التخطي إلى المحتوى الرئيسي

اللغز الكبير لتونجوسكا ( كرة النار فوق سيبريا ) : حادث غامض أم تجربة سرية تم التكتم عليها ؟

 


في تباشير صباح يوم 30 يونيو / حزيران من عام 1908م ، وفوق سهول وسط سيبيريا الشاسعة رصد البعض شكلا غريبا ، يشبه البالون ، باللون الأبيض يقطع الأفق بسرعة مخيفة متجها من الجنوب الشرقي مكملا مسيرة طيرانه حتى وصوله إلي جهة الشمال الغربي ، وترافق ظهور هذا الجسم مع اهتزازات كبيرة أدت إلي اهتزاز زجاج النوافذ وقطع الأثاث ، حتى الكبيرة منها ، التي أخذت تتساقط من مواضعها ، ثم أختفي الجسم غير المحدد لاحقا متجها نحو غابات التايجا ، حيث ساد هدوء غريب لمدة دقائق ، تبعه دوي انفجار هائل ، لكنه لم يكن انفجارا واحدا بل تكرار لأربعة انفجارات متلاحقة سُمع دويها على مدي يتجاوز مئات الكيلومترات ، وقد حسب من وصلتهم أصوات الانفجارات كونها مدفعية ثقيلة تنبئ ببدء حرب  جديدة ،غير أن الانفجار كان أقوي بكثير من القوة التدميرية التي تحدثها دانة المدفع ، وقد انتشر الخراب على امتداد ألفي كيلومتر مربع ، ووصلت حدة الموجة الناجمة عن الانفجار لتتسبب في زلزال تم رصده في أيركوتسك ، الواقعة على بعد تسعمائة كيلومتر عن نقطة وقوع الانفجار ، وهي منطقة تونجوسكا Tunguska السيبيرية وبالقرب من نهر يحمل اسم ستوني Stony شمال غرب بحيرة بايكال Baikal !


كان هذا الانفجار الغامض يمكن أن يعزي لأي سبب مقبول غير أن التداعيات الغريبة التي تبعته أدت إلي نشوء واحد من أهم ألغاز العلم في العصر الحديث .
انفجار تونجوسكا غير العادي أدي إلي موجات صدم دارت الأرض كلها في خلال فترة لا تتجاوز الثلاثين ساعة فقط ، كما نجم عنه ظهور عدة ظواهر لا تزال محل نقاش وتساؤل حتى اليوم نذكر منها :
1-   الغيوم المضيئة التي انتشرت على مسافة واسعة من مركز الانفجار وحتى وسط أوربا ، وقد كانت هذه الغيوم من اللمعان بحيث أنها احالت السماء ليلا إلي نهار ساطع وحجبت النجوم عن أنظار العلماء
2-   تجمعات كبيرة من الغبار والجزيئات الناجمة عن الانفجار والتي وصلت حتى النصف الغربي من الكرة الأرضية وجعلت الغلاف الجوي يبدو معتما وتتناقص درجة شفافيته بشدة لمدة دامت شهرا بأكمله .
3-   السماء المضيئة ليلا وهي ظاهرة استمرت نحو أربع أو خمسة أيام عقب الانفجار ، وشملت معظم روسيا ومدن أوربية أخري مثل برلين وكوبنهاجن ، أي أن تأثير الإضاءة الساطعة التي خلفها تفجير تونجوسكا وصلت من سيبيريا حتى اسكندنافيا شمالا .
4-   وأيضا ظهور الغسق المضيء والتي امتدت من روسيا وحتى سواحل المحيط الأطلنطي !
5-   لم تقتصر الأمور على الإضاءة الغريبة وتجمعات الغبار الهائلة بل إن شدة موجة الصدمة التي نتجت عن الانفجار عبرت المحيط الأطلسي كله ووصلت حتى العاصمة الأمريكية واشنطن ، وحتى جاكرتا الإندونيسية جنوبا ، وكانت الموجة بقوة تعادل زلزالا تبلغ درجته 5 على مقياس ريختر !
قوة تفجير تونجوسكا تعادل حسابيا حوالي من 10 إلي 15 ميجا طن من مادة tnt  ، مما يعني أنها تفوق قوة انفجار قنبلة هيروشيما بنحو ألف مرة ( قوة قنبلة هيروشيما تعادل 15 كيلو طن ) ، ولا يتفوق علي قوة تفجير تونجوسكا سوي القنبلة الهيدروجينية الأمريكية التي تم تفجيرها في كاستل برافو Castle Bravo  عام 1954م ( وتعادل قوتها 15،2ميجا طن ) ، وكذا قنبلة القيصر الروسية Tsar Bomba والتي تعادل 50 ميجا طن ، وتم اختبارها في 30 أكتوبر 1961م .

