التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الهنتيكة ( الجزء الثاني والأخير )



الساعة ستة خدت بعضي أتسحبت من البيت وخرجت .. لحسن حظي كان كل اللي صحيوا في البيت قاعدين في الحوش التاني اللي من ورا ومدخل الباب كان فاضي .. كان بيتفقوا على أنهم يجيبوا شيخ اسمه " عبد الحميد " عشان موضوع حماتي ده ..
أنا سبتهم ومشيت من سكات لأني مكنتش عايزة حد يشوفني .. قدام الباب وفي الشارع حوالينا كان في ناس صاحية وبدئوا يصبحوا ويسألوا عن اللي حصل عندنا .. لكن أنا معبرتش حد ودليت الطرحة على وشي وجريت بسرعة على طريق التل .. سمعت واحدة من جاراتي بتتصعب وتقول :
" مسكينة .. تلاقيها أتلبست يا ضنايا من اللي شافته إمبارح "
مردتش وجريت بسرعة عشان ألحق معادي معه .. معادي الساعة 8 مع الراجل اللي معرفش هو مين ولا عايز مني أيه ؟!
من حسن الحظ أن محدش شافني وأنا رايحة ناحية آخر البلد ولا شافني وأنا بروح ناحية التل اللي عليه الهنتيكة ..
أول ما وصلت هناك بصيت حواليا كويس لكن ملقتش حد هناك خالص .. المكان كان فاضي ومخيف جدا رغم إن الشمس مالية الدنيا ..
بعد لحظة حسيت ببرد شديد جدا حواليا وجا سحاب تقيل غطي وش الشمس .. لفيت الطرحة والشال حواليا عشان أحاول أدفي نفسي .. لكن الغريبة أن البرد كان بيزيد أكتر وفجأة شوفت حاجة غريبة قوي عمرها ما شفتها قبل كده .. حتة تلج بتطير زي الريشة نازلة من السماء وفضلت تطير وأنا ببص لها بدهشة كبيرة ، أنا عمري ما شفت تلج بينزل هنا قبل كده أبدا .. غريبة قوي دي
طارت حتة التلج لحد ما حطت على الأرض قدامي وسقطت عند رجليا .. بصت لها قوي ونسيت كل حاجة ونسيت حتى أنا جاية هنا ليه .. في اللحظة التانية دابت حتة التلج وسال منها ماء كتير .. كتير قوي لدرجة أنه مستحيل أنه يكون طلع من التلجة الصغيرة قوي دي .. لكن الأغرب أنه بمجرد ما بدأ الماء يسيل من التلجاية بدأت الأرض تحتها تتهز .. أتهزت الأرض لحظة فخفت وقعدت على الأرض ومسكت فيها لحسن أقع .. ثبتت الأرض لحظة وبعدها أتهزت تاني .. أقوي وأعنف المرة دي .. زلزال ده ولا أيه ؟!
لكن لا ده مش زلزال لأن بعد دقيقة شوفت أغرب حاجة في حياتي كلها .. بدأت الأرض قدامي تتشقق وتنفتح ..
بصيت برعب لطبقات الأرض وهي بتتشق وتتفتح قدامي .. فضلت الأرض تتشقق وتوسع الفتحة لحد ما ظهر قدامي بير عميق جدا وواسع وفي أعلاه سلم .. سلم بيودي على تحت ..
قربت ناحية فتحة البير وبصيت جواه بخوف .. سواد عميق جوه البير خلاني مشفتش حاجة ..
فجأة حسيت بحد واقف جنبي على الأرض .. كان الراجل .. نفس الراجل الغريب اللي شوفته مرتين قبل كده !
المرة دي كان واقف جنبي وقدرت أشوف وشه .. ملامحة جامدة ومبتتحركش وكأنه صنم أو تمثال .. لكن إزاي صنم وهو بيتكلم وبيتحرك !
بصيت له لحظة وأنا مش قادرة أنطق .. مكانش بيبص علي أصلا وأتكلم بصوته الغريب العميق البارد وقالي :
" أدخلي .. الشعب بإنتظارك ! "
كان بيتكلم بلغة غريبة لكني كنت فاهمة .. فهمت كل حرف بينطقه معرفش إزاي !
بصيت عليه وسألته بخوف :
" أنزل إزاي .. أخاف ! "
رد علي بصوت مفيهوش أي انفعال :
" متخافيش .. شعبك بانتظارك ! حماتك هناك ! "
" حماتي حماتي ؟! "
صرخت فيه وأنا مش مصدقة
" نعم .. أنزلي هاتيها قبل ما تقدم كقربان ! "
" قربان ؟! "
رددت الكلمة برعب لكن اللي خوفني أكتر أني دلوقتي بس أدركت إني كنت بكلم الراجل بنفس اللغة الغريبة اللي بيستخدمها .. اللغة اللي معرفهاش !
