في تباشير صباح يوم 30 يونيو / حزيران من عام 1908م ، وفوق سهول وسط سيبيريا الشاسعة رصد البعض شكلا غريبا ، يشبه البالون ، باللون الأبيض يقطع الأفق بسرعة مخيفة متجها من الجنوب الشرقي مكملا مسيرة طيرانه حتى وصوله إلي جهة الشمال الغربي ، وترافق ظهور هذا الجسم مع اهتزازات كبيرة أدت إلي اهتزاز زجاج النوافذ وقطع الأثاث ، حتى الكبيرة منها ، التي أخذت تتساقط من مواضعها ، ثم أختفي الجسم غير المحدد لاحقا متجها نحو غابات التايجا ، حيث ساد هدوء غريب لمدة دقائق ، تبعه دوي انفجار هائل ، لكنه لم يكن انفجارا واحدا بل تكرار لأربعة انفجارات متلاحقة سُمع دويها على مدي يتجاوز مئات الكيلومترات ، وقد حسب من وصلتهم أصوات الانفجارات كونها مدفعية ثقيلة تنبئ ببدء حرب جديدة ،غير أن الانفجار كان أقوي بكثير من القوة التدميرية التي تحدثها دانة المدفع ، وقد انتشر الخراب على امتداد ألفي كيلومتر مربع ، ووصلت حدة الموجة الناجمة عن الانفجار لتتسبب في زلزال تم رصده في أيركوتسك ، الواقعة على بعد تسعمائة كيلومتر عن نقطة وقوع الانفجار ، وهي منطقة تونجوسكا Tunguska السيبيرية وبالقرب من نهر يحمل اسم ستوني Stony شمال غرب بحيرة بايكال Baikal !
كان هذا الانفجار الغامض يمكن أن يعزي لأي
سبب مقبول غير أن التداعيات الغريبة التي تبعته أدت إلي نشوء واحد من أهم ألغاز
العلم في العصر الحديث .
انفجار تونجوسكا غير العادي أدي إلي موجات
صدم دارت الأرض كلها في خلال فترة لا تتجاوز الثلاثين ساعة فقط ، كما نجم عنه ظهور
عدة ظواهر لا تزال محل نقاش وتساؤل حتى اليوم نذكر منها :
1-
الغيوم المضيئة التي انتشرت على مسافة واسعة
من مركز الانفجار وحتى وسط أوربا ، وقد كانت هذه الغيوم من اللمعان بحيث أنها
احالت السماء ليلا إلي نهار ساطع وحجبت النجوم عن أنظار العلماء
2-
تجمعات كبيرة من الغبار والجزيئات الناجمة عن
الانفجار والتي وصلت حتى النصف الغربي من الكرة الأرضية وجعلت الغلاف الجوي يبدو
معتما وتتناقص درجة شفافيته بشدة لمدة دامت شهرا بأكمله .
3-
السماء المضيئة ليلا وهي ظاهرة استمرت نحو
أربع أو خمسة أيام عقب الانفجار ، وشملت معظم روسيا ومدن أوربية أخري مثل برلين
وكوبنهاجن ، أي أن تأثير الإضاءة الساطعة التي خلفها تفجير تونجوسكا وصلت من سيبيريا
حتى اسكندنافيا شمالا .
4-
وأيضا ظهور الغسق المضيء والتي امتدت من
روسيا وحتى سواحل المحيط الأطلنطي !
5-
لم تقتصر الأمور على الإضاءة الغريبة وتجمعات
الغبار الهائلة بل إن شدة موجة الصدمة التي نتجت عن الانفجار عبرت المحيط الأطلسي
كله ووصلت حتى العاصمة الأمريكية واشنطن ، وحتى جاكرتا الإندونيسية جنوبا ، وكانت
الموجة بقوة تعادل زلزالا تبلغ درجته 5 على مقياس ريختر !
