التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الابنة الثالثة عشرة ( الجزء الأخير )

 

ومر أسبوع مروع وصارت " ماريانا " كأنها بقايا إنسان .. أو شبح .. ثم بدأت تغييرات مرعبة تصيبها !
فبعد أن نحل جسدها وتحول لونها الصافي الرائق البديع الذي يشبه لون الخوخ إلى صفرة قاتمة مرعبة .. بدأت ملامح الفتاة ذاتها تتغير !
ولم يكن التغيير تغييراً عادياً كالذي يصيب المرضي المصابين بأمراض شديدة الوطء .. بل كان تغيير في ملامح الوجه الثابتة ذاتها .. وبدا كأن جمجمة الفتاة ذاتها بدأت تتغير تغيراً جذرياً .. وجن جنون البارون وأيقن أن الشيطان اللعين لن يسلب الفتاة منه ببساطة .. بل إنه ينوي أن يعذبه تعذيباً رهيباً ويقتله في كل يوم مليون مرة وهو يري أبنته العزيزة وهي تنحدر بهذا الشكل الرهيب .. يعذبه كما عذبوا الفتاة الصغيرة ذات ليلة لن ينساها أبداً ما حيي .. وكيف ينسي وصوت صرخات الطفلة البريئة ما زال يرن في أذنيه بعد انقضاء كل هذه السنوات !
************
كان ذلك في أول قداس يحضره البارون مع جماعة عبدة الشيطان هؤلاء الذين ينتمي إليهم " لوجو " اللعين ..
ورغم نفوره وكراهيته لكل ما رآه هناك فقد كان يجب عليه حضور القداس الشيطاني .. يجب عليه أن يعود وإلا سيكون الانتقام منه أفظع من كل خيالاته وأحلامه .. ورغم مرور هذه السنوات الطويلة فما يزال ما حدث في تلك الليلة السوداء عالقاً بذاكرة البارون لحظة بلحظة !
************
ذهب البارون مرتدياً ملابس بسيطة فوقها عباءة ضخمة وقناع سميك على وجهه وكان بصحبته " لوجو " .. وتوجها نحو المكان السابق وهناك وجدوا الجمع اللعين محتشد حول العرش وحول الكائن الغامض الجالس عليه .. ولكن كانت هناك تغييرات هامة أجريت على الغرفة !
فقد أزداد عدد الشموع السوداء المشتعلة فيها حتى وجد البارون نفسه  يتساءل سراً كم عدد مضاعفات الستة من الشموع متواجد في هذه القاعة .. وكذلك فقد كان هناك مائدة غريبة وضعت في منتصف الحجرة تماماً ، وكان شكلها غريب يشبه مذبح الكنيسة .. وأكتشف البارون لأول وهلة أن عدد أتباع هذه الجماعة أكثر مما ينبغي فقد كان المتواجدون الليلة أكثر من أربعة أضعاف الذين رآهم في المرة الأخيرة .. أما أغرب شيء على الإطلاق فهو وجود طفلة صغيرة لا تتجاوز السابعة برفقة أحد المشاركين في القداس !
طفلة صغيرة تشارك في هذه الطقوس المشينة .. طفلة تعبد الشيطان ؟!
أي أب هذا الذي يسمح لنفسه باصطحاب أبنته الصغيرة في طقوس مثل هذه ؟!
ولكن لا ليست الطفلة من أعضاء هذه الجماعة .. وليست ابنة أحد الأعضاء .. وليست قادمة بصحبة أحدهم .. رباه ليتها كانت .. ليتها كانت أي شيء.. ليتها كانت وظلت أي شيء .. ولكنها لم تكن ولم تظل أي شيء!
كانت الطفلة واقفة بهدوء بجوار مخلوق متشح بالسواد من أعلاه حتى أسفله وله ملامح غامضة لا تستطيع مهما أوتيت من فطنة أن تجزم بأنها رجل أو امرأة .. ولكن تكوين الجسد وحده يعطي دليلاً على كونها امرأة !
كانت الطفلة واقفة وعلى وجهها ابتسامة طفولية هادئة وفي فمها مصاصة حمراء كبيرة وكانت تمسك بيد السيدة وتتعلق بها بشدة .. ولكن رغم ذلك فقد عرف البارون أن الفتاة ليست ابنة هذه السيدة .. ولم يعرف السبب الذي جعله متأكداً من ذلك .. إلا أن شعوراًَ طاغياً تملكه مؤكداً أنها ليست أبنتها .. وقد صدق شعوره .. فلم تكن هذه المرأة أماً لهذه المخلوقة الجميلة التي تشبه الملائكة .. مستحيل أن تكون هذه أماً لمخلوق أياً كان !
كان البارون يتطلع للطفلة بحنان ؛ فقد ذكرته ملامحها بابنته الحبيبة " ماريانا " ؛ عندما بدأت طقوس القداس الشيطاني فجأة !
فبغتة سمع البارون ؛ وهو في موضعه الذي لم يغادره منذ حضوره ؛ ضربتين قويتين على صاج معدني فأجفل ونظر نحو مركز القاعة .. ووجد كل الحاضرين يفعلون مثله ويركزون نظراتهم على المذبح .. وكانت الطفلة في هذه اللحظة ما تزال واقفة إلى جوار هذه السيدة غريبة الملامح تلوك مصاصتها بسعادة وقد شعرت بنظرات البارون الحنونة نحوها ؛ رغم القناع المحكم الذي كان يرتديه ؛ فنظرت نحوه وابتسمت له بشفتيها الملطختين بلون المصاصة الأحمر ابتسامة عذبة .. ولكن فجأة حدث ما لا يتصوره عقل !
حدث ذلك في لحظة ، بل في أقل من لحظة .. فقد فوجئ البارون بشخص من الواقفين حول العرش يتجه نحو الطفلة ويختطفها فجأة من مكانها بجوار السيدة ويحملها ويرقدها فوق المذبح !
ليس هذا فقط بل قام ثلاثة آخرون وساعدوا هذا الشخص على التغلب على مقاومة الطفلة العنيدة وقيدوا ساقيها ويديها بالحبال ثم وضعوا غطاءً قماشيا أسود على وجهها .. وانطلقت صرخات الطفلة المسكينة المستغيثة وأخذت تستنجد بالسيدة التي كانت برفقتها وتصرخ بفزع :