انفجار تونجوسكا ، وبرغم ضخامته وعظم الآثار الناجمة عنه ، إلا أنه لم يسفر عن خسائر بشرية تذكر ، وذلك للانخفاض الشديد في الكثافة السكانية في المنطقة التي وقع فيها ، ولكنه ، وعلى الناحية الأخرى ، أدي إلي تدمير ما تزيد مساحته على ألفي كيلومتر ، وتدمير حوالي ثمانين مليون ( 80000000) شجرة من أشجار التايجا !


انفجار عظيم كهذا هو بحق ، وحتى الآن ، أكبر انفجار يتم بدون تدخل بشري  مسجل في تاريخ البشر المكتوب .. ولكن ولسوء الحظ فإن روسيا ، التي كانت في تلك الفترة من مستهل القرن العشرين كانت تعاني مشاكل سياسية ، وكان البلاشفة ينظمون أنفسهم خارج البلاد ، بينما تعالت في الداخل المطالبة بتحديد سلطات القيصر واعتماد نظام الملكية الدستورية ، على غرار بريطانيا مثلا ، كما كانت هزيمة روسيا المريرة أمام اليابان في حربها معها (1904-1905م) تشكل جرحا كبيرا في اعتداد القيصر الروسي الأخير " نيكولا الثاني " بنفسه وثبات عرشه ، ورغم أن الانقسام والخلاف بين أحزاب الإصلاحيين جعلت " نيكولا " يتمتع بفترة من الاستقرار والثبات لحكمه ، إلا إن غليانا في الدولة الروسية الكبيرة جعل حادثا عابرا ، لم تكن قيمته العلمية أو مبلغ الآثار الناجمة عنه قد عُرفت بعد ، لا يحظى بأي تحقيق أو فحص رسمي جاد !


وهكذا بقيت غابات سيبيريا الشاسعة متحفظة على سرها حتى بدأ العلماء يتوافدون لدراسة آثار انفجار عام 1908م ومحاولة تحديد سببه والتعرف عليه .
كان أول من أبدي اهتماما محمودا بذلك اللغز هو العالم الروسي " ليونيد كوليك " Leonid Kulik ، الذي ترأس فريقا علميا اتجه في عام 1921م إلي حوض نهر بودكامينا تونجوسكا Podkamennaya Tunguska River ،وحيث أن " كوليك " لم يتعمق حتى منطقة الإنفجار نفسها وأكتفي بمعاينة المناطق المحيطة والخراب الذي لحق بها ، والاستماع إلي شهادات السكان المحليين فقد تبني حينها نظرية أولية تصف ما حدث في تونجوسكا بأنه ناجم عن ارتطام نيزك بالأرض وتحطمه ، وربما عاني " كوليك " من نقص في التمويل مما دفعه إلي الاكتفاء بتسجيل ملاحظات خارجية إلي حد ما عن الحدث الغريب !