قوة تفجير تونجوسكا تعادل حسابيا حوالي من 10
إلي 15 ميجا طن من مادة tnt ، مما يعني أنها تفوق قوة انفجار قنبلة هيروشيما
بنحو ألف مرة ( قوة قنبلة هيروشيما تعادل 15 كيلو طن ) ، ولا يتفوق علي قوة تفجير
تونجوسكا سوي القنبلة الهيدروجينية الأمريكية التي تم تفجيرها في كاستل برافو Castle Bravo عام
1954م ( وتعادل قوتها 15،2ميجا طن ) ، وكذا قنبلة القيصر الروسية Tsar
Bomba
والتي تعادل 50 ميجا طن ، وتم اختبارها في 30 أكتوبر 1961م .
انفجار تونجوسكا ، وبرغم ضخامته وعظم الآثار
الناجمة عنه ، إلا أنه لم يسفر عن خسائر بشرية تذكر ، وذلك للانخفاض الشديد في
الكثافة السكانية في المنطقة التي وقع فيها ، ولكنه ، وعلى الناحية الأخرى ، أدي إلي
تدمير ما تزيد مساحته على ألفي كيلومتر ، وتدمير حوالي ثمانين مليون ( 80000000)
شجرة من أشجار التايجا !
انفجار عظيم كهذا هو بحق ، وحتى الآن ، أكبر انفجار
يتم بدون تدخل بشري مسجل في تاريخ البشر
المكتوب .. ولكن ولسوء الحظ فإن روسيا ، التي كانت في تلك الفترة من مستهل القرن
العشرين كانت تعاني مشاكل سياسية ، وكان البلاشفة ينظمون أنفسهم خارج البلاد ،
بينما تعالت في الداخل المطالبة بتحديد سلطات القيصر واعتماد نظام الملكية
الدستورية ، على غرار بريطانيا مثلا ، كما كانت هزيمة روسيا المريرة أمام اليابان
في حربها معها (1904-1905م) تشكل جرحا كبيرا في اعتداد القيصر الروسي الأخير
" نيكولا الثاني " بنفسه وثبات عرشه ، ورغم أن الانقسام والخلاف بين
أحزاب الإصلاحيين جعلت " نيكولا " يتمتع بفترة من الاستقرار والثبات
لحكمه ، إلا إن غليانا في الدولة الروسية الكبيرة جعل حادثا عابرا ، لم تكن قيمته
العلمية أو مبلغ الآثار الناجمة عنه قد عُرفت بعد ، لا يحظى بأي تحقيق أو فحص رسمي
جاد !
وهكذا بقيت غابات سيبيريا الشاسعة متحفظة على
سرها حتى بدأ العلماء يتوافدون لدراسة آثار انفجار عام 1908م ومحاولة تحديد سببه
والتعرف عليه .
كان أول من أبدي اهتماما محمودا بذلك اللغز
هو العالم الروسي " ليونيد كوليك " Leonid Kulik ، الذي ترأس
فريقا علميا اتجه في عام 1921م إلي حوض نهر بودكامينا تونجوسكا Podkamennaya
Tunguska River
،وحيث أن " كوليك " لم يتعمق حتى منطقة الإنفجار نفسها وأكتفي بمعاينة
المناطق المحيطة والخراب الذي لحق بها ، والاستماع إلي شهادات السكان المحليين فقد
تبني حينها نظرية أولية تصف ما حدث في تونجوسكا بأنه ناجم عن ارتطام نيزك بالأرض
وتحطمه ، وربما عاني " كوليك " من نقص في التمويل مما دفعه إلي الاكتفاء
بتسجيل ملاحظات خارجية إلي حد ما عن الحدث الغريب !