" خالتي " صوفيا " .. خالتي " صوفيا " ! "
ولكن خالتها " صوفيا " بدلاً من أن تحاول إنقاذها ما كان منها إلا توجهت نحو المذبح وأمسكت برقبة الطفلة البريئة بين يديها وأخذت تضغط عليها بوحشية !
وعند هذا الحد كان البارون قد فقد قوة احتماله فهرع من مكانه نحو المذبح صارخاً محتجاً محاولاً تخليص الفتاة البريئة .. ولكن الباقين منعوه بالقوة وكادوا يفتكوا به لولا " لوجو " الذي تدخل لإنقاذه وحمله على الابتعاد عن المذبح بالقوة !
وهكذا بدءوا في تعذيب الفتاة الصغيرة !!
في البداية جردوها من ثيابها تماماً .. ثم تقدم أحدهم حاملاً مدية صغيرة ووقف بجوار المذبح الذي ترقد عليه الطفلة لحظة ثم صرخ بجنون :
" من أجل سيدنا الشيطان ! "
وفجأة أغمد مديته في فخذ الطفلة فانهمرت دماءها وتعالت صرخاتها المستغيثة !
وصرخ البارون " منليك " وهو واقف مكانه ولكن الآخرين منعوه من فعل أي شيء وأحاطوا به إحاطة تامة !
وأستمر التعذيب الوحشي لأكثر من ساعة .. فبعد طعنة المدية في فخذها طعنوها عدة طعنات أخري في أنحاء متفرقة من جسدها الغض اللين .. ومع كل طعنة كانت الدماء تتدفق وصرخات الطفلة تعلو مستغيثة متوسلة باكية بحرقة .. ولكن هيهات أن تؤثر دموع البراءة في قلوب حيوانية متوحشة لا تعرف الرحمة !
وهكذا بعد أن امتلأ جسدها بالجراح النازفة .. أخذوا يكوون جسدها بالنار دون ذرة واحدة .. ذرة واحدة من الرحمة .. وكان البارون في موضعه يكاد يجن بينما ظهرت ملامح الجذل الوحشي على ملامح الخالة " صوفيا " !
وبعد عذاب لا يتصوره عقل قام أحدهم وشق صدر الطفلة ؛ وهي بعد حية تتنفس ؛ وأخرج القلب الصغير الغض الدافئ  وقضم منه قضمة بوحشية لا مثيل لها .. وبعد دقيقة وجد البارون " منليك " تابعه " لوجو " يتقدم نحوه وفي يده ؛ لعنة الله عليه ؛ قطعة من قلب الطفلة يقدمها إليه مطالباً إياه بأكلها !
وغمت نفس البارون وأصابه رعب وتقزز لم يعرفه من قبل في حياته .. ثم أختلس نظرة طويلة إلى المذبح المغطي تماماً بدماء الطفلة ، وجسد الطفلة الممزق المعذب المسكين ما زال راقداً عليه وقد أغلقت عيناها البريئتين وكان من سوء حظها أن آخر ما تقع عليه عيناها هو هذه الوحوش المفترسة القذرة .. ألا لعنة الله عليهم وعليه وعلى " لوجو " وعلى الوريث الذي أورده موارد التهلكة !
ومن تلك الليلة .. وبعزيمة لا تعرف الضعف قرر البارون ألا يعود لوكر الشياطين هذا .. مهما حدث ومهما كلفه الأمر .. ولكن " منليك " لم يعرف أنه سيدفع ثمناً أكبر كثيراً من كل تصوراته .. وانه ليس ثمناً واحداً بل أثمان متعددة .. لقد دخل جماعتهم وعرف سرهم وليس من السهل أن يتركوه يمضى هكذا ببساطة !
************
ومضت بضع ليال كئيبة مظلمة على البارون .. كان خلالها يعاني الأمرين مرة من إلحاح " لوجو " الدائم عليه بالعودة لحضور اجتماعات وحفلات جماعته الشيطانية .. ومرة من الكوابيس المتعددة التي بدأت تصيب زوجته وتقلق نومها وتفزعها .. وكان هذا كل يوم وكل ليلة !
وتطور الأمر حتى بدأ البارون يفضل أن ينام في غرفة منفصلة ليرحم نفسه من نوبات الفزع والصراخ التي تصيب زوجته كل ليلة وبلا انقطاع !
وعندئذ بدأت تغييرات غامضة وغريبة تحدث للبارونة رافقها ؛ في نفس الوقت ؛ امتناع " لوجو " التام عن دعوة سيده الحارة لحضور قداسات الجماعة وحفلاتها السوداء !
وبعد مرور شهر وفي ليلة قر باردة شديدة البرودة وممطرة شاهد البارون منظراً أفزعه وروعه لدرجة أنه نسي كل ما شاهده ومحي من ذاكرته وكأنه لم يكن !
ففي هذه الليلة كان " منليك " يتهيأ لدخول فراشه الخاص في حجرته المستقلة عندما داهمه فجأة حنين مفاجئ لزوجته " جوليا " ؛ التي كان يحبها رغم كل شيء ؛ وأحس بأنه يرغب في أن يكون معها في تلك اللحظة !
وفعلاً ودون تردد أرتدي البارون روباً فاخراً فوق ثياب نومه وغادر حجرته متوجهاً نحو جناح زوجته ولم ينس في طريقه أن يطمئن على بناته خاصة " ماريانا " الحبيبة التي كانت نائمة في فراشها كملائكة الميلاد !
وذهب البارون إلى غرفة زوجته وفتح الباب برفق رغبة منه في مفاجأتها بحضوره الذي سيسعدها كثيراً بلا شك .. ولكن عندما أطل البارون برأسه داخل الحجرة شاهد منظراً غريباً .. منظراً أفزعه وصدمه وروعه لدرجة أنه ظل عشر دقائق كاملة في مكانه لا يفهم ما الذي يجري بالضبط !