أختفي الراجل من جنبي كالعادة من غير ما يتبقي منه أي أثر .. رجعت تاني أبص جوه البير العميق لكنه المرة دي مكانش مظلم ولا مخيف .. كان منور ومليان بنور الشمس ولمحت رؤوس ناس بتعدي تحتي .. داخل البير !
ناس وشمس جوه بير .. طيب إزاي ؟!
فجأة حسيت كأن كل حاجة مألوفة لي .. مفيش حاجة غريبة أو جديدة .. أنا شوفت كل حاجة كتير قبل كده !
حسيت ببرودة في كل حتة في جسمي .. غمضت عنيا وضغطت عليهم قوي وحسيت بحاجة بتسري في دمي .. حاجة قديمة وشريرة ومخيفة !
فتحت عنيا على منظر غريب .. كنت واقفة وسط مكان واسع جدا مليان أعمدة ضخمة وتماثيل كبيرة جدا وناس كتير قوي .. ناس واقفين حواليا وبينحنوا .. رجال ونساء وأطفال كلهم كانوا بينحنوا باحترام ليا .. ليا أنا !
.....................................
قبل الساعة تمانية بكتير كان " رضوان " عند الهنتيكة .. راح لوحده رغم إنه فكر يعدي علي " محمود " ويجيبه معاه .. لكنه غير رأيه
لا " محمود " لا .. بلاش حرام أسبب له أى أذية
فكر " رضوان " في نفسه كده رغم إنه مش عارف بالضبط أيه نوع الأذية اللي ممكن يتعرض ليها ..
المكان كان فاضي خالص لكن الغريب أن " رضوان " لقي حفرة كبيرة عند الهنتيكة مكانتش موجودة هناك إمبارح ..
راح ناحيتها وركع على ركبه وبص جواها بحذر .. مشافش حاجة لأن كان ظلام شديد قوي جوه .. ظلام زي الكحل .. لكن " رضوان " رغم ذلك سمع أصوات جاية من أعماق البير .. أصوات غريبة كأنها أدعية أو تراتيل بأصوات غليظة وبلغة غريبة وغير مفهومة ..
شهق " رضوان " فجأة .. لأنه حس كأن تيار هوا جامد بيشفطه وبيشده لتحت ..
تمسك بالأرض حواليه بشدة وحاول يسحب نفسه لفوق لكن منفعش .. وبعد لحظة لقي نفسه بيتسحب لتحت .. غمض عنيه وصرخ من غير ما يطلع منه أي صوت !
فتح عنيه بعد تردد وخوف .. كان موجود في مكان واسع جدا جدا ومليان أعمدة .. مكان زي المعابد الفرعونية اللي بيشوفها في التليفزيون واللي شافها في العرابة لما راحها رحلة زمان مع المدرسة ..
لا هي مش زيها .. دي هي فعلا معابد فرعونية !
لكن المعبد اللي هو كان واقف فيه شكله جديد وألوانه بتلمع لمعان غريب .. مش بس كده ده كمان كان في أجزاء لسه شغالين بنا فيها
طاب ده معناه أيه .. معناه أيه ؟! مش عارف طبعا
بس الغريبة إنه مكانش حاسس بخوف دلوقتي ولا حتى بإستغراب :
" أنت لست غريبا في بيتك .. إنه بيتك ! "
تردد الصوت في عقله فبص حواليه لكن مكانش في أي حد حواليه .. للمرة التانية سمع أصوات التراتيل الغليظة جاية من حتة قريبة .. بدأ يمشي ناحية المكان اللي جاي منه الصوت ..
مشي لمسافة صغيرة قبل ما يلاقي نفسه في أغرب حلم شافه في حياته ..
كان واقف ورا عمود ضخم في وسط ساحة كبيرة ملهاش أول من آخر .. وفي وسطها كان جمع هائل من الناس .. رجالة وستات وأطفال كلهم راكعين علي الأرض في حلقة ..
وفي نص الحلقة كانت واقفة واحدة ست .. واحدة ست جميلة وعنيها واسعة جدا ومخططين بالكحل .. الكحل كان مغطي عنيها تقريبا وشعرها مضفر في ضفاير كتير حوالين راسها وكانت لابسة لبس غريب من غير أكمام ..
الست كانت بترقص .. بترقص بشكل غريب مكونة حلقات حوالين نفسها .. انحناءاتها وخطواتها مختلفة خالص عن الرقص الشرقي أو الغربي اللي ببيشوفه دلوقتي .. كانت بترقص وتدور في دوائر وتغني بصوت رخيم جميل مرددة عبارات غامضة بسرعة رهيبة .. لفت المرأة لفة طويلة وظهر وجهها قدام " رضوان " اللي حس إن ملامحها مش غريبة عليه .. هو شاف الست دي قبل كده وقريب .. قريب قوي كمان لكن فين فين يا ربي ؟!