أما رسميا فقد بدأت البعثات المدعومة
والمكلفة رسميا بعد ست سنوات أخري ، أي في عام 1927م ، هذه المرة وبرئاسة "
كوليك " أيضا توغلت بعثة حتى نقطة الانفجار ، حيث كان يتوقع العثور على فوهة
أو حفرة ضخمة في الأرض متخلفة عن اصطدام النيزك بالأرض ، بيد أن شيئا من هذا لم
يكن له وجود ، وبدلا من ذلك وجدت أشكال غريبة للأشجار المدمرة والمحترقة ، والتي
تمتد على مسافة عشرات الكيلومترات ،بل إن بعض المناطق انتزعت فيها الأشجار تماما
ونبتت أشجار جديدة بدلا منها ، مما يدل على عنف الانفجار وقوته التدميرية الهائلة
، في حين واصلت البعثة التجول متتبعة آثار الدمار حتى منبع نهر تشوغوما وهنا تغير
المشهد كلية ، فقد بقيت جذوع الأشجار المحترقة لكنها كانت متجهة بشكل قطري بعيدا
عن المركز ، وقد دفع ذلك " كوليك " إلي الاعتقاد بأن هذا هو مركز سقوط
النيزك ،فتابع طريقه منتظرا الوصول إلي الفوهة أو الحفرة المأمولة التي تدل على
سقوط الجسم النيزكي من السماء ، لكنه وجد في المركز مزيدا من الأشجار المدمرة مع
حفر كثيرة يغمرها الماء ،وقد أعتبر " كوليك " أن هذه هي نقطة الحدث ،
وأن هذه الحفر المملوءة بالماء هي الفوهات الناتجة عن ارتطام النيزك بالأرض .
غير أن البعثة الرسمية الثانية التي قادها ،
كوليك " أيضا ، وبعد عامين فقط ، كانت جاهزة للقيام بمزيد من عمليات البحث
الجادة ، ومجهزة بمعدات مناسبة ، ومن خلال عملية الحفر الدؤوبة ثبت لهم عدم وجود
أية بقايا أو شظايا تابعة للنيزك المزعوم .. كما أن تفسيره السابقة لسبب وجود
الحفر التي شاهدوها في مركز الانفجار لم يكن أبدا على صواب ، بل لقد دلت أبحاث
علماء الجيولوجيا والتربة أنها ناجمة عن عمليات طبيعية مرتبطة بترسب الفحم النباتي
.
أي أن البعثة الرسمية لعام 1929 أثبتت ببساطة
فشل كل محاولة في الحصول على دليل يثبت أن ما حدث في سيبيريا عام 1908م كان مجرد
ارتطام نيزك بالأرض !
إذن فهل اختفت هذه الأدلة ، أو انتزعت من هنا
عمدا لسبب ما ، أم أن حادث تونجوسكا لم يكن ناتجا عن نيزك من الأساس ؟!
محاولات لشرح اللغز : ما الذي حدث هناك بالضبط ؟!
منذ أن توغل " كوليك " ، على مسئوليته الشخصية
، في عمق الغابات السيبيرية الشاسعة والموحشة ،وبدأت محاولات حثيثة لشرح ما حدث في
هذا اليوم في تلك المنطقة النائية والمعزولة كليا عن العالم ، كانت فكرة ارتطام
نيزك بالأرض في تلك المنطقة هي الفكرة الأولي و( العمدة ) لكل النظريات التي ظهرت
لاحقا ،والتي حاولت تقديم نظرية وتفسير مرضي لهذا الحادث الغامض .. غير أن نظرية
اصطدام النيزك اصطدمت هي نفسها بمعضلات كبيرة ،أهمها أن شيئا كهذا كان ليترك أثرا
واضحا على التربة ،وبرغم أنه ضمن الوثائق الرسمية التي تروي القصة كان ثمة تقرير ،كتبه
رئيس شرطة المنطقة التي تضم تونجوسكا ،والذي يصف مشاهدات لنيزك هائل الحجم يحلق
فوق قرية كيجيمسكي في الثلاثين من حزيران ،قبيل سماع دوي الانفجارات المتتالية
بقليل ، إلا أن التقرير لم يؤكد نوعية المشاهدة بشكل يقطع بنوعية الجسم الذي شوهد
، خاصة وأن أوصاف عملية اشتعال الغابة والأصوات التي رافقت الانفجار يمكن أن
تتطابق مع ظواهر طبيعية أخري غير سقوط النيازك على الأرض .
ومنذ بعثته الرسمية الأولي في عام 1927م تبني "
كوليك" تماما فرضية النيزك ،وكانت كل بعثاته التالية هي محاولة لإثبات تلك
الفرضية ،وليس للبحث عن افتراضات بديلة ،وربما كان العالم المنهجي يحاول تجاهل
نوعيات أخري من النظريات المبالغ فيها خشية أن يؤثر ذلك على سمعته العلمية ،أو
يفتح الباب أمام تهويل للحادثة وربطها بنظريات لا وسيلة للتحقق منها .
