التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عندما يروي لك إنسان قصة مثل هذه المفروض منك أن تصمت وتسمع بمنتهي الهدوء والحكمة راسما أكبر علامات التصديق على وجهك .. خد بالك دي قصة المفروض أنها من رجل مجنون !
كذبه بقي إن كانت لديك الشجاعة الكافية !
قال لي ابن عمتي شيء غريب إمبارح .. قالي إنه بيسمع صوت مخيف يوقظه من النوم كل ليلة حوالي منتصف الليل !
وأيه يعني .. قلت له بهدوء : " وأيه يعني .. ممكن تكون قطة يا عم .. في قطط أصواتها أعوذ بالله "
رد عليا بسرعة وعصبية ملهاش أي لازمة : لا لا مش قطة .. مش قطة أنا متأكد !
قولتله تاني وأنا بحاول أهديه : " طيب ممكن يكون كلب في الشارع ولا سلعوة حتى .. حد عارف يا عم الدنيا مليانة مخلوقات ما يعلم بيها إلا ربنا .. ما تشغلش بالك أنت !
الحقيقة بقي إني كنت بحاول أخلص الحوار معاه بسرعة وأطلع منه سليم .. لأن ابن عمتي ده ببساطة .. مجنون !
كلنا كنا مؤمنين إنه مجنون .. هو في حد يسيب كلية الطب عشان كان بيتخيل إن عيون الميتين في المشرحة بتبحلق فيه إلا إذا كان مجنون !
المهم إني سبته ومشيت .. ما شفتوش تاني غير بعد شهرين .. أو في الحقيقة يعني شوفت اللي تبقي منه !!
............................
من البداية وهو عارف إن محدش هيصدقه وهيقولوا عليه مجنون كالعادة .. الكارثة بقي إنه كان متأكد إنه مش مجنون وإن كل اللي بيعدي بيه ده حقيقي للأسف
أمتي كانت أول مرة سمع فيه الصوت ده .. منذ يوم .. يومين .. عشرة .. ربما منذ شهر أو أكثر !
مش مهم .. لأن الحقيقة المؤكدة إنه لم يعد يستطيع تذكر أي شيء منذ تلك الليلة المشئومة .. وهل يستطيع أن ينسي  تلك الليلة !
(( كنت نائما ساعتها في تلك الليلة الأولي التي لم أعد أذكر متى كانت بالضبط .. كنت نائما في سلام دون أي باعث للقلق أو الخوف .. زوجتي من ناحيتها كانت ترقد بجواري كالملائكة ، "سارة " الرائعة الحسن الرقيقة وخصلاتها الذهبية تفترش الوسادة وتضفي مزيدا من الجمال على وجهها الفاتن ..المهم أنني وبينما كنت مستغرقا في النوم وفي أشد حالات الاستغراق رأيت شيئا غريبا في نومي .. لا لا .. لم أري بل سمعت .. نعم نعم سمعت .. "
" سمعت صوتا غريبا .. صريخ ، نواح ، نواح غريب .. مخيف .. جمد الدم في عروقي .. كان نواحا غريبا للغاية , صوت مخيف , مخيف للغاية.. لا يمكنك مجرد تخيل بشاعته وغرابته .. إنني أرتجف لمجرد تذكري لتلك الليلة ! "
بس إزاي بقي سمعت الصوت ده وأنا في سابع نومة .. ألا تفهم .. ألا تريد أن تفهم .. إنه صوت غير عادي ، لا ينتمي لهذا العالم .. إنه فوق العالم وقادر على اختراق أقوي أسوار العالم .. حتى أسوار النوم ذاته ! "
" سمعت الصوت يتردد في جوف الليل المظلم ففزعت من نومي .. فتحت عيني فوجدت " سارة " الغالية قد استيقظت كذلك .. كانت عيناها مفتوحتان إلى جواري وعندما شعرت بحركتي وضعت أصبعها على شفتيها وهمست لي بصوت خفيض مفزوع " أسكت ده رجع تاني  ! "
" رجع تاني  .. هي كانت تقصد مين بالضبط  ؟! "
