التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الحلقة الثانية .


  

صرخت فيه السيدة التي تخرج لأول مرة عن هدوئها :
" ما الذي حدث ؟!"
ألجم الفتي وعجز عن النطق .. لكزه " جرانفيل " لينطق لكن ريقه كان جافا وصوته كان محبوسا في قعر بئر .. تطلع إلي السيدة التي تلف رأسها بدثارها الشفاف ثم وجد صوته يخرج أخيرا ليقول :
" عفوا سيدتي .. "
كاد يكمل مقدما عذرا لكن السيدة الغاضبة لم تمهله .. ركزت نظرها الثاقب علي عينيه فشعر برعشة تشمله وخوف هائل مصحوب ببرودة ثلجية يضم عليه جناحيه .. فجأة قالت له السيدة آمرة :
" أيها الفتي .. تعالي خلفي ! "
نظر المحيطون بهما إليها بدهشة وإنكار لم يجرؤوا علي التعبير عنه سوي بنظرات حادة مستطلعة أخفتها عيونهم تحت الأجفان وتحت الحواجب الثقيلة .. كان " جوديفا " أكثر الناس دهشة لدعوة السيدة الصارمة للفتي الجديد الأبله ..
سارت السيدة وهي ترفع فضل ثوب نومها الأبيض الطويل عن الأرض وطرحتها تغطي رأسها وأعلي عينيها حتى منتصف الجفون العلوية .. تركت الشمعة لإحدى الوصيفتين لأنهما ليسا بحاجة إليها .. تبعها " أنطوان " خائفا مصدوما حتى توقفت بالقرب من حوض زهور جاردينيا صغيرة منسقة بعناية .. كان الظلام منتشرا لكن القمر المطل من أعلي فرض بقعته المضيئة البيضاء علي كافة الأنحاء وجعل نوره البارد يتعلق فوق الرؤوس كخيمة بيضاء تثقبها العيون بنظراتها .. هناك توقفت " دوروثيا " وهمست للفتي بطريقة مختلفة تماما عن طريقتها الصارمة المتباعدة :
" أنك تري أشياء يا فتي .. أشياء لم يكن من المفترض أن تراها ! "
عما تتحدث السيدة ؟!
أهي تتكلم عن رؤية المرأة ذات الوجه الخفي والمبني الأزرق أم أنها تقصد شيئا آخر ؟!
فكر الفتي للحظة وهم بسؤالها لكنها بادرته مجيبة قبل أن يسألها :
" في بيت " دوريا " يجب أن يتمتع الجميع بفضيلة مهمة جدا .. وهي فضيلة إبقاء الفم مطبقا ! "
شعر بأنها توبخه وتقرعه فهم بالدفاع عن نفسه لكنها للمرة الثانية لم تعطه الفرصة ليفتح فمه بل قالت له وقد استعادت هيئتها الصارمة :
" كان بوسعي طردك .. بل إن فاعلة ذلك إن لم تكف عن الصراخ ! أيها الفتي .. إن رأيتها ثانية فقل لها : إن قبرك أدفأ من ضوء القمر وسوف ترحل عنك وتتركك .. إنها نصيحة من امرأة مجربة لا تخيفها ترهات الأشباح الجوالة ! "
ضرب الذعر قلب الفتي فتسأل دون أن يبالي بما إذا كان ما يفعله صوابا أم خطأ :
" ماذا تقصدي يا سيدتي ؟! "
نهرته بهدوء وحزم قائلة :
" ثمة أشياء كثيرة تجول في هذا القصر .. أبقي عيناك مغلقتان وأبقي في فراشك ليلا .. وهكذا تتجنب كل المشاكل .. " جوديفا " وحده هو الذي يمنعني من طردك ! "
ركلت له الكرة وجعلته هو المتصرف في الأمر الآن .. فإما أن يلوذ بالصمت أو يطرد من خدمة القصر ويحرم من الجوادين العزيزين !