محاولة العثور على حطام النيزك وإن كانت قد وصلت إلي
حائط مسدود ،إلا أن تحليل تالي للتربة في المنطقة دل على وجود خليط من السليكون
ومعادن أخري تتوفر عادة في تركيبة النيازك ،اُعتبر ذلك الحل مرضيا ،لكن تدقيق
متأخر قليلا جعل ذلك الدليل يتبخر بدوره ،إذ أن تلك التركيبة مماثلة تماما للغبار
الناجم عن احتراق الشهب ،والذي تتساقط منه كميات هائلة على الأرض كل عام ،وقد
تطابقت نتائج تحليل العينات المأخوذة من تربة تونجوسكا مع نظيرتها المنتزعة من
غبار بعض الشهب المحترقة تطابقا يدل على وحدة المنشأ لكلا العينتين !
إن الوزن التقريبي للجسم الذي تسبب في انفجار تونجوسكا
يساوي حوالي مائة ألف (100000) طن ، وهو وزن كان كفيل ،في حالة سقوط هذا الجسم إن
كان نيزكا أو لم يكن ،في احداث ضرر مهول لو أنه سقط في منطقة مأهولة بالسكان .
وإجمالا نشير إلي أشهر الافتراضات التي وضعت من أجل
تفسير ما حدث في تونجوسكا في ذلك اليوم باختصار :
1- فرضية النيزك : وهي أول فرضية ونظرية متعلقة بلغز حادث تونجوسكا ،وقد جري
الحديث عنها في اللحظات الأولي لبداية عمليات الدراسة الجادة والميدانية لموقع
الكارثة ،ويعيب تلك الفرضية برغم انتشارها الساحق عدم وجود أي آثار للنيزك الذي
يفترض أن يكون قد تحطم نتيجة اصطدامه بالأرض في الثلاثين من يونيو من عام 1908م.
2- نظرية السفينة الفضائية :وهي أكثر الفرضيات إغراقا في الخيال ،وقد ظهرت في
مرحلة مبكرة ،وتكاد يكون ظهورها متزامنا مع قصة تحطم النيزك ،وقد ساهمت بعض
الشهادات التي أدلي بها شهود عيان ،أو أشخاصا تصادف وجودهم قرب موقع الحدث ،في استمرار
الكلام عنها ،خاصة تلك التي تكلمت عن (جسم أسطواني منتظم ) طار فوق المنطقة قبيل
سماع أصوات الانفجارات المتتالية ،وتعد تلك النظرية مرتبطة بفكرة وجود حضارات أخري
متقدمة خارج كوكب الأرض ،وقصص التلاعب وإخفاء الأدلة وتضليل الشعوب ،وتكاد تكون
النسخة الروسية الأقدم من حادثة روزويل ،إذ قيل أيضا أنه تم العثور على حطام وبقايا
متناثرة ،وقد زاد وجود عناصر نادرة في موقع الانفجار مثل الديتريوم والفوسفور
النقي من شيوع تلك النظرية ،التي تفترض أن سفينة فضائية تعمل بالطاقة النووية دخلت
الغلاف الجوي ،ومن ثم وحين أدرك من على متنها أنها معرضة للدمار غيروا خط سيرها
إلي منطقة غير مأهولة تجنبا لإيقاع ضحايا كثر ،وهذا ما يفسر الحقيقة التي أتفق
عليها جميع الشهود وهي أن الجسم غير مساره فجأة متجها صوب قلب غابات التايجا
الشاسعة .
3- نظرية أخري مقاربة جدا تعتمد على العثور على أحجار سوداء مكعبة متساوية
الأضلاع على ضفاف نهر بودكامينا تونجوسكا ،وهذه الأحجار بحسب أراء المختصين ليست
من صنع الطبيعة ،وهذا أدي لظهور فرضية الاصطدام بين نيزك وطبق طائر مجهول المصدر
فوق تونجوسكا .
