التخطي إلى المحتوى الرئيسي

اللؤلؤة


رفت عيناه الصغيرتان وهو يراقبها تتدحرج أمامه ،كانت الجوهرة الصغيرة تركض مبتعدة بأسرع مما تستطيع العينين اللامعتين إدراكه  أو التعامل معه ،إنه نوع من السحر ولا شك ،وليس من الغريب أن تفر قطعة ثمينة من الحظ بسرعة خارقة ،فقد علموه دائما أن الأشياء الجميلة تمضي بسرعة ،والفرص العظيمة لا تنتظر أحدا ،إنه ليس صغيرا جدا حتى لا يستطيع أن يحفظ تلك الحقائق ،لكنه أيضا ليس كبيرا بما يكفي حتى يمكنه فهمها تماما والتعامل معها كواقع لا يمكن تغييره .
كان كل شيء معدا وجاهزا تماما ،الطبق الكبير النظيف المغسول ،والسكين الحادة التي تلمع شفرتها ،لدي أمه ترسانة من الأسلحة في المطبخ ،وهي تثير فضوله بحق ،يوما ما سيتسلح بواحدة من هذه المقتنيات الباترة ويخرج ليشق حلق أوزه أو دجاجة في الفناء بدلا من أمه ،قالوا له أن هذا عمل البنات ،بيد أنهم ،في المقابل ،أفهموه أن الفتك والعنف حق للرجال وحدهم ،يناقضون أنفسهم كل مرة ،يقولون شيئا ثم تكون أعمالهم عكسه ،إنه صغير جدا ،لكنه كبر بما يكفي حتى يفهم تلك الحقيقة التي قالها له لداته ورفاق لعبه مرارا :
-" إن الكبار دائما لا يؤخذ عنهم !"
الكبار دوما كذابين ،متناقضين ،غير عادلين ،ورواياتهم مضحكة وغريبة ،غير أن جده وحده ،دونا عن كل الكبار ،كان رجلا حكيما مجربا ،ركب البحر يوما وحارب اليهود منذ سنين طويلة ،قبل أن يولد هو ،" عبد الله " ،جده يكذب كثيرا والولد يتظاهر بتصديقه ،الكبار يكذبون ونحن نعرف ذلك ،لكننا نهز رؤوسنا ونتظاهر بتصديقهم ،هكذا نُدخل السرور على قلوبهم وننال مكافآتهم السخية ،وليس هناك مكافأة أكثر من حماية الأجداد الشاملة لأولاد أولادهم ،أعز الولد ،وكذا قصصهم الشيقة التي يختصون بها أحفادهم الأحباء ،حكاياتهم الكاذبة التي يصدقها الصغار لا لشيء إلا لأنهم يريدون تصديقها ،واليوم ،واستنادا إلي حماية الجدة ،دخل المطبخ بنفسه وتُركت له الحرية لانتقاء سلاح يزيل به القشرة ويشق به الثمرة ،المحارة التي تختزن اللؤلؤة الثمينة ،أفرغ محتوياتها في الطبق سعيدا ،لن يشاركه أحد في ثواب جهده ،إن الأمر مرهق وهو يعلم ذلك ،حسنا كانت الأم عادة تنوب عن أبيه ،كما عنه هو  وأخوته ،في فعله ،لكنه اليوم يتوق إلي الاستكشاف بنفسه ،ليس عسيرا أن يفتح ثمرة وينقب داخلها عما يريد :
-" إنها تروي القلب ولو أفلتت واحدة منك سيذهب الشفاء الذي فيها ! "
ليس مريضا ولا بحاجة إلي الشفاء ،لكن الجدة الحبيبة كذلك ،إنها ترقد في سريرها منذ أسابيع ،فقدت حيويتها وهمد نشاطها ،لم تعد تُشرف على شئون البيت ولا تنق فوق رؤوس زوجات الأبناء ،إن الحياة تتخلي عنها والموت يتهددها ،و" عبد الله " لا يطيق العيش بدون جدته ،الجد والجدة ليسا كالأبوين لكنهما يملكان ركنا خاصا في الروح ،وعندما يموت الأجداد يصير الأحفاد يتامى من الأعلى ،تُكشف رؤوسهم ويُتركوا كلية لتصرف الآباء ،يجربون فيهم طرق التربية هذه وتلك ،غير أن الأجداد عرفوا السر ولم يعودا بحاجة إلي التجربة ،إنهم يعلمون كيف يكسبون قلوب الصغار ويستدرجونهم للطاعة بذكاء ولطف ،إنه يحب أمه وأبيه ،لكنه يحب جديه أكثر ،سيقدم للجدة الحبة الشافية من كل سقم :
-" يرضع منها القلب وتشفي كل عليل !"
يا رب ،علموه في مدرسة الحضانة أن يقول يا رب ليحقق كل ما يأمل فيه ،أفرغ الحبات في الطبق حتى كاد يمتلئ ويصل إلي حافته ،هنيئا لكِ يا جدة ،في النهاية ألقي بالقشور بعيدا ،ومسح حافة المنضدة بخرقة قديمة ،لن يجمع القشور فهذا عمل النساء ،كما أن القطع والفتك والحرب وركوب البحر عمل الرجال ،لكنه وهو يتخلص من بقايا المحارة لاحظ حبة ملتصقة بقطعة صغيرة من القشرة ،لم يلحظها من قبل ،ألتقط القشرة ونزع الحبة من قشرتها البيضاء الرقيقة بحرص ،لكن اللؤلؤة الأخيرة الصغيرة أفلتت من بين يديه ،انزلقت هاربة وراحت تتدحرج على الأرضية الترابية غير النظيفة ،فضلات الدجاج وبقايا مذبحة الخميس ،التي طارت فيها رقاب إوزتين وخمس دجاجات ،لإطعام بيت عائلة يضم أكثر من عشرين شخصا ،تملأ الأركان ،لن ينظف شيئا بالطبع فهذا ليس اختصاصه ،غير أنه لن يدع لؤلؤته تفر بعيدا وتختفي ،وما أن لحظها وهي تنزلق بخفة حتى ركض وراءها ،ساقيه طويلتين وأقدامه قوية ،صبي صغير متباهي بفتوته ،سيكبر ليكون رجلا يمسك بالسلاح مثل أبوه وعمه ويطلق منه زخات متتابعة في أفراح القرية ولياليها الملاح ،السلاح هنا للأفراح وليس للفتك والحزن ،نادرا ما يُقتل شخص هنا منفردا ،لكن المشاجرات حين تثور لا تنتهي إلا بمذبحة جماعية ،جري ملهوفا وراء جوهرته الحمراء المتألقة ،إنها تبرق وتشع نورا ،برغم ضآلة حجمها ،وهي تتواري تحت البقايا والأعقاب ،شحذ قدميه وركض خلفها ،لم يكن عسيرا أن يلحقها ،وسرعان ما وجدها تلمع بالقرب من كومة صغيرة من الريش الأبيض المبرقش بطبقة بنية في أعاليه ،بقايا ريش الدجاج الذي تناوله محمرا بالسمن البلدي مع الأرز والملوخية الخضراء بالأمس ،إنها هناك تشاكسه وتنتظر أن يكتشف وجودها ،مد كفيه مباعدا بين أصابعه والتقطها بحرفية ،انتشلها بسعادة من بين سحابات التراب التي تغطي الأرضية ،رغم كل مجهودات أمه وزوجات أعمامه المستمرة في التنظيف ،أطبق عليها أصابعه بحنو واهتمام ،نشوة الانتصار تلمع فوق جبينه الناصع العريض ،غمسها في بقية الماء التي تبقت في قعر الطبق ،الذي غسل فيه ثماره المفضلة ،ثماره غير المحرمة ،ثم طعمها شاعرا بالانتصار ،غمره شعور بالذنب لثانية واحدة لكونه أختص نفسه بالحبة الأخيرة الشافية ،وبخل بها على جدته المريضة ،لكنه هز رأسه متجاهلا وخز الضمير ،لن يضير جدته أن تفقد حبة واحدة ،فهم يعطونها الكثير من الدواء ،أما هو فأمه تسقيه اليانسون والزنجبيل عندما يمرض ،أو تشكه بالحقن ،ترفض تماما أن تتركه يتجرع الأدوية أو يبتلع الحبوب ،إما الشراب الساخن أو وخزة الحقنة في فخذه ،جدته المحظوظة تشرب مائة نوع من الدواء ،ولا حقنة واحدة ،سرعان ما فارقه احساسه بالذنب وتركه حرا ممتلئا بالسعادة ،مضغ الحبة بقوة بين أسنانه مستمتعا بحلاوتها ومزازتها غير المؤذية ،لقد فتح المحارة ووجد اللؤلؤة وأكلها ،سبحان الله الذي وضع الشفاء كله في حبة واحدة من كل ثمرة رمان !
لقد أكلها وحقق حلمه ،وجدته تحبه وسوف تفرح عندما يشفي من الحكة والحساسية في صدره ،وليس عليه الآن إلا أن ينتظر السعادة التي وعده بها جده .. إن الأجداد الكبار أنانيون دائما ،أما الأحفاد الصغار فهم يعرفون متي يبذلون كل شيء عن طيب خاطر .. ومتي يختصون أنفسهم بقليل من الأنانية التي لا تضر أحدا !