ملحقش " رضوان " يفتكر في إجابة السؤال ده .. لأن تفاجأ برجل أصلع ضخم بيجي من وراه وبيلمسه بخفة وقاله باللغة الغريبة اللي هو فاهمها دلوقتي تماما :
" الأمير الأعظم يريدك .. إنه غاضب فيما يبدو أسرع أيها الخادم التعيس ! "
..................................
أنتهيت من الرقص .. كنت تعبانة جدا لكني كنت مبسوطة وفرحانة وحاسة بنشوة عالية .. أول مرة في حياتي أرقص كده
الحقيقة أني كنت برقص كويس قوي رغم إن عمري في حياتي ما شوفت رقص بالطريقة دي ..
بعد ما الحفلة خلصت والناس مشيت والمعبد فضي بدأت أفتكر أنا جاية هنا ليه ..
في واحدة ست .. ست كبيرة أنا جاية عشان أرجعها بيتها مع إني مش فاكرة هي مين الست دي ولا تبقي لي أيه !
تمشيت داخل المعبد اللي كان مليان أوض مختلفة الأحجام وكلها مضاءة بمشاعل كثيرة قوي .. فضلت أمشي أمشي لكني ملقتش الست اللي أنا بدور عليها .. لحد ما وصلت لأوضة صغيرة منزوية في ركن الغريب إني أول ما قربت ناحيتها سمعت صراخ جاي من جواها ..
صراخ صراخ قوي ومرعوب .. صوت صراخ ست .. ست كبيرة في السن وخايفة لحد الموت
فتحت الباب بحذر ودخلت راسي وبصيت .. شوفت صف من الناس مربوطين بحبال غليظة ومثبتين للحيطة .. وبعكس الأوض التانية كلها الأوضة دي كانت ضلمة تماما .. الغريبة بقي إني كنت شايفة كل حاجة بوضوح كامل بما فيهم الست العجوز اللي كانت مربوطة بحبل ومعلقة من السقف ذي الذبيحة ..
دخلت الأوضة بخفة وأنا بمشي علي أطراف صوابعي ..
مش عايزة حد يشوفني .. مش عايزة يسمعني ولا يشوفني وأنا بعمل اللي هعمله ده
ليه معرفش لكن عقلي وغريزتي قالوا لي كده
دخلت الأوضة وبصيت للناس المعلقين دول كلهم .. كانت أشكالهم غريبة ومعظمهم شكلهم مش مصريين خالص .. شكلهم أجانب ومنهم اللي شعره ملون أو لونه أسود .. وكلهم كان بيئنوا وبيصرخوا وآثار جلد وتعذيب وجروح غريبة على جلودهم ..
رحت ناحية الست المقصودة واللي كانت عنيها مقفولة ولسه بتصرخ صرخات عالية .. مكنتش محتاجة أفك الحبال اللي حواليها لإني بمجرد ما قربت ناحيتها وفكرت إني عايزة أفكها وقعت الحبال من حواليها لوحدها وكادت الست تتكوم علي الأرض    لولا إني سندتها بأيدي ..
فتحت الست عنيها ومكانتش شايفة حاجة لكنها قعدت تصرخ وهي بترتعش :
" مين مين .. هتودودني فين .. هتودودني فين ؟! "
واضح جدا أن الست دي شافت كتير هنا وعلى حافة الإنهيار ..
وقعت الحبال اللي بتقيدها وكادت هي نفسها تقع على الأرض لولا إني سندتها وخدتها علي بره ..
مشيت معايا بصعوبة وبمجرد ما خرجنا للممر الخارجي بره وسط المشاعل المضيئة فتحت عنيها وبصت لي قوي وسألتني بلغة غريبة لكني كنت فاهمها :
" أنت مين يا بنتي ؟! "
كنت فاهماها كنت فاهمة كل كلمة لكني معرفتش أرد عليها .. جرتها بالراحة ومشينا وسط الممرات الكتيرة المتشابكة لحد ما خرجنا من المعبد خالص ..
كنا في ساحة واسعة فاضية خالص وتحتنا وادي عميق جدا ومخيف فيه قرية صغيرة غريبة الشكل ..
شاروت للست على القرية بمعني :
" روحي هناك "
لكنها ما فهمتش إشارتي .. ومكانش في طريقة تانية غير إني أوديها بنفسي رغم أن في حاجة جوايا حذرتني إني أعمل كده ..
كنت حاسة بحاجة غريبة قوي .. كنت حاسة إن اللي بعلمه ده خيانة لسيدي ..