4- هناك نظريات أخري تميل أكثر للحرص وعدم الخوض في الأمور فوق الطبيعية التي
تثير حماس الجمهور ،مثل نظرية ارتطام ثقب أسود صغير بالأرض في تلك المنطقة ،وقد
تبني تلك النظرية عالمان أمريكيان من جامعة تكساس ،كما نشر العالم " فيبس
مورجان " نظريته الخاصة بكون انفجار تونجوسكا ناجما عن انفجار مهول للصهارة
المحتجزة في باطن الأرض في ظاهرة تسمي ( طلقة فيرن )
5- هناك أيضا نظرية تتكلم عن اصطدام مذنب مكون من الجليد بتلك المنطقة مما أدي
إلي انفجار هائل تبعه تبخر المذنب ، بسبب
ارتفاع درجة الحرارة ،مما أدي إلي عدم وجود أية آثار له .
ومع تعدد النظريات وتقديم دلائل قد تعضد كل منها ،مع
عجزها جميعا عن إيجاد دليل قطعي ونهائي وغير قابل للنقاش على صحتها ،فتح المجال
أمام التفسيرات التي قد تبدو للوهلة الأولي خيالية جدا أو غامضة أو حتى مثيرة
للسخرية .
بيد أنه ، وفي نفس الوقت ،لا يتنبه الجميع إلي أنه وخلال
الزمن الذي وقع فيه هذا الانفجار الغريب ، غير محدد الأسباب حتى حينه ،كان هناك
رجل حامت حوله الشبهات مثلما شهد له الجميع بالعبقرية المفرطة ،هذا الرجل الذي كان
يعمل على الجانب الآخر من المحيط الأطلنطي ،مقدما نظرياته وتطبيقاته حول طاقة
مجانية للبشرية كلها وأشعة الموت وأبراج قادرة على إحداث طاقات تدميرية مهولة ،رجل
دخل التاريخ من أوسع أبوابه ،مثلما شهر به أعداءه وجعلوه مثالا للعالم الشرير
المجنون ،الذي يطمح إلي السيطرة على العالم عبر تطبيقات شاذة ومرعبة للعلوم ،التي
كان يعمل عليها بشكل علني أحيانا ، وبشكل سري تماما في أحايين أخري ، ومن محاسن الصدف
أن هذا الرجل لم يكن غريبا على أصقاع سيبيريا المتجمدة أو الأراضي الروسية الشاسعة
والمليئة بالأسرار والمناطق التي لا يعرف عنها العالم الكثير، هذا الرجل قيل أن له
يدا في ذلك الحدث الذي لا زال يشكل لغزا حتى اليوم ،فهل كان ذلك الانفجار المجهول
مسبب علميا بشكل لم يتم اكشف عنه حتى الآن ،أم أنه ببساطة كانت ناجما عن شحنة
هائلة من الطاقة أرسلت عبر المحيط لتوقظ العالم من سباته بيد رجل حاربه أقوي وأشرس
رجال العالم ،ومات وحيدا مهدما بعد أن أستولي أعداؤه على إنجازاته وسلبوا أوراقه
التي لم يُعرف طريقها بعد ذلك أبدا ؟! .. إنه العالم الأمريكي صربي الأصل "
نيكولا تسلا " !
نيكولا تسلا : رجل الشر الذي أراد خدمة العالم !