" كانت تقصده هو  .. الصوت ! " استغربت من كلامها قوي وسألتها هي سمعت الصوت ده قبل كده قالتلي فعلا سمعته قبل كده مرتين وده التالتة .. الغريبة بقي إنها في الصبح أنكرت إنها قالت كده خالص وقالتلي وهي بتطبطب عليا : " ما تحطش في دماغك يا حبيبي .. ده مجرد صوت يعني ! "
بس في الحقيقة إنه مكانش مجرد صوت وبس .. ده صوت غريب يشبه صوت العواء .. كأنه ذئب ضخم مفترس يعوي .. ولكنه لم يكن عواء خالصا بل كان يختلط بصوت آخر ورنين مزعج كأنه رنين جرس صدئ .. في الليلة اللي بعدها أتكرر الأمر ثم في الليلة اللي وراها واللي وراها .. ودائما بنفس الطريقة :
أكون نايم في أمان الله ثم أحلم بصوت رياح عاتية وأسمع أصوات تطاير الورق ثم صوت سيارة قادمة ببطء وبعدها أفتح عنيا على الصوت الغريب مالي الدنيا من حواليا .. الغريبة إني صحيت " سارة " مراتي كذا مرة والصوت مالي الدنيا وأسألها : " سامعة ؟! "
لكنها كانت بتهز راسها وتقولي وهي بتتاوب : " سامعة أيه .. مفيش حاجة ! "
الأمر أتكرر مرة واتنين وتلاتة وأربعة .. وأخيرا قررت إني ألجأ للحل الطبيعي البسيط أبص من الشباك يمكن أشوف مصدر الصوت ده أيه .. في الليلة الرابعة كنت صاحي ومفتح عنيا وأول ما الصوت ظهر نطيت على طول ناحية الشباك وفتحته .. كانت الدنيا برد قوي قوي لكني ما أهتمتيشي وفتحته بردو .. بصيت من الشباك لكن الشارع كان فاضي خالص خالص .. فضلت شوية أمسح الطريق كله بعنيا ملقتش أى حاجة غريبة ولا أى حيوان غريب معدي كلها قطط وكلاب متشردة بنت ناس بتمؤ وتنبح عادي خالص .. الغريبة بقي إن بعد دقائق لقيت ريح قوية هبت وأوراق ممزقة تتطاير هنا وهناك وبعدها شوفت عربية جاية ماشية بهدوء .. نفس المنظر اللي بشوفه في الحلم كل ليلة قبل ما أصحي على الصوت المخيف !
أتحملت أسبوع .. أسبوعين على نفس الحال كل ليلة .. لكن بعد تلت أسابيع كان فاض بيا خلاص مش قادر .. لازم أتصرف لازم أتصرف وإلا هتجنن كده !
........................
لما جاتلي مدام " سارة " ، مرات ابن عمتي ، البيت استغربت قوي قوي .. أولا دي أول مرة تدخل فيها بيتي وبعدين أنا عايش لوحدي ومش متجوز .. يعني هي جايلي أنا بالتحديد مش جاية لأمي ولا لمراتي اللي لسه ما أتجوزتهاش .. رغم إنها طول عمرها جميلة جدا وساحرة لكن شكلها المرة دي كان غريب قوي .. عينيها وارمة وحواليها هالات سوداء ولونها أصفر شاحب .. بمجرد ما فتحت لها الباب ورحبت بيها وقعدتها في الصالون أتفتحت تعيط بحرقة وتقولي :
" أرجوك .. أرجوك شوفلي حل أنا مش هقدر أستحمل أكتر من كده .. " حاولت إهديها وجبت لها قزازة لمون من التلاجة وقعدت قدامها وسألتها بالراحة :
" في أيه يا مدام " سارة " ممكن تحكيلي ! "
نهنهت شوية وبعدين تمالكت نفسها وقالتلي بعصبية : " ابن عمتك ده أتجنن خلاص .. كل ليلة على نفس الحال .. يفضل يعوي ويعمل أصوات غريبة مرعبة .. وبعدين يقولي سامعة سامعة الصوت المرعب .. استحملته كتير قوي بس خلاص بقي .. كله كوم ونزوله الشارع كل ليلة في نص الليل ده كوم تاني ! "
سألتها بحيرة : " هو بينزل الشارع كمان .. أنا مش فاهم حاجة خالص .. فهميني بالراحة كده عشان أقدر أساعدك ! "
هديت " سارة " شوية وبدأت تحكي لي قصة غريبة قوي لدرجة إنه صعب إن أى حد يصدقها !