أما رسميا فقد بدأت البعثات المدعومة والمكلفة رسميا بعد ست سنوات أخري ، أي في عام 1927م ، هذه المرة وبرئاسة " كوليك " أيضا توغلت بعثة حتى نقطة الانفجار ، حيث كان يتوقع العثور على فوهة أو حفرة ضخمة في الأرض متخلفة عن اصطدام النيزك بالأرض ، بيد أن شيئا من هذا لم يكن له وجود ، وبدلا من ذلك وجدت أشكال غريبة للأشجار المدمرة والمحترقة ، والتي تمتد على مسافة عشرات الكيلومترات ،بل إن بعض المناطق انتزعت فيها الأشجار تماما ونبتت أشجار جديدة بدلا منها ، مما يدل على عنف الانفجار وقوته التدميرية الهائلة ، في حين واصلت البعثة التجول متتبعة آثار الدمار حتى منبع نهر تشوغوما وهنا تغير المشهد كلية ، فقد بقيت جذوع الأشجار المحترقة لكنها كانت متجهة بشكل قطري بعيدا عن المركز ، وقد دفع ذلك " كوليك " إلي الاعتقاد بأن هذا هو مركز سقوط النيزك ،فتابع طريقه منتظرا الوصول إلي الفوهة أو الحفرة المأمولة التي تدل على سقوط الجسم النيزكي من السماء ، لكنه وجد في المركز مزيدا من الأشجار المدمرة مع حفر كثيرة يغمرها الماء ،وقد أعتبر " كوليك " أن هذه هي نقطة الحدث ، وأن هذه الحفر المملوءة بالماء هي الفوهات الناتجة عن ارتطام النيزك بالأرض .
غير أن البعثة الرسمية الثانية التي قادها ، كوليك " أيضا ، وبعد عامين فقط ، كانت جاهزة للقيام بمزيد من عمليات البحث الجادة ، ومجهزة بمعدات مناسبة ، ومن خلال عملية الحفر الدؤوبة ثبت لهم عدم وجود أية بقايا أو شظايا تابعة للنيزك المزعوم .. كما أن تفسيره السابقة لسبب وجود الحفر التي شاهدوها في مركز الانفجار لم يكن أبدا على صواب ، بل لقد دلت أبحاث علماء الجيولوجيا والتربة أنها ناجمة عن عمليات طبيعية مرتبطة بترسب الفحم النباتي .
أي أن البعثة الرسمية لعام 1929 أثبتت ببساطة فشل كل محاولة في الحصول على دليل يثبت أن ما حدث في سيبيريا عام 1908م كان مجرد ارتطام نيزك بالأرض !
إذن فهل اختفت هذه الأدلة ، أو انتزعت من هنا عمدا لسبب ما ، أم أن حادث تونجوسكا لم يكن ناتجا عن نيزك من الأساس ؟!
 
محاولات لشرح اللغز : ما الذي حدث هناك بالضبط ؟!