لكن هل هو متصرف في الأمر حقا .. ولما تعامله بتلك الطريقة العطوفة رغم أن بوسعها طرده فعلا !
قبرها أدفأ من ضوء القمر ؟!
من هي تلك المقصودة بتلك العبارة ؟!
...
حينما أشرق الصباح كان " أنطوان " يقوم بعمله المعتاد في الإسطبل أبكر من موعد العمل الرسمي لدي آل " دوريا " .. فالكل لا زالوا ينفضون النوم عن عيونهم بينما الفتي قد أوشك علي الانتهاء من تقديم العناية الصباحية اللازمة للحصانين المسئول عن خدمتهما .. لم يهجع الفتي أو ينام لحظة بعد ما سمعه من سيدته وبعدما غادره الجميع وتركوه وحيدا في غرفته .. ظل يفكر في معني ما فاهت به السيدة من كلمات غريبة وكذلك كان يترقب ، بقلق وخوف ، ظهور آخر لتلك السيدة المتدثرة بالحجاب والملفوفة بالغموض .. لكنها لم تظهر ثانية لكن السهاد كان قد قرح جفونه فعلا فوجد أن خير وسيلة لنسيان قلقه ومتاعبه هو بالقرب من " إيمرت " و " والي " الرائعي الجمال !
لكن ما رآه بعد ذلك زاد من قلقه وهمه .. فقد شاهد علامات غريبة علي جلد " والي " الذهبي اللامع النظيف .. إن قوائم الجواد الأربعة ملطخة بطين ثقيل متراكم لزج !
لقد نظفه بالأمس قبل نهاية نوبة عمله ، وبالأساس كان كلا الحصانين يلمعان بالنظافة ، فمن أين أتي الطين إذن وكيف توصل إلي تلطيخ قوائم " والي " وصولا حتى الرسغ ؟!
ذهل " أنطوان " لمنظر الطين وهو يلطخ القوائم ويطرطش بعضه حتى أعالي الساقين القويتين .. إن هذا الحصان لم يمشي في وحل بل غاص فيه حتى نهايات قوائمه تقريبا فمتى حدث ذلك ؟!
الأمر المقلق أكثر أنه كان ثمة خدوش علي جلد الحصان .. جروح بسيطة وخدوش صغيرة للغاية لا تكاد تلحظ لكن عينا الفتي المحبتان بصدق لمحتا كل تفصيلة وكل خدش مهما صغر حجمه علي الجلد الذهبي المحبب إلي قلبه .. ما الذي حدث ل" والي " وأين ومتى وكيف حدث له ؟!
بوغت " أنطوان " بصوت من خلفه فألتفت بسرعة .. كان المكان هادئا ساكنا تماما وجميع من بالقصر لا زالوا نياما .. لكنه أحس بمن يتحرك خلفه لكنه حين ألتفت لم يجد أحدا !
أصدر الحصان صوت حمحمة خفيضة فشعر " أنطوان " أن الجواد خائف .. كان " إيمرت " يرقد علي العشب اللين المفروش تحته فهب واقفا وأخذ يحمحم بدوره !
ما الذي يحدث هنا !
فجأة غشي نور مبهر عيني " أنطوان " وشعر بتوهج هائل يؤلم عينيه ويدفعه إلي إغلاقهما .. أغمض عينيه بقوة للحظة ليجنبهما آلام الضوء القوي المفاجئ لكنه وعندما أعاد فتحهما ونظر أمامه وجد شخصا آخر يقف بالقرب أمامه !
لم تكن امرأة تلك المرة بل رجل !
رجل يرتدي ثيابا غريبة مليئة بالأوسمة والنياشين البراقة ويعتمر قبعة بالغة الارتفاع مزينة قمتها بريش دهنت أطرافه بألوان حمراء وزرقاء وبيضاء .. كان الرجل يقف متطلعا بهدوء إلي الفتي الخائف ويرمقه بلا صوت ولا حركة وبنظرة ثابتة تكاد تخرق وجهه ..