لكني في نفس الوقت برضه مكنتش فاهمة أنا ليه بعمل كده وليه عايزة أنقذ الست دي ..
مشيت وياها لحد الطريق الهابط نحو الوادي والقرية اللي تحت ..
كنا قربنا نوصل هناك لكننا فوجئنا براجل أصلع ضخم بيطلع لنا من ورا أحد الأعمدة .. كان ضخم ومخيف وعنيه بتلمع بلون أحمر ناري وكان غضبان جدا جدا ..
صرخ في وشي بحدة :
" بنت عنتا .. ماذا تفعلين ؟! "
الست اللي معايا لما شافته خافت قوي وكشت وانكمشت .. لكني أنا مخفتش منه .. كنت عارفة هعمل أيه بالضبط !
في لحظة رميت عليه تعويذة قوية ولعنته فسقط على الأرض متجمدا من غير ما يقدر يتحرك ..
أترعبت الست مني أكتر وبدأت تصرخ :
" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. أعوذ ب...."
لكني سديت بقها بلعنة تانية قبل ما تكمل ..
سحبتها وجررتها بقوة وعبرنا الطريق الهابط لحد ما قربنا قوي من القرية ..
سبتها هناك بعد ما شاورت لها علي الطريق اللي تمشي فيه من غير كلام .. مكنتش عارفة هي مين وهتروح فين بعد كده .. لكني كنت متأكدة من حاجة واحدة .. إني هروح في ستين داهية جزاء لي علي عملتي دي ..
لإني لما ألتفتت ورايا وبدأت أمشي رجوعا إلي المعبد لقيت في طريقي رجل .. رجل تاني لكنه مش مجرد رجل عادي .. الأمير " خع إم واست " شخصيا كبير السحرة وكبير الكهنة !
..................................
بأقدام مرتعشة مشي " رضوان " ورا الراجل اللي أخده لمقابلة اللي بيقولوا عليه ( الأمير الأعظم )
طبعا هو مكانش عارف مين هو الأمير الأعظم ده وإن كان حاسس إنه هيوقع في مصيبة كبيرة دلوقتي ..
مشيوا في ممرات طويلة مضاءة بمشاعل كثيرة قوي لحد ما وصلوا لقاعة كبيرة فيها مئات المشاعل وجواها أتنين رجالة شكلهم غريب واقفين على راس منضدة خشبية طويلة فوقها جسد ممدد .. جثة !
شهق " رضوان " بفزع وأنتبه لأول مرة أنه لابس هدوم غريبة غير اللي جه بيها من بيته .. قطعة قماش ملفوفة حوالين وسطه ومغطياه لحد الركبة وصندل بسيط .. غير كده كان جذعه عاري تماما .. الأغرب أنه لما مرر أيديه على رأسه ملقاش آثر للشعر ..
بص له واحد من الراجلين وقاله بشخطة مخيفة :
" أين كنت أيها الخادم ؟! "
بلع " رضوان " ريقه بصعوبة وحاول يرد .. كان خايف موت لأنه كان واثق إنه مش هيعرف يقول ولا كلمة بلغتهم العجيبة دي حتى لو كان بالفعل فاهم كل كلمة بيقولوها ..
تنحنح " رضوان " ورد بصوت غليظ مرتعش :
" ها أنا يا سيدي ! "
الحمد لله .. عرف يتكلم زيهم أهوه !
بص له الرجلين بدهشة ميعرفش سببها وبعدين أبتعدوا هما الأتنين عن الطاولة وواحد فيهم بيأمره بأمر خلي ركبه سابت وكاد يغمي عليه :
" تولي تجهيز هذا الجسد للتحنيط فالأمير أمر بهذا .. إنه يثق بعملك يا " حوني " ! "
دق قلب " رضوان " دقة رهيبة وكان هيوقع من الصدمة .. يجهز الجسد للتحنيط .. يعني أيه ؟!
محدش أنتظره لما يسأل .. لأن الرجلين والتالت اللي ندهه سابوه واقف على مدخل القاعة ومشيوا ..
وبكده لقي " رضوان " نفسه لأول مرة في حياته قدام جثة لوحده .. لا وأيه مطلوب منه يجهزها للتحنيط كمان .. لكن المصيبة بقي إنه فعلا مكانش عارف هو مطلوب منه يعمل أيه بالضبط !
..................................
في عرب مطير ذاعت حكاية غريبة .. قالوا أن الست " وداد " أم " عز " و" خلف " رجعت بيتها بعد ما غابت عنه واختفت فجأة لما كانت مع مرات ابنها " صباح " عند الهنتيكة .. قالوا أنهم شافوها بتجري زي المجنونة في شوارع القرية وراسها مكشوفة وعنيها حمرة واللعاب بيسيل من بقها زي الناس اللي ربنا يلطف بيها ..