كانت البارونة " جوليا " راقدة في فراشها الوثير مرتدية ثياب نومها الحريرية اللامعة والفراش من تحتها ومن حولها في حالة فوضي عارمة وكانت هي نفسها مغمضة العينيين وتتنفس بطريقة غريبة ، أنفاس قصيرة سريعة متلاحقة .. وفوق ساقيها يرقد هذا المخلوق !
مخلوق غريب ملتف بالظلام ولا حدود ولا ملامح واضحة له .. واستمر " منليك " يحدق في المشهد الغريب الذي يجري أمامه دون أن يدرك ما يحدث بالضبط .. وكل ما ظل يذكره بعد ذلك أنه أستيقظ صباحاً ليجد نفسه نائماً بجوار زوجته .. وكانت هي تلتصق به وتمسح خده وتمسد على رأسه بحب وحنان .. والسعادة تقفز من عينيها !
************
وبعد أشهر قليلة قام الطبيب بفحص البارونة وأعلن بسعادة أنها حامل .. للمرة الثانية عشرة !
واجتاحت موجة من البشر والسعادة البارون وكل الأسرة وكل من يعملون عنده وطغي إحساس غريب على الجميع يؤكد لهم أن الغلام المنشود آتٍ عما قريب .. وأنه قد آن الأوان أخيراً .. أخيراً .. أخيراً . لكي يحصل البارون على الوريث المرتجي !
ونفس هذا الإحساس لازم الزوجة " جوليا " نفسها وجعلها تطفو في السماء في موجة هائلة من السعادة .. واستمر هذا حتى بدأت نوبات
الألم المخيفة وتبعها  تسرب هذا السائل الأسود اللزج كريه الرائحة من الرحم بشكل مستمر !
عندئذ بدأت البارونة تضيق بالأمر وتشعر بالضيق والغضب الشديد كلما باغتتها نوبات الآلام المبرحة .. وكان سبب ضيقها وإحساسها بالغضب أنها وجدت نفسها مضطرة إلى تحمل متاعب الحمل والولادة مرة بعد مرة بعد مرة ؛ إلى ما لا نهاية ؛ حتى تحقق للبارون حلمه وتأتي له بالولد المنشود .. وذلك دون أي التفات لصحتها أو لمتاعبها !
وبدأت العلاقة بين الزوجين تتوتر وبدأت " جوليا " تنظر لزوجها على أنه زوج أناني لا يعرف إلا مصلحته وأحلامه .. أما هو فقد ضاق فعلاً بها وبالبنات اللائي أنجبتهن له مفرخة البنات وتمني لو أنه فعل فعلة أخيه وتزوج واحدة من سفلة الشعب .. لعلها كانت تكون أكثر حذقاً ومهارة من ابنة عم البابا !!
ومرت الشهور طويلة كئيبة مليئة بالألم والعذاب والقلق والفزع .. حتى حان يوم الولادة الملعونة .. ويومها فقط تذكر البارون المشهد الغريب الذي رآه في غرفة زوجته ذات ليلة .. وفهم معناه وأصابه رعب وغضب وحشي لم يعرفهما من قبل !
لقد عرف الآن فقط ما الذي كان يجري بالضبط .. لقد ذهب إلى الشيطان ليهبه الولد ففعل .. ولكنه وضع تغييراً بسيطاً على الخطة .. فبدلاً من أن يمنحه ابن " منليك " منحه أبنه هو .. أبن الشيطان !
أو بالأحرى ابنة الشيطان .. التي من المفترض أنها ابنة البارون " منليك " .. أبنته الثالثة عشرة !
************
ومرت أيام قليلة كانت شديدة الوطأة على أسرة البارون " منليك " .. وعلى أبنته المفضلة " ماريانا " التي تحولت لما يشبه هيكلاً من العظام الجافة .. أو شبح بشر !
وكان الألم يعتصر قلب البارون كلما رأى الحالة التي وصلت إليها حبيبته وابنته العزيزة .. هل هذا الوجه الشاحب المخيف وهذا الجسد الضامر الذابل وهذه البشرة الميتة الداكنة هي لماريانا ؟!
مستحيل .. مستحيل أن يصدق أن ابنته ستؤخذ منه هكذا ببساطة .. مستحيل أن يسمح بحدوث هذا !
وفكر البارون طويلاً حتى توصل إلى الطريقة التي من الممكن عن طريقها  إنقاذ ابنته من لعنة أفعاله القبيحة  .. كانت طريقة مريعة وتحوي أخطاراً هائلة بالنسبة له .. ولكنها كانت للأسف الطريقة الوحيدة !
وأعلن البارون لأسرته أنه ذاهب إلى فرنسا ؛ التي لم يفكر في الذهاب إليها طوال عشرة أعوام ؛ لأمر في غاية الأهمية .. ودهشت " ماريانا " لهذا وقالت له بعينيين غائمتين مليئتين بالدموع والألم :
" هل تتركني في هذه الحالة .. أبقي معي يا أبي .. إنني أحتاج إليك "
فأجابها البارون بصوت يخنقه الحزن والألم رغم أنه يحاول التظاهر بالشجاعة والهدوء :
" لابد أن أذهب يا صغيرتي .. ذاك أمر في غاية الأهمية ! "
وذهب البارون وهو واثق ومتأكد .. أنه لن يعود ثانية أبداً !!
************
باريس بعد عشرة أعوام من الغياب !
باريس التي تركها مدينة زاهية راقصة منيرة معتزة بنفسها متباهية بجمالها الملكي ؛ حتى وإن كان زائفاً مصطنعاً ؛ وعاد إليها وقد أضحت مدينة الموت والوحشية والظلام والمقصلة .. لم تتخلص بعد من لعنة " روبسبير " وكل جزاري الثورة الذين وضعوا مبدأ ( الحرية والإخاء والمساواة ) خصيصاً ليخالفوه ويعملوا كل ما هو ضد هذه المبادئ البراقة التي وضعوها تحت تأثير ( النبيذ ) و( الروم ) الرخيص .. وعندما أفاقوا ندموا عليها واعتبروها كأن لم تكن !