حسبه " أنطوان " أولا أحد متصرفي القصر أو رؤساء الخدم ، أو ربما فردا من أفراد العائلة لم يره من قبل .. لكنه لم يكن كذلك فعلا !
ظل الرجل يرمق الفتي للحظة ثم فتح فمه بهدوء وقال :
" الفتي من دم " دوريا " .. عظام نخرة ! "
بهت " أنطوان " وتراجع إلي الخلف .. ظل الرجل ثابتا في مكانه وعاد يتكلم بثقة وبلهجة جافة باردة متنائية :
" الولد من دم " دوريا " .. يرقد ميتا في المستنقع ! "
الآن شعر الفتي برعب لا يستطيع السيطرة عليه .. ارتعشت أوصاله بينما تعالت أصوات الحصانين الخائفة المذعورة من خلفه .. غطي" أنطوان " عينيه للحظة إذ لم يعد بإمكانه تحمل رؤية المزيد من ملامح الرجل الصلبة المخيفة الباردة وحينما كشف غطاء بصره أخيرا وجده قد رحل !
...
لم يعطي " أنطوان " كبير أهمية لواقعة الظهور الشبحي المخيفة في الإسطبل ، فقد وقر في ذهنه أنه ربما يكون خياليا واهما مؤمنا بالخرافات ، وتعلم أن يحتفظ بهواجسه لنفسه لئلا يثير غضب السيدة القاسية عليه ويفقد بالتالي لقمة العيش السائغة الحلوة التي يأكلها تحت جناحها .. 
تعلم أن يطبق فمه إذن لكن العينان يصعب إن لم يكن من المستحيل إبقائها مغلقة ! فقد انفتحت عيناه بعد ما سمعه من الرجل الذي تبخر في الإسطبل .. وبدأ يلاحظ أشياء .. أشياء غريبة لم يكن يوليها اهتماما أو حتى تعلق بباله من قبل ! لم يبقون " إيمرت " و" والي " في إسطبل صغير منعزل منفصل عن بقية مجموعة خيول " دوريا " القيمة ؟!
إن لدي العائلة الارستقراطية تشكيلة من الخيول المطهمة ذوات الأنساب العريقة وشهادات النسب الموثقة ما يزيد علي خمسة عشر حصانا .. كلها تحت رعاية " جرانفيل " ومساعديه الستة ، مساعدي السائس العتيق ، وكلها تخضع لإشرافه المباشر بشكل يومي .. ما عدا هذين الحصانين فقط اللذين نبذا في مكان مخصص لهما وتركت له وحده مسئولية رعايتهما والإشراف عليهما وتقديم الرعاية اللازمة لهما ! الغريب أنه ورغم احتفاء السيدة المتصرفة ، " دوروثيا " ، الزائد الواضح ب" إيمرت " و" والي "
إلا أنه لم يراها أبدا تقترب من أحدهما .. ولا يتم استخدام أيهما من قبل السيدات الخمس مطلقا ! حتى زيارتهن لمنطقة الإسطبلات لتفقد ثروتهن المكنونة من الأحصنة الباهظة الثمن تمر علي إسطبل " جرانفيل " الأساسي وحول إسطبله الصغير لكن إحداهن لا تفكر في الاقتراب من موضع الجوادين ولا في إلقاء نظرة واحدة عليهما !
دارت كل تلك الأسئلة بذهن " أنطوان " الصغير فأرقته وأتعبت رأسه وشغلت ذهنه .. لكن أسبوعا قادما قريبا كان يحمل له حادثا بسيطا .. لكنه مروع جعل المزيد من الأغطية ترتفع عن عينيه والمزيد من الأسلة تدور في رأسها وتكاد تفتتها من الصداع ! ... بعد خمسة أيام من حادثة ظهور الرجل في الإسطبل ومواجهة الفتي المرعبة معه أقيم حفل كبير في قصر آل " دوريا " .. حفل كبير لكنه وقور متحفظ كعادة كل شيء يخص النسوة الخمس المتصلبات السحن ..