.................................
بعد مرور شهر على بداية سماعي للصوت بدأت أميز فيه نبرة مختلفة .. العواء أصبح له رنين مختلف وتتردد وسطه شهقة مخيفة تبدو وكأنها كلمة بشرية واضحة .. كلمة واضحة بس مش مفهومة خالص .. معقول يكون ده صوت إنسان أو مخلوق عاقل ؟!
المهم بعد مرور فترة فقدت كل قدرتي على النوم .. لا قبل سماعي للصوت ولا قبله .. بقيت ما بنامش بالليل خالص ولحد الفجر .. المشكلة الحقيقية إن مدة سماعي للعواء بدأت تزيد وبدأت تمتد أطول فأطول فأطول !
" سارة " ما تزال مصرة على أنها مش سامعة حاجة .. والشارع كل ليلة ببص عليه كويس ما بلاقيش فيه أى حاجة غريبة .. يمكن أكون مجنون !
يمكن أكون أتجننت فعلا وليه لأ .. أى حد في الدنيا معرض لإنه يصاب بمرض عقلي أو نفسي .. طيب والحل
أروح لدكتور نفسي .. فكرت كتير قوي وبعدين قررت : هروح فعلا لدكتور نفسي بس مش قبل ما أتأكد من إني مجنون فعلا ولا صحة لما أتخيله !
يجب أن أتأكد من أن الصوت الذي أسمعه لا وجود له أصلا .. وساعتها سأذهب للطبيب النفسي برجلي !
.........................
قالتلي مدام " سارة " وهي تبكي : " الوضع ده محدش يستحمله أبدا .. كان كويس بعد ما طلع من المصحة وفضل فترة بياخد العلاج بإنتظام وحالته أتحسنت قوي .. لدرجة إني صدقت إنه بقي كويس .. خلاص مرضه خف ورجع زي ما كان .. لكن بعد كام شهر رجع يشوف ويسمع التخيلات الغريبة بتاعته دي تاني .. شايفة البومة سامعة الصوت الغريب .. كل ليلة يصحيني ويصر على إني أقعد أسمع معاه الصوت اللي بيقول إنه بيسمعه .. والمصيبة إني مبسمعش حاجة لأنه فعلا مفيش حاجة .. لكن توصل إني بقيت أصحي على صوت عويل في الأوضة أبص ألاقيه متكور على نفسه على الأرض زي الحيوانات وشغال يعوي ؟! لا لا دي حاجة فوق الاحتمال بصراحة .. وزاد عليها خروجه بعد كده كل ليلة من البيت .. يخرج في نص الليل ويرجع لي متعور وتعبان وشكله غريب ! "
خلصت مدام " سارة " قصتها وأبتدت تبكي تاني .. سبتها تفرغ همها في البكا شوية وبعدين سألتها أول سؤال وأهم سؤال في الموضوع كله :
" أنتي بتقولي مصحة .. هو دخل مصحة قبل كده .. أول مرة أعرف الحكاية دي ! "
..........................................
في الليلة التالية كنت مستعد تماما .. بمجرد أن سمعت صوت الريح تطير الأوراق الممزقة حتى نهضت من السرير بحرص حتى لا أوقظ " سارة " ولبست معطف طويل فوق البيجاما .. فتحت باب الشقة بهدوء ونزلت السلالم في الوقت اللي كان صوت السيارة إياها يملأ الشارع .. وأخيرا نزلت الشارع لأجده خاويا تماما .. الليلة سأعرف .. سأعرف كل شي وأري كل شيء بعيني !
ما لقتيش العربية في الشارع لكني لقيت شوية قطط ملمومين حوالين كيس أسود مليان قمامة وبقايا أطعمة .. القطط مخافوش مني ومجريوش ولا حاجة .. وقفت في حتة قريبة منهم مستني ظهور الصوت !
