تتمكن أية ساحرة في أوربا بأسرها من تحقيق ما حققته " سيليمن " بمفردها ؟!
إن تلك المرأة الرقيقة الجميلة قد أرعبت المقاطعة بأسرها ، ونشرت الرعب بين سكانها السخفاء وعلمتهم كيف يبتعدون عن طريق الساحرات ويخشون سطوتهن ، ويتركوهن يسبتن في الظل الرطيب دونما تطفل أو حشر أنوفهم فيما لا يعنيهم !
كم هي سعيدة بالرعب الذي سيطر على أولئك الملاعين المتجبرين .. هتفت إحداهن في سعادة ظاهرة :
-" منذ متى لم نستمتع بسبت هادئ كهذا يا فتيات ؟! "
ضحكت بعضهن وهمست " إيفينال " بدلال :
-" ومنذ متى ونحن نحب السبوت الهادئة يا فتيات ؟! لكنني لا أشكو وسأكون شاكرة لو حظينا بسبت كهذا كل قرن ! "
تجاوبت الضحكات المائعة من النساء من كل جانب ، بينما رفعت " سيليمن " ذيل ثوبها كاشفة عن قدميها لتؤدي طقس الغمس .. في النار !
تنبهت النسوة جيدا ولاحظن بإعجاب ، وبعضهن بحسد ، كيف تقوم ذات الشعر الأشقر بذلك الطقس ببراعة .. لقد اقتربت " سيليمن " بهدوء من النار المتوهجة ، ثم تمتمت ببضع كلمات غامضة ، فتوهجت النار أكثر وألقت بالشرر في كل صوب ، بينما تقدمت هي وغمست قدميها حتى أختفي كاحليها في غمرة النار .. خطت " سيليمن " فوق النار ، واجتازت قلبها بجسارة متخطية سبع من رفيقاتها إلي الناحية الأخرى وهي لا تزال ترقص بثبات وهدوء .. تنهدت " إيفينال " عميقا وهتفت مخفية غيظها الداخلي :
" لقد أتقنتها يا فتاة ! أنت تتقدمين يوما عن يوم يا " سيليمن " ولن يطول الزمن حتى تدانيني في مهاراتي يا صغيرة ! "
فور انتهاء " إيفينال " من جملتها انطلقت الساحرات يضحكن بأصوات عالية ماجنة ، بينما لم تبدي " سيليمن " أي اهتمام أو اكتراث بما قالته منافستها الغيورة .. كانت النسوة يسخرن بضحكهن المكشوف من " إيفينال " المسكينة ، التي تظن نفسها تتفوق على " سيليمن " ، التي تمكنت من تركيع ( شيفلدان ) وسكانها وسلطاتها الخائرة كلهم بضربة واحدة !
قالت " بييل " وهي تواصل ضحكها الماجن الساخر :
-" نعم حقا صدقتي يا " إيفينال " كم مستذئبا أطلقت يا ذات المهارات ذلك القرن ؟! "
زادت جملة " بييل " من حمية الضحك والسخرية من " إيفينال " ، وثقتها الزائدة الزائفة بنفسها .. لكن " سيليمن " أوقفت تلك الموجة من المرح عندما توقفت فجأة عن الرقص والتفتت إلي الفتيات الرابضات حولها وسألتهن بقلق :
-" من قال إنني أنا التي أطلقت مستذئبين على سكان شيفلدان ؟! "
ران الصمت فجأة على النسوة كلهن ، ونظرن لبعضهن متعجبات أو مستفهمات .. بينما هتفت " إيفينال " أطولهن لسانا عادة بإصرار:
-" دعك من الإنكار يا فتاتي فهو لن يفيدك هنا ! نحن نعلم جيدا أنك أنت من أطلق هؤلاء المستذئبين على سكان تلك المقاطعة اللعينة ، وإننا لنحييك على ذلك من قلوبنا .. لكنك لم تخبريننا كيف تمكنت من مسخ هؤلاء الثلة من المسوخ العملاقة ؟! "
بدأت القليل من النسوة يضحكن ثانية ، بينما تصلبت ملامح " سيليمن "وهي تسمع رفيقتها " دابني " تحييها بنشوة قائلة :
-" نعم نعم عمل جيد يا فتاتي ! لكن تراك لما لم تطلقي المزيد من تلك المسوخ المتعطشة للدماء عليهم .. فهم يستحقون أكثر من مجرد مستذئبين أثنين ! "
بملامحها التي لا تزال متصلبة سألت " سيليمن " وقد ظهرت بوادر الانزعاج على وجهها :
" من قال إنهما مستذئبين ؟! ليس هناك في غابات شيفلدان على حد علمي سوي مستذئب واحد فقط ! "
بهتت النسوة لكلامها ، في موقف آخر كن سيكذبنها وسيسخرن منها .. لكن ملامحها حملت إليهن رسالة صدق لا يمكن إغفالها ، أو الشك فيها .. طفت ملامح القلق على وجوه بعض النسوة وقالت إحداهن بغير ثقة :
-" ربما كان المستذئب الثاني من عمل إحداكن يا بنات ولا تود إخبارنا .. هل قمتن بتحويل مستذئبين قريبا دون علمنا ؟! "
تبادلت الساحرات النظرات القلقة ، وبدأت الهمسات الخائفة تتبادل بينهن .. قالت إحداهن بذعر :
-"أليس من المعقول أن ساحرة خارج جماعتنا هي التي حولته ؟! "
كانت تقصد المستذئب الثاني ، الذي لا تعرف إحداهن من يكون بالضبط ..