قصور النبلاء نُهبت وأصبحت مساكن للشحاذين والمتسولين والحيوانات .. والأراضي الشاسعة التي كان يملكها هو وأسرته قد صُودرت فيما صُودر ونهب من الأملاك والأموال .. وآه لو أحس أحد من جواسيس الثوار أن النبيل الهارب " فرانسوا منليك " قد عاد إلى باريس .. ستكون نهايته دون أدنى شك !
ولكن "منليك " لم يكن غبياً فلم يأتي إلى فرنسا تحت اسم مستعار اعتباطا ولم يؤمن نفسه بمجموعة من المرافقين الأمريكيين عبثاً لأنه كان مهتم بإتمام مهمته التي جاء من أجلها لإنقاذ ما تبقي من ابنته الغالية " ماريانا " .. فهو ببساطة لم يأتي للعبث مع رجال الثورة المجانين أو لإضاعة وقته معهم !
وكان كل ما يهم البارون المتخفي تحت أسم " ألبرت مونكان " أن يعرف الموضع الذي تقع به  مقابر أسرته القديمة الآن لأن جزء كبير من المدينة قد خُرب عمداً وتغيرت طبوغرافية المدينة إلى حد صار من المتعذر معه معرفة المواضع القديمة العزيزة .. ولكن البارون لم يعدم مرشداً وتمكن من معرفة الموضع الذي توجد به مقابر أسرة " منليك " العريقة القديمة التي أشاع رجال الثورة كذباً وبكل فخر أنهم قضوا على ثلاثة أرباع أفرادها وقضموا رؤوسهم بالمقصلة الحبيبة وما زالوا في انتظار العثور على الربع الباقي من العائلة لينفذوا فيهم حكم الشعب .. رغم أن الشعب نفسه كان يعلم علم اليقين أن هذا ليس إلا هراءً وتخريف !
ووصل البارون إلى المنطقة الخربة التي تقع بها مقابر أسرته .. ولم يكن البارون يريد المقابر الرسمية نفسها .. بل كل ما كان يعنيه هو الموضع الخرب الذي يعلمه تماماً .. والذي دفن به ضحاياه السبعة منذ أعوام تبدو له الآن بعيدة كل البعد .. هل هي لعنة من الله أم لعنة من الشيطان ؟!
هل لعنه الله لأنه قتل ستة من الأبرياء دون ذنب ولمجرد أنهم أطلعوا على جزء من سره الرهيب ورأوا الشيطان الذي ولدته زوجته .. أم لعنه الشيطان لأنه قتل تابعه المخلص " لوجو " .. الذي أكتشف البارون فيما بعد أنه كان أحد مختاري هذه الجماعة .. أي أنه يعتبر من كهنة الشيطان .. كهنة ( أسموديوس ) اللعين .. ولكن لا فالله لا يأخذ البريء بذنب المجرم ولو كان الله يعاقبه على جرمه لعاقبه هو نفسه وليس " ماريانا " ابنته البريئة التي لم تجني على أحد .. إذن فمعركته ليست مع القدر أو الزمن الغادر أو المرض الخبيث .. بل مع الشيطان الذي أرتضي لنفسه أن يعاهده يوماً ما ثم خان عهده معه لأنه لم يحتمل تبعات هذا العهد الملعون .. معركة البارون كانت مع الشيطان ومع شخص آخر لن يصدق البارون أبداً من هو !
************
عندما وصل البارون إلى المنطقة المنعزلة لاحظ أنها هُجرت بالكامل على امتداد خمسة وعشرون ميلاً .. صحيح أن منطقة ( نوفارا ) هذه كانت مهجورة من الأساس ولكن بقربها كانت تقع قري بسيطة عديدة كلها مهجورة الآن والبوم ينعق فوق بيوتها وأسطحها الخربة الخاوية !
دهش البارون لذلك الأمر فالغريب أن هذه القرى كانت ما تزال عامرة بالناس في الوقت الذي كان النبلاء الملكيون يستنزفون الفلاحين والبسطاء بالضرائب البالغة الارتفاع تماماً كما تستنزفهم الكنيسة الموقرة بالعشور والصدقات التي هم في أشد الحاجة إليها .. ولكن الغريب أنه الآن وبعد زوال سلطان النبلاء ؛ وإلى حد ما الكنيسة أيضاً ؛ هُجرت القرى !
أمر غريب غريب !!.. ولكن البارون سمع إشاعات كثيرة في قلب باريس نفسها عن ظهور متعدد لكائن شيطاني مخيف سبب ذعراً هائلاً لسكان المنطقة وأرغمهم على الفرار من بيوتهم وتركها .. لقد هربوا من المنطقة كالدجاج المذعور .. وطبعاً لم يكن البارون بحاجة إلى معرفة من أين أتي هذا المخلوق الشيطاني المخيف .. إنها أبنته .. أبنته الثالثة عشرة !
************
وحده مخترقاً ظلمات الليل وبرد التلال وأطباق الضباب  كان البارون " منليك " يخترق منطقة ( نوفارا ) المظلمة الموحشة .. تماماً كما أخترقها منذ سنوات طويلة هو وتابعه اللعين " لوجو " ليخفي سر عمره وجريمته الكبرى .. ولكن الفارق أنه ذهب المرة السابقة بصحبة رجل حي وستة موتي وعاد بمفرده .. ولكنه هذه المرة يذهب بمفرده تماماً وان كان واثقاً أنه لن يعود !
هنا تماماً ..نعم المنطقة الملعونة التي يعرفها البارون جيداً والتي أخفي فيها جثث ضحاياه المساكين .. الطبيب ومساعداته ووصيفات زوجته .. و" لوجو " اللعين الذي لم تبكي عليه السماء ولا الأرض !
وهناك كانت تقبع قبة إردوازية غريبة الشكل يخفيها الظلام والضباب .. هذه القبة لم تكن موجودة من قبل .. ولم يتساءل البارون طويلاً عن سر ذلك فقد أصبح كل شيء معتاد بالنسبة له .. وهل من رأى الشيطان ولامس يده من الممكن أن يدهشه شيء ؟!