كان الاحتفال مخصصا لعيد مولد التوائم الأربعة الذين يصغرون السيدة " دوروثيا " .. كانت القطط الأربعة سعيدات في هذا اليوم للغاية ، صحيح أنهن لم يتخلين عن تحفظهن القميء وسحنهن المقفلة وكأنما عليها وزنة طن من الأحجار إلا أنهن ارتدين ثيابا فخمة وتزين وأرخين شعورهن وبدت عليهن السعادة وهي يستقبلن ضيوفهن الكثيرين ! تم الاحتفال صباحا في القاعة الزرقاء بحضور عدد من علية القوم الذين كان مرأى وجوههم وحدها مثيرا للذعر بسبب غطرستهم الزائدة والسيدات المعتدات بأنفسهن اللائي يرتدين أفخر أنواع الثياب ويتغطين بالفراء ويتزين بالحلي الثمينة البراقة النادرة المثال ..
وقفت الأخت الكبرى " دوروثيا " مرتدية ثوبا فخما مكللا بقطع الفراء الثمينة وقد غطت وجهها بطبقة كثيفة من الطلاء الأبيض علي غرار ما كانت تفعله الملكة إليزابيث الأولي في نهايات أيامها .. لكن الملكة كانت تخفي علامات الكبر وتجاعيد الشيخوخة تحت هذا الطلاء الكثيف فما الذي تخفيه ابنة " دوريا " إذن؟!
كان وجه المرأة المتبرجة صلدا جامدا وقد بدت علي وجهها ، رغم كل ما يغطيه من مساحيق ، علامات لا يسهل إغفالها أو تجاهلها .. خدوش غريبة وحفر وجروح صغيرة متعددة ! بررت السيدة بأنها سقطت بينما كانت تستحم وارتطمت بالأرضية الباردة المبللة .. لكن خدوش بشرتها بدت شيئا آخر غير رضوض الصدمات وجروح الارتطامات .. إنها علامات حفر أظافر حاقدة غرست بغل وكراهية عميقا في الجلد الصلب للمرأة الصامتة الشاحبة ! لمح " أنطوان " الخدوش لكنه لم يحر كلاما .. كان له دور في الاحتفال إذ كان مكلفا مع بقية عمال الإسطبل الفخم بتقديم الجياد للسادة وتسهيل قيادتها لهم ليقوموا علي متن ظهورها الشامخة برحلة متجولين في داخل حدود أراضي الأسرة الشاسعة كنوع من الاحتفاء بعيد مولد القطط الأربعة العجائز العوانس ! رافقت السيدة أخواتها وضيوفهن وهم يقوموا باختبار الأحصنة ويختار كل منهم الجواد الملائم المتماشي مع مزاجه الهادئ أو العنيف المحب للطموح والجموح ..
اختيرت كل الأحصنة وبقي واحدا يحمل اسم " سكوبيا " من إسطبل " جرانفيل " ومعه " والي " الفاخر .. كانت المضيفة هي آخر من سيختار جوادا له فاقتربت وعلي وجهها علامات الهدوء والثقة .. لكنها ما إن وقعت عيناها علي " والي " بالقرب منها حتى أجفلت وتراجعت إلي الخلف وعلي وجهها علامات الذعر ! لم يكن هذا غريبا ، أو أغرب ما في الأمر .. الأكثر غرابة فعلا أن الحيوان الأعجم ما إن رأي وجه سيدته حتى اهتاج فجأة وحاول أن يتحرر من المقود الذي يمسكه " أنطوان " بكل ما في يديه من عزم وقوة ..
حمحم الحصان ثم أطلق صوت صهيل غاضب مرتفع .. كان السادة قد انطلقوا بجيادهم بالفعل مكونين ركب طويل ارستقراطي الخطوات .. وتخلف " جوديفا " و" أنطوان " مع سيدتهما ليساعدها علي ركوب حصانها والانطلاق خلف الركب المرح واللحاق بهم ..