وفعلا في اللحظة التالية فوجئت بالقطط تهرع هاربة بفزع شديد دون وجود أى سبب .. للحظة تخيلت إنهم شموا ريحة كلب أو حيوان كبير جاي ناحيتهم .. لكن لأ .. مكانش في كلاب ولا أى حاجة تانية .. الصوت الرهيب هو اللي خلاهم يهربوا !
عرفت ذلك في اللحظة الأخيرة .. قبل ما يبدأ الصوت والاقي هبة هواء باردة جدا داخلة عليا حاملة عشرات الوريقات الممزقة .. في اللحظة الي بعدها وجدت نفسي أحدق في غيمة شفافة تتجه ناحيتي بسرعة مهولة حاملة صدي الصوت الرهيب الذي كاد يخلع طبلة أذني من شدته وقوته :
" أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم "
هتفت بلهفة وأنا أحدق إلى ما بداخل تلك الغيمة وقبل أن أهوي فاقدا الوعي !
................................
لا أعرف إلى متى ظللت غائبا عن الوعي .. لكنني فتحت عيني لأجد نفسي مرميا وسط الشارع الخالي المظلم .. وعندما فتحت عيني وجدت قطتين صغيرتين تتشممان ذراعي وتحومان حول كف يدي المبسوطة .. سمعت تواشيح الفجر فنهضت بصعوبة بالغة .. دخلت البيت وصعدت إلى شقتي .. وأخيرا وجدت نفسي داخل غرفة النوم الدافئة .. الغريب أن " سارة " كانت مستغرقة في النوم .. كيف لم تشعر بخروجي ولا بغيابي كل هذه الساعات وعدم وجودي بجوارها في الفراش !
خلعت المعطف وجلست على مقعد أمام الفراش .. في هذه اللحظة فتحت " سارة " عينيها .. نظرت لي باستغراب بعينين حمراوين وسألتني بعدم اكتراث :
" مالك .. أنت قلقان ولا أيه ؟! "
أجبت عليها بعدم اهتمام أكثر منها : " أنا بخير .. نامي نامي عشان عندك شغل بكرة بدري ! "
نظرت لي للحظة ثم عادت للنوم .. أما أنا فلن أنام .. سأظل مستيقظا حتى موعدنا الليلة القادمة .. سأظل مستيقظا كما أمرني !
................................
عندما اتصلت بي مدام " سارة " في الساعة الثانية من صباح اليوم  أدركت أن مصيبة كبيرة لابد أن تكون قد وقعت .. كان صوتها يدل ببساطة على ذلك
ذهبت إليها رغم تأخر الوقت والبرد الشديد الذي يكتسح الشوارع بقسوة .. كنت قلقا للغاية ومدركا لوقوع كارثة عندهم .. لكن ما أخبرتني به كان غير متوقع بأى حال .. قالت لي أن زوجها ، ابن عمتي ، لم يعد إلى البيت منذ أربعة أيام ولم يتصل بها ولا تعرف أى شيء عنه !
جميل .. طيب ليه بقي تبعتلي وتجيبني بعد نص الليل .. ببساطة عشان توريني دليل جنونه .. المقعد المواجه للفراش الذي يسهر عليه كل ليلة جالسا حتى الصباح دون نوم حتى ترك أثرا غائرا في جلد المقعد !
وبعد حوار طويل فهمت غرضها الحقيقي .. إنها تريد مساعدتي لها في البحث عنه بعيدا عن الشرطة ، عشان هي مش عايزة فضايح زي ما قالت ، وإقناعه في العودة للمصحة !
وفعلا وعدتها بأني أعمل ده كله .. بس مش قبل ما تحكيلي كل حاجة بالتفصيل !
عندما تم العثور على ابن عمتي بعد خمسة أيام .. كانت صدمة كبيرة لي ولزوجته أيضا !
كنا نبحث عنه بجد ونسأل عنه في كل مكان وكنا نأمل في العثور عليه سليما .. ولكننا لم نتوقع أبدا أن نعثر عليه ميتا .. وفي تلك الحالة المخيفة !