فازت هذه القصة بالمركز الثاني في مسابقة نادي القصة بأسيوط
دورة الكاتب الكبير أ/ محمد عبد المطلب
2019م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...

شيرلوك هولمز التحقيقات الجنائية : أبو الطب الشرعي قاهر القتلة !

  " برنارد سبيلسبري "  الرجل الذي جعل من علم الأمراض علما له قواعد وأصول .. نظرة ثاقبة وذكاء حاد وعناد لا حد له   شهد عالم الجريمة شخصيات لامعة ذاع صيتها ، وعالم الجريمة ، كغيره من مجالات الحياة والعمل المختلفة يضم نخبتين وفصيلين : رجال الشرطة واللصوص ، المجرمين ومحاربي الجريمة ، القتلة والأشخاص الذين نذروا أنفسهم لتعقبهم والإيقاع بهم ،ودفعهم إلي منصات الشنق أو تحت شفرات المقصلة أو إلي حياض أية ميتة لائقة بهم . وبطلنا اليوم هو واحد من أبرز وألمع من ينتمون إلي الفئة الأخيرة : إنه الطبيب الشرعي الأكثر شهرة وإثارة للجدل ، الرجل الذي جلب على نفسه عداء عدد لا يُحصي من المجرمين والسفاحين والقتلة ، إنه سير " بيرنارد سبيلسبري " ، متعقب القتلة وعدو المجرمين وصاحب أكبر عدد من القضايا الملغزة التي لا تزال الكتابات والتخمينات حولها مجال خصب للإبداع والجدل ملتهب الأوار .   ميلاد الرجل المنتظر ! خرج " برنارد " إلي النور يوم 16 مايو 1877م(1) ، في يوركشاير ، وهو الابن البكر للمتخصص في كيمياء التصنيع " جيمس سبيلسبري " وزوجته " ماريون إليزابيث جوي " ، كا...