لكن " والي " الهائج الثائر أخذ يتحرك بعنف ويحرك قوائمه ويضرب برقبته الهواء مطلقا أصواتا مروعة .. أنزلق اللجام من يد " أنطوان " وتحرر الحصان الثائر .. ثم أطلق لساقيه الرياح ..
لا لم يجري مبتعدا .. بل عدا بسرعة البرق نحو " دوروثيا " الشاحبة الخائفة وشن عليها هجوما خاطفا كاسحا بقائمتيه الأماميتين .. ضربها ضربة خاطفة فسقطت تحته ثم أطلق أعلي صهيل سمعه الفتي " أنطوان " في حياته .. ثم أنثني عليها وأخذ يضربها بقوائمه ويضربها ضربات سريعة متلاحقة مثيرة للرعب !
...
سحبوها بصعوبة بالغة من أسفل الحيوان المهتاج .. كان " والي " في حالة ثورة عارمة وكاد يفتك بمهاجميه بقوائمه الصلبة الضخمة .. بدا واضحا جدا أنه مصر علي الإنفراد بالمرأة المذعورة التي سقطت كقطعة صخر بلا حول ولا قوة تحته ، مثلما هو بالضبط مصر علي الفتك بها وتمزيقها إربا .. أسرع " أنطوان " ليسمك بمقود الحصان وحاول سحبه إلي الخلف وجره بعيدا عن " دوروثيا " شبه الميتة لكن الجواد قاوم بضراوة .. بشراسة رفع رقبته وحمحم وصهل بأعلى صوته وضرب الهواء بقائمتيه الأماميتين وكاد يهوي ثانية علي السيدة لولا أن الفتي الجسور شد اللجام بقوة فأجبر الفرس الثائر علي خفض رقبته .. سارع " أنطوان " بشد اللجام مرة أخري بقوة وعندما لامست يداه رقبة الحيوان الضخمة أخذ يداعبها ويملس عليها برقة .. حمحم الحصان أخيرا وبدت نظرة غريبة في عينيه ثم ثار مرة أخري وحاول أن يعاود الهجوم علي ابنة " دوريا " التي كان الخدم قد نجحوا في سحبها بعيدا عن مرمي قوائم الحصان العملاق الهائج الغاضب .. جروها بعيدا وهي في حالة يرثي لها وقد تقطعت أنفاسها وسقط قناع الصرامة والجدية والحزم من فوق وجهها الصلب ، وظهرت من تحت الغلاف الممزق ملامح لامرأة مذعورة .. امرأة عاجزة ضعيفة لم يفزعها هجوم حيوان ثائر عليها بل إن وراء نظراتها رعب أكبر بكثير وأكثر شراسة
لأول مرة خرجت السيدة عن هدوئها المقدس فأخذت تصرخ وقد أنفك رباط شعرها وتناثر حول رأسها ناعما أملس خفيفا للغاية فبدت شبه صلعاء بعد أن سقطت الزينة المتكلفة عن رأسها :
" سأقتلك .. سأقتلك أيها الشرير ! "
تصدي " جوديفا " للجواد الغاضب وتمكن هو و" أنطوان " من استعادة قياده مرة أخري وأخذاه بعيدا ليعيداه إلي إسطبله الخاوي الآن ، بعد أن حمل رفيقه أحد السادة وذهب بعيدا ، وخلفهما كانت السيدة تصرخ بلا تحفظ :
" لن تعجزني أنت .. لن تعجزني يا " والي " الحقير ! "
كان " أنطوان " في قمة العجب والدهشة لأقدام سيدة وقورة حازمة علي توجيه التهديدات الحارة لحيوان أعجم تعرف هي جيدا ، مثلما يعرف الجميع ، أنه لن يفهم حرفا من كل ما تصرخ به .. لكن شيء غريب يحدث هنا .. شيء غريب لا يفهمه الفتي المستخدم الجديد ولا يفهمه أحد تقريبا !