ولكن القبة لم تكن خالية بل كان هناك ظل باهت يعلوها .. ظل لمخلوق يجلس فوق القبة متسربلاً بالظلام ملتفاً بالضباب الكثيف ..وعندما وصل البارون إلى زاوية نظر مناسبة أدرك أن المخلوق القابع فوق القبة له أيضاً جناحان هائلان فردهما بغتة وحلق بهما عالياً  مثل النسر الجسور متوجهاً نحوه .. نحو البارون " منليك " !
أرتجف البارون ذعراً ولكنه حافظ على ثباته الخارجي .. كان يدرك جيداً أنه أمام اختيارين: إما أن يستسلم لمخاوفه وذعره ويلوذ بالفرار مضحياً بابنته الغالية " ماريانا ".. وإما أن يثبت ويتشجع وعندها ربما .. أقول ربما يفلح في إنقاذها !
ووصل المخلوق إلى حيث يقف البارون .. وحلق فوق رأسه بالضبط .. ثم هبط أمامه !
************
في هذه اللحظة كانت " ماريانا " المعذبة المسكينة ترقد فوق فراشها في غرفتها المظلمة بمفردها .. فقد ذهبت كل واحدة من شقيقاتها إلى حيث تشاء غير مباليات بها .. بل ربما كن سعيدات لأنها ترقد مريضة مرض الموت لعلها موتها يريحهن من الغيرة القاتلة التي يشعرن بها نحوها ويساعدهن على الوصول لمآربهن !
كانت " ماريانا " راقدة في الظلام تعاني سعالاً متواصلاً حاداً .. أخذت تسعل وتسعل وتسعل حتى كادت أضلاعها أن تتحطم .. وعندئذ رفعت نفسها بصعوبة عن الفراش ومدت يدها لتصل إلى المنضدة الصغيرة المحملة بالأدوية جوار فراشها .. كانت هناك عشرات وعشرات من زجاجات وعلب الأدوية هناك .. ومدت الفتاة البائسة يدها إلى أقصي ما تستطيع حتى وصلت إلى علبة من الدواء ذات لون أصفر فاقع وسط كومة الزجاجات والأدوية .. وفتحتها بصعوبة وهي تنهج وتلتقط أنفاسها بصعوبة بالغة وتناولت منها قرصين وهمت ببلعهما بدون ماء .. ولكن فجأة وكأنه سحر اشتعلت أحدي الشموع المطفأة الموضوعة على حامل المرآة بمفردها .. وتراقص ضوء الشمعة والقي ضوءاً خافتاً على المرآة .. ضوءاً ضئيلاً خافتاً ولكنه يكفي لكي تري " ماريانا " من موضعها على الفراش وجهها وما آل إليه حالها ..
وألقت " ماريانا " نظرة واحدة على وجهها فصدمت وروعت .. ألهذا أمر أبوها برفع المرآة من حجرتها ومنع أي أحد من إعطائها واحدة .. من أحضر هذه المرآة إذن ومتى ؟!
على أنه مهما كان الذي جاء بالمرآة ووضعها هنا بعد رحيل البارون إلى فرنسا فقد قصد أن يجعلها تري وجهها .. وقد رأته !
تأملت " ماريانا " وجهها البشع المشوه لحظة واحدة .. ثم بهدوء مدت يدها إلى العلبة الصفراء مرة ثانية .. وفي هذه المرة أفرغت كل ما في العلبة ببطء فوق كفها .. وبدون ماء أيضاً ابتلعت الحبات الصفراء واحدة وراء واحدة !
************
لم يخرج البارون " منليك " ثانية من منطقة ( نوفارا ) الموحشة ولم يسمع أحد عنه أي شيء بعدها .. وقلق رفاقه الأمريكيون لطول غيابه وبدءوا في البحث عنه أياماً وأسابيع وشهوراً طويلة دون جدوى .. ووجدوا أنفسهم مضطرين آخر الأمر إلى اللجوء إلى السلطات الفرنسية والاعتراف أمامها بحقيقة الرجل علها تساعدهم في البحث عنه .. وبالطبع لم يبدي الفرنسيون أي اهتمام بمصير الإقطاعي الفرنسي السابق .. بل لقد أسعدهم اختفاؤه الغامض واعتبروه دليلاً على حماية الله لثورتهم المباركة وانتقامه من كل أعوان الملك السابق .. واولهم " فرانسوا منليك " الذي أتعبهم في تعقبه والبحث عنه طيلة هذه السنوات !
وأعتبر قادة الثورة هذا الأمر مكسباً سياسياً  ونصراً  لهم وأعلنوا بدون خجل أنهم تمكنوا من القبض على البارون الهارب " منليك " وأعدموه بالمقصلة !
وصدق الناس القصة الزائفة .. ووضُع أسم " منليك " في ملف من قضمت المقصلة رؤوسهم وختم الملف بالختم الجديد وأودع في أرشيف الأمة الفرنسية بكل فخر وحبور !!
ولم يكن أحد يدري أن " منليك " قد ضحي بحياته وواجه أصعب تجربة يمكن أن يخوضها بشر ورأي من الرعب ما يكفي شعباً كاملاً .. من أجل أن ينقذ أبنته .. ولكن للأسف فقد ضحي بعمره من أجل لا شيء .. ففي نفس اللحظة التي كان البارون " منليك " يلفظ أنفاسه وسط الضباب والظلام في هذا القفر الموحش مردداً من قلبه :
" من أجل " ماريانا " .. من أجل " ماريانا " ! "
كانت " ماريانا " نفسها ترقد فوق وسادتها  مفتوحة العينيين على اتساعهما وقد تحولت لشيء أشبه بكومة من الجلد والعظام .. ولم يكن حولها سوي شقيقتيها " شارلين " و " إليزابيث " تتبادلان نظرات السعادة والبهجة .. لقد تعبتا كل هذا التعب ومشتا كل هذا المشوار الطويل من أجل هذه اللحظة .. وقد وصلتا أخيراً إلى ما تمنتا .. لذلك كان الحبور يملأ أعطافهما .. والشيطان ؛ الذي عرفتاه طويلاً وتقربتا إليه بكل وسيلة ؛ يطل من عيونهما ! 
                                 تمت
روابط الثلاثة أجزاء السابقة 