عثرت عليه امرأة عجوز كانت في طريقها للمستشفي في الصباح الباكر .. كان مرمي جنب حائط قديم وسط أكياس القمامة وعينيه مفتوحتين على الآخر .. عرفت الست إنه ميت فصرخت بأعلي حسها وبعد شوية كانت الناس أتلمت عليهم من كل ناحية !
 
مسبتش مراته التعيسة لحظة واحدة .. نقلوه المشرحة ووقعوا عليه الكشف فأكتشفوا إنه ميت بجرعة سم عالية قوي .. مكنش في أي شبهة على أي حد خاصة مراته فتأيدت الحادثة انتحار !
.................................
بعد انصراف المعزين بقيت مع مدام " سارة " قليلا لمواساتها .. لم يكن معها سوي أمها وأخيها الصغير فرجتني أن أبقي معهم كام يوم وأن أغيب وأزورها لأنها بحاجة لرجل كما قالت لي .. فاستجبت لرغبتها وقررت المبيت في غرفة الضيوف .. مجنون ابن عمتي مجنون وانتحر .. لماذا لا تسلم بتلك الحقيقة وتنسي كل الوساوس !
........................................
رقدت في الغرفة غير قادر على النوم .. كان هناك أرق غريب يحيرني ويتعبني ..
حوالي منتصف الليل كنت أبتديت أروح في النوم .. لكن فجأة صحيت !
صحيت على صوت غريب في الأوضة جنبي .. كان صوت خشخشة وخربشة بالغ الغرابة .. في البداية تخيلت إنه ربما يكون مجرد قطة صغيرة تسللت للغرفة وأخذت تعبث هنا أو هناك .. أغلقت عيني ثانية وحاولت النوم لكن الصوت أيقظني للمرة الثانية .. نهضت من فوق السرير عازما على البحث عن تلك القطة المزعجة .. النور الساهر كان منور لكنه كان ضعيف جدا فنورت اللمبة الكبيرة عشان أعرف أدور على القطة المزعجة دي .. بدأت بالسرير رفعت طرف الملاية وبصيت تحته ملقتش حاجة .. وكذلك تحت الدولاب والمقاعد لم يكن تحتها أي شيء ..
" وأنا هتعب دماغي ليه ده أكيد حلم "
قلت لنفسي وأطفأت النور ورجعت للسرير .. وهنا تصلبت ذعرا فقد كان هناك شيء في السرير نمت فوقه .. أنتفضت ودققت النظر في الضوء الضعيف ففوجئت بشيء مثل عنكبوت كبير يزحف على الفراش ببطء مخيف .. مديت أيدي وضربته ضربة قوية كانت كافية لهرسه وتلويث يدي بسائل عصاري مقزز .. قرفت قوي وقمت من السرير وطلعت على الحمام عشان أغسل أيدي .. ولأن الحمام كام مضلم تماما ولعت النور ووقفت على الحوض وبدأت أغسل يدي .. مددت يدي فاندهشت من منظرها .. كانت ملطخة بسائل أحمر لزج له رائحة نفاذة مميزة .. دم !
ركبني الفزع وغسلت أيديا بسرعة وأنا بتفلت حواليا زي المجنون وجريت على الأوضة وولعت النور ودققت النظر للفراش .. لكن لم يكن في الفراش أى أثر لما بدا لي أنه عنكبوت ولا للسائل الذي تفجر منه عندما هشمته .. كان السرير نظيفا مثلما كان عندما رقدت عليه للمرة الأولي !
مسحت جبهتي بكفي وقررت أن أذهب وأبقي خارج الغرفة شوية عشان أهدي أعصابي وأنا بقول لنفسي : " ليه ميكونش حلم هو الآخر " وفعلا ولأجل أن أقنع نفسي أنه حلم ذهبت وجلست في الصالة ، والحمد لله إن البيت واسع وأوض مدام " سارة " وأمها مستخبية بعيد عن طريق الصالة .. هناك وجدت الريموت على منضدة صغيرة على الجنب فقررت أن أفتح التليفزيون أهو أسلي نفسي شوية ، وما أظنش إن مدام " سارة " هتزعل إني فتحته ولسه جوزها ما عدتش على وفاته سنة .. دي ست متعلمة ومثقفة ومش هتتمسك بالكلام الفارغ ده .. وفعلا فتحت التليفزيون وأخذت أبحث وأبحث عن القنوات .. العجيب بقي إني ملقتش ولا قناة شغالة خالص وما كانش فيه غير خطوط سودا متقاطعة على الشاشة بدون ظهور لأى نوع من الإرسال !