لم تمر بقية اليوم كما يجب .. أحس الضيوف بغياب مضيفتهم الرئيسية " دوروثيا " عن مشاركتهم الركب المرح المحتفل فعادوا تباعا ، تتقدمهن الدوريات الأربع ، للاطمئنان عليها .. وجدوها راقدة في فراشها مذعورة وقد ارتفعت درجة حرارتها وتهدجت أنفاسها .. أحاطت بها شقيقتيها " دريدا " و " دولوريس " ، بينما انشغلت الأخريان بمراجعة الطبيب دكتور " جانسزون " ، الذي أستدعي علي عجل لفحص السيدة المذعورة وتقرير ما إذا كانت قد أصيبت بكسور أو جروح خطرة من عدمه .. كانت المرأة العتيقة سليمة ، مذعورة مرعوبة مشعثة متقطعة الأنفاس نعم ، لكنها لم تصب بأي شيء عدا قليل من الخدوش والرضوض البسيطة السطحية .. غريب جدا أن تخرج من تحت حيوان يزن أربعمائة وستين كيلو جراما دون أن تتحطم عظامها أو تتفسخ ضلوعها !
وضعوها في الفراش والتففن حولها .. قدموا لها علاجا مهدئا وشرابا ساخنا وطعاما باردا خفيفا .. رقدت بعدئذ لتنام وتستريح .. فسدت حفلة عيد الميلاد وظهرت علامات الامتعاض علي وجوه القطط الأربعة لكنها لم تدم طويلا !
أنصرف الضيوف بعد أن قدموا احترامهم ومشاركتهم الوجدانية لبنات " دوريا " واظهروا عظم اهتمامهم بصحة السيدة الكبرى التي لم يكن أحد يأبه لها في واقع الأمر .. كان يوما أسود ولابد أن يختم كالعادة بليلة سوداء !
في فراشها رقدت " دوروثيا " ملتفة بالأغطية ، وحيدة بعد أن أصرت علي أن تصرف أختيها " ديزموندا " و" ديميلزا " اللتين حاولتا البقاء معها ومرافقتها تلك الليلة .. لكنها أبت عليهن ذلك لأنها تعرف أنها ستصاب بالحمى وتهذي تلك الليلة .. ولا تريد لأحد مهما كان أن يسمع ما ستعترف به رغم أنفها في نوبات الحمى !
لأول مرة خرجت السيدة عن هدوئها المقدس فأخذت تصرخ وقد أنفك رباط شعرها وتناثر حول رأسها ناعما أملس خفيفا للغاية فبدت شبه صلعاء بعد أن سقطت الزينة المتكلفة عن رأسها :
" سأقتلك .. سأقتلك أيها الشرير ! "
تصدي " جوديفا " للجواد الغاضب وتمكن هو و" أنطوان " من استعادة قياده مرة أخري وأخذاه بعيدا ليعيداه إلي إسطبله الخاوي الآن ، بعد أن حمل رفيقه أحد السادة وذهب بعيدا ، وخلفهما كانت السيدة تصرخ بلا تحفظ :
" لن تعجزني أنت .. لن تعجزني يا " والي " الحقير ! "
كان " أنطوان " في قمة العجب والدهشة لأقدام سيدة وقورة حازمة علي توجيه التهديدات الحارة لحيوان أعجم تعرف هي جيدا ، مثلما يعرف الجميع ، أنه لن يفهم حرفا من كل ما تصرخ به .. لكن شيء غريب يحدث هنا .. شيء غريب لا يفهمه الفتي المستخدم الجديد ولا يفهمه أحد تقريبا !