 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أكبر من أن يكون ملاكا !!

  لمعت نظرة مريبة في عينيها وهي تراقب الصغير يلهو أمامها ، لم تكن هي بدورها إلا صغيرة مثله ، طفلة لم تتعد أعوامها الإحدى عشرة ، ولم تقفز بعد فوق حاجز شرود الطفولة ونزق الطبيعة الثائرة ، التي تتمشي ف هوادة ، في العروق البارزة ، ملامح رقيقة ، لكن غموضها أضفي عليها طابعا يبعدها عن القلوب ولا يقربها ، كان لها رفاق بالطبع لكنهم كانوا رفاق ضراء لا سراء ، كل مهمتهم أن يوسعوا الصغيرة سخرية ، وأن يتهكموا عليها بكل ما أوتوا من قوة ، تنمر الأطفال الذي لا يدانيه في وحشيته وقسوته شيء .. وبدورها كانت " ماري " الصغيرة أكثر تنمرا وقسوة من رفاقها المشاكسين ، بيد أن الأمر كان مختلفا بالنسبة إليها ، كان الأطفال يكتفون بإلقاء الكلمات اللاذعة ،والسخريات المريرة ، والتعريض ببقع البول التي تلوث ملاءة السرير ، نشرتها أم " ماري " علنا ،معرضة بابنتها التي ( تفعلها ) في فراشها حتى الآن ، وربما تمادوا حتى مرحلة الإيذاء البدني البسيط ، رمي حجر أو قطعة حصى ، أو دس كسرات الزجاج الحادة في طريقها لكي تؤذيها ، كلمات جارحة وأفعال مؤذية ، لكنها لا تزال في مستوي ( الأفعال الطفولية ) ، مهما بلغت قسوتها ...