فضلت الست تجري في الشوارع والناس بتحاول تكلمها وتفهم منها أى حاجة من غير فايدة لحد ما وصلت بيتها وفتحت البوابة وهي بتصرخ ودخلت جوه وأترمت على الأرض وهي بتتنفض زي ما تكون مصروعة ..
طلعوا عيالها ورجالة العيلة وستاتها وشالوها وخدوها جوه البيت وهما مرعوبين وحطوها على كنبة في صحن البيت وحاولوا يفوقوها بكل طريقة .. ولما فشلوا إنهم يفوقوها أو يخلوها تتكلم بعتوا يجيبوا عربية عشان ياخدوها عند الدكتور على طول .. كانوا هيموتوا ويعرفوا كل حاجة حصلت من ساعة ما أختفت .. كانت فين ومين اللي خدها ومين اللي رجعها تاني
والأهم من كل كده هي مرات ابنها " صباح " ليها يد في كل اللي حصل ده .. وهي فين أصلا دلوقتي ؟!
...............................
وقف " رضوان " لحظات قدام الجثة الممددة قدامه بيبص لها بقلق عظيم .. مكانش عارف هو ممكن يعمل أيه بالضبط لكنه في لحظة ، وكأن طاقة نور أتفتحت جوه عقله ، حس أنه عارف كل حاجة وأن الموضوع سهل وأبسط مما يظن .. الحقيقة أنه فعلا كان عارف هيعمل أيه لأنه ببساطة عمله قبل كده كذا مرة !
بدأ " رضوان " بالمخ .. أستخدم الأداة المعقوفة وسحب بيها المخ من أنف الجثة .. وبعدين فتح البطن وبدأ يطلع الأحشاء الداخلية كلها ما عدا القلب اللي سابه في مكانه .. وبعدين بدأ يحط الأحشاء في الأواني المخصصة لها قبل ما يبدأ في تطهير البطن الفارغ وتنضيفها ..
كان بيشتغل بأيديه بمهارة بينما عقله كان في حتة تانية خالص ..
فجأة حصلت حاجات غريبة جدا دخل عليه رجل نحيف عظامه بارزة وبدأ يصرخ في وشه بعنف :
" ماذا تفعل أيها الخادم اللعين .. لقد قتلته .. لقد قتلت رجل الأمير ! "
نظر " رضوان " ، اللي  أفاق عقله تماما ، بدهشة للمتكلم وبعدين  بص إلي يديه الملطختين بالدم ولجثة الرجل المفتوحة قدامه .. وش الراجل اللي قدامه كان عليه تعبير غريب .. مفهمش " رضوان " معناه إلا لما سمع الصريخ يتردد في الخارج وخطوات ناس كتير جاية علي الأوضة اللي هو موجود فيها .. الراجل ده كان حي لما بدأ تحنيطه .. خططوا عشان يخلوه هو بالذات يقتله وفعلا نجحوا في كده .. مش علشان يوقعوه هو بس لا عشان يوقعوا سيدته .. الكاهنة " عنتا " !
........................................
علي صوت الصريخ قام " رضوان " من النوم مفزوع .. كان صريخ حاد ميز فيه صوت أمه ومرات أخوه وأخته وهما بيصرخوا صراخ جماعي ..
هب " رضوان " من سريره بعنف وجري حافي علي بره .. الصويت كان جاي من الدور اللي تحت فجري بسرعة على هناك .. كانت أمه وحريم البيت ملتفين حوالين أبوه اللي كان راقد على سريره في أوضته .. كان الأب شاحب تماما وساكن وعنيه مفتوحة على اتساعهم ومرتسم فيهما تعبير غريب جدا .. أبوه كان ميت !
رمي " رضوان " نفسه على صدر أبوه وبكي وصرخ وشد شعره وعمل كل اللي متوقع منه في الموقف ده .. لكنه توقف فجأة لأنه لمح حاجة غريبة جدا مرمية تحت سرير أبوه .. التمثال !
التمثال اللي لقيه هو ومحمود عند الهنتيكة .. أيه اللي جابه هنا ؟!
أيه اللي رجعه تاني وهو بنفسه رماه في حفرة عند الهنتيكة إمبارح وردم عليه بالتراب ..
بص " رضوان " للتمثال بحيرة وذعر .. وبعدين بص لهدومه اللي لحد دلوقتي مخدش باله من أنها مش نضيفة وفي حاجات غريبة عليها ..
حاجة جامدة كأنها بقع دم ناشفة .. بص " رضوان " لهدومه بدهشة وفي نفس اللحظة اللي انتبهت فيها أمه لمنظره الغريب ..