لم تمر بقية اليوم كما يجب .. أحس الضيوف بغياب مضيفتهم الرئيسية " دوروثيا " عن مشاركتهم الركب المرح المحتفل فعادوا تباعا ، تتقدمهن الدوريات الأربع ، للاطمئنان عليها .. وجدوها راقدة في فراشها مذعورة وقد ارتفعت درجة حرارتها وتهدجت أنفاسها .. أحاطت بها شقيقتيها " دريدا " و " دولوريس " ، بينما انشغلت الأخريان بمراجعة الطبيب دكتور " جانسزون " ، الذي أستدعي علي عجل لفحص السيدة المذعورة وتقرير ما إذا كانت قد أصيبت بكسور أو جروح خطرة من عدمه .. كانت المرأة العتيقة سليمة ، مذعورة مرعوبة مشعثة متقطعة الأنفاس نعم ، لكنها لم تصب بأي شيء عدا قليل من الخدوش والرضوض البسيطة السطحية .. غريب جدا أن تخرج من تحت حيوان يزن أربعمائة وستين كيلو جراما دون أن تتحطم عظامها أو تتفسخ ضلوعها !
وضعوها في الفراش والتففن حولها .. قدموا لها علاجا مهدئا وشرابا ساخنا وطعاما باردا خفيفا .. رقدت بعدئذ لتنام وتستريح .. فسدت حفلة عيد الميلاد وظهرت علامات الامتعاض علي وجوه القطط الأربعة لكنها لم تدم طويلا !
أنصرف الضيوف بعد أن قدموا احترامهم ومشاركتهم الوجدانية لبنات " دوريا " واظهروا عظم اهتمامهم بصحة السيدة الكبرى التي لم يكن أحد يأبه لها في واقع الأمر .. كان يوما أسود ولابد أن يختم كالعادة بليلة سوداء !
في فراشها رقدت " دوروثيا " ملتفة بالأغطية ، وحيدة بعد أن أصرت علي أن تصرف أختيها " ديزموندا " و" ديميلزا " اللتين حاولتا البقاء معها ومرافقتها تلك الليلة .. لكنها أبت عليهن ذلك لأنها تعرف أنها ستصاب بالحمى وتهذي تلك الليلة .. ولا تريد لأحد مهما كان أن يسمع ما ستعترف به رغم أنفها في نوبات الحمى !

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...

شيرلوك هولمز التحقيقات الجنائية : أبو الطب الشرعي قاهر القتلة !

  " برنارد سبيلسبري "  الرجل الذي جعل من علم الأمراض علما له قواعد وأصول .. نظرة ثاقبة وذكاء حاد وعناد لا حد له   شهد عالم الجريمة شخصيات لامعة ذاع صيتها ، وعالم الجريمة ، كغيره من مجالات الحياة والعمل المختلفة يضم نخبتين وفصيلين : رجال الشرطة واللصوص ، المجرمين ومحاربي الجريمة ، القتلة والأشخاص الذين نذروا أنفسهم لتعقبهم والإيقاع بهم ،ودفعهم إلي منصات الشنق أو تحت شفرات المقصلة أو إلي حياض أية ميتة لائقة بهم . وبطلنا اليوم هو واحد من أبرز وألمع من ينتمون إلي الفئة الأخيرة : إنه الطبيب الشرعي الأكثر شهرة وإثارة للجدل ، الرجل الذي جلب على نفسه عداء عدد لا يُحصي من المجرمين والسفاحين والقتلة ، إنه سير " بيرنارد سبيلسبري " ، متعقب القتلة وعدو المجرمين وصاحب أكبر عدد من القضايا الملغزة التي لا تزال الكتابات والتخمينات حولها مجال خصب للإبداع والجدل ملتهب الأوار .   ميلاد الرجل المنتظر ! خرج " برنارد " إلي النور يوم 16 مايو 1877م(1) ، في يوركشاير ، وهو الابن البكر للمتخصص في كيمياء التصنيع " جيمس سبيلسبري " وزوجته " ماريون إليزابيث جوي " ، كا...