لويز بيت، دوقة الموت : السفاحة المبتسمة ! Louise Peete: Duchess of Death

  لويز بيت .. بدموعها خدعت قضاة ومحلفين ومحققين ! النشأة الأولي : سرقة وعهر : جنوح مبكر ! جاءت " لوفي لويز بريسلار إلي الحياة في يوم 20 سبتمبر 1880 ، في مدينة " بينفيل " بولاية لويزيانا الأمريكية لأب ثري يعمل ناشرا ولديه صحيفة خاصة .. وقد كان والداها مثقفين ومن الطراز المثالي ، ولكن الفتاة التي ألٌحقت بمدرسة خاصة في ( نيوأورليانز ) قد تم طردها من المدرسة وهي بعمر الخامسة عشرة لسببين هما : السرقة وسلوك مسلك غير أخلاقي .. فقد كانت الفتاة المثقفة الثرية تمتهن البغاء في أوقات الفراغ ! جنوح مبكر وعجيب وغير مبرر إطلاقا . وكانت " لويز " غاوية للرجال فلم تستطع أن تبقي بدونهم طويلا ، وعندما وصلت إلي سن الثالثة والعشرين ، أي في عام 1903 ، تزوجت من بائع متجول يدعي " هنري بوسلي " ، وبقيا معها ثلاث سنوات ، انتهت بأن أطلق الزوج النار على رأسه ! والسبب أنه وجد زوجته المصونة برفقة رجل آخر في الفراش ، فلما واجهها كلمته ببرود وسماجة ، وثبت أنها لا تشعر إطلاقا بجريمة الخيانة التي ارتكبتها .. وأمام برودها أحترق الزوج داخليا فلم يجد حلا يريحه سوي الانتحار ...

قضية " راشيل دوبكينز " The Murder of Rachel Dobkin.

  قضية قتل غريبة ومميزة اُرتكبت في خضم الحرب العالمية الثانية، والتي لم يتوقع أحد أن يتم الكشف عن مرتكبها نهائيا، بل ربما الجاني نفسه لم يتخيل أن القضية ستسجل كجريمة قتل عمد على الإطلاق . في البداية نقول أن الجاني كان ذكيا جدا، إذ أنتهز فرصة اشتداد الحرب العظمي الثانية، وازدياد عنف الغارات الألمانية على مدينة لندن، ليحاول اخفاء سر جريمته، التي أعتقد أنها يسوف تعتبر حالة وفاة ناجمة عن القصف الجوي، ولن تعلق به أية شبهة، تاريخيا تعرضت بريطانيا لسلسلة ممنهجة ومطردة من الغارات والهجمات الألمانية، التي ركزت جهودها على تدمير عاصمة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فبدأت القوات الجوية الألمانية من يوم 7 سبتمبر عام 1940 في قصف لندن في غارات منتظمة وكبيرة، مخلفة خسائر مهولة، وذلك تنفيذا لأوامر الفوهرر المتعلقة بذلك الأمر والتي صدرت قبلها بيوم واحد، وبلغ من عنف تلك الغارات وشدتها أنها تسببت فيما عرف بحريق لندن الثاني ( 29 ديسمبر 1940)، وقد بلغ من جسارة الألمان أنهم لم يتورعوا عن صب نيران طائراتهم على لندن حتى في وضح النهار، لكن وبداية من شهر نوفمبر 1940م أصبحت الغارات ليلية بشكل أساس...

الهفوة التي قضت على 22 مليون إنسان .. كيف أدي عناد رجل واحد إلي تحطيم العالم !!

  بعضُ الأخطاء التي وقعت كانت قدريةً بنسبة مائة في المائة, لم تكن ناجمة عن غباء أو خطأ في الإدراك لدى مقترفها, بل بشكل كامل هو تدبيرٌ من فعْل القضاء والقدر, وفي حالات معينة يكون هذا الخطأ سببًا ليس في دمارِ حياة إنسان ما وحسب, بل ربما- ولا سيَّما في حالتنا هذه- قد يكون سببًا في خراب العالم وتدمير حياة الملايين من الناس الأبرياء! أشهرُ هذه الأخطاء القدرية الصِّرفة هو الغلطة التي وقع فيها وليُّ عهد النمسا والمجر, الأميرُ المكروه الذي يتميز بالصَّلافة والغطرسة, وليّ العهد الذي وصلت إليه معضلةُ الوراثة دون انتظار, ولسبب جريمة غامضة وحادثة شهيرة حدثت لمن كان وريثًا شرعيًّا ومؤكدًا لعرش هذه الإمبراطورية, التي لم تعمِّر طويلًا, وحفل تاريخها بالمآسي والرزايا, واستكمالًا لتربُّص القدر بمملكة النمسا والمجر, وصلَ وليُّ العهد, الأرشيدوق "فرانز فرديناند" Archduke Franz Ferdinand 50 عامًا, وزوجته الأميرة "صوفي" Sophie , 46 عامًا, يوم 28 يونيو عام 1914م, إلى مدينة سراييفو, العاصمة الرسمية لإقليم البوسنة والهرسك, الذي كانت إمبراطورية النمسا تضع يدَها عليه, بمعنى أنَّ الزيارة كانت ...