منذ أن توغل " كوليك " ، على مسئوليته الشخصية ، في عمق الغابات السيبيرية الشاسعة والموحشة ،وبدأت محاولات حثيثة لشرح ما حدث في هذا اليوم في تلك المنطقة النائية والمعزولة كليا عن العالم ، كانت فكرة ارتطام نيزك بالأرض في تلك المنطقة هي الفكرة الأولي و( العمدة ) لكل النظريات التي ظهرت لاحقا ،والتي حاولت تقديم نظرية وتفسير مرضي لهذا الحادث الغامض .. غير أن نظرية اصطدام النيزك اصطدمت هي نفسها بمعضلات كبيرة ،أهمها أن شيئا كهذا كان ليترك أثرا واضحا على التربة ،وبرغم أنه ضمن الوثائق الرسمية التي تروي القصة كان ثمة تقرير ،كتبه رئيس شرطة المنطقة التي تضم تونجوسكا ،والذي يصف مشاهدات لنيزك هائل الحجم يحلق فوق قرية كيجيمسكي في الثلاثين من حزيران ،قبيل سماع دوي الانفجارات المتتالية بقليل ، إلا أن التقرير لم يؤكد نوعية المشاهدة بشكل يقطع بنوعية الجسم الذي شوهد ، خاصة وأن أوصاف عملية اشتعال الغابة والأصوات التي رافقت الانفجار يمكن أن تتطابق مع ظواهر طبيعية أخري غير سقوط النيازك على الأرض .
ومنذ بعثته الرسمية الأولي في عام 1927م تبني " كوليك" تماما فرضية النيزك ،وكانت كل بعثاته التالية هي محاولة لإثبات تلك الفرضية ،وليس للبحث عن افتراضات بديلة ،وربما كان العالم المنهجي يحاول تجاهل نوعيات أخري من النظريات المبالغ فيها خشية أن يؤثر ذلك على سمعته العلمية ،أو يفتح الباب أمام تهويل للحادثة وربطها بنظريات لا وسيلة للتحقق منها .
محاولة العثور على حطام النيزك وإن كانت قد وصلت إلي حائط مسدود ،إلا أن تحليل تالي للتربة في المنطقة دل على وجود خليط من السليكون ومعادن أخري تتوفر عادة في تركيبة النيازك ،اُعتبر ذلك الحل مرضيا ،لكن تدقيق متأخر قليلا جعل ذلك الدليل يتبخر بدوره ،إذ أن تلك التركيبة مماثلة تماما للغبار الناجم عن احتراق الشهب ،والذي تتساقط منه كميات هائلة على الأرض كل عام ،وقد تطابقت نتائج تحليل العينات المأخوذة من تربة تونجوسكا مع نظيرتها المنتزعة من غبار بعض الشهب المحترقة تطابقا يدل على وحدة المنشأ لكلا العينتين !
إن الوزن التقريبي للجسم الذي تسبب في انفجار تونجوسكا يساوي حوالي مائة ألف (100000) طن ، وهو وزن كان كفيل ،في حالة سقوط هذا الجسم إن كان نيزكا أو لم يكن ،في احداث ضرر مهول لو أنه سقط في منطقة مأهولة بالسكان .
وإجمالا نشير إلي أشهر الافتراضات التي وضعت من أجل تفسير ما حدث في تونجوسكا في ذلك اليوم باختصار :
1-   فرضية النيزك : وهي أول فرضية ونظرية متعلقة بلغز حادث تونجوسكا ،وقد جري الحديث عنها في اللحظات الأولي لبداية عمليات الدراسة الجادة والميدانية لموقع الكارثة ،ويعيب تلك الفرضية برغم انتشارها الساحق عدم وجود أي آثار للنيزك الذي يفترض أن يكون قد تحطم نتيجة اصطدامه بالأرض في الثلاثين من يونيو من عام 1908م.
2-   نظرية السفينة الفضائية :وهي أكثر الفرضيات إغراقا في الخيال ،وقد ظهرت في مرحلة مبكرة ،وتكاد يكون ظهورها متزامنا مع قصة تحطم النيزك ،وقد ساهمت بعض الشهادات التي أدلي بها شهود عيان ،أو أشخاصا تصادف وجودهم قرب موقع الحدث ،في استمرار الكلام عنها ،خاصة تلك التي تكلمت عن (جسم أسطواني منتظم ) طار فوق المنطقة قبيل سماع أصوات الانفجارات المتتالية ،وتعد تلك النظرية مرتبطة بفكرة وجود حضارات أخري متقدمة خارج كوكب الأرض ،وقصص التلاعب وإخفاء الأدلة وتضليل الشعوب ،وتكاد تكون النسخة الروسية الأقدم من حادثة روزويل ،إذ قيل أيضا أنه تم العثور على حطام وبقايا متناثرة ،وقد زاد وجود عناصر نادرة في موقع الانفجار مثل الديتريوم والفوسفور النقي من شيوع تلك النظرية ،التي تفترض أن سفينة فضائية تعمل بالطاقة النووية دخلت الغلاف الجوي ،ومن ثم وحين أدرك من على متنها أنها معرضة للدمار غيروا خط سيرها إلي منطقة غير مأهولة تجنبا لإيقاع ضحايا كثر ،وهذا ما يفسر الحقيقة التي أتفق عليها جميع الشهود وهي أن الجسم غير مساره فجأة متجها صوب قلب غابات التايجا الشاسعة .
3-   نظرية أخري مقاربة جدا تعتمد على العثور على أحجار سوداء مكعبة متساوية الأضلاع على ضفاف نهر بودكامينا تونجوسكا ،وهذه الأحجار بحسب أراء المختصين ليست من صنع الطبيعة ،وهذا أدي لظهور فرضية الاصطدام بين نيزك وطبق طائر مجهول المصدر فوق تونجوسكا .
4-   هناك نظريات أخري تميل أكثر للحرص وعدم الخوض في الأمور فوق الطبيعية التي تثير حماس الجمهور ،مثل نظرية ارتطام ثقب أسود صغير بالأرض في تلك المنطقة ،وقد تبني تلك النظرية عالمان أمريكيان من جامعة تكساس ،كما نشر العالم " فيبس مورجان " نظريته الخاصة بكون انفجار تونجوسكا ناجما عن انفجار مهول للصهارة المحتجزة في باطن الأرض في ظاهرة تسمي ( طلقة فيرن )
5-   هناك أيضا نظرية تتكلم عن اصطدام مذنب مكون من الجليد بتلك المنطقة مما أدي إلي انفجار هائل تبعه  تبخر المذنب ، بسبب ارتفاع درجة الحرارة ،مما أدي إلي عدم وجود أية آثار له .