سبحان الله .. كانت هذه هي الضربة الثانية التي أتلقها هذه الليلة التي ستكون على الأرجح الأخيرة لي في هذا البيت .. بعد دقيقة فوجئت بمدام " سارة " واقفة بجواري في الصالة
ظهرت فجأة ودون أن أسمع وقع خطاها وهي قادمة من غرفتها .. شهقت للمفاجأة وقلت لها محاولا تبرير موقفي :
" أصلي أصلي بصراحة ما جاليش نوم وقلت أفتح التليفزيون شوية يسليني .. أنا آسف "
لم ترد علي بل حدقت في وجهي بعينين حادتين ثم تحركت ببطء شديد متجهة نحو باب الشقة .. تعجبت من ذلك  ورأيتها تفتح باب الشقة و تخرج منه بهدوء شديد .. تمسرت مكاني للحظة ثم عدت لصوابي ونهضت لألحق بها قبل أن تخرج في هذه اللحظة وبملابس النوم !
أمسكت ذراعها وقلت لها : " مدام على فين .. أنت هتخرجي دلوقتي ؟! "
أستدارت لتنظر لي بعينين حادتين جدا لكنهما ميتتين ولم ترد ثم أستدارت ثانية لتخرج .. هنا فهمت .. إنها تمشي وهي نائمة !
أمسكت ذراعها لأوقفا وأمنعها وفجأة وجدتها تحولت لنمرة متوحشة .. دفعتني بقوة ثم هجمت علي .. هجمت علي كأنها حيوان مفترس وفي لحظة وجدت أسنانها وأظافرها تنهش في لحمي وهي تصرخ بجنون .. الغريب إنني كنت غير قادر على دفعها بعيدا عني فقد تلبستها قوة خارقة لا أعرف من أين أتتها .. في النهاية لم أجد أمامي إلا الصراخ والإستنجاد بأمها لإنقاذي من بين يديها .. صرخت صرخة مدوية وبعدها بلحظة جاءت أمها تجري من غرفتها حافية منكوشة الشعر وتنحني علينا محاولة تخليصي من بين أيدي ابنتها التي توحشت فجأة .. شعرت بأظافرها تنغرس في ذراعي ثم في رقبتي والدماء تسيل مني والتعب يصيبني ويجعلني غير قادر على الإستمرار في مقاومتها بينما أمها تبذل جهد مستميت لتخليصي منها وتصرخ في توسل :
" سيبيه يا سارة .. سيبيه .. ده مش هو مش هو ! "
أخيرا وبسبب كل ما أصابني من جروح وخدوش وما سال مني من دماء رقدت على الأرض خائرا وشبه ميت ..
كنت أئن أئن عندما انتبهت فجأة على صوت بنادي اسمي .. فتحت عيني لأجدها واقفة أمامي .. " سارة " بشحمها ولحمها في رداء نوم يغطيه روب سميك .. كانت هائدة تبتسم بينما كنت أنا ممددا على الأريكة قدام التليفزيون ميت من الذعر والتعب ابتسمت لي برقة وقالت بهدوء :
" أنت نمت قدام التليفزيون .. ليه مش جايلك نوم في أوضتك ؟! "
كنت لا أزال تحت تأثير الكابوس الرهيب الذي داهمني وحلقي جاف ويابس سألتني " سارة " :
" طيب لو مش عارف تنام زيي أعملك شاي معايا .. أو أى حاجة أنت عايزها ؟! "
قمت من علي الكنبة وقلت لها وأنا بحاول أتماسك وأخبي خوفي وذعري منها :
" لا لا شكرا .. أنا هروح أنام عشان أصحي بدري بكرة ضروري .. تصبحي على خير !"