معطف الحرب الأزرق ( قصة قصيرة )

    تسير وسطهم مرفوعة الرأس ، ترمق الطريق الملقي أمامها بنصف عين ، وعين ونصف عليهم .. كان مصيرها معروفا ونهايتها مكتوبة من قبل ، وقد تجرعتها ألوف النسوة قبلها .. خرجت من بيتها مرتدية آخر معطف عندها ، بلا قميص حقيقي تحته ، إنه صدر سترة أخيها وكمي زوجها الراحل ، المغدور الأول والمغدور الثاني ، القتيل الأول والقتيل الثاني ، من بين ألوف وملايين الأسماء .. ماذا كان اسميهما ؟! لعل أحدا لم يسأل هذا السؤال بينما كان يتم إلقائهما في حفرة ضحلة ، ورمي الجير فوق جثتيهما .. ولعلهما يرقدان في قبر واحد فقد ظلا دوما معا ! فقدت الأخ والزوج ، صديق الدم وصديق الرفقة والقلب ، صارت وحيدة وتهدمت المدينة فوق رأسها ، مثلما تهدم بيتها وسقط العالم مكوما فوق بعضه .. لماذا لا يموت الجميع في لحظة واحدة ؟! لماذا يبقي البعض ليدفن البعض ، ثم يلحق بهم بعد أوجاع وآلام ولحظات مريرة ، الجير الحي مخيف ، وطلقة في الرأس مخيفة ، لكن الوحدة وسط وحوش متربصة أكثر تخويفا وترهيبا ! هجر الجميع المدينة ، من بقي على قيد الحياة ، إن كان قد بقي أحد على قيد الحياة ، لا ينجو أحد من الحرب ، فيما عدا القتلى وحدهم ربما ، يعاين الأ...

القضية الغريبة ل " آلان روبيشو" ! The Mysterious Death of Allen Robicheaux

  بالرغم من أنَّ قصتنا هذه المرَّة لا تتضمن جريمةً بالمعنى المعروف, أي عدوان أو أذى من نوع ما يوقعه شخصٌ بشخص آخر؛ فإنها تضمَّنت لغزًا مروِّعًا احتاج لعشرين عامًا كاملة ليتم حلُّه, وتدميرًا لأسرة, وحياة بائسة لامرأة مسنَّة قضت نحبَها وهي لا تعرف أين زوجها, أو ماذا حصل له؟! إنَّ قضايا الاختفاء الغامض كثيرة, وتقريبًا تبدأ كلها بنفس الطريقة؛ يعود شخص ما إلى المنزل ليجد أحد أقاربه وقد اختفى, أو يخرج أحدهم في رحلة عملٍ أو نزهة ثمَّ ينقطع أثره, ولا يعرف أحدٌ أين ذهب. كان الشخص الذي اكتشفَ حالة الاختفاء هذه المرة هي الزوجة "لوسي ماي", سيدة في السبعينيات, تعيشُ في منزل بشارع فرانكلين/ جريتنا/ لوس أنجلوس, وكان من الواجب أن يكون زوجها "آلن روبيشو" Allen P. Robicheaux موجودًا بانتظارها يوم 15 ديسمبر 1973م عند عودتها من زيارة عائلية, لكنه لم يكن كذلك. انتظرت المرأة عودةَ زوجها لكنه لم يعدْ, لا في هذا اليوم, ولا فيما تلاه من أيام, فأينَ يمكن أن يكون الرجل ذو الثلاثة والسبعين عامًا قد اختفى؟! لم تكن هناك دلائلُ على حصول عنفٍ في المنزل, لا مذكرات تقول إنَّه ينوي مغادرة البيت لبضع...

الرجل الذي حول زوجته إلي نقانق !

  "لويزا بيكنيز"   Louisa Bicknese هي امرأةٌ أمريكية سيئةُ الحظ, في البداية بدَا وكأنها أكثرُ النساء حظًّا في العالم؛ إذْ تزوَّجت برجل مهاجر, ألماني الأصل, ورجلِ أعمال ثري, يملك أكبرَ مصنع للنقانق في شيكاغو. كان الزوج يدْعى "أدولف لوتجيرت" Adolph Louis Luetgert , وكان أرملَ معَ طفلين, تزوَّجته "لويزا" عام 1878م, وعاشا معًا حتى عام 1897م, حيث رزقَا بأربعة أطفال. كان للسيد "لوتجيرت" مصنعٌ شهير للنقانق, ولُقِّب بملك النقانق, لكن طباعه كانت سيئةً إلى حدٍّ ما, فقد كان عنيفًا تجاه زوجته, كما شوهِد ذاتَ مرَّة وهو يطاردها حاملًا مسدسًا. لكن على أي حال, ففي أوَّل أيام شهرِ مايو من ذلك العام خرجتِ الزوجة لزيارةِ أختها, وقال الأبُ ذلك لأطفاله حينما سألوا عنْ والدتهم في اليوم التّالي, غير أنَّ "لويزا" لم تعدْ من زيارة أختها مطلقًا. بدأتِ الشكوك والتساؤلات, ولاحقًا قامَ شقيق الزوجة المفقودة بالإبلاغ عن فقدانها. ثمَّ ظهرت أدلةٌ مقلقة حول تورُّط الزوج في مصاعبَ مالية, وعلاقته بأرملةٍ ثرية, مما دفع البعضَ إلى الاعتقاد بأنه تخلص من زوجته ليتزوَّج الأرم...