ومع تعدد النظريات وتقديم دلائل قد تعضد كل منها ،مع عجزها جميعا عن إيجاد دليل قطعي ونهائي وغير قابل للنقاش على صحتها ،فتح المجال أمام التفسيرات التي قد تبدو للوهلة الأولي خيالية جدا أو غامضة أو حتى مثيرة للسخرية .
بيد أنه ، وفي نفس الوقت ،لا يتنبه الجميع إلي أنه وخلال الزمن الذي وقع فيه هذا الانفجار الغريب ، غير محدد الأسباب حتى حينه ،كان هناك رجل حامت حوله الشبهات مثلما شهد له الجميع بالعبقرية المفرطة ،هذا الرجل الذي كان يعمل على الجانب الآخر من المحيط الأطلنطي ،مقدما نظرياته وتطبيقاته حول طاقة مجانية للبشرية كلها وأشعة الموت وأبراج قادرة على إحداث طاقات تدميرية مهولة ،رجل دخل التاريخ من أوسع أبوابه ،مثلما شهر به أعداءه وجعلوه مثالا للعالم الشرير المجنون ،الذي يطمح إلي السيطرة على العالم عبر تطبيقات شاذة ومرعبة للعلوم ،التي كان يعمل عليها بشكل علني أحيانا ، وبشكل سري تماما في أحايين أخري ، ومن محاسن الصدف أن هذا الرجل لم يكن غريبا على أصقاع سيبيريا المتجمدة أو الأراضي الروسية الشاسعة والمليئة بالأسرار والمناطق التي لا يعرف عنها العالم الكثير، هذا الرجل قيل أن له يدا في ذلك الحدث الذي لا زال يشكل لغزا حتى اليوم ،فهل كان ذلك الانفجار المجهول مسبب علميا بشكل لم يتم اكشف عنه حتى الآن ،أم أنه ببساطة كانت ناجما عن شحنة هائلة من الطاقة أرسلت عبر المحيط لتوقظ العالم من سباته بيد رجل حاربه أقوي وأشرس رجال العالم ،ومات وحيدا مهدما بعد أن أستولي أعداؤه على إنجازاته وسلبوا أوراقه التي لم يُعرف طريقها بعد ذلك أبدا ؟! .. إنه العالم الأمريكي صربي الأصل " نيكولا تسلا " !
نيكولا تسلا : رجل الشر الذي أراد خدمة العالم !