ذهبت وتركتها واقفة وسمعتها ترد تحيتي بفتور .. دخلت غرفتي بسرعة وأغلقت الباب خلفي .. ده تاني كابوس أشوفه في الليلة المهببة دي اللي مش باين لها نهاية !
أول شيء لازم أعمله في الصبح إني امشي فورا .. بس لحد ما يطلع الصبح لازم أحاول أنام !
روحت ناحية السرير وتفحصته بخوف .. لكنه كان نظيفا والحمد لله .. رقدت محاولا النوم .. وفعلا بعد دقائق كنت قد نمت تماما !
صحوت في الصباح مبكرا جدا .. طلعت من الأوضه فوجئت بمنظر غريب جدا في الصالة كانت " سارة " هناك وكذلك أمها ولكن كان حولهما جمع من النسوة المتشحات بالسواد .. نسوة كثيرات جدا جدا .. معزيات ؟ يمكن لكنهم كتير أكتر مما يمكنك أن تتخيل من أين أتت كل تلك النساء ! خجلت من منظري وأنا خارج عليهن بالبيجاما فتأسفت وعدت لغرفتي مسرعا.. هناك فوجئت بالمزيد من النسوة المتشحات بالسواد يجلسن في غرفتي ! ما هذا .. كيف ومتي دخلن غرفتي .. ولماذا ؟! شعرت بخجل وخوف شديدين وأنا أحدق في النسوة الجالسات في كل مكان بغرفتي مغطيات بالأسود وصامتات صمت مرعب .. تحركت وسط الغرفة بخوف شديد كنت أريد أن ألملم أشيائي المتناثرة في الغرفة بسرعة وأغادر البيت كله لا ألوي على شيء .. أريد أن أترك هذا البيت اللعين فورا .. كيف سمحت لهن " سارة " بالدخول إلى هنا والجلوس في غرف الناس دون استئذان ؟!
فجأة بدأت كل النسوة يصرخن .. يصرخن بأصوات عالية رفيعة مؤذية جدا .. يصرخن بشكل يثير الجنون .. سددت أذني وجريت نحو باب الشقة ففوجئت به موصدا بالسلاسل والأقفال !
كانت مدام " سارة " جالسة على أريكة الصالة مجللة بالسواد لكنها كانت تبتسم .. تبتسم بشكل يثير الأعصاب .. روحتلها وطلبت منها مفتاح الباب فقامت من مكانها وهي لا تزال تبتسم ثم قطبت فجأة وهجمت علي .. هذه المرة حقيقة وبدون أحلام أو كوابيس .. كان هجوما كاسحا .. أنشبت أظافرها في لحمي فمزقته وأخذت تنهشني بأسنانها وهي تصرخ مثل الحيوان المفترس .. هذه المرة بدلا من أن تأتي أمها لتنقذني من بين يديها إذا بها تهاجمني معها هي الأخرى .. سقطت على الأرض والمرأتان فوقي يمزقنني بأسنانهن وأظافرهن .. أخذت أقاوم وأقاوم لكنني فوجئت ببقية النسوة يشاركن في الهجوم علي .. ألتفت حولي النسوة المجللات بالسواد وهجمن علي وأخذن يمزقن لحمي مخالبهن الحادة .. ولأول مرة أنتبه أنهن بلا أعين .. كلهن بدون عيون .. فقط تجاويف سوداء مخيفة .. هنا وصل رعبي إلى مداه فأغمي علي وأنا أحاول مقاومة هؤلاء النسوة المسعورات دون فائدة .. اخيرا لم يتبقي في رمق للمقاومة فسقطت عند أقدامهن شبه ميت !
عندما فتحت عيني كنت في سريري .. متعبا ومرعوبا ومرهقا بشكل غريب .. لكنه كان مجرد كابوس آخر والحمد لله .. أنا بخير وفي غرفتي وسليم تماما .. أنا أحلم فقط
 
مش عارف أيه اللي صحاني لكني سمعت صوت غريب .. صوت ريح جامدة جدا تعصف في الشارع .. أتجمد الدم في عروقي خاصة بعد ما افتكرت كل اللي حكاهولي أبن عمتي !