الأغرب من كل ده هو الساعة .. الساعة دلوقتي تمانية ونص الصبح ..
هو مش راح عند الهنتيكة .. مش كان هناك قبل الساعة تمانية .. جه من هناك أمتي وإزاي كان نايم في سريره في نفس الوقت اللي كان فيه بيحنط جثة ميت في زمن وعالم تاني .. هو أيه اللي بيحصله بالضبط !
..............................
المحاكمة كانت سريعة وحاسمة .. كل الأدلة كانت ضد الكاهنة " عنتا " ومساعدها " حوني " كانت متوافرة وواضح أن كل حاجة كانت مدبرة كويس قوي ..
" عنتا " كانت متهمة بتهريب سجينة ومساعدها متهم بتهمة القتل .. مكتنش فيه حاجة ممكن يقولوها أو يسمعوها تخلي حد يصدق أنه كان فاكر الراجل ميت وهو بيحنطه .. أما الكاهنة فكان واضح قوي أنهم دبروا كل حاجة عشان يخلصوا منها .. الحقيقة أنهم كانوا هيموتوا ويخلصوا منها وقد كان !
الكهنة تولوا المحاكمة وأصدروا حكمهم في ظرف ساعات قليلة قوي .. الدفن أحياب بعد التحنيط !
.............................
في المستشفي رقدت أم عز في حالة وحشة قوي .. الأول ودوها للدكتور اللي قال إنها في حالة هستيريا ومن الأفضل نقلها للمستشفي لأنها محتاجة عناية خاصة ..
الست كانت ساكتة خالص وممبتكلمش .. مجرد أنها تصرخ وتقطع شعرها وبس .. قالوا إنها ملبوسة وإنها شافت حاجات وحشة في المكان اللي كانت فيه .. لكن هي كانت فين أصلا ده اللي محدش عرفه لأنها مكانتش قادرة تحكي لحد على اللي شافته !
..............................
لما راحوا عند ( الهنتيكة ) هي ومرات ابنها " صباح " وطلبت منها تلف حواليها وفضلت ترقيها وتدعي عشان الخلفة فجأة حست الحاجة " وداد " بحاجة بتجري في دمها .. حاجة بتؤمرها أنها تحفر تحت الهنتيكة ولما مقدرتش تقاوم وفقدت كل وعيها باللي حواليها ركعت على الأرض وقعدت تحفر بضوافرها لحد ما ظهرت الفتحة اللي زي ما تكون مليانة طوب ودبش .. هنا بالضبط حست " وداد " بأنها بتطير .. وكأنها تحولت لطير بجناحات حست أنها بتطير في الهوا صرخت وبأعلي حسها لكن مفيش أي صوت خرج منها خالص وحست ببرودة غريبة في عروقها وفقدت وعيها ..
ولما فتحت عنيها لقت نفسها في مكان غريب .. مكان عمرها ما شافت زيه قبل كده غير في التليفزيون ..
كان في صف طويل من الناس مربوطين بحبال وناس قدامهم بتجرهم وهي كانت وسطيهم .. فجأة لقت نفسها مربوطة بحبل طويل مع ناس كتير أغراب ستات ورجالة ورايحين على حتة متعرفهاش ..
كانوا بيسوقوهم بقوة وعنف واللي كان بيوقع أو بيمشي ببطء أو مبيتحركش خالص كانوا بينهالوا عليه بالكرابيج بوحشية ..
كانت مرعوبة ومش فاهمة هي فين وبتعمل أيه هنا وسط الناس دول كلهم .. المصيبة الحقيقية أنهم كلهم كانوا بيتكلموا لغة هي مش فاهمها ومش عارفة هما بيقولوا أيه بالضبط ..
ساقوهم لحد ما دخلوهم أماكن مظلمة تحت الأرض وفكوا الحبال اللي حواليهم .. جابولهم ميه باردة وعيش طعمه غريب .. وبعد ما كلوه شدوهم للحيطان وربطوهم تاني ..
كانت بتحلم .. الست أقنعت نفسها إنها بتحلم وأنها نايمة علي سريرها في بيتها وبعد شوية هتيجي " صباح " مرات ابنها تصحيها وتقولها ( صباح الخير يا أما .. يلا نروح المشوار بتاعنا )
لكن مفيش صبح جه .. لأن الليل هو اللي جه ومعاه ضلمة وبرد شديد ورعب كبير .. وهما مربوطين كانوا بيسمعوا أصوات مخيفة كتيرة ..
أصوات صراخ ناس .. ناس بتتعذب وبتتضرب وبتصرخ ..