إذا أفردنا مقالا كاملا بحق " نيكولا تسلا " العظيم فلن يكون وافيا بحقه ،غير أن جزئية علاقته المفترضة بحادثة تونجوسكا الرهيبة هي كل ما يعنينا من سيرة حياته الشهيرة الآن ،فهذا العالم ذو الأصل الصربي والذي طبقت شهرته الآفاق ،أختلف النقاد والرواة حول وصفه بدقة ،فمنهم من يعتبره من أهم ،إن لم يكن الأهم على الإطلاق ،من بين كل علماء القرن العشرين البارزين ،وقد أرتبط اسم " تسلا " بعدة أحداث مهمة ،يأتي على رأسها حرب التيارات التي ثارت بينه وبين خصمه العنيد "توماس أديسون "،وتدخلت فيها أطراف كثيرة تتحيز لهذا الجانب أو ذاك ،والتي دافع فيها " تسلا " بشراسة وإصرار عن فكرة استخدام التيار المتردد لتزويد العالم كله بطاقة كهربية رخيصة أو تكاد تكون مجانية تماما ،وبشر بعالم خالي من الفئات المحرومة من مصادر الطاقة والتدفئة بسبب العوز المالي ، ولكن في المقابل فقد تلطخت سمعة " تسلا " بعدد من النظريات التي ربطته ببعض الابتكارات المؤذية أو المدمرة ،يأتي على رأسها ما يسمي بأشعة الموت ، ونسبت إليه اختراع سلاح مدمر ،كما قيل أيضا أنه اخترع آلة زمان فعالة وتمت تجربتها بنجاح ،وغير ذلك من شائعات كان بعضها بقصد السخرية والتقليل من أفكار هذا العبقري المغبون ،وأخري كان هدفها تشويه صورته والتشنيع عليه في حملة قذرة للغاية ،تبناها أعدائه ومنافسيه ،وعلى رأسهم طبعا " توماس أديسون " ،الذي أراد تدمير سمعة التيار المتناوب ( المتردد ) الذي عمل عليه " نيكولا تسلا " بجد ،فلم يجد " أديسون " أفضل من جعل هذا التيار وسيلة للموت عبر استعماله في صعق حيوانات صغيرة حتى الموت أمام الناس في عروض عامة في الشوارع ،ثم دشن " أديسون " تشنيعته الكبرى عبر اختراع كرسي الإعدام الكهربائي الذي يستخدم تيار " تسلا " المتردد العزيز !
وكتفصيلة غامضة جدا في ملف حياة " تسلا " انتشرت أقاويل حول ارتباطه بحادث تونجوسكا الرهيب ،وأشيع أن هذا الانفجار الهائل كان ناجما عن حزمة كبيرة جدا من الطاقة وجهها " تسلا " عبر الأثير إلي هذه البقعة غير المأهولة على سبيل التجربة !
لكن هل توجد أي دلائل تدعم هذه الفرضية الغريبة جدا ؟!
أولا يلفت نظرنا في حادثة تونجوسكا هو عدم وجود تفسير واضح ومحدد لها ، ومدعم بأدلة قوية ،برغم مرور أكثر من مائة عام على حدوثها ،فأشهر الفرضيات التي وضعت لشرحها لم يوجد قط أدلة كافية عليها ،فهل عجز العلم الحديث بكل طاقاته وأساليبه المستحدثة عن اكتشاف حقيقة ما جري هناك في سيبيريا النائية في عام 1908م أم أن هناك حقائق معروفة لكن تم إخفائها والتكتم عليها ؟!