إذا أفردنا مقالا كاملا بحق " نيكولا تسلا "
العظيم فلن يكون وافيا بحقه ،غير أن جزئية علاقته المفترضة بحادثة تونجوسكا
الرهيبة هي كل ما يعنينا من سيرة حياته الشهيرة الآن ،فهذا العالم ذو الأصل الصربي
والذي طبقت شهرته الآفاق ،أختلف النقاد والرواة حول وصفه بدقة ،فمنهم من يعتبره من
أهم ،إن لم يكن الأهم على الإطلاق ،من بين كل علماء القرن العشرين البارزين ،وقد
أرتبط اسم " تسلا " بعدة أحداث مهمة ،يأتي على رأسها حرب التيارات التي
ثارت بينه وبين خصمه العنيد "توماس أديسون "،وتدخلت فيها أطراف كثيرة
تتحيز لهذا الجانب أو ذاك ،والتي دافع فيها " تسلا " بشراسة وإصرار عن
فكرة استخدام التيار المتردد لتزويد العالم كله بطاقة كهربية رخيصة أو تكاد تكون
مجانية تماما ،وبشر بعالم خالي من الفئات المحرومة من مصادر الطاقة والتدفئة بسبب
العوز المالي ، ولكن في المقابل فقد تلطخت سمعة " تسلا " بعدد من
النظريات التي ربطته ببعض الابتكارات المؤذية أو المدمرة ،يأتي على رأسها ما يسمي
بأشعة الموت ، ونسبت إليه اختراع سلاح مدمر ،كما قيل أيضا أنه اخترع آلة زمان
فعالة وتمت تجربتها بنجاح ،وغير ذلك من شائعات كان بعضها بقصد السخرية والتقليل من
أفكار هذا العبقري المغبون ،وأخري كان هدفها تشويه صورته والتشنيع عليه في حملة
قذرة للغاية ،تبناها أعدائه ومنافسيه ،وعلى رأسهم طبعا " توماس أديسون "
،الذي أراد تدمير سمعة التيار المتناوب ( المتردد ) الذي عمل عليه " نيكولا
تسلا " بجد ،فلم يجد " أديسون " أفضل من جعل هذا التيار وسيلة
للموت عبر استعماله في صعق حيوانات صغيرة حتى الموت أمام الناس في عروض عامة في
الشوارع ،ثم دشن " أديسون " تشنيعته الكبرى عبر اختراع كرسي الإعدام
الكهربائي الذي يستخدم تيار " تسلا " المتردد العزيز !
وكتفصيلة غامضة جدا في ملف حياة " تسلا "
انتشرت أقاويل حول ارتباطه بحادث تونجوسكا الرهيب ،وأشيع أن هذا الانفجار الهائل
كان ناجما عن حزمة كبيرة جدا من الطاقة وجهها " تسلا " عبر الأثير إلي
هذه البقعة غير المأهولة على سبيل التجربة !
لكن هل توجد أي دلائل تدعم هذه الفرضية الغريبة جدا ؟!
أولا يلفت نظرنا في حادثة تونجوسكا هو عدم وجود تفسير
واضح ومحدد لها ، ومدعم بأدلة قوية ،برغم مرور أكثر من مائة عام على حدوثها ،فأشهر
الفرضيات التي وضعت لشرحها لم يوجد قط أدلة كافية عليها ،فهل عجز العلم الحديث بكل
طاقاته وأساليبه المستحدثة عن اكتشاف حقيقة ما جري هناك في سيبيريا النائية في عام
1908م أم أن هناك حقائق معروفة لكن تم إخفائها والتكتم عليها ؟!
في عام 1908م كان " نيكولا تسلا " قد فقد
القوة الداعمة لمشروعه الكبير المتمثل في برج الاتصالات اللاسلكية الغريب المعروف ببرج
واردنكليف Wardenclyffe Tower والذي أقيم في شورهام /
نيويورك ، والذي شرع " تسلا " في بناءه عام 1901م بعد حصوله على دعم
مادي يقدر بمائة وخمسون ألف دولار من جون بيربونت مورجان ، رجل الأعمال الشهير ،
والذي تأثر بخطط " تسلا " المعلنة لتوفير مصدر طاقة كهربي أفضل من نظام
التيار المستمر الذي كان " أديسون " راعيه وقديسه في تلك السنوات ، وبدأ
العمل على البرج ،وكان هدف تسلا الرئيسي هو العمل على إرسال أول إشارة بث إذاعي في
تاريخ العالم ، وكان "غولييلمو ماركوني " يعمل على نفس الفكرة على الطرف
الآخر ،ولسوء الحظ تمكن الثاني في ديسمبر 1901م من أن يحقق السبق متفوقا بخطوة
واحدة على " تسلا " ، الذي بدأت أحلامه تنهار تباعا ،غير أنه قرر تحويل
البرج للبنة لمشروع مصدر التيار المتردد العالمي الذي طالما حلم به ،لكن الدعم
المالي بدأ ينضب مع سحب راعيه "مورجان " لوعده بتقديم مزيد من الأموال
التي راح " تسلا " يطالب بها ، ترافق ذلك مع حدوث ظواهر غريبة حول برج
واردنكليف ،حيث سجلت اهتزازات في الأرض وهروب جماعي للطيور ،ونزوح الأسماك لمسافة
عدة كيلومترات حول مجال إرسال البرج ،ومع تفاقم الأزمة وتراكم الديون على "
تسلا " لصالح فندق والدروف استوريا ، الذي كان يقيم به ،بدأ المشروع يتوقف
تدريجيا بداية من عام 1905م ،حتى اضطر " تسلا " إلي رهن البرج ، ومن ثم
توقف المشروع بشكل كامل تقريبا عام 1906م ، ثم بدأ " تسلا " يعاين حلمه
الكبير وهو يتحطم تدريجيا ،وفشل في فك الرهن الواقع عليه ،واضطر أخيرا إلي رؤية
البرج وهو يدمر أمام عينيه بشكل نهائي عام 1917م !