كل ما كانت " وداد " بتسمع أصوات الصراخ كانت بتترعب أكتر .. وبعد شوية بدأت تصرخ هي كمان من الرعب والخوف .. صرخت وصرخت لكن صوتها ضاع وسط كل الأصوات اللي بتستغيث حواليها .. صوتها ضاع للأبد وفقدت القدرة على الكلام !
..............................
دخل " رضوان " أوضته وهو حيران وتعبان جدا .. الناس ملوا البيت تحت وهيبدأوا في إجراءات التغسيل وإستخراج تصريح الفن وخلافه لكنه هو كان مخه بيغلي ومش قادر يركز في أى حاجة .. هو مكانش هنا من لحظات .. كان عند الهنتيكة .. كان تحتها في العالم الغريب اللي كان فيه .. كان بيحنط بني آدم وبيشرح فيه .. كان مقبوض عليه وبيتحاكم في عصر تاني وفي زمن تاني .. معقول كل ده كان مجرد حلم ؟!
طيب ولو كان كل ده حلم .. فين التمثال .. راح فين تمثال الكاهنة وإزاي أختفي قدام عنيه .. هو محتاج إجابات على كل الأسئلة دي والإجابات دي أهم عنده حتى من حضور جنازة أبوه ..
أتسحب " رضوان " من البيت طلع من الباب الوراني عشان محدش يشوفه وجري بسرعة ناحية التل الفقر اللي وتقف عليه حتة الحديدة المشئومة دي زي اللعنة محدش عارف قد أيه هي خطيرة .. وقد أيه ممكن تأذي وتضيع عقل إنسان ..
بص " رضوان " في ساعته .. الساعة عشرة إلا ربع .. الشمس طالعة وملية المكان لكنه حاسسس كأنه في مكان مضلم وبارد .. تقدم نحو الهنتيكة وبدأ يتأملها بدقة .. جسمها البني المصدي بدا له في منتهي الغرابة .. لمسها برقة وبدأ يتحسس كل حتة فيها .. غمض عنيه غمض عنيه جامد وهنا سمع الصوت :
" تعالي ! "
الصوت كان هامس وواطي لكنه كان بيسمعه بوضوح شديد في ودانه ..
سكت الصوت ثم كرر :
" تعالي معنا ! "
رد " رضوان " ببطء وبخوف :
" هموت لو جيت معاكم "
فرد عليه الصوت بثقة وتوكيد :
" لا تخاف .. ستنجو ! "
أرتجف قلب " رضوان " وكان عايز يقاوم .. لكنه مقدرش فجأة حس بضباب حواليه من كل ناحية ومعدش فيه أي حاجة حواليه .. لا تل ولا هنتيكة ولا مكان ولا شمس .. ولا حتى زمن !
..............................
تحت الأرض كانوا محطوطين .. في صندوقين جنب بعضهم .. الأمير " خعمواست " جاء بنفسه ليطمئن علي سير كل حاجة .. المحاكمة الهزلية والحكم كان واضح أن الأمير المهيب يتمني الخلاص من الكاهنة " عنتا " ومساعدها المزعجين بأي طريقة وأنه دبر كل شيء بنفسه وبقوته وبسحره ..
الحكم كان متوقع وسريع .. الدفن أحياء وتولي الأمير بنفسه عملية تحنيط الأجساد بالتطهير والتعطير ، بدون فتح ولا استخراج أحشاء ، لكن الكاهنة كانت قوية وأفلتت منهم كذا مرة لكنها طبعا مقدرتش علي دول كلهم ..
الفرعون نفسه كان متعجب جدا من الحكم ده ومكانش مصدق أن الكاهنة " عنتا " اللي أختبر قدراتها السحرية الجبارة بنفسه وشافها بعنيه في الأعياد ممكن تورط نفسها أو تورط المساعد بتاعها في قتل حد .. لكن كلمة الأمير كانت نافذة ..
تم دفن الكاهنة ومساعدها أحياء وقفلوا عليهم المقبرة بعد ما حصنها " خع إم واست " بالتعاويذ السحرية والقوي الخارقة عشان يضمن أن الكاهنة ومساعدها يموتوا وميقدروش يخرجوا تاني ..
لكن " عنتا " فعلتها وخرجت .. لكنها خرجت من التجربة دي أقوي لأنها مش بس خرجت حية دي كمان منحت حياة جديدة وروح خالدة !
.............................
كانت قاعدة علي السرير لما جوزها دخل الأوضة .. " صباح " اللي كانوا قالبين الدنيا وبيدوروا عليها في كل حتة .. أتخض جوزها لما شافها وجري ناحيتها وبدأ يسألها بلهفة كانت فين وآيه اللي حصلها وهي عارفة أن أمه رجعت ولا لا .. فضل الزوج يتكلم ويتكلم لكن " صباح " مردتش عليه .. كانت قاعدة مطاطية راسها وساكتة تماما ..