في عام 1908م كان " نيكولا تسلا " قد فقد القوة الداعمة لمشروعه الكبير المتمثل في برج الاتصالات اللاسلكية الغريب المعروف ببرج واردنكليف Wardenclyffe Tower والذي أقيم في شورهام / نيويورك ، والذي شرع " تسلا " في بناءه عام 1901م بعد حصوله على دعم مادي يقدر بمائة وخمسون ألف دولار من جون بيربونت مورجان ، رجل الأعمال الشهير ، والذي تأثر بخطط " تسلا " المعلنة لتوفير مصدر طاقة كهربي أفضل من نظام التيار المستمر الذي كان " أديسون " راعيه وقديسه في تلك السنوات ، وبدأ العمل على البرج ،وكان هدف تسلا الرئيسي هو العمل على إرسال أول إشارة بث إذاعي في تاريخ العالم ، وكان "غولييلمو ماركوني " يعمل على نفس الفكرة على الطرف الآخر ،ولسوء الحظ تمكن الثاني في ديسمبر 1901م من أن يحقق السبق متفوقا بخطوة واحدة على " تسلا " ، الذي بدأت أحلامه تنهار تباعا ،غير أنه قرر تحويل البرج للبنة لمشروع مصدر التيار المتردد العالمي الذي طالما حلم به ،لكن الدعم المالي بدأ ينضب مع سحب راعيه "مورجان " لوعده بتقديم مزيد من الأموال التي راح " تسلا " يطالب بها ، ترافق ذلك مع حدوث ظواهر غريبة حول برج واردنكليف ،حيث سجلت اهتزازات في الأرض وهروب جماعي للطيور ،ونزوح الأسماك لمسافة عدة كيلومترات حول مجال إرسال البرج ،ومع تفاقم الأزمة وتراكم الديون على " تسلا " لصالح فندق والدروف استوريا ، الذي كان يقيم به ،بدأ المشروع يتوقف تدريجيا بداية من عام 1905م ،حتى اضطر " تسلا " إلي رهن البرج ، ومن ثم توقف المشروع بشكل كامل تقريبا عام 1906م ، ثم بدأ " تسلا " يعاين حلمه الكبير وهو يتحطم تدريجيا ،وفشل في فك الرهن الواقع عليه ،واضطر أخيرا إلي رؤية البرج وهو يدمر أمام عينيه بشكل نهائي عام 1917م !


تشير الوقائع العائدة إلي تلك الفترة إلي أن " تسلا " عاني ضغطا عصبيا هائلا في تلك الفترة ،وربما يكون قد أقدم على محاولة إحداث تجربة هائلة ترج العالم كله قبيل التخلي عن مشروعه الكبير .. فهل كان برج واردنكليف قادرا على إرسال شحنة من الطاقة عبر كل تلك المسافة إلي قلب سيبيريا وبكل كل تلك القوة القادرة على التسبب في كل هذه الآثار المدمرة ؟!
الثابت أن مشروع البرج لم يكن مجرد أداة للبث الإذاعي أو لتوجيه شحنات من الطاقة أو لتجميعها ،فقد كانت ثمة أجواء غريبة حول البرج والأسلاك والوصلات الغريبة المتصلة به ، كما شوهدت إشارات غريبة تتولد حول البرج ،وأيضا وجدت حفرة بعمق 150قدم أسفل البرج حيث قيل أن " تسلا " كان يحاول توجيه شحنات من الطاقة إلي جوف الأرض ، أو أنه اخترع طريقة جهنمية لانتزاع الطاقة من باطن الأرض ،أيضا ظهرت شائعات وأقاويل حول محاولة " تسلا " استعمال البرج الغريب في توجيه رسائل إلي خارج كوكب لأرض ،بحيث تلتقطها أية كائنات عاقلة تعيش في الكواكب القريبة داخل نظامنا الشمسي ، المريخ تحديدا والذي كانت هناك حمي تتعلق بحقيقة وجود حياة عاقلة عليه في تلك الفترة ، ،وزاد من اللبس حول نوايا " تسلا " الحقيقية أحاديثه حول تحويل العالم إلي دماغ ضخم مرتبط ببعضه بإشارات لاسلكية وكهربية ،قادرة على نقل الأخبار والمعارف لكل أطراف العالم في لحظات معدودة .
مزيد من الغموض يضفيه سلوك " تسلا " وتوجيهاته الصارمة للمشرف على مشروعه بالسرية المطلقة حول تفاصيل التجارب التي تتم في البرج ، وأيضا منعه للسكان المحليين من التواجد حول محيط برج واردنكليف أو الاقتراب منه تشكك بقوة في كون أمورا غير مستحبة ،أو على الأقل لا يجب الكشف عنها كانت تجري هناك ، أما أكثر ما يربط " تسلا " بحدث تونجوسكا الملغز هو المعلومة ، التي تقول بأنه  اخترع طريقة لحماية السلام العالمي عن طريق إنشاء أبراج ،شبيهة ببرجه ،قادرة على توجيه كميات هائلة من الطاقة تستطيع سحق وتدمير أي سلاح توجهه نحوها قوة أخري ،وبذلك ، وحسب وجهة نظره ، تحمي كل دولة في العالم نفسها بشكل يمنع تماما ويقمع فكرة الحروب ويقضي عليها ،" تسلا " ،الذي أطلق على شعاعه هذا اسم (شعاع السلام ) ،بينما سخر منه أعداءه وشهروا به وبفكرته فأطلقوا عليه اسم ( أشعة الموت ) ،قرر في خضم أزماته المتتالية إجراء تجربة لتوجيه شعاعه إلي منطقة خاوية من العالم ، ولحسن الحظ كان المستكشف " روبرت بيري " Robert Pearyقد أعلن عزمه الوصول إلي القطب الشمالي في تلك الفترة عينها ، ناسب هذا خطط " تسلا " تماما ،فأتصل بالأدميرال طالبا منه إعلامه بأية ظواهر أو أحداث غريبة يشهدها حين وصوله إلي القطب الشمالي .