لكن " سيليمن " ردت عليها بحدة مخرسة إياها :
-" لا ساحرات خارج جماعتنا يا بلهاء .. نحن جماعة الساحرات الوحيدة في البلاد كلها ! ولا واحدة مننا فعلت ذلك .. أنا حولت واحدا فقط وأنا أعرف هذا جيدا كما تعرفنه فمن حول الثاني ؟! "
لم تتلق الساحرة العتيدة جوابا على سؤالها الملح ، فتولت هي الإجابة بنفسها :
-" لم تحول الثاني إحدانا ولا أحد غيرنا بقادر على فعل ذلك ! أتفهمن ما الذي يعنيه هذا أيتها الشمطاوات .. إن المستذئب الثاني متحول طبيعيا وليس بأيدي ساحرة ! "
هنا هبت النسوة واقفات بفزع ، وبدأن يجمعن حاجياتهن بلهفة ولهوجة فزعة .. رمقتهن " سيليمن " بنظرة ضيق وانزعاج من جبنهن وخوفهن المبالغ فيه .. لكنها التمست لهن العذر .. فقد كن على حق تماما في الإصابة بكل ذلك القدر المستفحل ، الذي هو في الحقيقة أقل مما يجب ، من الذعر والفزع .. فلقد فهمن كلهن جلية الأمر !
إن المستذئب الثاني لم يكن عمل يد ساحرة .. بل هو من أعمال الطبيعة الأم .. لقد حولت الأم الكبرى أحد أطفالها لمستذئب ، وهذا يعني أنه ليس تحت سيطرة إحداهن وتحكمها .. إنه خارج السيطرة .. وخطر .. خطر جدا .. حسنا إذن .. لا مزيد من ليالي السبت هنا في تلك الغابة المخيفة .. فهناك مستذئب حقيقي ، وليس ذلك الأخر الذي تملك " سيليمن " قياده ، يجول حرا طليقا في الغابة .. لكن من عساه يكون ذلك المستذئب الآخر .. من عساه يكون ؟!
 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...

شيرلوك هولمز التحقيقات الجنائية : أبو الطب الشرعي قاهر القتلة !

  " برنارد سبيلسبري "  الرجل الذي جعل من علم الأمراض علما له قواعد وأصول .. نظرة ثاقبة وذكاء حاد وعناد لا حد له   شهد عالم الجريمة شخصيات لامعة ذاع صيتها ، وعالم الجريمة ، كغيره من مجالات الحياة والعمل المختلفة يضم نخبتين وفصيلين : رجال الشرطة واللصوص ، المجرمين ومحاربي الجريمة ، القتلة والأشخاص الذين نذروا أنفسهم لتعقبهم والإيقاع بهم ،ودفعهم إلي منصات الشنق أو تحت شفرات المقصلة أو إلي حياض أية ميتة لائقة بهم . وبطلنا اليوم هو واحد من أبرز وألمع من ينتمون إلي الفئة الأخيرة : إنه الطبيب الشرعي الأكثر شهرة وإثارة للجدل ، الرجل الذي جلب على نفسه عداء عدد لا يُحصي من المجرمين والسفاحين والقتلة ، إنه سير " بيرنارد سبيلسبري " ، متعقب القتلة وعدو المجرمين وصاحب أكبر عدد من القضايا الملغزة التي لا تزال الكتابات والتخمينات حولها مجال خصب للإبداع والجدل ملتهب الأوار .   ميلاد الرجل المنتظر ! خرج " برنارد " إلي النور يوم 16 مايو 1877م(1) ، في يوركشاير ، وهو الابن البكر للمتخصص في كيمياء التصنيع " جيمس سبيلسبري " وزوجته " ماريون إليزابيث جوي " ، كا...