بعد شوية وبعد ما الزوج صرخ فيها وطالبها بأنها ترد عليه رفعت وشها ناحيته .. عنيها كانت حمرا بلون الدم وبتلمع زي عيون القطط .. خاف منها وتراجع لورا خطوة لكنها مدت أيدها بهدوء وخلعت دبلة الجواز بتاعتها ومسكت كفه وحطت فيه الدبلة .. من غير كلام ومن غير ما تفسر له أى حاجة أو تشرح أي شيء .. وبمجرد ما عملت كده أختفت تمام من قدامه .. من غير ما يتبقي لها أى أثر !
..............................
تاني يوم كانت البلد مقلوبة .. تم إبلاغ مركز البوليس عن إختفاء ست وشاب من أهل البلد وتغيبهم التام ..
كان البلاغ غريب ومحير خاصة وأن أقوال أقارب المختفين كان فيها حاجات محدش يصدقها وكلام كتير فارغ عن الهنتيكة والسحر والتماثيل والكلام الغريب بتاع المساخيط والآثار ده .. وطبعا بدأوا يدوروا علي الست والشاب المفقود لكنهم ملاقوش أي حاجة خالص تدل علي مصيرهم أو هما فين ..
أختفاء " صباح " و" رضوان " بقي حاجة مهمة جدا في تاريخ ( عرب مطير ) والخرافات اللي حوالين الهنتيكة والكلام اللي بيتقال عليها زاد وأنتشر والناس كلها سمعت به .. وحتى اللي مكانش بيخاف من حتة البتاعة دي بقي بيخاف منها وبيتجنب يعدي ناحيتها خالص ..
لكن بعد ما الحكاية أتنست بسنين طويلة وطلع اللي كدبها ويقول إنها مجرد خرافة من أهل البلد ومفيش حاجة زي دي حصلت .. رجعوا أهل البلد أفتكروا الحكاية تاني لما حصلت حاجة تانية مخيفة ومحيرة .. سائح أمريكي ومراته صمموا علي زيارة الهنتيكة وأنهم يباتوا هناك كمان .. في الحقيقة مكانوش مجرد سياح عاديين دول كانوا منقبين عن الآثار بطريقة غير مشروعة .. وصلوا هناك ونصبوا مخيم صغير وأستأجروا عمال من أهل البلد باليومية وخلوهم يحفروا لهم تحت وحوالين الهنتيكة مقابل أجور سخية وكتمان سر اللي بيحصل عن سكان البلدة .. حفروا أول ليلة لكنهم ملقوش غير حفرة مليانة حاجات شبه مخلفان البناء كده لكن المنقب الأمريكي مقدرش يحدد هي أيه بالضبط .. لكنهم في الليلة التانية وهما بيحفروا وصلوا لحفرة عميقة زي البير وبالحبال دخلوا لمسافة داخلها ولقيوا سرداب أفقي مشيوا فيه لمسافة وهناك كانت المفاجأة .. كمية مهولة من التوابيت والحلي الذهبية والتماثيل .. لكن العجيب أن كل التماثيل كان لها شكلين موحدين .. شكل راجل وست معمول لكل واحد فيهم عشرات وعشرات التماثيل علي نفس الشكل ..
في الليلة دي طلب الأمريكيين من العمال إنهم يروحوا ويجوا الليلة اللي وراها بمجرد غروب الشمس عشان يواصلوا الحفر .. الأمريكيين كانوا متأكدين أن فيه مدينة فرعونية كاملة تحت الهنتيكة وهما اللي هيكونوا مكتشفيها وهيساوموا الحكومة المصرية علي نصيب طيب من الآثار اللي هتطلع ..
لكنهم للأسف ملحقوش لا يكتشفوا ولا يساموا .. لأن العمال لما رجعولهم تاني يوم ملقوش أى حاجة في المكان .. كل الحفر وفتحات البير والسرداب أتردمت .. مخيم الأمريكان تبخر وملوش أثر .. كل المكان حول الهنتيكة تم تسويته بالأرض وكأنه مفيش أي حفر تم حواليها .. أما الأمريكان فالله وحده عالم أيه اللي جرالهم أو هما راحوا فين أصلا ..
فزع العمال وأترعبوا وجريوا مبتعدين عن المكان بعد ما أقسموا أنهم ما يرجعوش هنا تاني ..
سمع كل سكان عرب مطير بالقصة الجديدة دي وكلهم صدقوها لأنها كانت فعلا صادقة .. ومن ساعتها والهنتيكة واقفة لوحدها مسيطرة علي التل والمنطقة كلها اللي حواليها ومحدش بيتجرأ يعدي من ناحيتها .. أو يفكر في كده حتى !!

                                        تمت

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...