فضلت شوية أتسمع بتركيز .. وفي كل دقيقة كان الخوف والرعب بيزيدوا عندي خاصة لما أبتديت أسمع صوت أوراق بتتطاير وبعدها بلحظة سمعت صوت سيارة قادمة على الطريق ببطء
مقدرتش أستني أكتر من كده .. جريت على الشباك وفتحته .. كان الشارع فاضي خالص
فضلت أبص شوية وأنا بستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وبقرأ المعوذتين في سري .. فجأة لمحت منظر محدش ممكن يصدقه .. " سارة " .. " سارة " أرملة ابن عمتي .. بملابس النوم وتسير وسط الشارع .. كانت تسير بشكل غريب وكأنها تمشي وهي نايمة !
فضلت شوية أبحلق في المنظر الغريب الي قدامي ده وبعدين مقدرتش أستني أكتر من كده ..
نطيت فتحت باب الأوضة وبعدين باب الشقة ومنها على الشارع على طول .. طلعت الشارع ملقتش حد !
الشارع فاضي خالص مفيهوش حد .. آمال " سارة " فين !؟
أنا شوفتها شوفتها بعنيا مستحيل ..
طلعت الشقة تاني وخبطت على باب أوضة " سارة " .. مش وقت زوق وأتيكيت ده أنا لازم أفهم أيه اللي بيجرا هنا .. خبطت كذا مرة قبل ما تفتح لي الباب .. كانت منزعجة جدا ووعلى وجهها تعبير يدل على الخوف والقلق .. أعتذرت لها عن إزعاجي ليها في ساعة زي دي وقولتلها على طول من غير مقدمات :
" أنت نزلتي في الشارع دلوقتي يا " سارة " ! "
ردت عليا بسرعة : " لا طبعا ليه يعني .. حد ينزل الشارع في وقت زي ده ! "
" طيب أنا آسف .. تصبحي على خير ! "
وعدت لغرفتي ولكنني لم أكد أخلها حتى سمعت صوت غريب يملأ المكان .... يشبه صوت العواء .. كأنه ذئب ضخم مفترس يعوي .. ولكنه لم يكن عواء خالصا بل كان يختلط بصوت آخر ورنين مزعج كأنه رنين جرس صدئ .. جمدني الخوف والذعر : " إنه نفس الصوت .. نفس الصوت الذي كان يسمعه المرحوم .. نفس الصوت الذي دفعه للانتحار ! "
تلفت حولي بجنون .. مش هفضل هنا .. مش هفضل في البيت الملعون ده لحظة واحدة .. سأذهب الآن !
جمعت ثيابي وأرتديتها وأنا أكاد أموت من الذعر .. كان الصوت يتعالي ويتعالي في الخارج !
لبست هدومي وخرجت جري من الشقة .. عربيتي كانت مركونة تحت البيت على طول .. فتحت بابها بسرعة ودخلت وقفلت الباب وحاولت أدورها .. لكن العربية للأسف رفضت تدور
كنت هتجنن وأنا بحاول أدورها مرة وأتنين وتلاتة من غير فايدة .. كنت هصرخ من الغيظ والرعب  لما سمعت صرخة قادمة من مكان قريب في نفس الوقت الذي  وجدت الصوت الرهيب ق صمت فجأة .. فجأة لم يعد هناك أي صوت في الشارع الساكن الهادئ ..
نزلت من السيارة وأنا أشعر بخوف أكبر من أي خوف شعرت به في حياتي .. مشيت نحو مصدر الصرخة التي سمعتها .. الصرخة الأنثوية .. في شارع جانبي وعلى بعد خطوات من المكان الذي وجدوا فيه جثة ابن عمتي منذ بضعة أيام .. وجدتها ممددة هناك .. شاخصة العينين صامتة صمت الموت .. كانت " سارة " ملقاة على الأرض وسط أكياس القمامة والقطط الضالة تتشمم جسدها ..
نظرت إليها برهة ثم وقف شعر جسدي كله ..  خلفي وعلى مسافة سنتيمترات من أذني .. أنطلق صوت عواء مخيف يتخلله صوت آخر كأنه رنين جرس صدئ !
 
                                 تمت

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...