الثابت أن مشروع البرج لم يكن مجرد أداة للبث الإذاعي أو لتوجيه شحنات من الطاقة أو لتجميعها ،فقد كانت ثمة أجواء غريبة حول البرج والأسلاك والوصلات الغريبة المتصلة به ، كما شوهدت إشارات غريبة تتولد حول البرج ،وأيضا وجدت حفرة بعمق 150قدم أسفل البرج حيث قيل أن " تسلا " كان يحاول توجيه شحنات من الطاقة إلي جوف الأرض ، أو أنه اخترع طريقة جهنمية لانتزاع الطاقة من باطن الأرض ،أيضا ظهرت شائعات وأقاويل حول محاولة " تسلا " استعمال البرج الغريب في توجيه رسائل إلي خارج كوكب لأرض ،بحيث تلتقطها أية كائنات عاقلة تعيش في الكواكب القريبة داخل نظامنا الشمسي ، المريخ تحديدا والذي كانت هناك حمي تتعلق بحقيقة وجود حياة عاقلة عليه في تلك الفترة ، ،وزاد من اللبس حول نوايا " تسلا " الحقيقية أحاديثه حول تحويل العالم إلي دماغ ضخم مرتبط ببعضه بإشارات لاسلكية وكهربية ،قادرة على نقل الأخبار والمعارف لكل أطراف العالم في لحظات معدودة .
مزيد من الغموض يضفيه سلوك " تسلا " وتوجيهاته الصارمة للمشرف على مشروعه بالسرية المطلقة حول تفاصيل التجارب التي تتم في البرج ، وأيضا منعه للسكان المحليين من التواجد حول محيط برج واردنكليف أو الاقتراب منه تشكك بقوة في كون أمورا غير مستحبة ،أو على الأقل لا يجب الكشف عنها كانت تجري هناك ، أما أكثر ما يربط " تسلا " بحدث تونجوسكا الملغز هو المعلومة ، التي تقول بأنه اخترع طريقة لحماية السلام العالمي عن طريق إنشاء أبراج ،شبيهة ببرجه ،قادرة على توجيه كميات هائلة من الطاقة تستطيع سحق وتدمير أي سلاح توجهه نحوها قوة أخري ،وبذلك ، وحسب وجهة نظره ، تحمي كل دولة في العالم نفسها بشكل يمنع تماما ويقمع فكرة الحروب ويقضي عليها ،" تسلا " ،الذي أطلق على شعاعه هذا اسم (شعاع السلام ) ،بينما سخر منه أعداءه وشهروا به وبفكرته فأطلقوا عليه اسم ( أشعة الموت ) ،قرر في خضم أزماته المتتالية إجراء تجربة لتوجيه شعاعه إلي منطقة خاوية من العالم ، ولحسن الحظ كان المستكشف " روبرت بيري " Robert Pearyقد أعلن عزمه الوصول إلي القطب الشمالي في تلك الفترة عينها ، ناسب هذا خطط " تسلا " تماما ،فأتصل بالأدميرال طالبا منه إعلامه بأية ظواهر أو أحداث غريبة يشهدها حين وصوله إلي القطب الشمالي .
تعليقات
إرسال تعليق