غادر " بيري " نيويورك يوم السادس من يوليو 1908م على متن سفينته (روزفلت ) متبوعا بحشد من الزوارق واليخوت ،التي تضم المؤيدين والمشجعين ،وبعد ثلاثة أسابيع تقريبا وقع حادث تونجوسكا ،فهل ثمة رابط بين طلب " تسلا " الغريب وبين الحادث ؟!
إن الأدلة على علاقة " تسلا " بحادث تونجوسكا غير موجودة وهذه هي الحقيقة ،لكن نظرة على ما تلي ذلك تعطينا دلائل تستحق التمعن فيها :
1-   فلماذا تم سحب الدعم المقدم لمشروع " تسلا " تباعا ؟
2-   وما سبب حرص الحكومة الأمريكية على تفكك وتدمير البرج بشكل تام بعد نحو عشر سنوات من حادث تونجوسكا ؟
3-   وما علاقة الحملة التي تعرض لها " تسلا " واستهدفت تشويه سمعته ، وإظهاره بمظهر العالم المجنون ،والشرير حتى ، وأدت إلي أخذ مشاريعه وخططه على مأخذ السخرية والاستهزاء ، وانتهت بتلطيخ اسمه ودخوله كشخصية شريرة في الخيال الشعبي ،وحتى أفلام الكارتون الموجهة للأطفال استخدمت ملامح " تسلا " المميزة لتجسيد ملامح العلماء المجانين الأشرار الذي يريدون السيطرة على العالم !
إن برج واردنكليف كان قادرا على توجيه شحنة كهربية مقدارها مائة مليون فولت ،ويمكنه إنتاج طاقة تقدر بمائة مليار واط ،أي أن مستوي الطاقة قادر على إحداث أثر تدميري مقارب لقوة الدمار الذي لحق بمنطقة تونجوسكا ،لكن هل كان بإمكان " تسلا " فعلا التحكم بتلك الكمية من الطاقة وتوجيهها بشكل صحيح ؟!
هل وجه " تسلا " هذه الطاقة المدمرة نحو القطب الشمالي لكن حدث خطأ ما أدي إلي انحرافها تجاه تونجوسكا ،أم أنه اختار مكان التوجيه بدقة !
وأخيرا وكإضافة لا غني لها ،فإذا لم يكن لبرج وارادنكليف أية خطورة فما سبب عملية الاغتيال الغريبة التي تعرض لها مصمم البرج ستانفورد وايت Stanford White يوم 25 يونيو 1906م ، والوقائع الغريبة المرتبطة بها ، وأعلن حينها أن سببها هو الانتقام من زوج غيور لإحدى عشيقات " وايت " السابقات !
وأخيرا ماذا حل بأوراق " نيكولا تسلا " ،التي انتزعت من بين يديه ،حينما لفظ آخر أنفاسه وحيدا في فندق نيويوركر ليلة7 يناير عام 1943م  واختفت تماما منذ ذلك الحين ؟!
أية أسرار غامضة أو مدمرة أخفاها هذا الرجل واختفت تماما مع موته المأساوي الذي لا يليق بعالم في مثل عبقريته وطموحاته العظيمة !

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...